ملخص
يتخبط كير ستارمر لاجتذاب الناخبين إلى حد مديح من كانت عرابة الاستغناء عن قطاع التصنيع في بريطانيا.
عندما يمدح زعيم حزب العمال مارغريت تاتشر اعرفوا أن السياسة البريطانية قد تحولت إلى مسرحية هزلية.
لقد كتب ستارمر مقالاً في صحيفة "ذا ديلي تلغراف"، قال فيه إن كل لحظة "تغيير هادف وبناء" في السياسة البريطانية المعاصرة "تبدأ باستيعاب فكرة أن السياسات يجب أن تطبق لخدمة الشعب البريطاني، وألا تكون مفروضة عليه"، مضيفاً أن تاتشر سعت "إلى إخراج بريطانيا من غيبوبتها عبر إطلاق العنان لروح المبادرة الطبيعية لدينا"، لكنه عاد وطرح نقاطاً مشابهة عن توني بلير وكليمنت أتلي، لنستبعد بالتالي أن يكون في كلامه تأكيد أنه بدل ميوله السياسية وفريقه، كما يتهمه البعض، لكن التفوه بأي كلام إيجابي عن تاتشر يفوق جميع التصورات، ولأسباب تتعدى مجرد انتمائها إلى حزب المحافظين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكي نفهم الطابع الدرامي - والأهمية الكبرى - لإشادة زعيم المعارضة (والحزب الرئيس الذي يتخذ التقدم شعاراً له) بمقاربة اعتمدتها شخصية سياسية محافظة انقسمت الآراء حول ما حققته قبل 40 عاماً، لا بد أن نتذكر أولاً كيف حصل هذا الأخير على منصبه في الأساس.
فالحال أن ستارمر تزعم حزب العمال بسبب تكبد جيريمي كوربين أسوأ خسارة انتخابية منذ عام 1935، وهزيمة المحافظين في الانتخابات في مواجهة حزب العمال، بعد اعتماد هؤلاء شعار "إنجاز عملية بريكست" "Get Brexit done" في بيانهم الانتخابي، وإطلاقهم وعداً بإجراء تحسينات في المناطق المنسية في أرجاء المملكة المتحدة، مع العلم بأن تاتشر أسهمت في إفساح المجال أمام هذا الانقسام بين الشمال والجنوب.
لكن كيف؟ في الواقع، تسجل المملكة المتحدة أعلى مستويات من التفاوت [الاجتماعي] بين المناطق في دول العالم المتقدمة اقتصادياً. وفي هذا الصدد، قال مؤرخ اقتصادي هو البروفيسور جيم توملينسون إن إقفال المعامل الصناعية الكبرى في الحقبة الممتدة ما بين ستينيات القرن الـ20 وثمانينياته، لا سيما في شمال إنجلترا، قد مهد السبيل لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. ومع أنه أشار إلى أن الاستغناء عن قطاع التصنيع بدأت في ظل حكومة حزب العمال السابقة، من المتعارف على نطاق واسع أن تاتشر عجلت وتيرة إيقاف قطاعات مناجم الفحم والتعدين والتخلي على صناعة بناء السفن.
ومن جهته شرح لي ستيفن فرانس المتخصص في التنظيم المجتمعي في ساندرلاند المسألة قائلاً "يمكن العودة بمشكلة (بريكست) إلى قلة الاستثمارات في ثمانينيات القرن الـ20، خلال عهد مارغريت تاتشر".
وما يعنيه ذلك هو أن ملايين الناس شاهدوا لندن تكثف استثماراتها وتزيد من فرصها على مر الأعوام، في حين بقيت مجتمعاتهم مهمشة لأجيال. وبعد ذلك، استهدفت حملة "صوتوا للخروج" Leave campaign هذه المناطق، وقد تخللتها رسالة تفيد بأن عضويتنا في الاتحاد الأوروبي هي جزء من نظام لا يأتي بالفائدة إلا لـ"نخبة العاصمة الليبرالية" (أي بمعنى آخر أهالي لندن).
ونعود إلى اليوم... فنرى ستارمر يدعم خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، مستعيناً بشعارات على غرار "إنجاز عملية بريكست"، على أمل استعادة ناخبين اختاروا خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي كطريقة للتمرد والاحتجاج على التفاوت الاجتماعي بين المناطق، الذي حفزته تاتشر.
والحال أن إشادة ستارمر بتاتشر علناً، ولو قليلاً، يمثل انقلاباً جريئاً في الاستراتيجية التي يعتمدها، وقد يؤدي إلى استبعاد الناخبين أنفسهم الذي يحاول هذا الأخير استمالتهم وإبهارهم من خلال دعمه لعملية "بريكست". ولا شك في أن الإشارة إلى أن تاتشر أخرجتنا من غيبوبة وحفزت روح المبادرة لدينا فيها إهانة، وتحديداً للأشخاص الذين خسر أهاليهم وظائفهم جراء عملية الاستغناء عن قطاع التصنيع التي أشرفت عليها، وبسبب ردود فعلها العدائية حيال عمال المناجم المضربين.
لا شك في أن عملية "بريكست" برمتها كانت خدعة. فالناس الذين طرحوا خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي كطريقة لمساعدة المناطق الأفقر في بريطانيا لم يأبهوا يوماً لتلك المناطق. وخير تأكيد على ذلك كلام بوريس جونسون الذي قال يوماً: "إن إنفاق أي جنيه في كرويدن أكثر قيمة بكثير للبلاد... مقارنة بإنفاق جنيه واحد في ستراثكلايد"، أو لعلنا نسينا أن ريشي سوناك أمضى الصيف الماضي وهو يتفاخر بأنه وضع حداً للتمويل المخصص للمناطق المأهولة التي تختبر حالة حرمان.
وقد سمعنا، في سياق متصل، شهادة رئيس بلدية مانشستر، أندي بورنهام، في سياق التحقيق حول جائحة "كوفيد" الأسبوع الماضي، حيث كشف عن أن الحكومة نسيت، بكل بساطة، أمر الشمال، مما أدى إلى اتساع الشرخ القائم بين الشمال والجنوب في السنوات التالية لاستفتاء "بريكست". وبشكل عام، بات شمال إنجلترا اليوم معارضاً لخروج المملكة البريطانية من الاتحاد الأوروبي.
في نظر معظم الناس، ماتت عملية "بريكست" كوسيلة لتحقيق العدالة الإقليمية والمالية. من ثم ليس هناك ما يمنع سترامر من القول: "سأنفق جزءاً كبيراً من الأموال الحكومية الإضافية بقيمة 40 مليار جنيه استرليني، التي كنا سنحصل عليها لقاء معاودة انضمامنا إلى الاتحاد الأوروبي، لاستحداث وظائف ومنازل وخطوط نقل للفئات العاملة في أرجاء البلاد".
لكن لا! فهو فضل، على ما يبدو، دعم عملية "بريكست" والإشادة بالشخصية السياسية نفسها التي أشرفت على عملية الاستغناء عن قطاع التصنيع تماماً في شمال البلاد.
من ثم، من الواضح أن مساعي ستارمر اليائسة لاستمالة الناخبين المحافظين الخائبين ستجعله يخسر أصوات المؤيدين للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي وللخروج منه على حد سواء.
© The Independent