ملخص
تعاقبت الحضارات والدول والممالك التي حكمت اليمن على "قلعة القاهرة"، فالتحم بحصونها المحاربون وشهدت ساحاتها لقاء الأعداء بأهل الأرض للدفاع عن الوطن
تستمد هيبتها من قلاعها وحصونها الشامخة التي تحكي تاريخ الدفاع عن الأرض والإنسان، واليمن بلد القلاع والحصون الشهيرة، وعلى أرضها تعانقت الإرادة البشرية مع الثقافة والجغرافيا عبر الحقب الزمنية، لتظهر على ملامحها فنون الحضارة وإرثها العتيق المتجذر تاريخياً.
وتعد "قلعة القاهرة" في مدينة تعز اليمنية نموذجاً شاهداً على مدنية الإنسان اليمني وعسكريته في آن، كما ترصد جانباً من براعته اليمني في فن عمارة القلاع والحصون التي اتخذها تارة للسكنى وأخرى للدفاع والحماية عن الأرض.
رفيقة الغيم
ومن اسمها "قاهرة" فهي تقهر الأعداء وتستعصي عليهم، بل وتثني عزائمهم بغزو المدينة، إذ يذكرها الرحالة والمؤرخون بأنها "قلعة عظيمة وجميلة"، ويصفها الأدباء بـ "رفيقة الغيم وحارسة المدينة التي لا تنام".
وصممت القلعة التاريخية على غرار قلاع الملوك القديمة لتكون حامية عسكرية لممالك مختلفة حكمت اليمن على مر العصور، ومتنفساً حيث يطيب الهواء، بل وسجناً للمعارضين السياسيين أيضاً.
تشوهات مستحدثة
وفي حديث إلى "اندبندنت عربية" قال مدير مكتب الآثار في تعز محبوب الجرادي إن "ضعفاء النفوس استولوا على الأماكن المجاورة لحرم القلعة والبناء فيها، مستغلين انشغال السلطة المحلية بقضايا وأمور طارئة أخرى تتعلق بالصحة والغذاء والمأوى"، واصفاً ما يحدث بـ "العمل المشين".
وأضاف الجرادي أن "مكتب الآثار في تعز يتابع ما يحدث عن كثب، وقد أصدر تعميماً لمنع أية استحداثات، مناشداً السلطة المحلية سرعة التحرك وعمل حلول طارئة وإزالة كل التشوهات المستحدثة أسفل حرم القلعة التاريخية"، مشيراً إلى أنها تاريخ يعود بناؤه لما قبل الإسلام.
دمار أصاب القلعة
وذكر تقرير صادر عن الهيئة العامة للآثار والمتاحف في محافظة تعز أن "الحرب التي شهدتها المدينة منذ عام 2014 تسببت في حدوث دمار كبير شمل أجزاء واسعة من القلعة، إذ دمر متحفها بصورة كلية وتعرض المدخل الرئيس والوحيد لحصن القلعة الواقع في الجهة الجنوبية والمرافق الخدمية التابعة له لأضرار بالغة، وكذلك أبراج الحراسة في الجهات الغربية والشمالية والجنوبية، نتيجة الضربات الصاروخية والمدفعية المباشرة والقذائف المختلفة".
وأشار التقرير إلى "وجود عوامل طبيعية تمثل تهديداً كبيراً للأبراج والمرافق التي بدأت تتصدع بسبب تسرب مياه الأمطار إلى جدرانها وأرضياتها، وانسداد قنوات التصريف".
وشهدت "قلعة القاهرة" عملية ترميم شاملة امتدت بين الفترة من 2002 وحتى 2012، وتعرضت للقصف الكامل وإنهاء كل ذلك بعد عام واحد من افتتاحها رسمياً عام 2014.
قلعة الثورة والتمرد
ومن الروايات المأثورة في تاريخ اليمن السياسي أن "قلعة القاهرة كانت معتقلاً للرهائن السياسيين المعارضين لحكم الأئمة خلال أربعينيات القرن الماضي، إذ مارست السلطة الإمامية سياسة قمعية بحق معارضيها، وكانت تقوم بأخذ أطفال الرهائن من القبائل المتمردة وتودعهم سجن القلعة، كما كانت تأخذ أبناء الشيوخ ورؤساء القبائل لتضمن عدم تمردهم عليها بوجود صغارهم كرهائن.
وتتكون القلعة من جزأين رئيسين، الأول "عدينة" وتضم حدائق معلقة على هيئة مدرجات شيدت في المنحدر الجبلي، وسداً مائياً وأحواضاً لتخزين المياه، كما يحوي عدداً من القصور التاريخية والأثرية للدول التي حكمت اليمن، ومنها قصر الضيافة وقصر الأدب وقصر الشجرة، أما الثاني فيسمى "المغربة" ويضم قصوراً ومخازن للحبوب وخزانات مختلفة للمياه.
لقاء الصراع والدم
وعاشت القلعة تداخلاً تاريخياً لأكثر من 10 قرون، تعاقبت خلالها الحضارات والدول والممالك التي حكمت اليمن، فالتحم بحصونها المحاربون وشهدت ساحاتها لقاء الأعداء بأهل الأرض للدفاع عن الوطن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلفية تاريخية
وعلى رغم تشييد القلعة قبل الإسلام إلا أنه في العصر الإسلامي أعيد تصحيح بناياتها في عهد الدولة الصليحية التي اتخذتها مقراً للسلطة واستخدمت استخداماً عسكرياً لتأمين خط القوافل التجارية التي كانت تأتي من المخا.
وقام الأيوبيون بالسير على النهج نفسه، إذ يذكر التاريخ الموثق لذلك أنهم حينما دخلوا اليمن عام 1173 عملوا على زيادة التحصينات الدفاعية في "قلعة القاهرة"، واتخذوها بعد ذلك مقراً للجيوش والحاميات العسكرية.
ولا تزال "قلعة القاهرة" معلماً تاريخياً شاهداً على حكم الدولة الرسولية (1226 - 1454) التي اتخذت من تعز اليمنية عاصمة لحكمها، وشهدت القلعة التي كانت حامية لمقر الملك المظفر يوسف بن عمر بن رسول ومعتقلاً لكبار السجناء السياسيين تطورات كبيرة ومنها بناء سور يحيط بها.
وبعدما آلت السيطرة عليها إلى الطاهريين عام 1518 أصبحت مقراً لقادة الجيوش، واستحدث فيها مسجد ومدفأة مركزية أعدت بطريقة هندسية، إذ تم العثور عليها في أحد الأبراج أثناء عملية التنقيب عام 2013.
كما اتخذ العثمانيون (1516 - 1918) القلعة مركزاً عسكرياً وإدارياً ينطلقون منه إلى الداخل اليمني، حيث قاموا بحفر الملاجئ الصخرية ونصب المدافع المختلفة فيها، ولايزال المدفع العثماني الموجود حالياً في جبل صبر والذي يستخدم لإعلام سكان المدينة بمواعيد الإفطار والإمساك في رمضان شاهداً حياً على اتخاذهم مدينة تعز وشاهقاتها العالية مركزاً استراتيجياً لبسط نفوذهم.