اقتحمت التكنولوجيا الكثير من المجالات، حتى امتدت يدها إلى عالم النشر والكتب باستحداث وسائل جديدة للقراءة منها "المكتبات الرقمية"، فتغيرت علاقة القارئ بالكتاب لدى البعض، وعلى رغم الثورة التكنولوجية والتحول الرقمي الذي نشهده حالياً، إلا أن الكتاب المطبوع ما زال صامداً أمام الكتاب الإلكتروني وما زالت الصفحات الورقية مرغوبة لدى جمهور القراء كثيراً.
وأكد قراء التقت بهم "اندبندنت عربية" خلال معرض جدة الدولي للكتاب 2023 في دورته الجديدة، الذي نظمته هيئة الأدب والنشر والترجمة في ديسمبر (كانون الأول) الجاري، على تفضيلهم الكتاب المطبوع عن نظيره الإلكتروني، لما يخلقه الأول من متعة يفتقدها الأخير.
وأوضحت لينا ماهر أن اقتناء الكتاب المطبوع ولمس صفحاته متعة كبيرة لا تجدها في الكتب الإلكترونية، فقراءة كتاب مع شرب كوب من القهوة يجعلها تتغلغل بين السطور وداخل أفكار الكاتب.
ويهوى محمد عادل شراء الكتب المطبوعة لمكتبته الخاصة، إذ يثيره منظر رفوف المكتبة، قائلاً "أجمل اقتناء هو اقتناء الكتب الورقية كونها خير جليس وصاحب، فهي المتعة والمرجع والثقافة والعلم والإثارة، فتنقلني صفحاتها إلى عالم آخر، لا أجده في الكتب الإلكترونية".
أما عبدالعزيز خياط فيرى أن وجود الكتب الإلكترونية لا تغني عن الورقية، ولا يمكن أن تحل مكانتها في الإحساس والمتعة التي تخلق مع لمس صفحات الكتاب، متمنياً استمرار معارض الكتاب حتى يظل الكتاب الورقي قوياً أمام الكتاب الإلكتروني.
نفسي: السر في الحميمية
وعن أثر القراءة على النفس البشرية وتكوين شخصياتها، قال الدكتور النفسي فهد المنصور لـ "اندبندنت عربية" إن الكتب تطبع على قلوب قرائها لمستها الخاصة، فنلمس منهم حساً عاطفياً مميزاً، يجعلهم أشخاصاً مرهفي المشاعر وواسعي الخيال، قادرين على التنقل بخفة بين عوالم مختلفة وشخصيات متنوعة، يعيشون التجارب المطبوعة كما لو كانت حية على أرض الواقع، ومن خلالها يكتشفون جوانب لم يسبق لهم اكتشافها في ذواتهم ويكشفون عن إدراك أعمق لكوامن النفس البشرية.
وزاد المنصور "تبني الكتب شخصيات متفردة عصية على الانقياد تنتقد الأفكار وتتقبل وجهات النظر واختلافات البشر، كيف لا وهي التي تعرضنا لتحديات صعبة نواجه فيها معتقدات وافتراضات، نشأنا جازمين ألا بديل لها ولا يمكن نقضها! لكن الكتب بدورها أثبتت عكس ذلك، فجعلت منا أفراداً منفتحين ذوي عقولٍ مستنيرة، أكثر منطقية وأوسع نظراً للأمور والمشكلات من زوايا مختلفة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد المنصور على وجود رابط بين الكتاب وصاحبه يجعله يأبى التفريط به أو حتى إعارته، خُلق من قوة تأثير الكتاب على النفس، مضيفاً "سر خفي يكمن في رائحة الورق وملمسه يجعل من الكتاب المطبوع أكثر حميمية".
دور النشر تحرس الصنعة
وعلى رغم الخصائص التي تقدمها دور النشر الرقمية من إتاحة شراء وتحميل كتاب كامل، أو مجموعة من الكتب أو مقتطفات من الكتب وتوافر خاصية البحث في قاعدة بيانات الكتب إما بالعنوان أو الموضوع أو المؤلف، وإمكانية إبقاء الكتب في موقع دار النشر لمدة طويلة مقابل تكلفة منخفضة وسرعة نشر الكتاب من خلال مواقع دور النشر الرقمية، وسهولة توزيعه في جميع أنحاء العالم والحصول عليه بأسعار منخفضة مقارنة بالنسخ الورقية من دون تأخير في التسليم؛ إلا أن أصحاب دور النشر التقليدية أكدوا استمرارية دورهم نظراً لأسباب عدة.
وأكد الناشر محمد عراقي خلال حديثه لـ "اندبندنت عربية" استمرار دور النشر الورقية مع مواكبة التطوير في نوعية الكتابة والطباعة التي تشد القارئ، وقال: "لا يزال القراء يتجهون للكتب الورقية في ظل وجود الكتب الإلكترونية، والدليل على ذلك حجم الجمهور الموجود في معارض الكتاب التي تقام في الدول العربية".
فيما يرى صاحب إحدى دور النشر محي الدين السراقبي خلال حديثه لـ "اندبندنت عربية" أن طباعة الكتب الورقية ستستمر بشغف الناشرين وإن قل القراء، موضحاً أن الكتب الورقية تتميز عن الإلكترونية بالمتعة التي تبث من تقليب الصفحات التي تلامس القارئ.
وزاد "معارض الكتاب التي تقام ستسهم في الحفاظ على الكتاب الورقي ودور نشرها، خصوصاً مع الفعاليات المصاحبة للمعارض، إذ إن البعض يستسهل زيارة هذه المعارض في أجواء عائلية أكثر من الذهاب للمكتبات".
ويرى الناشر محمد العالم أن المتعة والألفة التي تولد مع لمس القارئ للكتاب المطبوع ستستمر، لوجود لغة تواصل بينهما ما سيجعلها تظل صامدة أمام تزايد الإقبال على الكتب الإلكترونية، مؤكداً ضرورة البحث عن التجديد من خلال تصاميم أغلفة الكتب ونوعية الورق.
لكن آراء، كذلك تقف في الوسط، ترى أن الكتاب الإلكتروني يمكن اقتناؤه لأغراض البحث والاستدلال، كما هي الحال بالنسبة إلى الموسوعات التي لا يكاد يستغني عنها باحث، إلا أن ذلك لا يرونه يهدد على الأقل في الوقت الراهن الكتاب الورقي في صورته التقليدية.
تبني المؤلف السعودي
واحتضن معرض كتاب جدة الدولي جناح المؤلف السعودي، الذي يمكن المؤلفين السعوديين الأفراد الذين ليس لديهم دور نشر، من تبني مؤلفاتهم وتسويقها وتحصيل قيمتها النقدية لهم.
وتأتي هذه المبادرة التي تقدمها وزارة الثقافة في إطار الخدمات المجتمعية التي تقدمها، وتحظى بإقبال من المؤلفين السعوديين، لنشر نتاجهم وكتبهم من دون أي شروط مبالغ فيها تفرضها دور النشر، كما أنه يصب من جهة أخرى في دعم حالة التأليف في البلاد، وتأمين حق النشر للكاتب السعودي في بلده وبين جمهوره.
ويضم الجناح قرابة 122 عنواناً، استفاد كتابها من خدمات الجناح بالمعرض بعد استيفاء الشروط بدءاً بأن تكون مفسوحة من وزارة الثقافة، وألا يكون الكتاب المراد المشاركة به قد تم بيعه في أحد دور النشر، فيما يتولى الجناح تحصيل القيمة النقدية من المشترين بعد أن يحدد كل مؤلف السعر المناسب لبيع مؤلفاته، لتبدو بعد ذلك الإجراءات سهلة وميسرة بعد تفويض المؤلف الوزارة ممثلة في لجنة جناح "المؤلف السعودي"، ليبدأ بيع مؤلفات السعوديين الذين ينشرون كتبهم بأنفسهم من دون ناشر.