ملخص
تعمد المخرج ريدلي سكوت اللجوء إلى السخرية النقدية في سيناريو وحوار فيلم "نابليون" لكن البعض فاته روح النكتة في البلاهة المقصودة ضمن مشاهد عدة
حقق نابليون التاريخي النصر، بينما أحدثت المعالجة السينمائية لقصة حياته الانقسام. تمكنت الملحمة التاريخية التي أخرجها ريدلي سكوت وأسند بطولتها إلى يواكين فوينكس في دور الزعيم الحربي الذي قاد فرنسا، من إحراز نجاح لم يكن متوقعاً إلى حد ما في شباك التذاكر منذ صدورها الأسبوع الماضي، متجاوزة فيلم ديزني "أمنية" Wish في احتلال المركز الأول على مستوى العالم، لكن جاءت ردود الفعل متباينة بالتأكيد.
وصفت الناقدة السينمائية في "اندبندنت" كلاريس لاغري فيلم "نابليون" Napoleon بأنه "مملوء بالحماسة والمشهدية والرجولة" في مراجعتها التي أعطته أربع نجوم.
في المقابل، منحته صحيفة "واشنطن بوست" نجمة ونصف النجمة [أي أقل من وسط]، وكتبت أنه بدا في بعض اللحظات "مثل خليط من كتابات ليو تولستوي وإدوارد ألبي ومعلومات من ويكيبيديا".
تشبه ردود الفعل هذه إلى حد كبير ما قوبلت به إنتاجات عدة للمخرج سكوت في أواخر مسيرته المهنية، إذ إنها حركت مقدراً متساوياً تقريباً من التملق والسخرية، إذ تعرض فيلم "بيت غوتشي" House of Gucci للسخرية إلى حد كبير، فيما غلب التفاخر على الآراء التي تناولت شريط "المبارزة الأخيرة" The Last Duel. وقد تسبب فيلما "فضائي، العهد" Alien: Covenant و"كل المال في العالم" All the Money in the World في انقسام النقاد بشكل متساو.
بشكل عام، ركز المعارضون على عناصر محددة في "نابليون". أولاً، هناك مسألة الدقة التاريخية المشكوك فيها وقد واجهت المشاهد المبتكرة بالكامل، على غرار إطلاق جيش نابليون مقذوفات على الأهرامات المصرية، تمحيصاً خاصاً. وجاء رد فعل سكوت على تلك الضجة هادئاً (يرد بأنه "حينما أواجه مشكلات مع المؤرخين، أسأل "عفواً يا صاحبي، هل كنت موجوداً هناك؟ لا؟ حسناً، اصمت إذن").
بالنسبة إلى آخرين، لم تكن المشكلات المتعلقة بالفيلم أخلاقية بقدر كونها جمالية. وسيكشف تصفح سريع لوسائل التواصل الاجتماعي عدداً لا نهاية له من رواد السينما الذين ينتقدون الحوار "المضحك عن غير قصد" للفيلم. أن جميع الآراء محقة بالطبع، لكن فكرة أن الكوميديا في السيناريو غير مقصودة لا يمكن فإن تأتي بعيدة عن الصواب.
في نهاية المطاف، فإن نابليون [عبر التناول الفني] الذي يجسده فينيكس، يقدم شخصية تدعونا إلى الاستمتاع بعيوبها، ومراقبتها وإدانتها والضحك عليها
لعلها مبالغة أن يوصف "نابليون" بأنه فيلم كوميدي. ففي النهاية، لقد خصص جزء كبير منه لسلسلة من مشاهد المعارك المروعة والعنيفة، لكنه مضحك للغاية في الغالب وبشكل متعمد.
يرجع جزء كبير من الزخم الكوميدي إلى زواج نابليون المضطرب من جوزفين، التي أدت دورها في الفيلم فانيسا كيربي. في ذلك الملمح، نرى نابليون بونابرت الضعيف جنسياً ونابليون السلبي والعصبي. وبصورة جزئية، تنبع خلافاته الزوجية من عدم قدرته مع جوزفين على الإنجاب.
طوال الوقت، تظهر رموز جنسية كثيرة، كالأقلام والسيوف والمدافع التي تطلق النار بطريقة متهورة فكأنها نشوة جنسية، بالتالي ينأى الفيلم كثيراً عن إخفاء دلالاته، بل على العكس، إنه لا يسعى إلى ذلك مطلقاً.
في أحد أطرف المشاهد نرى نابليون مواجهاً زوجته أثناء تناولهما العشاء في شأن عدم قدرتها على الإنجاب. إنها ترد عليه وتسخر من وزنه، فيدافع عن شهيته قائلاً لها، "لقد منحني القدر قطعة لحم الضأن هذه".
إنه حوار يتم أداؤه بطريقة خالية من المشاعر تماماً، لكن من الواضح أنه مثير للسخرية لدرجة أن القصد الكوميدي شديد الوضوح. وبعد لحظات، يتطور المشهد إلى زوجين مختلين يقذفان بعضهما البعض بالطعام عبر مائدة العشاء. وفي مشهد لاحق، يظهر نابليون مواجهاً بعض أعدائه السياسيين، ويصرخ بغضب في وجه مفاوض إنجليزي، "هل تعتقدون أنكم عظماء جداً لأن لديكم قوارب!".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يشكل المشهدان سوى مثلين عن العبارات التي أشار إليها الجمهور كدليل على عيوب الحوار في "نابليون" (تشير مراجعة "واشنطن بوست" بازدراء إلى أن جملة "القوارب" قوبلت بالضحك في عرض للفيلم أمام الصحافة). يصح القول إن تلك الأمور تثير الضحك، لكن من السخف افتراض أنها كتبت بجدية. ويرجع ذلك إلى أن نابليون الذي يجسده فينيكس يظهر في نواح عدة، كشخصية مثيرة للسخرية، وهي مبهجة وليست مأسوية. وتصح الإشارة أيضاً إلى أن قصته تنطوي على عناصر مأساوية، على غرار علاقته المشحونة مع جوزفين (وراء واجهة العلاقات خارج نطاق الزواج، والألاعيب النفسية الجنسية، هناك شيء من الارتباط المشوه، لكنه الأمر الحقيقي بينهما، ويصار إلى التعامل مع وفاة جوزفين في نهاية المطاف بجدية صادقة).
في المقابل، لا يسعى فيلم "نابليون" لا يسعى أبداً بجد للحصول على تعاطف الجمهور. وفي نهاية المطاف، فإن "نابليون" [عبر التناول الفني] الذي يجسده فينيكس، يقدم شخصية بونابرت بطريقة تدعونا إلى الاستمتاع بعيوبها، ومراقبتها وإدانتها والضحك عليها. انطبق هذا الوصف نفسه على عائلة غوتشي في شريط "بيت غوتشي"، مع الإشارة إلى أنه فيلم كوميدي آخر جرى الاستخفاف به، وأسيء فهمه، من قبل المشاهدين الذين لم يعرفوا ماذا يستشفون من البذخ المفرط في الفيلم.
على الرغم من تلاعبه بالأمور الهزلية، فإن فيلم سكوت يعرف متى يتوقف عن السخافة. وجاءت نهاية الفيلم بمثابة تذكير جاد بكلفة غطرسة بونابرت المتمثلة في حياة نحو ثلاثة ملايين فرنسي. ويتمثل أحد أعظم إنجازات العمل في قدرته على الموازنة بين فظاعة إرث نابليون والطرافة المضحكة في شخصيته. ليست المشكلة في الكتابة السيئة، بل في استناد البعض إلى حجج سيئة في نقدهم للفيلم.
* يعرض فيلم "نابليون" في دور السينما حالياً.
© The Independent