Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف انعكست حرب "الحرية والتغيير" والإسلاميين على مفاوضات منبر جدة؟

"حصلت قوات الدعم السريع على مكسب صامت من المفاوضات لا ينطلي على أحد متى وقف المرء على ملابساته"

تبادلت كل من الحكومة السودانية و"الدعم السريع" الاتهامات عمن كان وراء الفرار الجماعي لمسؤولين من النظام السابق من السجون (صفحة الدعم السريع على منصة إكس)

ملخص

بدا من "مؤتمر جدة" الأخير نجاح "قحت" في إنفاذ بعض ما تريده في حق "الكيزان" إلى قرارته

لا تجتمع دوائر قوى "الحرية والتغيير" (قحت) في مثل اجتماعها على أن الإسلاميين من أنصار "نظام الإنقاذ" المباد "الكيزان" هم من أشعل الحرب الدائرة، ويقولون إنهم ولعوها بإرادة الجيش الذين يسيطرون على قيادته، أو حتى رغماً عنه. فظلوا، في قول النور حمد، ينذرون بها طوال إفطارات رمضانية مسيسة قبيل الحرب، فـ "كتائب الظل" (وهي قوات خفية خاصة من أنصار النظام) هي التي بدأت الحرب بالهجوم على معسكر "الدعم السريع" في المدينة الرياضية بالخرطوم يوم 15 أبريل (نيسان) الماضي. فعلى رغم أن النور لا يعفي "الدعم السريع" من اللوم، فإن المؤكد عنده أن تلك القوات لم تبدأ الحرب. ويرى النور، في قول آخر، أن الجيش أقحم نفسه في الحرب. وغلب تحميل "الكيزان" وزر الحرب إحصائياً في خطاب "قحت" حتى خصصت افتتاحية لصحيفة "الميدان"، لسان حال الحزب الشيوعي، 30 سطراً لهذا الوزر من كلمة لم تزد على 60 سطراً.
وبوجود "الكيزان" وشرورهم لم تعد "قحت" ترى جدوى في التحقق في شأن من ارتكب أياً من انتهاكات الحرب. فكان الجيش و"الدعم السريع" قد تبادلا اتهامات عن المسؤول عن تخريب كوبري شمبات الرابط بين الخرطوم بحري وأم درمان، فعلقت الصحافية صباح محمد الحسن بأنه لا حاجة إلى الجيش ولا "الدعم السريع" لتبادل تلك الاتهامات حول هذا الخراب. فـ"الكيزان"، بحسب قولها، كـ"طرف ثالث"، هم من قاموا بذلك بدليل أنهم كانوا قد دعوا طويلاً إلى قطع الإمدادات عن "الدعم السريع". ومع أنه يمكن القول إن الجيش و"الدعم" معاً براء من هدم الكوبري، بحسب صباح، إلا أنها مدت إصبع الاتهام بهدم الكوبري باتجاه الجيش وكالة عن "الكيزان"، لا أصالة عن نفسه. وتساءلت "ما الذي يجعل الجيش يستحيي من فعلته؟ ألا يحارب الفلول باسمه وتحت رايته؟". وزادت أنه "ليس لـ(الكيزان) مع ذلك هدف استراتيجي من هذا الهدم. فهم يريدون فقط، وهم على شفا نهايتهم التاريخية، تدمير السودان بعد أن أصبح طريق عودتهم إلى الحكم في حكم المستحيل". 
ولا تملك حيال كثافة نيران اتهامات "قحت" لـ"الكيزان" بإشعال الحرب والمسؤولية عن فظائعها، من أن يطرأ لك إن كانت "قحت" ترغب حقاً في إيقافها قبل القضاء عليهم قضاءً مبرماً. فالذي بين "قحت" و"الكيزان" ثأر ذو فحيح مستقل عن الحرب ذاتها. فلم تغفر "قحت" لـ"الكيزان" مطلقاً انقضاضهم على ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 حتى طارت شعاعاً. فقال النور حمد إن "الكيزان" أهانوا الثورة وأذلوها واصطادوا الناس العزل بالبنادق. وها هم، وهم يتجرعون غصص الهزائم في الميدان العسكري، يذوقون من نفس كأس الرصاص التي أذاقوها الثوار الشرفاء.
حرب "الكيزان" ودوائر "قحت" (التي كان يسميها "الكيزان"، "قبائل اليسار") تاريخية، كان أول منشئها في أوساط حركة الطلبة منذ الخمسينيات، ولكن كان لاتخاذ هذه الخصومة ساحة الحرب القائمة معترك، عواقبها الوخيمة على مائدة المفاوضات الأخيرة بجدة في 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
فبدا من مؤتمر جدة الأخير نجاح "قحت" في إنفاذ بعض ما تريد في حق "الكيزان"، إلى قرارته. فصدر قرار بملاحقة الأطراف المثيرة لتصعيد الحرب والمؤدية إلى الصراع. والقرار على عموميته، إلا أنه اقتصر بصورته هذه على "الكيزان". فـ"قحت" هي الأصل في المطالبة به. وهي التي استبشرت به حال صدوره. فكانت "قحت" قد تبنت مطلب اعتقال رموز "الكيزان" منذ خروج نفر منهم إلى ولاية القضارف واتهامها إياهم بالتحريض على الحرب. ولم تتأخر "قحت" في الحفاوة بقرار جدة عن ضبط المحرضين على الحرب ووضعت النقط فوق حروفه المبهمة، أي إن المقصود به "الكيزان" لا سواهم.

فرحب مدير "مركز الخاتم عدلان للاستنارة" الباقر العفيف بالقرار مطالباً بملاحقة "قادة النظام السابق الهاربين من السجون"، في إشارة إلى خروج جماعة من إسلاميي نظام الإنقاذ، كانوا قد مثلوا أمام المحاكم بعد الحرب، والتزموا في بيان صدر عنهم بالرجوع إلى السجن متى عادت مياه البلد إلى مجاريها. وطالب بيان من "قحت"، وضمن إجراءات بناء الثقة بين أطراف النزاع، مما تواثق عليه مؤتمر جدة الأخير، باحتجاز المتهمين الصادرة في حقهم أوامر توقيف من الجهات العدلية، وتسليم المطلوبين إلى المحكمة الجنائية دون تأخير. وهم بالاسم الرئيس السابق عمر حسن البشير، ووزير دفاعه عبدالرحيم أحمد حسين، والقيادي في حزب "المؤتمر الوطني" المنحل، أحمد هارون، لارتكابهم خلال فترة حكمهم جرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.
وحصلت "الدعم السريع" على مكسب صامت من "اتفاق جدة" الأخير لا ينطلي على أحد متى وقف المرء على ملابساته. فتقرر في جدة احتجاز الهاربين من بين المحكوم عليهم بالسجن بعد خروجهم الجماعي منه بعد أيام قلائل من الحرب في 15 أبريل (نيسان) الماضي. وتبادلت كل من الحكومة السودانية و"الدعم السريع" الاتهامات عمن كان وراء ذلك الفرار الجماعي، ولكن رواية إدارة السجون عن ذلك الخروج الجماعي للمسجونين تحدثت يومها عن فشلها في توفير أسباب العيش لهم في السجن بعدما قطعت الحرب خطوط التموين. أما مكسب "الدعم السريع" من قرار جدة بإعادة اعتقال من سمتهم "الهاربين من السجون"، فعظيم، فقد ظلت "الدعم السريع" تنسب كل تهمة توجه إليها باحتلال البيوت ونهبها إلى أحد أولئك الهاربين من السجن. ورتبت قوات "الدعم السريع" لدفع تهمة النهب عن نفسها ورميها على غيرها، حملة علاقات عامة، وأشاعت فيديوهات تظهر ضباطاً من صفوفها يلقون القبض على لصوص منسوبين إلى المجرمين الهاربين، وعرضوا المسروقات التي صادروها منهم على الناس تبرئة لذمتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وتوقف الباحث السوداني محمد لطيف عند قرار رد المجرمين الهاربين إلى السجن، بغير قراءة مكسب "الدعم السريع" منه، فقال إن قرار جدة في شأن إعادة حبس الهاربين من السجون قد لا يكون له أسبقية في قضية السلام، ولكن تظهر أهميته، وهنا بيت القصيد، إذا أخذت في الاعتبار ادعاء "الدعم السريع" أن الذين يمارسون الترويع باسمها مجرمون هاربون من السجون تم توظيفهم لتلطيخ سمعتها. وأضاف لطيف أن "القرار وفر فرصة ذهبية لتبذل كل الأطراف أقصى جهد لإعادة هؤلاء الهاربين إلى السجون لنرى إن توقف النهب أم استمر". وهذا ما يعرف في الإنجليزية بالفرصة التي تتاح للمشتبه فيه أن ينتفع من الشك في قيامه بما تهم به. وربما كانت سماحة لطيف هي التي رأت هذا الإجراء مما يصب في بناء الثقة بين الأطراف المتحاربة.
وساقت حرب "قحت" و"الكيزان" إلى ما هو أفدح. فراح مطلب في خطر إخلاء "الدعم السريع" لمنازل المدنيين، الذي سبق لمفاوضات جدة أن أمنت عليه بصورة أو أخرى في مايو (أيار) الماضي، بين أقدام هذا الخلاف. وصار "الكيزان" الذين طالبوا بتفعيله قبل الجلوس إلى جولة أخرى في جدة عند "القحاتة"، في عداد من جانب الرشد. فقال الصحافي محمد لطيف "إن (الكيزان) لأنهم رافضون أي اتفاق ومحرضون على الحرب، سيزايدون على عودة الناس إلى بيوتهم في حين يعرف أي مواطن عاقل أن هذا المطلب مما صح بحثه في المفاوضات، لا قبلها، مشدداً على الحاجة إلى التفكير العاقل فيه تفكيراً "تتملك فيه أعصابك" بلا ردود فعل. أما النور حمد فرأى أن احتلال البيوت مما يتوقعه المرء في حرب لأن "الحرب لا تدار بأخلاق". ولذا يعمل أهل الحكمة ألا تندلع حرب. ومتى اندلعت اندلقت شرورها: "فلما يطلعوك من بيتك وينهبوه ويغتصبوا أختك whatever واللا كده بتفقد القدرة على الرؤية المتوازنة". فالكوارث تحدث "والزول ما يخلي عاطفته تملي عليه خياراته، لكن النضج في ألا تصادر العاطفة خياراتك، وتكون عاوز تقاتل مما يؤدي إلى أن تفقد كل شيء". وسخر النور من القائلين بوجوب خروج "الدعم السريع" من بيوت المدنيين بقوله "يقولوا ليك (الدعم السريع) يطلع من البيوت. هو احتلها يطلع ليك كيف؟ ما بيطلع إلا بتفاوض. ما بيطلع ليك. في زول احتله ليهو محل في معركة طلع منها ساكت لأنك انت قلت له اطلع. بيطلع لما انت تكون عندك قوة تطلعو. تخليه يطلع. وعملياً أنت ما عندك هذه القوة". وهكذا صارت جريمة حرب في وقاحة طرد المدنيين من بيوتهم كرة في ملعب "قحت" و"الكيزان".
لهذه الحرب المدنية من حول الحرب في الميدان العسكري مغبة من جهة "قحت" خاصة، والتزامها بوقف الحرب. ففي شعواء خصومتها لـ"الكيزان" سقط الجيش بالكلية كطرف في الحرب من حساباتها. فهو فيها بالوكالة عن "الكيزان"، لا أصالة. وبالنتيجة أعفت "قحت" نفسها من التفكير في مآلاته في الحرب وما قبلها وما بعدها باستقلال عن ثأرهم مع "الكيزان". ورأينا، من الجهة الأخرى، كيف سرت عدوى هذا التغييب للجيش إلى مخرجات مؤتمر جدة الأخير. فمكسب "الدعم السريع" من قرار المنبر بضبط المحرضين على الحرب (تقرأ "الكيزان"). وكانت "الدعم السريع" قد غلبت حتى "قحت" في إذاعة أن الحرب حرب "الكيزان" وتكرار الدعوة لـ"أحرار الجيش" أن ينفضوا يدهم عنهم، كما كسبت "الدعم" من حيث احتسب ربما من قرار إعادة اعتقال الهاربين من السجون لأنه يصب في سياق مساعيها الحثيثة لرفع ثقل تهمة النهب والتغنيم التي لاحقتها كاللعنة. وظلت تقول إنه مجرد كيد لا واقع. ورأينا كيف سقط مطلب خروج "الدعم السريع" من بيوت الناس ومقار الخدمات من ثقوب صراع "قحت" و"الكيزان". فبينما رأى "الكيزان" وجوبه صرفته "قحت" كذريعة كيزانية لتصعيد الحرب وتمديد أجلها.
ويسأل المرء متى ستفيق "قحت" إلى أن حربها البسوس مع "الكيزان" رجحت، أرادت أو لم ترد، كفة "الدعم السريع" على مائدة المفاوضات. وأهم من ذلك كله صح أن تسأل "قحت" نفسها إن كانت هذه الحرب هي حرب بين الجيش و"الدعم السريع" مصيرها تنتهي بصورة أو أخرى، أم أنها حرب بينهما و"الكيزان" لا يعرف أحد إن كان سيطول مداها.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء