ملخص
قال خافيير كولومينا إن حلف شمال الأطلسي "ليس لديه سياسة" تجاه الشرق الأوسط لكن إيران مصدر قلق
في اجتماعات خاصة عقدت في مقره ببروكسل ناقش وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي (الناتو) القضايا الأمنية الملحة لدول الحلف، بما في ذلك استراتيجيات الردع والدفاع، وبشكل رئيس دعم أوكرانيا، التي تتجه نحو عامها الثالث من الحرب في مواجهة روسيا.
ووسط غليان وتوتر في منطقة أخرى تشكل تحديات أمنية للحلف ناقش الوزراء الوضع في الشرق الأوسط، حيث حرب غزة، التي كما يتردد من مسؤولي الحلف "غيرت المشهد الدولي"، إذ باتت هناك حاجة إلى فهم ذلك المشهد الجديد، ومن ثم أصبح توسيع الشراكة مع دول المنطقة "ضرورة ملحة".
وخلال المؤتمرات الصحافية التي عقدها الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ في إطار الاجتماعات التي عقدت الأسبوع الجاري في العاصمة البلجيكية أعرب ستولتنبرغ عن قلقه في شأن الحرب في غزة، لا سيما مع وجود مخاوف من توسعها عبر وكلاء إيران في المنطقة، داعياً إلى تمديد الهدنة الإنسانية بين إسرائيل و"حماس"، التي أفرجت الأخيرة بموجبها عن 50 رهينة كانت احتجزتهم الحركة خلال هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على إسرائيل، في مقابل إطلاق سراح 150 أسيراً فلسطينياً.
لا خطط حالية للتدخل في غزة
لمناقشة رؤية "الناتو" للصراع في الشرق الأوسط وخطط توسيع الشراكة مع دول المنطقة، حيث جرى تعيين مجموعة من الخبراء المستقلين لفحص المشهد وتقديم توصياتهم في شأن ما يمكن لـ"الناتو" القيام به لمنع الأزمات ومكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار، تحدثت "اندبندنت عربية" في لقاء خاص ببروكسل مع نائب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية خافيير كولومينا الذي أشار إلى أن الصراع في الشرق الأوسط، جنباً إلى جنب مع العدوان الروسي المستمر على أوكرانيا، "يجعل العالم اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى". ففهم المشهد الدولي، وفق مسؤول "الناتو"، "قد تغير منذ الهجوم المفاجئ الذي نفذته (حماس)، وما تلا ذلك من رد فعل إسرائيل، لذلك من الواضح أن لدينا مشهداً مختلفاً، وعلينا أن نفهم أين نحن".
على قدم وساق يدور النقاش في أروقة صنع القرار داخل الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية في شأن سيناريو "اليوم التالي"، حيث تجري مناقشة خطط مستقبل غزة ما بعد الحرب، أو بالأحرى ما بعد هزيمة "حماس".
وسابقاً، تحدث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في شأن عدد من البدائل المحتملة التي تجري دراستها، فيما شكلت الحكومة الإسرائيلية لجنتين وزاريتين للعمل على بلورة موقف إزاء مستقبل القطاع. ومن بين الخطط التي ترددت من قبل القادة في مصر وإسرائيل ما يتعلق بدولة فلسطينية "منزوعة السلاح" مع "ضمانات بقوات، سواء من حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو قوات من الأمم المتحدة أو أخرى عربية أو أميركية، حتى نحقق الأمن للدولتين الفلسطينية الوليدة والإسرائيلية"، بحسب تصريحات سابقة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
ورداً على سؤال في شأن احتمال تدخل "الناتو" في غزة، قال كولومينا، "لم نناقش أو نطرح مسألة التدخل في غزة ما بعد (حماس)". ومع ذلك لم يقطع كولومينا بعدم التدخل نهائياً، بل أشار إلى أنه في نهاية المطاف "يمكن لحلف شمال الأطلسي القيام بهذا الدور إذا قرر المجتمع الدولي وحلفاء (الناتو)، لكن كما قلت لم نناقش الأمر بعد".
وفي شأن إرسال بعثة لحفظ السلام أشار إلى أن "(الناتو) هو الأكثر قدرة على قيادة مثل هذا الجهد، لقد فعلنا ذلك في الماضي، وبالتأكيد يمكننا القيام به مستقبلاً". ومع ذلك أكد أنه "لم يتم اتخاذ قرار في شأن غزة، ولم يتم اقتراحه علينا حتى الآن، وهو قرار يتعين على الحلفاء اتخاذه من بين عديد من الاعتبارات الأخرى".
جولة مرتقبة
كشف مسؤول "الناتو" خلال الحديث عن زيارة مقررة لمصر في مطلع العام المقبل، وفي الوقت نفسه أعلن الأمين العام لـ"الناتو" عن جولة لحلفاء "الناتو" في الخليج قريباً، حيث يولي الحلف اهتماماً متزايداً بالمنطقة، وهو ما يتضح في فتح مكتب لـ"الناتو" بعمان، العام المقبل، إضافة إلى الاتجاه نحو شراكات جديدة، لا سيما بعد حرب غزة.
وفي هذا الصدد، يقول كولومينا، "الوضع في غزة يهم الجميع، وبطبيعة الحال (الناتو). نحن ليست لدينا سياسة تجاه الشرق الأوسط، لكن لدينا سياسة تتعلق بالاستقرار، وهو أمر يمثل مصدر قلق بالنسبة إلينا. لدينا سياسة لمكافحة الإرهاب، وأخرى تتعلق بحماية المدنيين والقانون الإنساني الدولي، ولهذا السبب نحن نتواصل قدر الإمكان مع شركائنا العرب على وجه الخصوص، وكذلك مع إسرائيل التي كما تعلمون عضو في الحوار المتوسطي وحليف لـ(الناتو)".
وأضاف نائب أمين عام "الناتو"، "من بين شركائنا أولئك، فإننا نجري محادثات خصوصاً مع مصر، نعلم أنها تمثل جزءاً كبيراً من كيفية تفاعل العالم العربي مع الأزمة في غزة، وتمثل أيضاً جزءاً كبيراً من الحل والهدنة. والتوسط في شأن الرهائن. نشكر جهود الرئيس المصري والجهات الفاعلة المختلفة التي تحاول المساعدة قدر الإمكان".
وفي شأن تفاصيل زيارته المقررة للقاهرة أوضح أنها "تهدف إلى تناول العلاقات الثنائية، خصوصاً مع مناقشة الوضع في المنطقة"، مضيفاً "في هذه المرحلة نعمل على إطار جديد للشراكة نطلق عليه برنامج الشراكة الفردي. نحن في منتصف عملية التفاوض مع السلطات المصرية، ونحتاج إلى تحديد الأهداف لتعزيز التعاون الذي ركز في السابق على التعليم والتدريبات العسكرية والمراقبة والأمن البحري ومكافحة الإرهاب".
وتابع خافيير كولومينا، "مصر لديها كثير من الأمور التي يمكن أن تشاركها معنا، لذلك هناك مجموعة كبيرة ومتنوعة من القضايا التي سنتناولها. الهدف النهائي للزيارة سيكون الحفاظ على الحوار السياسي من أجل فهم أعمق للتحديات الإقليمية والتعرف على رؤية مصر للتحديات الأمنية في المنطقة".
وأشار نائب أمين عام "الناتو" إلى أن عديداً من التحديات الأمنية والتهديدات الحالية "لم تعد مترابطة جغرافياً، لكنها تؤثر في مستوى العالم. ولهذا السبب يحتاج (الناتو) إلى وجود أكبر وأكثر عالمية للوصول إلى الأماكن التي لم نكن في حاجة إلى الوصول إليها من قبل. معظم التهديدات التي قمنا بحلها كانت أساساً جغرافية، وكان معظمها مرتبطاً بالناحية الشرقية، لكننا الآن نرى التحديات والتهديدات التي تأتي من مناطق مختلفة في العالم تؤثر فينا بالفعل، وهذا هو الحال بالنسبة إلى التحديات الأمنية التي نراها في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. وهو الحال أيضاً بالنسبة إلى التحديات والتهديدات التي رأيناها في المنطقة".
إيران مصدر قلق
خلال المؤتمر الصحافي الأولي للأمين العام قبيل انعقاد الاجتماع الوزاري، دعا ينس ستولتنبرغ إيران إلى كبح جماح وكلائها في المنطقة، معرباً عن قلقه في شأن تصعيد الصراع في ظل "هجمات مسيرات وأخرى استهدفت القوات الأميركية في المنطقة والسفن التجارية، مما يمثل قلقاً بالغاً، ويؤكد أهمية أن تمتنع إيران عن استغلال الوضع لتحويله إلى صراع إقليمي أوسع".
وبسؤال خافيير كولومينا في شأن كيفية استعداد "الناتو" للتعامل مع إيران في هذا الصدد، قال "إيران تشكل مصدر قلق لحلف شمال الأطلسي. لسنوات عديدة كنا نراقب سلوكها ووكلائها، كنا قلقين في شأن دعمها العدوان الروسي على أوكرانيا، طهران ترسل أسلحة ومسيرات. ولدينا مهمة رئيسة في العراق تضم أكثر من 600 جندي بهدف تقديم المشورة والتدريب للعراقيين، ونعلم جميعاً أن هناك وكلاء لإيران وميليشيات في العراق تعمل على زعزعة استقرار البلاد، ويمكن أن تؤثر في أمن مهمتنا، لذلك نحن قلقون في شأن ذلك".
وتابع "في الوقت نفسه (الناتو) كمنظمة إقليمية لديه مسؤوليات معينة، وليس كل المسؤوليات، ولا نعمل وفق احتمالات، لذلك نحن قلقون في شأن هذه المسألة، إنها مسألة نقاش وجدل، لكننا لا نخطط لاتخاذ أي إجراء الآن حيالها (إيران)"، مؤكداً أن الوجود الأميركي في المنطقة "كان مفيداً للغاية في شأن احتواء التأثير الإيراني، وسنواصل مراقبة الوضع".
أوكرانيا تظل أولوية
تظل الحرب الروسية في أوكرانيا هي الشاغل الأساس لحلف شمال الأطلسي، إذ أكد الحلفاء تصميمهم على دعم مسار أوكرانيا للانضمام إلى "الناتو"، ودعمها في دفاعها عن بلادهم. ففي الأيام الأخيرة الماضية أعلن عديد من دول الحلف عن تعهدات مالية لدعم كييف، من بينها تقديم ألمانيا 8 مليارات يورو العام المقبل، وهولندا بأكثر من ملياري يورو، فيما افتتحت رومانيا مركز تدريب طائرات "أف 16" لتدريب الطيارين الأوكرانيين، ويواصل الحلفاء، بما في ذلك الولايات المتحدة وفنلندا، إرسال مزيد من الدفاعات الجوية والذخيرة، وأنشأت 20 من دول "الناتو" تحالفاً للدفاع الجوي مع أوكرانيا.
لكن، بينما تعد واشنطن أكبر مزود لكييف بالمساعدات العسكرية، إذ خصصت لها عشرات المليارات من الدولارات منذ بداية الغزو الروسي في فبراير (شباط) 2022. فإن تقارير في الصحافة الأميركية خلال الأسابيع القليلة الماضية تحدثت عن تحويل مسار كثير من الذخيرة والأسلحة نحو إسرائيل، لدعمها في الحرب ضد "حماس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين تقدّم الرئيس الأميركي جو بايدن بطلب للكونغرس للحصول على تمويل "عاجل" لدعم إسرائيل وأوكرانيا، فإن مجلس النواب الأميركي الذي يهيمن عليه الجمهوريون تبنى، مطلع الشهر الجاري، حزمة مساعدات بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل، بينما رفض تضمين الحزمة أيضاً مساعدات لأوكرانيا، حيث تشهد أروقة صنع القرار في واشنطن انقساماً عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا.
وبسؤاله بخصوص تأثير الحرب في غزة على مساعدات "الناتو" لأوكرانيا، نفى كولومينا أن يكون هناك أي تأثير في الدعم لأوكرانيا من قبل دول الحلف حتى الآن، "لا نرى أي ضعف، بل على العكس من ذلك، شهدنا في الأسبوعين الماضيين 8 مليارات دولار إضافية"، مؤكداً "استمرار تدفق الدعم المالي من واشنطن وغيرها من عواصم الحلف".
وأوضح كولومينا، "بينما ما يحدث في الشرق الأوسط أمر أساس بالنسبة إلى الولايات المتحدة، كما هو الحال بالنسبة إلى الجميع، لكن بالطبع تبقى الأولوية لأوكرانيا، لذلك نحن لسنا قلقين في شأن ذلك. نحن، كما قلت في البداية، نواصل العمل لأن أولويتنا لا تزال أوكرانيا والعدوان الروسي عليها".
الحرب معقدة
وفي شأن ترجيح كفة الحرب لأي من الطرفين بعد أكثر من عامين على استمرارها، قال نائب أمين العام "الناتو"، "لقد رأينا الأوكرانيين يقاتلون بشجاعة كبيرة ويسببون كثيراً من الخسائر للروس، إذ إن أوكرانيا استعادت نحو 50 في المئة من الأراضي التي استولت عليها روسيا العام الماضي، وهو تقدم ملموس في حد ذاته".
ومع ذلك أشار كولومينا إلى أن التقدم من حيث استعادة الأراضي المحتلة "صعب للغاية، والوضع ضبابي، لكن في نهاية المطاف، فإن الحرب معقدة للغاية، ومنذ عام 2022 من الواضح أن الأوكرانيين حسنوا موقفهم. الأوكرانيون بذلك يزيدون فرصهم، سواء في أرض المعركة، أو في المفاوضات، وهو ما كنا نقوله لأشهر. نحن نحاول أن نمنح الأوكرانيين أفضل فرصة ممكنة على طاولة المفاوضات".
وفي شأن احتمالية العودة قريباً إلى الحل الدبلوماسي في المسألة الأوكرانية أشار كولومينا إلى أنه لا تبدو في الوقت الحالي رغبة كافية في الحل الدبلوماسي، وهي الجهود التي سعى إليها "الناتو" منذ يناير (كانون الثاني) 2022 قبيل اندلاع الحرب. وأضاف، "لقد حاولنا إقناعهم (الروس) حتى الدقائق الأخيرة بأن لا يذهبوا إلى الحرب، لكنهم لم يعبأوا، وعليه فإن الحل الدبلوماسي يستوجب القيام بشيء ما".