تعرضت سياسة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون "المستميتة والقاسية" التي تستهدف ردع طالبي اللجوء في المملكة المتحدة، لانتكاسة وبلبلة ليل الثلاثاء، بعد أن تمكنت دفعة من المهاجرين كانت في عداد أول رحلة ترحيل إلى رواندا، من الحصول على إرجاء قانوني في الدقائق الأخيرة.
وقد منعت الرحلة الممولة من دافعي الضرائب بقيمة 500 ألف جنيه استرليني (600 ألف دولار أميركي) قبل دقائق من موعد إقلاعها، بعد تدخلات قامت بها "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان" European Court of Human Rights.
هذا التطور جاء بعد أن كانت الحكومة البريطانية قد أكدت في وقت سابق أن الرحلة ستمضي قدماً بغض النظر عن قلة عدد الركاب الموجودين على متنها.
ويفهم أن طلب الاستئناف المقدم قد تم قبوله من جانب قاضي "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان" خارج ساعات الدوام، في الوقت الذي كان فيه المهاجرون ينقلون من مركز احتجاز بالقرب من مطار هيثرو اللندني إلى مطار "بوسكومب داون" العسكري في ويلتشير، حيث كانت طائرة مستأجرة تنتظرهم لنقلهم إلى رواندا.
وفي ظل وقوف وزارة الداخلية البريطانية عاجزة عن إيجاد مخرج لاستئناف قرار المحكمة، تم إيقاف الرحلة قبل الساعة العاشرة ليلاً بقليل.
وزيرة الداخلية بريتي باتيل أصرت على التأكيد أن الخطة ستبقى قائمة. وقالت إنه "سيتم وضع عدد من الأفراد الذين أخرجوا من الطائرة، على متن الرحلة المقبلة. ويقوم فريقنا القانوني بمراجعة أي قرار يتم اتخاذه في شأن هذه الرحلة، وسيبدأ الآن بالتحضير للرحلة التالية. لن نتراجع عما نعتبره التصرف الصحيح، وعن إنجاز خططنا".
وكان محامو وزيرة الداخلية بريتي باتيل قد اضطروا في وقت سابق، إلى أن يؤكدوا أمام المحكمة، أن بريطانيا ستعيد الأفراد المرحلين من رواندا، إذا ما تم الحكم على السياسة بأنها غير قانونية، وذلك في مراجعة قضائية تجرى الشهر المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
معلوم أن حكومة المملكة المتحدة زعمت سابقاً أن سياستها ستحول دون تمكن مهاجرين من القيام برحلات محفوفة بالمخاطر عبر أكثر ممرات الشحن البحري ازدحاماً في العالم. ويجري الإعلان عن خطط الترحيل في مرفأ كاليه وفي نقاط الانطلاق الأخرى التي يستخدمها اللاجئون للوصول إلى بريطانيا. ويفاخر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأن هذه السياسة -التي وصفها أساقفة "كنيسة إنجلترا" بأنها "منافية للأخلاق"- يمكن أن تؤدي إلى إرسال عشرات الآلاف من المهاجرين إلى الدولة الأفريقية.
مؤسسة "مجلس اللاجئين" Refugee Council (جمعية خيرية تساعد اللاجئين وطالبي اللجوء في بريطانيا) أشارت إلى أن مزاعم الحكومة بوجود تأثير رادع لخطة الترحيل "تم دحضها" مع مواصلة المهاجرين رحلاتهم في اتجاه المملكة المتحدة عبر القنال الإنجليزي.
وقال الرئيس التنفيذي للمؤسسة إنفر سولومون "لطالما كنا ندرك أن هذه الإجراءات لن يكون لها تأثير ملموس في محاولة منع أفراد يائسين من القيام برحلات خطيرة إلى المملكة المتحدة، لأن المسؤولين لا يقومون بشيء على الإطلاق لمعالجة الأسباب الحقيقية وراء تدفق الناس على بريطانيا".
زوي غاردنر منسقة السياسات في "المجلس المشترك لرعاية المهاجرين" Joint Council for the Welfare of Immigrants (JCWI) (مؤسسة خيرية تعنى بعدالة قوانين الهجرة والجنسية واللاجئين) أكدت لـ"اندبندنت" أنه لا يوجد دليل على أن عمليات الترحيل "المستميتة والقاسية" للمهاجرين إلى رواندا ستنجح في ردع تدفق قوارب طالبي اللجوء.
وأضافت غاردنر أن "مثل هذا الإجراء لن يشكل حلاً لإنهاء قضية اللاجئين، فقد كررنا مراراً القول لهذه الحكومة إن ما يمكن أن يوقف العبور المحفوف بالمخاطر وينقذ الأرواح، يتمثل في تأمين مسارات آمنة للأشخاص الذين يبحثون عن ملاذ لدينا".
ويعتقد أن قرابة 250 شخصاً حطوا رحالهم في المملكة المتحدة يوم الثلاثاء، في وقت رفضت فيه محاكم في لندن التماسات بوقف ترحيل أربعة مهاجرين، ثلاثة منهم من إيران ورابع من فيتنام.
إلا أن أمراً قضائياً صدر في الخامسة مساءً من "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان"، قرر إزالة اسم رجل عراقي في الخمسينيات من عمره، من قائمة الترحيل، وذلك قبل ساعات قليلة من صعوده على متن طائرة "بوينغ 767"، تتسع لـ200 مقعد كانت جاثمة في مطار "بوسكومب داون".
وعللت "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان" قرارها بأن الفحص الطبي للرجل الذي غادر العراق في شهر نيسان (إبريل) وانتقل عبر القنال الإنجليزي على متن قارب صغير، قبل أن يطلب اللجوء في بريطانيا في السابع عشر من مايو (أيار)، كشف عن آثار تعذيب محتمل على جسمه. وفي الحكم الذي أصدرته أخذت المحكمة في الاعتبار التقييم الذي أجرته "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" UN High Commissioner for Refugees (UNHCR) والذي يفيد بأن طالبي اللجوء لا يحصلون على "إجراءات عادلة وفاعلة لتحديد وضع اللاجئ" في رواندا، وبأنه لا توجد آلية قانونية قابلة للتنفيذ، لضمان عودتهم إلى المملكة المتحدة.
وصدرت أوامر مماثلة عن المحكمة في ما بعد بالنسبة إلى المبعدين الآخرين، بحيث شملت جميع الذين كانوا على قائمة الترحيل.
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لمح إلى استعداد بلاده لإخراج المملكة المتحدة من "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان" European Convention on Human Rights، لضمان مواصلة العمل بمخطط حكومته.
ولدى سؤال جونسون عما إذا كانت هذه الخطوة المثيرة للجدل مطروحةً فعلاً على طاولة البحث، أجاب "هل سيكون ضرورياً تغيير بعض قوانيننا لمساعدتنا على المضي قدماً؟ قد يكون الأمر كذلك، وجميع هذه الخيارات هي قيد المراجعة المستمرة".
في المقابل، أثار رئيس الحكومة الغضب في أوساط مهنة المحاماة، من خلال اتهامه الحقوقيين الذين يقاومون عمليات الترحيل بأنهم "يحرضون ويشجعون العصابات الإجرامية لمهربي البشر على مواصلة عملها"، على حد تعبيره.
وقد رأى "مجلس المحامين" Bar Council (هيئة تمثيلية للمحامين المرافعين Barristers في إنجلترا وويلز) و"الجمعية القانونية" Law Society (جمعية مهنية تمثل المحامين غير المرافعين Solicitors)، في بيان مشترك أنه "لأمر مضلل وخطير أن يشكك رئيس الوزراء في أن المحامين الذين يقدمون مثل هذه الطعون القانونية، إنما يقومون بممارسة واجبهم المهني ويلتزمون القانون".
واعتبرت الهيئتان أن "كل فرد يواجه خطر صدور قرار من شأنه أن يغير مجرى حياته، له الحق في أن يطعن بشرعية هذا القرار بمساعدة محامٍ، ومن واجب رجل القانون تقديم المشورة لموكله في ما يتعلق بحقوقه".
وكان جونسون قد تعرض لانتقادات بسبب فاتورة ترحيل كل فرد إلى رواندا، المقدرة بأكثر من 80 ألف جنيه استرليني (96 ألف دولار) للرحلة المستأجرة، ما حدا بوزير التنمية الدولية السابق أندرو ميتشل إلى القول لـ"اندبندنت" إن "التكلفة كانت ستكون أقل لو تم وضع هؤلاء اللاجئين في فندق ريتز لمدة سنة مع تقديم وجبتي طعام وزجاجة شمبانيا لهم".
وفي الوقت الذي وقع فيه أساقفة الكنيسة الأنغليكانية رسالةً مشتركة تندد بمخطط الحكومة، قال رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي "إن ترحيل طالبي اللجوء يجب أن يجعلنا نخجل من أنفسنا كأمة".
إيفيت كوبر وزيرة الداخلية في حكومة الظل "العمالية" المعارضة، وصفت برنامج الترحيل بأنه "غير عملي، ولا أخلاقي، وباهظ التكلفة، كما من شأنه أن يزيد من مخاطر التهريب والاتجار بالبشر ويجعلها أسوأ". وأضافت أن "الحكومة تقوم باستهداف ضحايا التعذيب بدلاً من عصابات الاتجار بالبشر".
يشار إلى أن العدد الأسبوعي للوافدين إلى بريطانيا الذي رصدته وزارة الدفاع، انخفض من 1071 شخصاً تم تسجيلهم في الوقت الذي جرى فيه الإعلان عن سياسة الحكومة في الرابع عشر من أبريل (نيسان)، إلى ما بين 190 و762 مهاجراً في الأسابيع اللاحقة.
وأظهرت أحدث الأرقام الرسمية أن 138 شخصاً وصلوا إلى البلاد يوم الاثنين، فيما قدر المراسلون الميدانيون لشبكة "بي بي سي"، أن نحو 250 شخصاً تلقوا المساعدة على الشوطئ البريطانية يوم الثلاثاء الماضي.
هذه الأرقام المتأرجحة تتأثر بقوة بعوامل مختلفة مثل أحوال الطقس والبحر، وليس هنالك ما يشير إلى إمكان عودة هذه الأرقام إلى المستويات التي كانت قد سجلت سابقاً في عام 2019، عندما قام أقل من ألفي مهاجر بالعبور إلى المملكة المتحدة في غضون عام واحد.
ديفيد نيل كبير مفتشي الحدود والهجرة تحدث أمام نواب في البرلمان الأسبوع الماضي، موضحاً أنه لم يلاحظ وجود أي إشارة إلى تراجع أعداد وصول اللاجئين بحسب ما يرمي إليه المخطط، فيما أبلغ كبير موظفي وزارة الداخلية ماثيو ريكروفت السيدة باتيل في رسالة بعث بها إليها في أبريل الماضي، أنه "ليست هناك أدلة مؤكدة على وجود تأثير رادع لهذا المخطط".
يذكر أنه تم إبلاغ نحو 130 شخصاً في البداية أنه يمكن أن يكونوا في عداد الذين سيتم وضعهم على متن أول رحلة إبعاد إلى رواندا. وأوضحت مصادر وزارة الداخلية أن العمل جارٍ للتغلب على العوائق القانونية التي تحول دون المضي في عمليات الترحيل، ويمكن توقع أن يكون عدد من الأفراد الذين تمكنوا من تفادي السفر على رحلة اليوم، في عداد الرحلة التالية، التي يتوقع أن تغادر في غضون أسابيع.
وعلم أن عدداً من الأفراد المعنيين هم رهن الاحتجاز، وإذا ما تمكنت سياسة الحكومة من الصمود بعد المراجعة القضائية، فيتوقع أن يتم استئجار طائرات أخرى لنقل المرحلين إلى رواندا عند البت في قضاياهم.
المتحدثة باسم الحكومة الرواندية يولاند ماكولو، أعلنت في مؤتمر صحافي عقدته في كيغالي، أن السلطات الرواندية تتوقع استقبال "آلاف" المرحلين طيلة مدة اتفاق الشراكة الموقع مع بريطانيا.
وفي رد من أحد مصادر الحكومة البريطانية على موضوع التكلفة التي يتحملها دافعو الضرائب لتحقيق هذه العملية، أشار إلى أن الفاتورة الراهنة لنظام اللجوء، تكلف المملكة المتحدة نحو مليار و500 مليون جنيه استرليني (1.8 مليار دولار) في السنة، مع إنفاق قرابة خمسة ملايين جنيه استرليني (ستة ملايين دولار) كل أسبوع على إسكان المهاجرين.
وأضاف المصدر أن "التوفير سيصب في مصلحة دافعي الضرائب. وفي الوقت الذي يموت فيه أفراد وفي غمرة عدم الأمان لحدودنا، ما التكلفة التي يعتبرها الناس باهظةً للغاية لردع أعمال العبور هذه؟".
كلير موزلي مؤسسة جمعية "كير فور كاليه" Care4Calais الخيرية (تعنى بتسهيل أوضاع طالبي اللجوء في شمال فرنسا وبلجيكا)، التي طالبت بإجراءات المراجعة القضائية مع منظمة "ديتنشن آكشن" Detention Action (غير حكومية تقدم مشورة للمهاجرين الذين هم قيد الاحتجاز) و"اتحاد الخدمات العامة والتجارية" Public and Commercial Services Union (PCS) (الذي يمثل الموظفين الحكوميين)، وصفت عمليات الإبعاد بأنها "صادمة ومروعة للغاية". ورأت أن سلسلة الرحلات المخطط لها إلى رواندا، ستكون "باهظة الثمن ومكلفة وغير مجدية".
ودعت السيدة موزلي إلى "التشكيك في الدافع. فهدف المسؤولين ليس تعطيل نشاط المتاجرين بالبشر وإنقاذ أرواح المهاجرين، لأنهم لو أرادوا فعلاً القيام بذلك، لعملوا على فتح مزيد من المسارات الآمنة للاجئين".
وأخيراً رأت غريام ماكغريغور من منظمة "ديتنشن آكشن"، أنه "لمن العبث المطلق إرسال حفنة من الأفراد إلى رواندا في محاولة لتخويف الناس".
© The Independent