بعد خريف دافئ وجاف و45 يوماً من القتال بين حركة "حماس" وإسرائيل، تسبب في نزوح سكان غزة إلى معسكر إيواء في الجنوب، هبت رياح عاصفة قوية اقتلعت الخيام القماشية للمشردين، ومزقت بقوة قطع النايلون التي تقيهم من مياه الأمطار الجارفة.
وجاءت الرياح العاتية التي وصلت خيام النازحين واقتلعتها من جذورها، محملة بالغبار ومصحوبة بعاصفة رعدية، لتزيد من أوجاع المشردين، وأجبرهم الطقس على خوض صراع بقاء قاس، وفرض عليهم النزوح من المعسكر مرة أخرى لحين ما تهدأ الحالة الجوية.
بسرعة 80 كيلومتراً في الساعة
وبحسب دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية، فإن عاصفة الرياح الرعدية التي تضرب قطاع غزة، تعد الأقسى في فصل الخريف وتستمر لثلاثة أيام.
ويقول مدير الأرصاد الجوية يوسف أبو أسعد "بلغت سرعة الرياح في مناطق جنوب غزة نحو 80 كيلومتراً في الساعة، وكانت شمالية غربية، وهذا يعني أن قوتها قادرة على اقتلاع الأشجار والألواح القرميد المثبتة، فما بالك ببعض الخيام القماشية، لقد انتزعتها من مكانها وجعلتها تتطاير، لقد عاش النازحون أوقاتاً صعبة بلا رحمة".
تدابير بسيطة
قبل بدء عاصفة الرياح العاتية، تلقى النازحون تحذيراً من دائرة الأرصاد الجوية، واستعدوا لاستقبال الهواء القوي، إذ ثبتوا خيامهم في حبال ظناً منهم أنها ستصمد أمام العاصفة، وأحاطوها بقطع من النايلون لمنع دخول الغبار والأتربة.
لكن استعداداتهم البسيطة هذه، لم تكن تتناسب وقوة الرياح التي هبت ليومين متواصلين وما زالت نشطة، وتسير بسرعة 80 كيلومتراً في الساعة، وهذا ما ألحق بهم أضراراً جعلت من الطقس عدواً آخر لهم.
تشبث بالحبال
على باب خيمته، وقف عدنان حائراً أمام حركة الرياح الشديدة التي تهدد معسكر الإيواء، ولم يجد حلاً سوى إمساك حبال خيمته المتصلة بالقضبان المزروعة في الأرض لتسندها.
تشبث عدنان بالحبال من جهة واحدة، ومثله فعل أولاده في باقي الجهات الثلاث المتبقية. يقول الأب "في هذه الخيمة يعيش 30 فرداً معظمهم نساء وأطفال، إذا اقتلعت القضبان من الأرض أو مزق القماش سنعيش في الشارع تحت وطأة البرد القارس".
كانت الرياح قوية، وخلعت ثوب الخيمة المصنوع من قطع من البلاستيك اللين، الذي كان عدنان قد نصبه فوق خيمته وعلى جوانبها لتوفير التدفئة بداخلها ومنع الأتربة من العبور إليها والحيلولة دون تطايرها.
الغبار لوَّث الطعام
لم يتمكن عدنان وأولاده من الصمود أمام قوة الرياح، يضيف "كادت العواصف تطرحني أرضاً أو تقذفني في الهواء، في الليل كان الأمر أشد صعوبة ونحن نترنح بين فكي الطائرات والرياح".
طوال ساعات الليل لم يعرف عدنان النوم، بسبب صوت الرياح المخيف ودخول الأتربة بكثافة داخل خيمتهم، مما جعل الجلوس داخلها أمراً مستحيلاً، إلا أنه وعائلته لا يملكون بديلاً عن خيمتهم بعد أن دمر الجيش الإسرائيلي منزلهم المكون من ثلاث طبقات عدا عن منازل أبنائه.
يؤكد عدنان أن الغبار والأتربة أعمت أبصارهم وأن الحياة صعبة داخل الخيمة، إذ تسببت العاصفة في التهابات رئوية حادة لأحفاده الصغار، ولم يجدوا لهم علاجاً في المرافق الصحية التي أصبحت خاوية من الأدوية.
تشارك عدنان زوجته شيماء الحديث وتقول بنبرات غاضبة "بات الأكل كله غباراً، وأواني المطبخ غسلتهم أكثر من مرة منذ الصباح على رغم أنه ليس لدينا الماء الكافي للتنظيف ولغسل ملابسنا، حتى الجلوس أصبح لا يطاق داخل الخيمة وكل لحظة نشعر بأنها ستطير بنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المنظمات الإنسانية عاجزة
وتضيف "سيطر في الأيام الماضية منخفض جوي ودخلت المياه إلى الخيمة، ولم نتمكن من الجلوس فيها أو النوم، بعدها بدأت تنتشر الحشرات والقوارض"، لافتة إلى أنها تشعر بالحسرة والألم وهي تتجرع كل أصناف العذاب والألم ولم تجد من يشعر بهم وبمأساتهم.
عجزت منظمات الإغاثة عن تلبية الحاجات الإنسانية للنازحين من سكان غزة وشمالها البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، لم تتمكن الأمم المتحدة من التخطيط لمواجهة التحديات التي تفرضها العواصف الأمطار والفيضانات.
وتقول مديرة الاتصالات في وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين "أونروا" جولييت توما "الظروف الإنسانية الصعبة التي سيعانيها سكان قطاع غزة نتيجة تدمير المباني والمنشآت في القطاع بسبب القصف، كبيرة للغاية، ولا نستطيع تأمين جميع الحاجات، عدا عن انعدام وسائل التدفئة والافتقار إلى المأوى المناسب".
وتضيف "الأمطار والعواصف ستعرقل مهمة فرق الإغاثة في إنقاذ الأشخاص العالقين تحت الأنقاض أو دفن الموتى، كل هذا وسط قصف متواصل وكارثة نقص الوقود".