Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جوزيبي كونتي الفائز بجائزة المغرب مفتون بالثقافة العربية

تسلم سعفة "الأركَانة" العالمية  تقديراً لاهتمامه بالبعد الإنساني في كتاباته

الشاعر الإيطالي جوزيبي كونتي الفائزة بجائزة "الأركانة" (بيت الشعر)

توجهت جائزة "الأركَانة" العالمية للشعر في دورتها الأخيرة إلى إيطاليا، بعد أن توزعت في دوراتها السابقة على جغرافيات مختلفة، بدءاً من الصين ووصولاً إلى أميركا، مروراً بفلسطين والعراق وإسبانيا وفرنسا والبرتغال وألمانيا والمغرب والنيجر ولبنان. فقد سبق أن فاز بها في دورتها الأولى الشاعر بيي ضاو، ليتعاقب عليها الشعراء محمد السرغيني ومحمود درويش وسعدي يوسف وإيف بونفوا وتشارلز سيميك ووديع سعادة ومحمد بنطلحة ونونو جوديس ومحمد الأشعري وفولكر براون وأنطونيو غامونيدا وغيرهم.

وقد ارتأت جائزة "الأركَانة"، التي يمنحها بيت الشعر في المغرب، أن تعود في دورتها الأخيرة إلى الشاعر الإيطالي جوزيبي كونتي (مواليد 1945 ببورت موريس) وتم تسليمها له في حفلة خاصة أمس الأربعاء 22 من الشهر الجاري في مقر المكتبة الوطنية بالرباط. وعزت لجنة التحكيم، التي ترأسها الشاعر الإيطالي سيموني سيبيليو، استحقاق كونتي للجائزة إلى الحوار الثقافي واللغوي الذي تصوغه قصيدته في بناء تركيبها ودلالاتها، ولما يكشف عنه هذا الحوار من بعد إنساني مضيء، وإلى رؤيته الفكرية والفنية التي تتداخل فيها ثقافات الشرق والغرب. ونوهت اللجنة بجماليات الكتابة لدى الشاعر الإيطالي، وبالمساحات التخييلية التي تخلقها نصوصه.

اهتم جوزيبي كونتي في بداياته بالجغرافيا والموسيقى وعلم الفلك والأوبرا والترجمة. وفضلاً عن أسلافه الإيطاليين تأثر بالأميركي هنري ميلر والفرنسيين بودلير ومالارميه والإيرلندي لورنس ستيرن. أسهم في تحديث القصيدة الإيطالية عبر مقترحات جمالية وموضوعاتية في الكتابة، وعبر الإشراف على تظاهرات ثقافية تجمع الشعر بموسيقى البلوز وألوان فنية أخرى وتنتصر لحضور الأسطورة والغنائية. كما ترجم إلى الإيطالية العديد من التجارب الشعرية العالمية مثل وايتمان وطاغور وخيلمان ونيرودا وأدونيس وجاك بريفير وغيرهم.

راكم كونتي تجربة مهمة في الكتابة ترجمتها أعماله الشعرية المتعاقبة: "المواسم" (1978)، "أبريل الأبيض الأخير" (1979)، "المحيط والطفل" (1979)، "الشاعر والرسول" (1992)، و"حكايات الشرق والغرب" (1997)، و"رسالة إلى اليائسين من الربيع" (2002)، ونصوصه السردية "الربيع المشتعل" (1980)، و"أيام الليل" (1990)، "والضابط الثالث" (2007) و"المومس" (2008)، ودراسته "أراضي الأسطورة" (1994)، و"الرجل الذي أراد قتل شيلي". (2008) و"الشر جاء من البحر" (2013)، و"بلا قلب" (2019) وغيرها.

التأثر بأشعار المتصوفة

نهل جوزيبي من الموروث الثقافي العربي، باحثاً عن آفاق روحية مختلفة، خصوصاً بعد سطوة الحياة المادية في أوروبا. وتقاطع بشكل لافت مع الثقافة الصوفية في العالم العربي والإسلامي، إلى حد أنه اختار الاسم المستعار "يوسف عبد النور" ليصدر به "أغاني الشرق".

في حوار مع الشاعر المغربي حسن الوزاني، ويكاد يكون الحوار العربي الوحيد معه، يعترف كونتي بأنه منبهر بغنائية الشعر العربي وقوته وإيقاعه، وأنه درس تاريخ الفكر الإسلامي وصلّى "من أجل أفق الشعر الكوني على قبر حافظ بشيراز". صرّح كونتي أيضاً بأنه فكر في اعتناق الإسلام. إنه، بحسب الوزاني، "يشَبه نفسَه بحالة شاعر عربي يُقيم داخل حي يحفُّ بساكنة عنصرية. تلك وضعيتُه بالضبط. غربةٌ مضاعفة، ضريبةً لافتتانه العاشق بالثقافة العربية والإسلامية".

وإذا كان جوزيبي كونتي مفتوناً بالثقافة العربية والإسلامية ومتأثراً بها على نحو كبير، فإنه بالمقابل لا يحظى بالحضور والاهتمام اللازمين في المشهد الثقافي العربي، خصوصاً ما يتعلق بترجمة أعماله وتداولها، أو بتسليط الضوء الكافي على تجربته في المنابر الإعلامية العربية.

في تصريح خاص بـ"اندبندنت عربية" أكد مراد القادري، رئيس بيت الشعر بالمغرب، على المكانة التي يحظى بها كونتي سواء في المشهد الشعري الراهن بإيطاليا، أو لدى قرائه في اللغات التي تُرجم إليها. وعن استحقاقه لهذا التتويج يقول القادري: "إنه اسمٌ آخر يلتحقُ بكوكبة الشعراء الذين سجّلوا اسمهم في دفتر هذه الجائزة الشّعرية التي نعتزُّ بها داخلَ مشهدنا الثقافي، فيما يتطلّعُ إلى الاقتران برمزيتها الأطلسية عددٌ كبير من شعراء العالم تقديراً لمكانتها الأدبية والشعرية، ودورها في إنصاف التجارب الشعرية الملهمة، كما هي تجربة الشاعر جوسيبي كونتي الذي لفت الأنظار، منذ مُنتصف السبعينيات من القرن الماضي، إلى طراوة قصيدته و سِحر لغتها، عندما شرع آنئذ في نشر قصائده الأولى، قبل أن تتوالى مجاميعُه الشعرية تباعاً".

وأكد القادري أن الشاعر الإيطالي المتوّج ليس غريباً عن الثقافة العربية، فهو "شاعرٌ استلهم الأساطير والثقافات الأولى في بعدها المساعد على استشراف عالم إنساني جديد. شاعر تمثّل عالمنا العربي وبخاصة تراثه الصوفي، ليعينه على الإشارة والترميز وكتابة قصيدة الإلماح والإيحاء بظلال الأشجار وأصوات الأنهار".

 الطبيعة والانتصار للإنسان

في مختاراته الشعرية الصادرة عام 2019 بعنوان "لن أتوقف عن الكتابة عن البحر" يخاطب هذا العنصر الطبيعي ويناجيه، مؤكداً أن الكتابة عنه هي قدر لا نهائي. غير أن القارئ يكتشف أن البحر هو أمّ الشاعر، وأن النص هو بمثابة تلويحة وداع لها. ثم يعود الشاعر بعد ذلك ليخاطب البحر بشكل صريح، ومن دون استعارة، ويسأله عن سبب هوسه بالكتابة عنه. يصف مشهد الجلوس أمامه، وهو يحمل مذكرة للكتابة وأمامه طاولة صغيرة لشرب القهوة، كما لو أنه صديق قديم غير موثوق به. ثم يتحسس ضآلته أمام ضخامة هذا الكائن المائي الذي "يعكس صراع الغيوم مع الشمس". لكنه يحس بأن عنصراً مشتركاً يجمعهما هو الوحدة. إنه يسأل البحر عن آلام الأمس وآلام الحاضر، ثم حين يعجز عن الجواب يخاطبه: "لا أعرف سوى مراقبة/ وحدتك الخريفية/ والكتابة الدائمة عنك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي نص "صلاة الغريق المجهول" يحضر البحر لا باعتباره عنصراً جمالياً، بل فضاءً للمأساة. ففي هذا النص يرصد ظاهرة الهجرة السرية للأفارقة نحو أوروبا، فيوجه نداءً للبحر ويطلب منه أن يعيد إلى الحياة كل الغرقى الذين سقطوا ضحية أحلام لم تتحقق. "نادِهم بأسمائهم أيها البحر/ نادهم، نعم، أنت، كل الغرقى الواقعين في أعماقك/ هؤلاء لم يكونوا بحارة/ هؤلاء لم يكونوا جنوداً/ كانوا رجالاً فقراء/ جاؤوا من وراء الصحراء/ فرّوا من الأراضي المحروقة/ والحرب والجوع والعطش". يواصل الشاعر نداءه للبحر، ويطلب منه ألا يحرمهم من حقهم في الحياة: "أعد إليهم أيها البحر/ وجوههم وجباههم/ وعيونهم التي التهمها السمك". في نص آخر من المختارات يتعاطف الشاعر مع الطبيب والمرضى، مع الأطفال والعجزة، مع الوحيدين والحالمين، ثم يتساءل: "من يشفق على أمّنا الأرض/ في هذا الربيع المهجور؟".

يؤمن كونتي بأهمية التسامح والتعايش، والتفاعل الخلاق مع الآخر واحترام ثقافته وخصوصياته المرتبطة بالهوية والحضارة، معتبراً أن "ثقافة الإلغاء هي إلغاء للثقافة". كما يرى أن الخلاص يكمن في العودة إلى البراءة الإنسانية والتخلص من أعباء الحياة المادية وثقافة الاستهلاك. لذلك اعتبر الشعر "شكلاً من أشكال المقاومة الروحية". إن إلغاء الارتباط مع السماء والطبيعة هو بالنسبة إليه مغامرة لا للفرد فحسب، بل للمجتمع برمته. لذلك ظل يتأسف على أوروبا التي فقدت روحها. فقوة الجسد/ المادة، بالنسبة إليه، غير كافية في غياب قوة الروح. يؤمن كونتي بوظيفة الأدب في غمرة سطوة الحياة المادية، ويختصر موقفه في جملة وامضة، لكن عميقة وحاسمة: "إذا مات الأدب سوف تنتهي الحضارة".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة