Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف اتسمت شهادة ريشي سوناك في تحقيق "كوفيد"؟

استهل رئيس الوزراء حديثه باعتذار مطول ومتواضع وشامل ومليء بالأسف فكان إما صادقاً بصورة فظيعة للغاية وإما لم يكن لكلامه معنى على الإطلاق

ريشي سوناك يقدم شهادته أمام لجنة تحقيق كوفيد  (رويترز) 

ملخص

من المضحك أن رئيس الوزراء كان عاجزاً عن تذكر كثير من الأمور الفظيعة على رغم كل تلك الصراحة التي أظهرها

كان الأمر أشبه بإجازة قصيرة بالنسبة إلى ريشي سوناك. فهاتفه مغلق ولم يكن مضطراً إلى التعامل مع التدقيق والضغط الشديدين ولا مع نواب حزبه في المقاعد الخلفية من ذوي المطالب الصعبة والقاسية ومجموعات "واتساب" الهستيرية أو إنذاراتهم غير المعقولة. وعوضاً عن وجود النائب المخضرم بيل كاش (الذي يترأس مجموعة المحامين المحافظين) أجرى دردشة مع كبير مستشاري التحقيق هوغو كيث الدمث واللبق.

استهل رئيس الوزراء حديثه بتوجيه اعتذار مطول ومتواضع وشامل ومليء بالأسف فبدا إما أنه كان صادقاً للغاية أو لم يعن أية كلمة مما قال على الإطلاق. قال إنه "في غاية الأسف" للذين فقدوا أحباء لهم ولأولئك الذين "عانوا بطرق عديدة خلال فترة الجائحة". كان ملاحظاً عدم تعبيره عن الحزن أو الندم تجاه أي من سياساته ولا حتى تلك التي وصفها السير كريس ويتي بخطة "تناول الطعام خارجاً لمساعدة الفيروس". إذا وضعنا ذلك في الميزان، قد نجد ربما أنه ليس في غاية الأسف

أخبرنا سوناك بأنه فكر كثيراً وأراد أن يدلي بشهادته "متزوداً بروح الصراحة البناءة". مع سياسيين آخرين، من شأن قطع وعود باعتماد الصراحة أن يسرع النبض قليلاً. ولكن في حالة سوناك، بشر ذلك بكثير من المونولوغات (الحوار الفردي) الخالية من أي لون أو معنى. وبالفعل بدا حديثه أشبه بفيديو تدريبي مصنوع بالذكاء الاصطناعي لتنساب كلماته برتابة وبطريقة لا يمكن تذكرها.

ارتبط أول تبادل مثير للاهتمام بمجموعة أخرى من رسائل "واتساب" المفقودة. قال سوناك إنه "بدّل هاتفه مرات عدة" (العديد من هواتف آيفون ليختار منها!)، ولم يستخدم تطبيق "واتساب" للدردشة. ألم يطلب أحد منه حفظ بياناته؟ سأله كيث. فأجابه سوناك بصراحة مطلقة: "لا أذكر أن أياً من الموجودين في مكتبي نصحني بذلك".

ومن المضحك أن رئيس الوزراء كان عاجزاً عن تذكر كثير من الأمور الفظيعة على رغم كل تلك الصراحة التي أظهرها. وغابت عن ذاكرته مذكرات صادرة عن وزارة الخزانة ومحادثات ورسائل وحتى اجتماعات بأكملها.

ولدى سؤاله عن الجلسة التي نظمها بوريس جونسون مع علماء مشككين بالإقفال التام، أجاب سوناك: "لا أستذكر فعلاً ما حصل في ذلك الاجتماع".

هل كان فشل رئيس الوزراء في تذكر بعض التفاصيل مقصوداً أم ماذا؟ تستطيع سماع تنهدات الإحباط من مكان جلوس الحاضرين حيث جلس أفراد العائلات المفجوعة بلا مبالاة ووضع بعضهم في حضنهم صور أحبائهم الذين رحلوا عن الحياة. استمعوا إلى سوناك بتجهم، ولكن من دون الغضب المستعر الذي أظهروه تجاه جونسون في جلسة الأسبوع الماضي.

من المضحك أن رئيس الوزراء كان عاجزاً عن تذكر كثير من الأمور الفظيعة على رغم كل تلك الصراحة التي أظهرها
 

 

لم يكن بوسع سوناك تذكر أية معلومات تفترض بأن مكتب رئيس الحكومة أو مكتب مجلس الوزراء كان عاجزاً أو غير فعال، ولكنه شرح بصراحة أنه بكل بساطة لم يكن يعمل هناك. وهو ما بدا عذراً مفاجئاً لأن وزير الخزانة في المملكة المتحدة يعيش في شقة فوق مقر الحكومة في داونينغ ستريت، وكان لمكتبه باب يصله بممر مكتب رئيس الوزراء. وقام بزلة لسان قائلاً بأنه كان يتحدث مع جونسون في شأن إقامة حفل شواء لعائلتيهما خلال الإقفال العام في حديقة داونينغ ستريت.

لعل سوناك لم يلحظ الأمور التي تجري من حوله. وهذا ما يشرح كيف تجول في قاعة من دون أن يلاحظ تجمعاً غير قانوني للاحتفال بعيد ميلاد أحدهم الذي انتهى بفرض غرامة من قبل الشرطة [في إشارة إلى الحفلة التي أقامها بوريس جونسون]. وكيف أنه أسر للزملاء بأن الأمر ينطوي على "طريقة التعامل مع العلماء" [أي التركيز على تقديم المشورة العلمية أو الآراء أو الأبحاث بطريقة تتوافق مع أهداف سياسية أو استراتيجيات سياسية معينة] متغافلاً السير كريس في ذلك الاجتماع نفسه. حتى فرانك سبنسر لم يكن ضمن هذه المجموعة (شخصية فرانك سبنسر من المسلسل الإنجليزي الشهير "Some Mothers Do Ave Em" التي تثير غضب الناس). ولا عجب أنه تمكن من إطلاق خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا من دون الإدراك أن روبرت جنريك (وزير الهجرة) كان على وشك الاستقالة. ملاحظة لفريق رئيس الحكومة: تفحصوا الأرضية وانتبهوا من وجود قشر الموز وأغطية فتحات مجاري الصرف الصحي المفقودة لكي لا تزل أرجلكم!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بدأ كيث أسئلته بلطف. فلقد اختفى رجل القانون الأشبه بكلب روتوايلر الذي زمجر في وجه بوريس جونسون قائلاً "دعني أشرح لك!"، وحل مكانه كلب لابرادور لطيف استهل أسئلته بالقول: "هل يمكنني أن أطرح عليك سؤالاً؟"، إنها أحد مزايا كونك رئيس وزراء حالي، واستفاد سوناك من ذلك إلى أكمل وجه. تذمر من بعض "التكرار" و"الأطر النموذجية"، وبعد ساعتين نظر مدهوشاً إلى وقت يسمح له بإضاعته في يوم واحد.

احتدمت الأمور بعد استراحة الغداء عندما خلع كيث قناع اللطف وسأله عن خطة "تناول الطعام في الخارج للمساعدة" Eat Out To Help Out [مخطط دعم حكومي قدمه ريشي سوناك عام 2020 كجزء من جهود الحكومة لدعم تعافي صناعة الضيافة بعد الإغلاق الأول بسبب فيروس كورونا، الذي بموجبه قدم خصماً بنسبة 50 في المئة على الأطعمة والمشروبات غير الكحولية، بما يصل إلى 10 جنيهات استرلينية للشخص الواحد، في المطاعم المشاركة لتشجيع تناول الطعام بالخارج] فهي الخطة التي كلفت دافعي الضرائب 385 مليون جنيه استرليني في شهر واحد وربما أسهمت في تفشي العدوى مقارنة بمبلغ وصل بالكاد إلى 21 مليون جنيه أنفقت على من قاموا بعزل أنفسهم ذاتياً، والتي أنقذت الأرواح في الواقع. خلال الأسبوع الماضي، أبلغ جونسون عن ضلوع سوناك بذلك من خلال القول إنه تم تهريب الخطة عبر المستشارين العلميين. وعندها صرخ كيث: "لماذا لم تقم وزارة الخزانة باستشارة لجنة الخبراء الاستشارية (Sage) وكبير المستشارين الطبيين ووزير الصحة أو أي أحد خارج وزارة الخزانة؟".

وفجأة، استفاقت ذاكرة سوناك من غيبوبتها واستعادت نشاطها وبدأت تقوم بالتمارين النشيطة. فتمكن رئيس الوزراء من تذكر كل تفصيل وألقى دفاعاً قانونياً يبدو أنه حفظه عن ظهر قلب. شكل ذلك سياسة شاملة ومجرد براعة في خطة كاملة لإعادة فتح الاقتصاد، وهو أمر كان العلماء يدركونه جيداً ويدعمونه بالكامل وتضمن مكابح طوارئ أيضاً. مر شهر بين الإعلان عن الخطة وإطلاقها ولم يعترض أحد خلاله. فضلاً عن ذلك، وكما يحصل في كل الأمور الأخرى، "تقع سلطة اتخاذ القرار النهائي ضمن صلاحيات رئيس الحكومة". عادت الكرة إلى ملعبك يا بوريس.

وجرب سوناك حظه قليلاً من خلال الافتراض، كما قال مات هانكوك، أن هناك "تركيزاً مفرطاً على هذا البند بالتحديد". فكشر كيث عن أنيابه بالنيابة عن رئيسة التحقيق ليدي هاليت فقاطعه قائلاً "أستميحك عذراً؟ رئيسة التحقيق هي التي تقرر سواء كانت المسألة تهم التحقيق أم لا." من ثم لم تترك لجنة التحقيق سوناك ينال منها.

وكشفت طرفة أخرى من مذكرات السير باتريك فالانس عن أن أحدهم قال خلال اجتماع عن حملة لاعب كرة القدم ماركوس راشفورد لإطعام الأطفال الأكثر فقراً بالقول إن "الأشخاص الذين يعملون بجد لا يريدون عالة عليهم". هز سوناك رأسه قائلاً "لم أتلفظ بتلك الكلمات. ولا أتذكر أن أحداً قالها". عاد فقدان الذاكرة ليسعفه مجدداً.

وهكذا بسرعة، انتهت استراحة رئيس الوزراء السعيدة. وعاد إلى هاتفه ومستشاريه وسيارته إلى وستمنستر لرؤية كم باباً فتح في ما يطلق عليه نواب حزب المحافظين اسم "الروزنامة الميلادية اللعينة". بوسعنا القول إنه خرج من التحقيق سليماً وبأقل ضرر ممكن، ولكن لا يظهر هذا ملائماً بالنسبة إلى زعيم تبدو إصاباته المتعددة مميتة.

© The Independent

المزيد من تحلیل