ملخص
"بعض شركات السياحة ألغت حجوزاتها"... كيف تأثرت سياحة سيناء بأحداث غزة؟
على وقع الأحداث المتصاعدة التي يشهدها قطاع غزة منذ اندلاع الحرب الدامية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بين إسرائيل وحركة "حماس" التي دخلت شهرها الثالث، يتخوف القائمون على قطاع السياحة في مصر من استمرار وتيرة التصعيد، مما قد يتسبب في تراجع نسب ومعدلات الحركة السياحية الوافدة، في وقت تتوجه فيه الأنظار صوب سيناء، لا سيما مع اقتراب أعياد الكريسماس ورأس السنة وإجازات نصف العام الدراسي والموسم السياحي الشتوي، التي تمثل زخماً كبيراً وموسماً مهماً لمصر.
ويعزز تلك المخاوف إلغاء بعض السياح وشركات السياحة أخيراً، حجوزاتهم المتفق عليها مسبقاً إلى جنوب سيناء، التي تبعد عن منطقة الاشتباكات نحو 300 كيلومتر، وتستقبل أعداداً غفيرة من السياح الوافدين سنوياً، نتيجة للتأثر بالأحداث المتصاعدة في غزة وتداعياتها المتلاحقة، وفق تأكيد عديد من المتخصصين الذين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية".
وقبل ساعات قليلة، أفادت وسائل إعلام مصرية بسقوط جسم طائر على بعد نحو كيلومتر ونصف قبالة سواحل مدينة دهب المطلة على خليج العقبة بالبحر الأحمر، ونقلت وسائل الإعلام عن مصادر وصفتها بـ"الرفيعة المستوى"، أن الدفاعات الجوية المصرية رصدت الجسم الطائر، وتعاملت معه بشكل فوري.
كذلك تعرضت مصر لحادثتين في جنوب سيناء، أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إحداهما في مدينة "طابا"، التي تقع على الحدود الشرقية للبلاد، وتبعد أكثر من 200 كيلومتر عن مدينة رفح الحدودية من قطاع غزة، إثر سقوط طائرة موجهة من دون طيار، والحادثة الأخرى بمدينة "نويبع" على البحر الأحمر، التي تقدر المسافة بينها وبين قطاع غزة أكثر من 250 كيلومتراً، نتيجة سقوط جسم غريب.
وفي مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" أن عشرات الآلاف من الفلسطينيين النازحين داخلياً وصلوا إلى محافظة رفح، الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، خلال اليومين الماضيين.
وقال بيان صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، "نظراً إلى أن الملاجئ في مدينة رفح تجاوزت طاقتها الاستيعابية إلى حد بعيد، فقد استقر معظم النازحين داخلياً الوافدين حديثاً في الشوارع، وفي الأماكن الفارغة بجميع أنحاء المدينة، إذ نصبوا الخيام والملاجئ الموقتة".
الحوادث السابقة، التي تعرضت لها بعض مدن جنوب سيناء، فضلاً عن الأنباء المتواترة عن نزوح عديد من الفلسطينيين إلى رفح، فتح الباب أمام عديد من التساؤلات، حول مدى تأثير تلك الأحداث في الحركة السياحية في سيناء (شمالاً وجنوباً)، وأبرز التوقعات للموسم السياحي الحالي، وكيف يستعد مسؤولو السياحة لاستقبال أعياد الكريسماس ورأس السنة والإجازات السنوية؟
إلغاء الحجوزات
من جانبه يرى المهندس عضو مجلس إدارة جمعية مستثمري جنوب سيناء وجدي سعد أن السياحة في سيناء "تأثرت بشكل كبير بالأحداث المتصاعدة التي يشهدها قطاع غزة"، جازماً أن بعض شركات السياحة والسياح أنفسهم "ألغوا حجوزاتهم المتفق عليها مسبقاً للسفر إلى جنوب سيناء، نتيجة لتلك الأحداث التي أثرت بدورها في مصر".
وكانت وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال للتصنيفات الائتمانية" أصدرت تقريراً في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رجحت خلاله أن يكون الضرر الأكبر للحرب بين إسرائيل و"حماس" خارج مناطق النزاع، على قطاع السياحة في كل من مصر ولبنان والأردن.
وقدرت الوكالة، في تقريرها، أن هذه الخسائر قد تبلغ ما بين 10 في المئة إلى 70 في المئة من إجمالي عائدات السياحة المسجلة العام الماضي، وذلك وفق تفاقم الصراع واتساع رقعته وامتداد فترته الزمنية.
وفي مصر أشارت الوكالة إلى أن انخفاض إيرادات السياحة سيتراوح بين 10 و30 في المئة، مما قد يكلف البلاد ما بين 4 إلى 11 في المئة من احتياطيات النقد الأجنبي إذا تدخل البنك المركزي المصري في سوق الصرف.
وعلى رغم اقتراب أعياد الكريسماس والعام الجديد وإجازات نصف العام الدراسي، فإن عضو جمعية مستثمري جنوب سيناء يؤكد لـ"اندبندنت عربية" أن نسبة الحجوزات الفندقية في جنوب سيناء حالياً "تصل إلى نحو 50 في المئة فقط". مرجعاً ذلك إلى الأحداث المشتعلة في غزة، التي انعكست بدورها على مصر.
ويشير سعد إلى أن "الحركة السياحية في شمال سيناء ضعيفة مقارنة بجنوب المدينة الذي ينشط فيه الحركة السياحية كل عام، ويشهد رواجاً في نسب السياح الوافدين، بسبب احتوائها على عديد من المدن والمزارات السياحية، التي يرغب السائح في زيارتها والاستمتاع بمعالمها".
وكان رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي أعلن، في تصريحات صحافية، أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أنه من المخطط أن تبدأ الدولة تنفيذ مشاريع تنمية سياحية باستثمارات 2.5 مليار جنيه، تشمل قرى سياحية على أعلى مستوى ومارينا لليخوت وموانئ داخلية ودولية، وكورنيش على امتداد المدن الساحلية بخاصة مدينة العريش، إضافة إلى إحياء مسار العائلة المقدسة.
انخفاض الحركة السياحية
وفي السياق ذاته يرى الرئيس السابق للجنة السياحة العربية بغرفة شركات السياحة ومالك إحدى الشركات السياحية محمد ثروت أن الصورة السلبية التي روج لها الإعلام الغربي بإظهاره أن تلك المنطقة "تشهد حرباً واضطرابات سياسية وتداول عديد من الإشاعات في هذا السياق، انعكس بدوره سلباً على الحركة السياحية في سيناء".
ووفق ثروت فإن الحركة السياحية في سيناء ستشهد "انخفاضاً نسبياً، إذ ستصل نسبة الإشغال مع حلول أعياد الكريسماس والعام الجديد والإجازات الأوروبية وإجازات نصف العام الدراسي إلى نحو 70 في المئة، وهى نسبة أقل مقارنة بالسنوات السابقة التي كانت تشهد في تلك الفترة نسبة إقبال تتجاوز 90 في المئة".
ويشدد الرئيس السابق للجنة السياحة العربية على ضرورة تدخل الجهات المسؤولة بمنح تسهيلات أكثر للسياح، وعمل دعاية تسويقية أكبر، لجذب مزيد من الوفود السياحية من مختلف البلدان، خصوصاً أن أغلب السياحة الوافدة إلى سيناء تأتي من أوكرانيا والمجر والبرتغال وروسيا وإيطاليا.
وتسهم السياحة بما يصل إلى 15 في المئة من الناتج القومي في مصر، وهي مصدر رئيس للنقد الأجنبي ومورداً مهماً لجذب مزيد من العملة الصعبة، وسط أزمة اقتصادية حادة تمر بها البلاد.
تباطؤ في الحجوزات المستقبلية
"التخوف الأكبر يكمن في الحجوزات السياحية المستقبلية لا المتفق عليها مسبقاً، هذه النوعية من الحجوزات تشهد حال من التباطؤ الواضح، بسبب تداعيات أحداث غزة"، يقول الرئيس السابق للجنة السياحة والطيران المدني بمجلس النواب عمرو صدقي.
ويوضح صدقي "الحركة السياحية في مصر تأثرت بوجه عام وليست سيناء وحدها، بسبب الأحداث المتصاعدة التي تشهدها غزة. عدد قليل من السياح ممن لديهم حجوزات سياحية متفق عليها مع الشركات في فترات مسبقة، ولديهم ارتباط ببرامج سياحية في أعياد الكريسماس ورأس السنة وإجازات نصف العام الدراسي ألغوا حجوزاتهم، نتيجة تخوفهم من تبعات تلك الأحداث، على رغم عدم وجود تحذيرات رسمية صادرة بعدم السفر إلى مصر".
ويشير صدقي إلى أن "حال الخوف والقلق بسبب الأحداث الجارية دفع كثيراً من السياح من بلدان مختلفة للجوء للحجز على فترات زمنية أبعد، سواء في الصيف أو الشتاء المقبل، وليس الموسم الحالي، انتظاراً لترقب الأجواء وما ستسفر عنه".
وطالب البرلمان السابق وزارة السياحة والجهات المختصة المصرية بتأكيد أن محافظة سيناء (شمالاً وجنوباً) بعيدة كل البعد من الاضطرابات السياسية والحرب التي تشهدها غزة، لطمأنة السياح وإعطائهم رسائل إيجابية وللتصدي للإشاعات.
وعن شمال سيناء يقول صدقي "لا يوجد فيه حركة سياحية ملحوظة، عكس الجنوب الذي يعد مقصداً مهماً للسياح من مختلف بلدان العالم، الذي تأثر بالطبع أخيراً نتيجة الأحداث السياسية التي تشهدها غزة"، مشيراً إلى أن بعض المدن الأخرى في مصر بها حركة سياحية مستقرة مثل مرسى علم والغردقة، إذ تسير فيها السياحة بصورة جيدة.
غير أن الآراء السابقة تتناقض مع التصريحات الصحافية التي سبق وأدلى بها وزير السياحة والآثار المصري أحمد عيسى، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، التي أكد خلالها أن السياحة في مصر "لن تتأثر بأحداث غزة، وعام 2024 المقبل سيكون موسماً سياحياً قوياً"، مضيفاً أنه خلال الفترة الماضية زار مصر عدد كبير من السياح، وبنسبة زادت على الفترة نفسها من العام الماضي بنسبة من 5 إلى 10 في المئة.
في المقابل يرى المستثمر السياحي ومالك أحد الفنادق السياحية بمدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء حسني رضا أن السياحة في سيناء "لم تتأثر كثيراً بما يحدث في غزة"، مشيراً إلى أن هناك 20 جنسية مختلفة من عدة دول موجودة حالياً في جنوب سيناء، للاستمتاع بإجازاتها السنوية، وهو ما يحدث بشكل دوري في كل عام.
يقول رضا، خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "حجم الإشغال في فندقي، الذي تبلغ سعته 460 غرفة، أكثر من 90 في المئة، وهي النسبة نفسها المعتادة سنوياً"، متوقعاً زيادة نسبة الحركة السياحية واستقبال مزيد من السياح الوافدين مع حلول أعياد الكريسماس ورأس السنة الجديدة والإجازات الأوروبية والموسم الشتوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحركة السياحية آمنة
"ليس لدينا إلغاء لطائرات أو رفعها من السيستم، وعملية العرض والطلب هي التي تتحكم في السوق"، بهذه الكلمات جزمت نائب وزير السياحة والآثار لشؤون السياحة الدكتورة غادة شلبي بأن الحركة السياحية "لم تتأثر" بما يحدث في قطاع.
لكن بسؤال "اندبندنت عربية"، هل يعني العرض والطلب هو المتحكم في السوق أن هناك تأثراً ولو طفيف؟ أجابت شلبي "الحرب التي تعانيها غزة في الوقت الراهن أثرت (إلى حد ما) في معدلات الحركة السياحية الوافدة إلى مصر خلال الفترة الماضية، وأدت إلى تباطؤ في حجم الطلب".
وتشير شلبي إلى أن التوقعات كانت متفائلة بتحقيق أرقام ومعدلات طلب أعلى، لكن "نظراً إلى ضبابية المشهد وعدم دراية السائح ببعد المسافة بين غزة ومصر أثر ذلك نسبياً في معدلات الحركة السياحية خلال الفترة الماضية".
وتوقعت المسؤولة بوزارة السياحة المصرية تزايد الحركة السياحية خلال الفترة المقبلة، بالتزامن مع أعياد الكريسماس ورأس السنة "معدلات الطلب ستكون أفضل في السياحة بعد استقرار الأوضاع أخيراً، والدور الكبير الذي بذلته مصر في تلك الحرب، الذي تجلى في تقديم المساعدات الإنسانية، وعلى رغم كل شيء الحركة السياحية لم تتأثر بالشكل الكبير، والسياحة في مصر آمنة".
وأعلن البنك المركزي المصري مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ارتفاع إيرادات قطاع السياحة إلى 13.6 مليار دولار خلال العام المالي الماضي، مقارنة بنحو 10.7 مليار دولار في العام المالي قبل الماضي.
وكان وزير السياحة المصري أحمد عيسى أعلن في يوليو ( تموز) الماضي أن مصر استقبلت في النصف الأول من العام الحالي 2023 قرابة 7 ملايين سائح، وهو ما يعد الأعلى في تاريخ البلاد خلال هذه الفترة، وقدر نمو عدد السياح القادمين إلى مصر في العام المقبل بـ18 مليون سائح، بعدما سجلت مصر أعلى معدل لعدد الزوار في عام 2010 عندما بلغ 14.7 مليون سائح.