ملخص
تعتزم الحكومة الإيرلندية اتخاذ إجراءات قانونية ضد المملكة المتحدة في إطار أحكام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، للطعن في قانون جديد تسعى فيه لندن إلى إنهاء القضايا الناجمة عن فترة "الاضطرابات" في أيرلندا الشمالية
تعتزم الحكومة الإيرلندية اتخاذ إجراءات قانونية ضد المملكة المتحدة في إطار أحكام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، للطعن في قانون جديد تسعى فيه لندن إلى إنهاء القضايا الناجمة عن فترة "الاضطرابات" The Troubles (صراع دام 30 عاماً من أواخر الستينيات إلى عام 1998 في إيرلندا الشمالية بين الوحدويين البروتستانت بصورة رئيسة الذين أرادوا البقاء جزءاً من المملكة المتحدة والقوميين الكاثوليك الذين سعوا إلى توحيد إيرلندا الشمالية مع جمهورية إيرلندا). وفي هذا السياق، أشار نائب رئيس الوزراء الإيرلندي مايكل مارتن إلى أن خطة بريطانيا تلقى معارضة عديد من الذين تأثروا بالصراع الدموي في إيرلندا الشمالية، والذي امتد على مر عقود و"خصوصاً الضحايا وعائلاتهم".
هذه الخطوة أثارت رد فعل قوياً من الحكومة البريطانية، حيث اتهم وزير الدولة لشؤون إيرلندا الشمالية كريس هيتون هاريس إيرلندا بالنفاق، حيث قال "يجب على الحكومة الإيرلندية الكشف عن عدد الدعاوى الجنائية التي رفعت في إيرلندا منذ عام 1998 والمتعلقة بقضايا ’الاضطرابات’"، مكرراً عدم الرضا الذي كثيراً ما عبرت عنه الأوساط الوحدوية في إيرلندا الشمالية وبعض أعضاء حزب المحافظين [عن الطريقة التي تتعامل بها الحكومة الإيرلندية مع المحاكمات السابقة].
شكلت هذه المسألة مصدراً إضافياً للتوتر العلاقات بين المملكة المتحدة وإيرلندا بعد فترة وجيزة من التحسن وبعض التقدم في معالجة التحديات المستمرة التي تسبب فيها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) والتي تفاقمت بسبب تاريخ طويل من الصراع.
ما هي المشكلة في قانون المملكة المتحدة الجديد؟
الشاغل الرئيس لقانون المملكة المتحدة الجديد، والذي يمتد إلى ما هو أبعد من إيرلندا، هو أنه قد يحمي الجنود البريطانيين السابقين من مواجهة العواقب القانونية على الأفعال الخطرة وغير القانونية التي ارتكبت خلال ذروة "الاضطرابات". من ثم قد يعوق القانون كشف الحقيقة، وهو أمر بالغ الأهمية لعائلات الضحايا بإيجاد خاتمة لمعاناتهم.
ويقول أنصار القانون الذي صدر في سبتمبر (أيلول) الماضي، إنه يمنح حصانة مشروطة ومقيدة من الملاحقة القضائية على الجرائم التي ترتكبها جميع الأطراف، مما يمثل خطوة حاسمة في عملية السلام من خلال حل المظالم القديمة. ويقال إن هذا النهج مستوحى من لجنة الحقيقة والمصالحة في مرحلة ما بعد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
رسمياً، يهدف القانون المتعلق باضطرابات إيرلندا الشمالية (الإرث والمصالحة) لعام 2023 إلى "وقف الإجراءات القانونية المتعلقة بـ’الاضطرابات’، ويوفر حصانة مشروطة من الملاحقة القضائية للأفراد الذين يتعاونون مع التحقيقات التي تجريها اللجنة المستقلة المشكلة حديثاً للمصالحة واستعادة المعلومات (ICRIR)".
ما سبب غضب البعض؟
لأنهم يرون أن القانون يمحو أملهم الأخير في تحقيق العدالة لضحايا الاضطرابات".
كما سبق وأشرنا، تتضمن جوانب القانون الجديد حكماً ينص على أن الذين يتعاونون مع اللجنة الجديدة سيستفيدون بصورة محدودة من الحصانة تجاه المثول للعدالة. كما ينص القانون الجديد على منع قيام قضايا مدنية وتحقيقات قديمة في المستقبل، وهو مفهوم يجده كثر مجحفاً ومؤلماً للغاية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن أبرز تلك الأمثلة قضية مجزرة باليمورفي في بلفاست عام 1971، حيث وجدت التحقيقات اللاحقة أن ستة مدنيين، من بينهم كاهن، قتلوا ظلماً على يد قوات التاج [الجيش ووكالات إنفاذ القانون التي تمثل سلطة الحكومة البريطانية في إيرلندا الشمالية خلال الاضطرابات]. بموجب التشريع الجديد، تلك الجرائم المزعومة، إلى جانب عديد من الجرائم التي ارتكبها إرهابيون لن تجد حلاً في قاعة المحكمة أو في تحقيق. وقد أثار هذا مقاومة كبيرة من الأحزاب السياسية ومجموعات الضحايا في إيرلندا الشمالية.
ما رأي الحزب الوحدوي الديمقراطي؟
يشعر "الحزب الوحدوي الديمقراطي" DUP بالاستياء من التشريع الجديد، ولكنه أيضاً مستاء من المحاولات الإيرلندية لإسقاطه لأن أعضاءه لا يؤيدون العفو عن العنف في أي مكان. وفي هذا الإطار، اتهم زعيم الحزب جيفري دونالدسون، دبلن باتباع "معايير مزدوجة" قائلاً "أعتقد أن الحكومة الإيرلندية تفتقر إلى السلطة الأخلاقية اللازمة للانتقاد. عملياً، وعلى مر السنين، نفذت الجمهورية الإيرلندية شكلاً من أشكال العفو من خلال عدم ملاحقة المسؤولين عن الجرائم بصورة فعالة".
هل يؤثر ذلك في عملية السلام؟
يمكن للمناقشات المحيطة بالقانون الجديد أن تزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى إعادة تنشيط السلطة التنفيذية لإيرلندا الشمالية في ستورمونت. أنجز كثير من التقدم خلال الأسابيع القليلة الماضية لإقناع الحزب الوحدوي الديمقراطي بإنهاء مقاطعته والقبول بتسوية مالية وضمانات في شأن إطار عمل وندسور لما بعد "بريكست" وحول وضع إيرلندا الشمالية في السوق الداخلية للمملكة المتحدة (فضلاً عن جوانب السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي). ومع ذلك، في السياسة الإيرلندية الشمالية، غالباً ما تتشابك المظالم، مما يخلق قضايا معقدة.
تاريخياً، حققت عملية السلام تقدماً إلى حد كبير بفضل العلاقة الوثيقة والثقة بين لندن ودبلن، والتي بدأها قبل ثلاثة عقود رئيس الوزراء آنذاك جون ميجور ونظيره الإيرلندي ألبرت رينولدز. ويعتمد استمرار عملية السلام هذه بصورة كبيرة على الشراكة المستدامة بين العاصمتين.
ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إلى نقاش حزب المحافظين حول الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان؟
يمنح هذا الأمر جناح اليمين في حزب المحافظين، غير الراضي بالفعل عن أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في شأن مخطط رواندا، أسباباً إضافية للدعوة إلى انسحاب المملكة المتحدة من الاتفاقية. ومن شأن مثل هذا الانسحاب أن يشكل تحدياً آخر لعملية السلام لأن الاتفاقية تعد عنصراً أساسياً في اتفاق "الجمعة العظيمة" لعام 1998، ولمؤسسات تقاسم السلطة. بالتالي، ونظراً إلى أهمية الاتفاقية، إلى جانب الهدف الأوسع المتمثل في الحفاظ على العلاقات الودية مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، فإن الحكومة لن تنسحب من الاتفاق.
بغض النظر عن كل ذلك، يبدو أن المملكة المتحدة عازمة على المضي قدماً في خططها، لأنه لا يمكنها أن تسمح بأن ينظر إليها داعموها على أنها تفعل ما تريده المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وعلى رغم احتمال اعتبار الإجراءات الحالية غير قانونية في نهاية المطاف من قبل المحكمة، فإن ما تعلنه الحكومة البريطانية هو "سنواصل بقوة الدفاع عن التشريع بما في ذلك ضمان استمرار عمل اللجنة المستقلة الناشئة للمصالحة واستعادة المعلومات من دون عوائق مع استمرار الدعاوى. تتمثل الغاية المطلقة لقانون الإرث والمصالحة في تمكين مزيد من الضحايا والناجين من الحصول على مزيد من المعلومات بصورة أسرع مما يمكن تحقيقه في ظل المعدات القديمة الحالية. ليس بوسعنا تحمل مزيداً من التأخير في التوصل إلى نتائج فعالة للعائلات والمجتمع بصورة أوسع".
ومن المرجح ألا يصدر حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حتى ما بعد الانتخابات البريطانية المقبلة، مما يجعل من الصعب التنبؤ بمسار الأحداث في المستقبل. إذا حكمت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لصالح إيرلندا، فيجب إما إلغاء القانون أو الاستمرار في وجوده في مأزق شبه قانوني بموجب القانون الدولي، مع احتمال سعي المملكة المتحدة للحصول على رأي من المحكمة العليا في المملكة المتحدة في شأن هذه المسألة.
© The Independent