Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيناء في قلبها... هكذا أعدت سيناريوهات "تهجير" الفلسطينيين

"خطط التوطين" في شبه الجزيرة المصرية بدأت مع إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 وصاحبتها محفزات اقتصادية بهدف إعادة تشكيل الوجود السكاني العربي

سيناريو تهجير سكان غزة إلى سيناء طرح للمرة الاولى بعد 1948 ويتجدد بصيغ مختلفة مع كل مرحلة من مراحل الصراع (غيتي)

ملخص

احتلت سيناء المصرية بمساحتها الصحراوية الشاسعة، مكانة متقدمة في مشهد الحرب المتصاعدة في قطاع غزة، وذلك بعد أن تصدرت بموقعها الجغرافي الجدل حول "فرضية تهجير فلسطينيي القطاع" إليها

من بين عناوين عدة، احتلت سيناء المصرية بمساحتها الصحراوية الشاسعة، مكانة متقدمة في مشهد الحرب المتصاعدة في قطاع غزة، وذلك بعد أن تصدرت بموقعها الجغرافي الجدل حول "فرضية تهجير فلسطينيي القطاع" إليها، باعتباره "مخرجاً" للتعاطي الإسرائيلي في ردها على الهجوم التي شنته حركة "حماس" عليها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وفق تل أبيب، وهو ما تتصلب في رفضه القاهرة وعواصم عربية عدة، لما يحمله من "مخاطر أمنية على أمن مصر القومي ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية برمتها".

وبقدر ما أحيته فكرة "تهجير الفلسطينيين" إلى سيناء، مع تصاعد وتيرة الحرب الراهنة في القطاع، من مآسي "النكبة" التي تعرض لها الفلسطينيون حيث تهجيرهم من أراضيهم ومنازلهم وقراهم مع إعلان قيام الدولة العربية في عام 1948، كشفت كذلك عما كان يعتبره البعض "إشاعات أو روايات أو مبادرات" روجتها أطراف إسرائيلية وغربية في السنوات والعقود الماضية، تقع فيها "شبه جزيرة سيناء" في قلب أي حل "مستقبلي" للقضية الفلسطينية، مما فتح الجدل والنقاش حول بدايات طرح سردية "سيناء كوطن بديل للفلسطينيين"، وأسباب تصاعدها في التصعيد الراهن، فضلاً عن مدى واقعية تحقيقها في ظل الرفض المصري والعربي معاً.

وتصاعدت الأحداث على الحدود الشرقية لمصر بعد أن أطلقت حركة "حماس" في السابع من أكتوبر الجاري "طوفان الأقصى"، التي توغل خلالها مقاتلوها في مناطق إسرائيلية ودخلوا مواقع عسكرية وتجمعات سكنية وقتلوا أشخاصاً وأسروا آخرين. وقتل ما لا يقل عن 1400 شخص في إسرائيل منذ بدء الهجوم، بينهم أكثر من 300 جندي، وفق آخر حصيلة للجيش الإسرائيلي، في المقابل كثفت القوات الإسرائيلية من غاراتها الجوية على قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 5 آلاف شخص بينهم أكثر من 2000 طفل في قطاع غزة وجرح أكثر من 15 ألفاً آخرين، وفق وزارة الصحة في غزة.

حكاية التهجير في الحالة الفلسطينية

بقدر مآسيه وربطه لاحقاً بما يعرف بـ"حق العودة"، جاء إعلان إسرائيل لدولتها في مايو (أيار) 1948 على وقع موجة تهجير واسعة للفلسطينيين والعرب من أراضيهم وقراهم ومنازلهم، وفق ما وثقه مؤرخون وسردته وثائق نشرت في العقود التي تلت قيام الدولة العربية.

وأمام رواية إسرائيلية رسمية، مفادها أن هجرة العرب الفلسطينيين من ديارهم "جاءت وفقاً لنداءات وأوامر القادة العرب، الداعية إلى ابتعاد السكان المدنيين عن ساحات القتال خلال حرب عام 1948، ولإفساح المجال، لدخول الجيوش النظامية وتمركزها" عند انتهاء الانتداب البريطاني في الـ15 مايو (أيار) 1948، إلا أنه وفق المؤرخين العرب، وعديد من المؤرخين الغربين، تمت موجات الهجرة العربية والفلسطينية، بشكل منهجي منذ الإعلان عن قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947، إحداهما يهودية والأخرى عربية (مع وجود منطقة دولية تشمل القدس وبيت لحم)، إذ بدأت القوات الصهيونية، وبالتنسيق مع القوات البريطانية اتخاذ إجراءات ميدانية، لتفريغ المناطق المخصصة لليهود من العرب، عبر عمليات أمنية ومضايقات متنوعة، ترتب عليها هجرة الفلسطينيين إلى خارج ديارهم، التي استمرت حتى بدايات 1949، مشيرين إلى أن موجات التهجير الكبرى حدثت إبان الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى عام 1948، وما بعدها، وهو ما عرف حينها باسم "النكبة"، وفق التسمية العربية للأحداث.

 

وبحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (حكومي)، فإنه وبعد قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، لم يجر قيام الدولة العبرية على الأرض المخصصة لليهود وفقاً للقرار الأممي الذي حمل الرقم 181، بل امتد ليشمل مناطق واسعة، كانت مخصصة للدولة العربية، وبلغت نسبة ما أخذته إسرائيل أكثر من 85 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة قرابة 27 ألف كيلومتر مربع، وجرى تدمير 531 من أصل 774 قرية ومدينة فلسطينية، في وقت بلغ عدد المهجرين الفلسطينيين إلى خارج ديارهم نحو 850 ألف شخص من أصل نحو 1.4 مليون فلسطيني، إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، معتبراً أن النكبة "شكلت أكبر عملية تطهير عرقي شهدها القرن الـ20".

وتقول الموسوعة الفلسطينية، إنه وعند حلول عام 1948، كان اليهود قد أسسوا على أرض فلسطين 292 مستعمرة، وكونوا قوات عسكرية من منظمات الهاغاناه، والأرغون، وشتيرن، يزيد عددها على 70 ألف مقاتل، موضحة أن قرار التقسيم الأممي يعود أصله إلى عام 1937، حين أصدرت "لجنة بيل"، المكلفة من بريطانيا في تقصي أسباب الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، تقريرها الذي ورد فيه لأول مرة مقترح التقسيم، الذي اقترحت حينها "التهجير الإجباري للسكان العرب من أراضي الدولة اليهودية المنشودة".

وبموجب قرار التقسيم، فإن اليهود الذين لم يتجاوز عددهم ثلث السكان ولم يمتلكوا سوى سبعة في المئة من الأراضي، منحوا ما يربو على 56 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية (27 ألف كيلومتر مربع)، وذلك في وقت في وقت كان اليهود يشكلون أقل من ثلث عدد السكان ويمتلكون أقل من سبعة في المئة من مساحة الأرض، فيما منح العرب، وفق القرار، أقل من 44 في المئة رغم امتلاكهم غالبية الأراضي.

من هذه الرؤية، وبحسب وثائق نشرها، معهد "عكيفوت" الإسرائيلي، الذي يعنى بكشف الوثائق التاريخية السرية المتعلقة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، في عام 2019، فندت المزاعم الإسرائيلية حول أسباب اقتلاع وهجرة العرب من فلسطين خلال حرب عام 1948، بأن "القيادة العربية أسهمت في تشجيع العرب على الهرب من أرض فلسطين"، إذ كشفت عن أن "معظم عمليات تهجير وتشريد واقتلاع العرب خلال الأشهر الأولى من الحرب نتجت عن العمليات العسكرية للمقاتلين اليهود".

وأظهرت وثائق المعهد، التي عثر عليها في أرشيف "يد يعاري" التابع لحركة "هشومير هتسعير" وقسم بحث الكيبوتس في مركز "جفعات حبيبة" الذي أقيم على أرض قرية أم القطف الفلسطينية، أن "نزوح نحو 70 في المئة من اللاجئين خلال هذه الفترة يرجع إلى العمليات العسكرية للقوات اليهودية المقاتلة"، وأن "تأثير الأوامر التي أصدرها القادة العرب حفزت على رحيل خمسة في المئة فقط من الفلسطينيين".

ووفقاً للوثيقة تم الشروع في خطة تهجير الفلسطينيين والتطهير العرقي لفلسطين في ديسمبر (كانون الأول) 1947، إذ كانت هناك عمليات نزوح ولجوء على مدار ستة أشهر، بينما طبقت الخطة على مدار أربع مراحل، إذ استمرت عمليات التهجير حتى بعد انتهاء ما يسمى وفق الرواية الإسرائيلية "حرب الاستقلال".

سيناء في خطط "التهجير"

مع تعقد الصراع العربي الإسرائيلي في العقود التي تلت قيام الدولة العبرية في عام 1948، وتعدد حلقات الصراع والحروب بين الطرفين، لم تكن سيناء المصرية ببعيدة عن خطط "تهجير الفلسطينيين" لا سيما من أبناء قطاع غزة، التي تجلت صورها في العقود الأخيرة، عبر تصريحات وتلميحات إسرائيلية أو مبادرات دولية ضمن "الحل المستقبلي للقضية الفلسطينية"، فضلاً عن مناقشات رسمية كشف عنها مسؤولون عرب في السنوات الأخيرة، وتحول الآن ليكون أحد "السيناريوهات" المطروحة بقوة لحلحلة القضية، بعد أن أخذت دعوات تفريغ سكان قطاع غزة الذي يعيش فيه نحو 2.3 مليون شخص "طابعاً رسمياً" إسرائيلياً وغربياً، في خضم الحرب الدائرة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.

 

وبحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تعود جذور خطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الفترة التي تلت نكبة 1948، إذ ترأى للقادة الإسرائيليون أن وجود الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية يشكل تهديداً لطابع الدولة اليهودية، مشيرة إلى أنه بعد احتلال إسرائيل قطاع غزة في 1967 (كان يخضع للإدارة المصرية)، شجعت السلطات الإسرائيلية الهجرة القسرية للفلسطينيين بإجبار المسافرين من غزة على ترك بطاقات الهوية وتوقيع وثائق تفيد بأنهم مغادرون بمحض إرادتهم وأن عودتهم مشروطة بالحصول على تصريح من السلطة العسكرية.

وتضيف "رايتس ووتش"، أنه نتيجة لهذه السياسة، ألغي اعتراف إسرائيل بوجود نحو 140 ألف فلسطيني، بما في ذلك 42 ألفاً من سكان غزة، بحجة تجاوزهم فترة الإقامة المسموح بها في الخارج. ولا يزال كثير منهم عالقين في الخارج من دون وثائق تثبت هويتهم. وما زال كثير من الفلسطينيين الذين يعيشون في الخارج يعانون ضعف الوثائق التي تثبت هويتهم، وترفض إسرائيل منحهم "حق لم الشمل"، الذي تم تعليقه منذ عام 2000.

رواية أخرى عن بداية التفكير في سيناء كوطن بديل للفلسطينيين، يتبناها مؤرخون عرب، مفادها أن فكرة التوطين تلك بدأت في أعقاب إنشاء وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، في نهاية عام 1949، حين عرضت الوكالة على السلطات المصرية في أوائل خمسينيات القرن الماضي، خطط لاستكشاف تنمية صحراء سيناء، ضمن تحركات أمنية واقتصادية واجتماعية لتوطين عشرات الآلاف من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، مع وعد القاهرة بتحفيزات مالية من خلال "صندوق إعادة الإدماج"، إلا أن هذا التحرك قوبل برفض مصري، وفلسطيني معاً، وهو ما قاد في النهاية إلى أولى حالات التعبئة الجماهيرية الفلسطينية والمقاومة المنظمة بعد عام 1948، حتى انتفاضة غزة عام 1955 (عرفت لاحقاً باسم انتفاضة أو هبة مارس)، مما دفع مسؤولي الأمم المتحدة على التخلي عن مشاريع إعادة توطين اللاجئين، والاعتراف بالمطالبات الفلسطينية بهوية سياسية خاصة بهم.

وتأسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 1949، بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل حصراً للاجئين الفلسطينيين، ويتم تمويل الأونروا من خلال التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ​​​​وفق الأونروا يعيش ثلث اللاجئين المسجلين لديها أو ما يزيد على 1.4 مليون لاجئ، في 58 مخيماً في الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، بينما يعيش الثلثان الآخران داخل المدن والقرى وحولها في البلدان المستضيفة، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة.

في الأثناء لم تكن المبادرات الخارجية وحدها هي الساعية لتهجير فلسطينيي القطاع، وحتى في الضفة الغربية، إذ عكست الرؤى الإسرائيلية بعد حرب عام 1967، رغبة في إتمام الأمر. ففي عام 1968 قدمت وزارة الخارجية الإسرائيلية مشروعاً يهدف إلى تشجيع الفلسطينيين في غزة على الانتقال والعيش في الضفة الغربية، ومن ثم إلى الأردن وبلدان أخرى في العالم العربي، وهو ما قوبل برفض فلسطيني.

وفي العام ذاته، ناقشت لجنة في الكونغرس الأميركي خطة "تهجير طوعي" لنقل 200 ألف فلسطيني من غزة إلى دول أجنبية من بينها ألمانيا الغربية والأرجنتين وباراغواي ونيوزلندا والبرازيل وأستراليا وكندا والولايات المتحدة، إلا أنها قوبلت كذلك برفض فلسطيني.

 

وفي عام 1970، سعى القائد العسكري الإسرائيلي آنذاك أرئيل شارون (أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء) لتفريغ قطاع غزة عبر مئات العائلات الفلسطينية في حافلات عسكرية إلى مناطق في سيناء التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي، ضمن تحرك لمنح تصاريح للفلسطينيين الذين يرغبون في المغادرة من غزة للدراسة والعمل في مصر وتقديم حوافز مالية لتشجيعهم، وذلك بهدف إحداث تغيير في التوزيع السكاني في غزة والقضاء على المقاومة وتخفيف الاكتظاظ السكاني، حيث كان عدد السكان في ذلك الوقت يبلغ 400 ألف نسمة، إلا أنها لم تحقق نتائج ملموسة كبيرة في نهاية الأمر.

مبادلة أراض في سيناء و"حوافز اقتصادية"

وفي عام 2000، نشر مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية، مشروعاً قدمه اللواء الإسرائيلي غيورا أيلاند، الذي كان يترأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مشروعاً يعرف باسم "البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين"، يستند فيه إلى افتراض أن حل القضية الفلسطينية ليس مسؤولية إسرائيل وحدها، بل هو مسؤولية تشترك فيها 22 دولة عربية.

وبحسب مشروع غيورا أيلاند، يتطلب من مصر تقديم تنازل عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة. تتألف هذه الأراضي من مستطيل يبلغ طول ضلعه الأول 24 كيلومتراً، يمتد على طول الساحل من مدينة رفح إلى حدود مدينة العريش في سيناء، والضلع الثاني طوله 30 كيلومتراً من غرب معبر كرم أبو سالم ويمتد جنوباً بالتوازي مع الحدود المصرية الإسرائيلية، على أن تكون المنطقة المقترحة مساحتها مضاعفة لمساحة قطاع غزة، وتعادل 360 كيلومتراً مربعاً، وتمثل 12 في المئة من مساحة الضفة الغربية. في المقابل، يتنازل الفلسطينيون عن نفس المساحة المقترحة في سيناء من مساحة الضفة الغربية وتضمينها السيادة الإسرائيلية.

في القابل، وفق مشروع اللواء احتياط أيلاند، ستحصل مصر على تبادل للأراضي مع إسرائيل في جنوب غربي النقب (منطقة وادي فيران) بنفس المساحة، مع منحها امتيازات اقتصادية وأمنية ودعماً دولياً. وعلى رغم التركيز الإسرائيلي على هذا المشروع، فإن توقيت صدوره كان سبباً في فشله، حيث جاء بعد تعثر مفاوضات كامب ديفيد بين الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك، وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد نحو أربع سنوات من مشروع غيورا أيلاند، وبأفكار مشابهة، قدم الرئيس السابق للجامعة العبرية يوشع بن آريه، ما وصفه بـ"مشروع إقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء"، استناداً إلى مبدأ تبادل الأراضي بين مصر وإسرائيل وفلسطين، الذي طرحه أيلاند.

وبخلاف مشروع أيلاند، تضمن طرح بن آريه، تخصيص أراض في سيناء للدولة الفلسطينية، وتحديداً منطقة العريش الساحلية، مع إنشاء ميناء بحري وخط سكك حديد دولي بعيد من إسرائيل، ومدينة كبيرة تحتضن السكان، وبنية تحتية قوية، ومحطة لتوليد الكهرباء، ومشروع لتحلية المياه، في المقابل ستحصل مصر على أراض في صحراء النقب جنوب إسرائيل بنفس المساحة التي ستمنحها للفلسطينيين في سيناء، وتبلغ نحو 700 كيلومتر مربع، مع توفير ضمانات أمنية وسياسية لإسرائيل بعدم وجود بناء للمستوطنات في المنطقة الحدودية مع مصر، والسماح لمصر بإنشاء شبكة طرق سريعة وسكك حديدية وأنابيب لنقل النفط والغاز الطبيعي.

وعلى رغم الرفض الفلسطيني والمصري، فإن المبادرة التي تقع فيها "سيناء" في حل إشكالية القضية الفلسطينية، لم تتوقف، إذ تجلى الأمر كذلك ضمن ما عرف إعلامياً بـ"صفقة القرن" التي أعلنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في عام 2020، تحت عنوان "السلام على طريق الازدهار"، الذي تضمن تنازل مصر عن أراض في سيناء لإقامة مطارات ومصانع ومراكز تجارية ومشاريع زراعية وصناعية تسهم في توفير فرص عمل لمئات آلاف الأشخاص، وتأسيس دولة فلسطينية في تلك المنطقة بشرط أن تتخلص من السلاح.

 

وأمام تلك التحركات الإسرائيلية المعلنة، تجلت قضية سيناء كـ"كوطن بديل للفلسطينيين"، في شهادة عدد من المسؤولين العرب، خلال العقد الأخير، إذ بحسب تسجيل انتشر للرئيس المصري الراحل حسني مبارك، بعد الإطاحة به من الحكم في عام 2011، تحدث فيه عن محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عرض الأمر عليه في إطار تبادل الأراضي المرتبط باتفاق السلام، قائلاً "التفكير في سيناء هيكون كالآتي... إسرائيل تريد تزق (دفع) قطاع غزة في سيناء... نتنياهو قبل ما أمشي من الحكم بستة أشهر أخرج لي خريطة. وقال لي أدي (هذا) قطاع غزة وأدي (هذه) حدودنا، ولو نسيب (نترك) الناس بتوع غزة نشوفلهم حتة، وهو بيشاور على سيناء". وتابع "أول ما شوفته بيشاور على سيناء قولتله عايز تحطهم عندنا؟ انسى الموضوع... نتنياهو كان عايز يحط إيده على سيناء، قولتله إنسي، انت عايز تبدأ حرب بينا وبينك تاني، الحدود لا أنا ولا أتخن مني يقدر يقدم لهم".

وجاءت تصريحات مبارك تلك رداً على ما نشرته عنه هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، نقلاً عن "وثائق بريطانية"، جاء فيها أنه قبل توطين فلسطينيين في مصر قبل أكثر من ثلاثة عقود، مشيرة إلى أنه وبحسب الوثائق، التي حصلت عليها الهيئة البريطانية، بمقتضى قانون حرية المعلومات، فإن مبارك استجاب لمطلب أميركي في هذا الشأن.

ووفق "بي بي سي"، اشترط مبارك أنه كي تقبل مصر توطين الفلسطينيين في أراضيها، لا بد من التوصل لاتفاق في شأن "إطار عمل لتسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي"، موضحة أن مبارك كشف عن الطلب الأميركي وموقفه منه خلال محادثاته مع رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر أثناء زيارته إلى لندن في طريق عودته من واشنطن في فبراير (شباط) عام 1983 حيث التقى الرئيس الأميركي رونالد ريغان، وذلك بعد نحو ثمانية أشهر من غزو إسرائيل للبنان في السادس من يونيو (حزيران) 1982 بذريعة شن عملية عسكرية ضد منظمة التحرير الفلسطينية إثر محاولة اغتيال سفيرها في بريطانيا، شلومو أرجوف على يد منظمة أبو نضال الفلسطينية.

رواية أخرى حول ذلك التوطين، تحدث عنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، خلال كلمة ألقاها أمام الدورة الـ23 للمجلس الوطني في مايو (أيار) 2018، إذ قال إنه "رفض عرضاً من الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي (منتم لجماعة الإخوان المسلمين) بتقديم جزء من شبه جزيرة سيناء، لتوطين الفلسطينيين فيه"، مشيراً إلى أن العرض يقضي بإقامة دولة فلسطينية بحدود موقتة ومنها جزء من سيناء. وبحسب عباس، فإن حركة "حماس" قبلت بفكرة الدولة الموقتة، التي فيها سيتم تأجيل قضية القدس المحتلة وأزمة عودة اللاجئين. واعتبر أن ذلك إنهاء للقضية الفلسطينية.

وأخيراً عاد الحديث وبكثافة عن خطط إسرائيلية وغربية لنقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، إلا أن الأمر قوبل باستنكار مصري وعربي وفلسطيني لذلك. حين كرر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رفضه القاطع بحصول ما وصفه بجهود إجبار الفلسطينيين في غزة على التوجه إلى شبه جزيرة سيناء، محذراً من أن مثل هذه الجهود "ستصفي القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، وستؤدي في النهاية إلى توسيع رقعة الصراع"، وأنها "ستحول سيناء إلى قاعدة للمقاومة"، التي ستحمل مصر المسؤولية عنها، مشدداً على أنه "لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين"، وأن "أمن مصر القومي خط أحمر ولا تهاون في حمايته".

المزيد من تقارير