Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

10 ملايين إيراني سقطوا في براثن الفقر خلال العقد الماضي

أزمات اقتصادية تدفع نصف السكان إلى الانضمام لهم خلال عامين

يتناول التقرير الأسر التي تكون فيها المرأة هي ربة المنزل في غياب الزوج (رويترز)

ملخص

تقرير حديث للبنك الدولي يلقي نظرة على معاناة الإيرانيين مع الفقر والبطالة والتضخم

في عقد ضائع من النمو الاقتصادي صار الفقر أكثر وضوحاً في إيران، وما سقوط 10 ملايين إيراني في براثنه بين عامي 2011 و2020 بتعبير وحيد عن الأزمة، إذ لا يزال يتوقع انزلاق نصف السكان البالغ إجمالهم 88 مليوناً، إلى دائرة العوز والفاقة في العامين المقبلين، في ظل افتقار واسع إلى النمو الاقتصادي وغياب المساواة في توزيع الثروة.

ارتفعت نسبة الإيرانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر الدولي في البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى، المحدد بـ6.85 دولار أميركي في اليوم وفقاً لتعادل القوة الشرائية لعام 2017، من دون أن يقتصر الأمر على زيادة عدد الإيرانيين الفقراء فحسب، بل ارتفاع مستوى حرمانهم.

يستعرض تقرير حديث من البنك الدولي اتجاهات ومحددات ودوافع الفقر والرخاء في إيران، نصف الإيرانيين معرضون للوقوع في الفقر. ويرى أنه لو جرى تقاسم النمو في استهلاك الأسر المعيشية خلال الفترة ما بين عامي 2014-2017 بالتساوي، لكان الفقر قد انخفض بنسبة 2.7 نقطة مئوية إضافية، وبالنظر إلى أنماط الاستهلاك، فإن الأسر الأكثر فقراً عانت أكثر من غيرها خلال فترات الركود وكانت أقل استفادة خلال فترات التوسع الاقتصادي، وشهدت الأسر في الشريحة المئوية الدنيا خفضاً في الاستهلاك الحقيقي بنحو اثنين في المئة سنوياً في المتوسط، مقارنة بنسبة واحد في المئة للأسر الأكثر ثراء.

وأدت التقلبات في الدخل إلى تقلبات مماثلة في مستويات الفقر، فبينما ارتفع دخل موظفي قطاع الخدمات الإدارية بشكل أكبر خلال فترات التوسع الاقتصادي وانخفض بشكل أقل خلال فترات الانكماش، حدث العكس بالنسبة إلى العمال ذوي الياقات الزرقاء، ومن ثم فإن الزيادة في الفقر كانت مدفوعة بركود الدخل في القطاعات الاقتصادية التي يعمل فيها أشد الناس فقراً.

فقر أعمق في الريف

يتركز الفقراء بشكل متزايد في المناطق الريفية، حتى اتسعت الفجوة بين الريف والحضر، بل وحتى داخل المناطق الريفية، توجد فوارق كبيرة بين القطاعات، فأكثر من نصف المزارعين في عام 2020 هم من الفقراء مقارنة بـ36 في المئة فقط من أصحاب الأراضي وغير الزراعيين، وازداد عمق الفقر أيضاً، إذ خفض سكان الريف استهلاكهم بشكل أكبر نسبياً استجابة لتدهور الظروف الاقتصادية، وفق تقرير البنك الدولي عن الفقر في إيران، نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.

يلفت التقرير إلى تزايد الفوارق في جميع أنحاء البلاد، مع تركز الفقر بشكل متزايد في المناطق الجنوبية الشرقية والشمالية الغربية، من 29 إلى 36 نقطة مئوية في العقد الماضي، لكن على ما يبدو توجد صلة ما بين تغير المناخ وزيادة الفقر في البلاد، إذ زادت فترات الجفاف من جهة تواترها وشدتها على مدى العقد الماضي، وهو ما ربما يكون قد أسهم في الزيادة الملحوظة في معدلات الفقر وبخاصة في المنطقة الشمالية الغربية، فهناك علاقة قوية بين زيادة معدل الفقر على مستوى المحافظات وحصة القوى العاملة التي تعمل في الزراعة، وقد يؤدي تغير المناخ إلى تعزيز اتجاهات الهجرة من الريف إلى الحضر.

يتناول التقرير الأسر التي تكون فيها المرأة هي ربة المنزل في غياب الزوج، مرجحاً أن تكون هذه الأسر هي الأفقر حالاً، فهناك ما يقارب نصف ربات الأسر ليس لديهن أي تعليم، مما يحد من قدرتهن على كسب الدخل، ويعد الوصول إلى الخدمات الأساس أمراً متاحاً تقريباً في البلاد، باستثناء ما يتعلق بالحصول على خدمات الصرف الصحي الحديثة والإنترنت، فلا يتمكن سوى واحد في المئة من الأسر الريفية من الوصول إلى الصرف الصحي الحديث، وبينما شهدت البلاد تحسينات في توافر الهواتف المحمولة، لكن نصف سكان الريف ما زالوا يفتقرون إلى الوصول إلى الإنترنت.

تأخر تكنولوجي ملحوظ

ولا تزال هناك اختلافات مستمرة في ما يتعلق بالوصول إلى تكنولوجيا المعلومات، ففي حين أصبحت تكنولوجيا الهاتف المحمول عالمية تقريباً في العقد الماضي، أفادت 96 في المئة من الأسر أنها تمتلك هاتفاً محمولاً واحداً في الأقل في عام 2020 فيما لا يتمكن سوى 60 في المئة من الفقراء من الوصول إلى الإنترنت، ويعود هذا إلى حد كبير إلى الفوارق بين المناطق الريفية والحضرية.

عانى الاقتصاد الإيراني نمواً متقلباً في مسار سلبي، وانكمش نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.6 في المئة سنوياً على مدى العقد الماضي، واتسم مسار الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على النفط بين عامي 2012 و2021 بالتقلب الشديد، إذ شكلت الصادرات النفطية 55 في المئة من إجمال صادرات البلاد خلال الفترة 2010-2021 وفق بيانات منظمة الدول المصدرة للنفط، وقد أسهمت التقلبات في الأسعار الدولية للنفط، إضافة إلى تأثير العقوبات، في حدوث تقلبات اقتصادية كبيرة، وأدى رفع العقوبات الاقتصادية في عام 2015 إلى خلق فرص جديدة للتجارة والاستثمار الدوليين، مما عزز اقتصاد البلاد، بينما إعادة فرض العقوبات لاحقاً في عام 2018 عكس عديد من هذه المكاسب.

على رغم بعض الجهود المبذولة للتنويع الاقتصادي في البلاد، فإن الاعتماد المستمر على عائدات صادرات النفط والغاز أعاق التقدم الاقتصادي في إيران، في حين تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن طهران بذلت جهوداً لتوسيع قاعدتها الضريبية، فإنها واصلت الاعتماد بشكل كبير على النفط كمصدر للإيرادات، إذ يشكل النفط أكثر من نصف الإيرادات في الفترة 2011-2012، وسعت ببطء إلى زيادة تحصيلها الضريبي وتقليل اعتمادها على النفط، لكن مع مزيج العقوبات وخفض أسعار النفط في أواخر عام 2018، كان الخفض المفاجئ في الإيرادات وهو ما اضطر الحكومة إلى اللجوء للإنفاق بالاستدانة لتعويض النقص، فكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي انخفضت الإيرادات من 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011 إلى سبعة في المئة عام 2020.

تآكل القوة الشرائية

عانت البلاد تضخماً مرتفعاً ومتقلباً، أسهم في تآكل القوة الشرائية بالقيمة الحقيقية، وظل مشكلة اقتصادية واجتماعية مستوطنة في إيران، وخلصت ورقة عمل أعدها صندوق النقد الدولي إلى أن السياسة النقدية المتساهلة في إيران أدت إلى التضخم على المدى الطويل، في حين أدى خفض قيمة العملة، والعجز المالي، والعقوبات (بدلاً من صادرات النفط) إلى دفع التضخم على المدى القصير، وتضاعفت مستويات الأسعار، وبخاصة أسعار المواد الغذائية، تقريباً في الفترة 2012-2013 ومرة أخرى في الفترة 2018-2019، مع ارتفاعها أخيراً بسبب "كوفيد-19".

ومالت الزيادات في أسعار المواد الغذائية إلى التأثير بشكل غير متناسب في الفئات الأشد فقراً، وأنفق الخمس الأدنى من الأسر الإيرانية من ناحية الاستهلاك 45 في المئة من موازنتهم على الغذاء في الفترة 2020-2021، في حين أنفق الخمس الأعلى 26 في المئة فقط.

بدت سمة الشيخوخة والتحضر السريعين الغالبة على السكان في إيران، إذ ارتفع معدل التحضر من 71 في المئة في عام 2011 إلى 75.5 في المئة في عام 2020، وفي كل عام يفي نحو واحد في المئة من البالغين في سن العمل أنهم انتقلوا إلى مدينة جديدة، مما يشير إلى مستوى معين من الحراك الاقتصادي، وكثيراً ما يبحث هؤلاء المهاجرون الداخليون عن فرص اقتصادية ويميلون إلى أن يكونوا أفضل تعليماً من سكان المناطق الحضرية العاديين، ومع انتقالهم إلى المدن أصبحت الأسر الإيرانية أصغر حجماً، إذ انخفض متوسط حجم الأسرة في البلاد من 3.8 إلى 3.4، في حين انخفض معدل الخصوبة بشكل طفيف، من 1.8 طفل لكل امرأة إلى 1.7 بحسب بيانات السكان بالأمم المتحدة 2022، وفي الوقت نفسه أصبح المواطن الإيراني النموذجي أكبر سناً، ليرتفع متوسط العمر من 29 سنة في عام 2010 إلى 34 في 2020.

ارتفاع معدلات البطالة

تخلى الإيرانيون، وفق التقرير، عن البحث عن وظائف ومنذ بداية الجائحة زاد عدد السكان في سن العمل بمقدار 1.4 مليون نسمة بينما انخفض عدد السكان العاملين بمقدار 1.3 مليون، وتتميز سوق العمل في إيران بارتفاع معدلات البطالة، بخاصة بين الشباب، وخفض مشاركة الإناث في القوى العاملة، وبينما حققت إيران تقدماً هائلاً في القضاء على الفجوات بين الجنسين في التعليم، إلا أن مشاركة النساء في القوى العاملة لا تزال أقل بكثير من مشاركة الرجال، ويرجع ذلك إلى عدد كبير من القيود القانونية والاجتماعية، بما في ذلك القيود المفروضة على حرية التنقل، والقوانين التي تؤثر في قدرة المرأة على العمل أو بدء مشروع تجاري، وتلك المتعلقة بالزواج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تعكس الزيادة في معدلات الفقر في إيران النقص الكامن في النمو الاقتصادي، بحسب تقرير البنك الدولي، إذ بلغت مرونة نمو الفقر المقدرة في إيران بين عامي 2011 و2020 نحو 1.56، مما يعني أن كل زيادة بنسبة واحد في المئة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تقلل الفقر بنسبة 1.56 في المئة.

ومع تآكل التضخم، ظلت الأجور الحقيقية وأرباح العاملين لحسابهم الخاص ثابتة بشكل أساس على مدى العقد الماضي، وزاد دخل الأجر الشهري الاسمي للأسرة المتوسطة بنسبة 552 في المئة مدفوعاً بالتضخم، وتم دعم ذلك من خلال الحد الأدنى للأجور الذي يتم تحديثه باستمرار، والذي سعى إلى مواكبة الزيادة في الأسعار، في حين تركزت الزيادة الملحوظة في الأجور الحقيقية بين أغنى خمس الأسر بنسبة 11 في المئة على مدى عقد من الزمن، في حين انخفضت الأجور الحقيقية للخمس الأفقر بنسبة 6.4 في المئة.

وفي حين تحسنت النتائج التعليمية للجميع لا تزال مستويات التعليم لدى الفقراء أقل بكثير بشكل عام، إذ انخفضت نسبة البالغين الإيرانيين الذين لم يحصلوا على تعليم من 32 إلى 23 في المئة خلال العقد الماضي، وحصل ثلثا الفقراء على التعليم الابتدائي في الأقل في عام 2020، مقارنة بما يزيد قليلاً على نصف الفقراء في عام 2011، وارتفع المعدل الإجمالي لمحو الأمية لدى أرباب الأسر من 75 إلى 83 في المئة، ولا يزال التعليم العالي صعب المنال بالنسبة إلى الأفراد الفقراء، وهو ما يشير إلى أن التعليم يلعب دوراً متزايد الأهمية في التمييز بين الفقراء وغير الفقراء في إيران.

يخلص التقرير إلى إمكانية أن يساعد تحسين إدارة عائدات النفط المتقلبة واستمرار الجهود لتنويع الاقتصاد في تخفيف الأثر الاقتصادي لهذه التقلبات في المستقبل. ويرى بأن معالجة العوامل الأساس للتضخم ستضمن أيضاً عدم تآكل الأرباح بسبب زيادة الأسعار، ومن شأن تحسين فرص الحصول على التعليم وتوسيع فرص العمل خارج قطاع النفط المتقلب أن يساعد في جعل فترات النمو الاقتصادي الأكثر شمولاً.

وهناك مجال لمعالجة أوجه عدم المساواة الهيكلية في البلاد، بحسب ما يشير التقرير، ونوه بأن برامج الحماية الاجتماعية من شأنها أن تسهم في تخفيف حدة الفقر كحاجز ضد التقلبات الاقتصادية، وأن مساعدة المزارعين على التكيف مع الجفاف المستمر ستساعد في ضمان عدم اتساع الفجوة بين الريف والحضر، ومن شأن معالجة الفوارق بين الجنسين وإدخال المرأة في قوة العمل أن تساعد أيضاً في معالجة أوجه عدم المساواة وتعزيز النمو.