قبل نحو نصف قرن أشعلت صورة واحدة لطفلة فزعة تجري عارية هرباً من قنابل النابالم الحارقة العالم، لدرجة أن رؤساء كبرى الدول شككوا في صحتها، بسبب فرط دراميتها ومأسويتها، إذ كانت الفتاة ذات الأعوام التسعة حينها تفر من لهيب القنابل المحرمة دولياً، التي ألقتها الولايات المتحدة الأميركية على قريتها في فيتنام عام 1972.
مرت أعوام عدة لكنها تبقى واحدة من أشهر الصور في التاريخ، التي تتسبب في تغيرات جذرية بمسار حرب فيتنام، وبعدها بثلاثة أعوام انتهت المعارك التي كانت قد انطلقت شراراتها في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وتدخلت فيها الولايات المتحدة بشكل فاعل منتصف الستينيات تقريباً.
وفي عام 2023 وفي اليوم العالمي لحقوق الأطفال الذي يوافق اليوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني) تتكرر تلك الصورة في حرب غزة التي راح ضحيتها أكثر من 5 آلاف طفل.
يوم الطفل بين حربين
القصف في غزة يطاول حتى النازحين وذويهم في مدارس "الأونروا"، التي يفترض أنها محمية باتفاقات دولية، وبينها الفاخورة وتل الزعتر، فقد وصفت المديرة الإقليمية لـ"يونيسيف" أديل خضر، استهدافهما بالقصف من قبل الجيش الإسرائيلي بأنه "مروع"، وطالبت بتوقف إطلاق النيران فوراً. ومنذ بداية الحرب وهيئة الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة تطالب طرفاً ما بالتدخل لإيقاف قصف المدنيين، لكن لا أحد يستجيب، وتدريجاً باتت تلك المطالبات روتينية وعاجزة.
ولطالما ارتبطت أنشطة منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة "يونيسيف" بتداعيات المعارك العسكرية على الأطفال، فبعد ما يقارب ثمانية أعوام من انتهاء الحرب العالمية الثانية، تحديداً عام 1953 أصبحت "يونيسيف" منظمة الطفولة المعنية بحقوق من هم دون الـ18 سنة، جزءاً دائماً من منظمة الأمم المتحدة، وباشرت مهامها بمحاولات تقليل معاناة الأطفال. وبعد هذا التاريخ بعام واحد بدأ الاحتفال بيوم الطفل العالمي، فيما كان إنشاء المؤسسة الأول عام 1946 وذلك عقب أشهر قليلة من انتهاء الحرب بهدف مساعدة الصغار الذين تعرضوا للأهوال، إذ كانوا يعيشون محنة كاملة، من ثم كان الأطفال ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة دوماً على قائمة المنظمة، وتقول الأمم المتحدة عبر موقعها الرسمي إنه "أعلن يوم الطفل العالمي في عام 1954 باعتباره مناسبة عالمية يحتفل بها في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، لتعزيز الترابط الدولي وإذكاء الوعي بين أطفال العالم وتحسين رفاههم".
بمواجهة الموت
وصف سليم عويس، مسؤول الإعلام في مكتب "يونيسيف" بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الوضع في غزة من خلال تصريحات نشرت على الموقع الرسمي للأمم المتحدة، بأن المدينة أصبحت بمثابة مقبرة جماعية للأطفال. مطالباً بإدخال مزيد من المساعدات عبر معبر رفح، لتلبية الحاجات الضرورية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحذر عويس من علامات الإعياء الشديد التي بدأت تظهر على الأطفال، مبدياً قلقه من انتشار الأمراض المعدية والأعراض الشديدة التي يقاسيها الصغار جراء اضطرارهم إلى شرب المياه المالحة على مدى أيام متوالية، نظراً إلى عدم توافر نظيرتها النظيفة، إضافة إلى خطر وفيات الأطفال الخدج في المستشفيات، بسبب انقطاع الكهرباء المتواصل، مؤكداً أن الحل الوحيد لحماية الأطفال هو "وقف العنف. العنف ليس حلاً، لم ولن يكون حلاً في أي ظرف، ويجب إيقاف النزاع. الأطفال ليسوا أهدافاً في أي مكان".
ثلثا أطفال العالم ضحايا
كثيراً ما ارتبط يوم الطفل بكثير من المكتسبات، ففي الـ20 من نوفمبر 1959 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل، وفي اليوم ذاته من عام 1989 اتفاق حقوق الطفل، ومنذ عام 1990 باتت مناسبة اليوم العالمي للطفل مرتبطة بالذكرى السنوية لتاريخ اعتماد منظمة الأمم المتحدة لإعلان حقوق الطفل، وكذلك اتفاق حقوق الطفل.
لكن بعد كل تلك الجهود التي تخوضها المؤسسات الرفيعة المعنية بحقوق الأطفال، فإنه وبحسب الأمم المتحدة نفسها فإن 69 في المئة من الأطفال يعيشون في بلدان متضررة من النزاع، كما أن واحداً من بين كل ستة يعيشون في منطقة نزاع، بحسب إحصائية للمنظمة تعود إلى عام 2019، وهي الأرقام التي من المتوقع أن تصبح أكثر سوءاً بعد أزمة أطفال غزة، وأطفال أوكرانيا المتضررين من الهجوم الروسي منذ أكثر من عامين ونصف العام، حيث قتل أكثر من 1500 طفل أوكراني جراء الضربات الروسية، بخلاف ملايين تأذوا نفسياً ومعنوياً ومادياً.
وفقاً لإحصاء البنك الدولي فإن ربع سكان العالم أي ما يعادل مليارين تقريباً من الأطفال، وهناك أعداد هائلة منهم تعاني المجاعات والأمية والفقر والأمراض وانعدام الأمان.
الضروري المفقود
هذا لا يمنع أن يتذكر الأوصياء على الصغار بعضاً من الأساسات الضرورية التي ينبغي أن توفرها العائلات، وأبسطها بحسب ما تقول المحامية دعاء عباس، رئيس الجمعية القانونية لحقوق الطفل والأسرة، أن الدساتير في الدول عادة ما تطالب الآباء، أو من ينوب عنهم، بعدم تعريض حياة أبنائهم للخطر، وأن يوفروا لهم بيئة صحية، تشمل وسائل المعيشة الأساسية والكريمة، مثل المأكل والمشرب والملبس والرعاية الطبية، وأن يمهدوا لهم الطريق نحو مستقبل آمن، لا يتعرضون فيه لأذى، وألا يحرمونهم من حقهم في التعليم. منوهة بأن ظروف الحياة السليمة ينبغي أن تتوافر للأبوين أولاً، ليستطيعوا حماية أطفالهم.
هذه البنود على بساطتها إلا أنها تبدو عصية على كثير من المجتمعات في هذا العالم، سواء بسبب الصراعات المسلحة أو حتى بسبب عدم تحقيق المساواة الاجتماعية لظروف كثيرة.