Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رغيف العيش المصري في قبضة السوق العالمية العام المقبل

توقعات أميركية بكلفة باهظة لواردات القاهرة من القمح وسط ظروف دولية غير مواتية

تراجع إنتاج مصر من القمح يأتي نتيجة مباشرة لزيادة مساحة البرسيم وبنجر السكر (أ ف ب)

ملخص

الجفاف العالمي القاسي والإنتاج المحلي المتواضع والدولار عوامل تثقل كاهل مصر في ملف الخبز العام المقبل

بين جفاف قاس وإنتاج زراعي عالمي متواضع وشهية مفتوحة ودولار قوي، تستقبل مصر عام 2024 بفاتورة باهظة الكلفة من واردات الحبوب، في وقت يثاقل على كاهل دولة الـ109 ملايين مستهلك زيادة متخمة بتسعة ملايين لاجئ، وتراجع في الإنتاج المحلي، وشح بموارد الدولار، وضعف بعملتها المحلية، تجعل البلاد أكثر عرضة لتقلبات الأسواق العالمية للسلع، فيما تعاني مناشئ الحبوب في أميركا اللاتينية من إنتاج متواضع بفعل موجات الجفاف، وتقويض قدرات الإنتاج في سلة الغذاء الأوروبية، أوكرانيا، بفعل حربها مع روسيا، وشهية صينية شرهة تكفل رفع أسعار هذه المنتجات على تواضع كمياتها المنتجة.

أحدث تقارير وزارة الزراعة الأميركية، عن إنتاج واستهلاك الحبوب في مصر، يقدر الإنتاج المحلي في موسم 2023-2024 بنحو 8.87 مليون طن من القمح، بخفض نسبته 6.63 في المئة عن إنتاج البلاد في الموسم الماضي، ويعزو ذلك إلى خفض المساحة المحصودة إلى 1.35 مليون هكتار، من 1.45 مليون في 2022-2023، إذ زادت القاهرة من مساحة البرسيم المصري وبنجر السكر في المساحات المقلصة.

تحفيز الإنتاج المحلي

قامت الحكومة المصرية بزيادة أسعار شراء القمح بنحو 70 في المئة خلال العام الماضي لتشجيع المزارعين على بيع قمحهم لموردي القمح الحكوميين، من ثم خفض فاتورة استيراد البلاد للسلعة الاستراتيجية الأولى، وعبء تدبير الدولار اللازم للواردات، إذ حفزت القاهرة المزارعين في أبريل (نيسان) الماضي، عبر رفع سعر شراء الأردب (150 كيلوغراماً) إلى 1500 جنيه (48.55 دولار) من 885 جنيهاً (28.64 دولار) في الموسم السابق له، بحسب النقاء والجودة، قبل أن ترفع الحكومة المصرية سعر الشراء في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي إلى 1600 جنيه للأردب (51.78 دولار) لموسم حصاد القمح 2024، وذلك قبيل أسبوعين تقريباً من الزراعة التي تبدأ في منتصف نوفمبر إلى منتصف أبريل من كل عام، ومن شأن التحفيز الأخير برفع سعر التوريد أن يعزز إنتاجية المحصول الاستراتيجي الذي تستهلكه البلاد بقوة في إنتاج رغيف الخبز.

ويقدر استهلاك القمح في مصر خلال العام المالي 2023 – 2024، بنحو 20.6 مليون طن من 20.4 مليون طن في العام المالي 2022-2023، ويعزو ذلك إلى الارتفاع في استهلاك القمح نتيجة النمو السكاني، إضافة إلى المقيمين الحاليين، إذ تستضيف مصر ما يقدر بتسعة ملايين مهاجر من العراق وسوريا وليبيا، واليمن والسودان، ومن المتوقع أن يصل عدد سكان مصر (باستثناء المهاجرين) إلى الوصول إلى 124 مليوناً بحلول نهاية العقد الحالي.

وتتوسع الحكومة في إنتاج الخبز المدعم لـ65 مليون مواطن، بإجمال 150 رغيف خبز للفرد شهرياً، بسعر 50 قرشاً (0.016 دولار) بينما تتكلف الدولة 90 قرشاً (0.029 دولار) هي الكلفة الفعلية لإنتاج الرغيف الواحد، عبر تعويض المخابز عن هذا الفارق.

وأمام ارتفاع أسعار الدقيق في السوق المحلية، تقدر وزارة الزراعة الأميركية، تراجع استهلاك الخبز غير المدعم في البلاد بنحو يتراوح بين 10 و15 في المئة.

أكبر مستورد في العالم

تعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وعانت فيما يبدو آثار الحرب الروسية - الأوكرانية، إذ كانت قبلها مستورداً رئيساً للقمح من كلا البلدين، ويقدر التقرير، واردات البلاد في العام المالي الحالي بنحو 12 مليون طن بزيادة قدرها سبعة في المئة عن العام الماضي، تستورد جلها من روسيا (8.1 مليون طن) والاتحاد الأوروبي (1.8 مليون طن)، وأوكرانيا (856 ألف طن)، وأستراليا (172 ألف طن)، تستورد الحكومة أكثر من نصفها (50.5 في المئة) في حين يتولى القطاع الخاص استيراد النسبة المتبقية.

وفي أول 11 شهراً من العام الماضي، تكلفت البلاد فاتورة بـ3.9 مليار دولار من واردات القمح مقابل 3.18 مليار في الفترة المماثلة من العام السابق له، بزيادة مقدارها 727 مليون دولار.

وأدت الحرب على أوكرانيا إلى تعطيل تجارة القمح وزيادة أسعار توريده، فيما عانت القاهرة أزمة عنيفة مع الدولار الأميركي، إثر هرب 20 مليار دولار من سوق أدوات الدين الحكومية بنهاية مارس (آذار) من عام 2022، وتراجع الجنيه المصري عبر ثلاث عمليات من تحرير سعر الصرف منذ ذلك التاريخ، في وقت نشطت السوق السوداء التي احتفظت بسعر للدولار قريب من مستوى 50 جنيهاً، في حين ظل السعر الرسمي في البنوك المصرية عند 30.85 جنيه للدولار في نوفمبر الحالي، من 15.75 جنيه للدولار في نهاية الربع الأول من العام الماضي.

وسعت مصر إلى تأمين إمدادات مستقرة من القمح من خلال المناقصات الدولية، وتلقت دعماً من الجهات المانحة الدولية بما في ذلك البنك الدولي، والمؤسسة الإسلامية لتمويل التجارة (IFTC) وبنك التنمية الأفريقي (AFDB) لشراء القمح بالعملة الأجنبية، إضافة إلى التعاون المستمر مع مختلف المنظمات الدولية والوكالات والكيانات المتخصصة لتعزيز الأمن الغذائي، وكان آخر اتفاقات التمويل هذه هو اتفاق بقيمة 500 مليون دولار مع الإمارات، يتم بموجبه توريد القمح لمصر مدة خمسة أعوام تبدأ في 2023.

مخزون البلاد في 2024

تلفت وزارة الزراعة الأميركية، إلى خفض مخزون البلاد من الحبوب الرئيسة في الموسم الجديد بـ11.5 في المئة بسبب زيادة الاستهلاك وخفض الإنتاج، وهو ما يلقي ربما بتبعات غير محمودة على السوق المحلية التي تتخوف من تمرير الأسعار المرتفعة إليها، من ثم تعزيز معدلات التضخم المرتفعة في البلاد، وجعلها أكثر استعصاء على التراجع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسجل المعدل السنوي للتضخم الأساس في مصر، أكتوبر الماضي، 38.1 في المئة، بحسب بيانات البنك المركزي المصري قبل أيام، متباطئاً من 39.7 في المئة في سبتمبر (أيلول) 2023، فيما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الأسبوع الماضي، تسجيل الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية بلغ 190.1 نقطة لشهر أكتوبر الماضي مسجلاً تراجعاً في معدل التضخم السنوي، إذ وصل إلى 38.5 في المئة مقابل 40.3 في المئة لشهر سبتمبر 2023.

وتباطأ معدل التضخم الشهري لإجمالي الجمهورية ليسجل 1.2 في المئة أكتوبر الماضي، وفق بيانات "الجهاز" من اثنين في المئة في سبتمبر السابق عليه، إثر تسجيل قسم الطعام والمشروبات تغيراً قدره 1.7 في المئة وهبوط أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة 0.6 في المئة، ومجموعة الفاكهة بنسبة 2.9 في المئة، ومجموعة الخضراوات بنسبة 2.5 في المئة.

المرجح أن فاتورة البلاد من القمح ستظل رهن الأسعار العالمية وحركة الإنتاج الفترة المقبلة، إضافة إلى عوامل محلية أخرى من بينها مدى قوة العملة المحلية أمام الدولار، وهو ما يجعل السوق في تقلب دائم لهذه العوامل مجتمعة، وهو ما يجعل المستهلك أمام خيارات صعبة الفترة المقبلة.