ملخص
مع انقضاء سنة مضطربة أخرى في السياسة البريطانية نجري مراجعة للتوقعات والتكهنات التي قدمناها على مدار السنة
أقر بأنني ارتكبت خطأ هذه السنة عندما افترضت أن البريطانيين سيشعرون بالامتنان لعدم وجود قيادة مدمرة تدير دفة البلاد. وإذا كان هناك من امتنان، فيبدو أنه قد طغى عليه عامل عدم الثقة في الحزب السياسي الذي سمح لهؤلاء المتوهمين المدمرين بالاحتفاظ بالسلطة، حتى ولو لمدة سبعة أسابيع وجيزة فقط.
من هنا يمكنني القول إن الأمر استغرق مني بعض الوقت كي أدرك حجم الضرر الذي ألحقته بحزب "المحافظين" فترة خلو الساحة لرئيسة الوزراء السابقة ليز تراس.
ولدى مراجعة المقالات التي كتبتها هذه السنة - سعياً إلى استخلاص العبر من أخطائي - كنت أميل في كثير من الأحيان إلى افتراض أن وجود رئيس الوزراء ريشي سوناك، لا بد من أن يعزز حظوظ حزب "المحافظين"، لأنه يقدم الكفاءة والاستقرار الأساسيين في السياسة. لكن ينبغي عليّ حقاً أن يكون لدي فهم أفضل للأمور: فالسياسة لا تعمل بالضرورة وفق هذه التوقعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، توقعت بدقة أمراً واحداً. فعشية عيد الميلاد العام الماضي، قمت بتقييم أول شهرين من فترة تولي ريشي سوناك رئاسة الوزراء في البلاد، وقلت: "إذا كان صحيحاً أن الطريقة التي يصعد بها رؤساء الوزراء إلى السلطة تنذر بسقوطهم في نهاية المطاف، فإن مصير سوناك قد سبق التكهن به: فسيُطاح به من منصبه لا محالة، لأنه عقلاني للغاية وغير كفؤ سياسياً".
ما عنيته هو أنه أصبح رئيساً للوزراء على رغم خسارته انتخابات الزعامة الحزبية التي رفض فيها أن يقول لأعضاء حزبه ما يودون سماعه - وذلك في تناقض صارخ مع الطريقة التي فاز بها كير ستارمر بانتخابات قيادة حزب "العمال" المعارض، قبل نحو عامين.
هذا التحليل من شأنه أن يساعد في توضيح الأسباب وراء حصول سوناك على مقدار ضئيل من الامتنان على كفاءته. فقد أظهر نهجاً "فائق العقلانية" في معالجة مشكلات السياسة التي واجهها. ونجح في إعادة التفاوض على "بروتوكول إيرلندا الشمالية" [الذي ينظم العلاقة الحدودية بين الإقليم البريطاني وجمهورية إيرلندا (أي الاتحاد الأوروبي)]، وحصل على صفقة أكثر ملاءمةً تعرف بـ "إطار ويندسور".
كما أجرى تعديلات على أهداف البلاد نحو صفر الانبعاثات الحرارية، لتعكس الواقع بشكل أكبر. لكنه اختار إلغاء ما تبقى من مشروع خط السكك الحديد الثاني "للقطارات الفائقة السرعة" HS2، معتبراً أن هناك استخدامات أكثر قيمة يمكن للبلاد أن تستفيد بها من الأموال المخصصة للمشروع، في قطاعات أخرى.
على خط آخر، حاول وقف تسلل قوارب المهاجرين عبر "القنال الإنجليزي" إلى بريطانيا، لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون و"المحكمة العليا" في المملكة المتحدة، لم يوافقا على حلوله "فائقة العقلانية".
إلا أنه في كل ملف، كان تعامله السياسي ما دون المستوى. فقد جرى تهميش "الحزب الوحدوي الديمقراطي" DUP (الذي يمثل الإيرلنديين الشماليين المؤيدين للبقاء ضمن بريطانيا العظمى) في المناقشات المتعلقة بـ "إطار ويندسور"، ما أدى إلى رفضهم إقامة الحكومة المفوضة في إيرلندا الشمالية، وهو هدف مهم لهذه العملية. وفي ما يتعلق بتحقيق هدف صفر الانبعاثات، بدا أن ريشي سوناك يقوض سياسة معالجة أزمة تغير المناخ - سعياً إلى ضمان حصوله على الدعم الشعبي - في وقت كان يدعي فيه أنه يقوم بتحصين السياسة البيئية.
وقد طغت التكهنات المحيطة بمصير مشروع "خط السكة الفائق السرعة 2" HS2- "سواء كان سيُنفذ أو يجري التخلي عنه" - على العناوين الرئيسة التي سبقت مؤتمر حزب "المحافظين" في مانشستر - المدينة التي جرى استبعادها الآن من خط القطارات هذا - بعدما كانت "اندبندنت" قد أشارت إلى أنه كان يفكر في التخلي عن المشروع. وأسهم اتفاق ريشي سوناك مع الرئيس ماكرون في خفض عدد القوارب الصغيرة الوافدة بمقدار الثلث، علماً أنه تعهد بـ "وضع حد للقوارب"، وليس مجرد تقليل عددها.
مع ذلك، ففي أعقاب الانتخابات المحلية التي أجريت في مايو (أيار) هذه السنة، ظلت مقالاتي تحمل عناوين مثل: "لماذا يتعين علينا أن نناقش احتمالات نشوء برلمان معلق [لا غالبية فيه للحزبين الرئيسيين تمكنه من تولي السلطة]" في الانتخابات المقبلة. وفي الوقت الحاضر، ما زلت أعتقد بأن هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً مما يعترف به كثير من الناس، لكنني أقر بأنه أقل احتمالاً مما كنت أعتقد في البداية بحيث كان ينبغي عليّ أن أدرك أن ديناميكيات البرلمان المعلق، كانت تتغير بسبب الأحداث في اسكتلندا.
ففي فبراير (شباط)، كتبت أن استقالة نيكولا ستورجن من منصب زعيمة "الحزب القومي الاسكتلندي" SNP كانت بسبب فشل مشروع الاستقلال وليس العكس. أعتقد أن ذلك كان صحيحاً، وفيما لم يكن بوسعي أن أتوقع العواقب الكاملة لتحقيقات الشرطة، إلا أنه كان ينبغي عليّ أن أدرك أن أزمة "الحزب القومي الاسكتلندي" قدمت فرصةً لـ "حزب العمال الاسكتلندي"، الذي كنت قد التقيت بزعيمه أنس سروار قبل بضعة أشهر، وأعجبت به.
من هنا فإن احتمال فوز حزب "العمال" بـ 20 مقعداً أو أكثر في اسكتلندا، يغير الاحتمالات لمصلحة غالبية يقودها كير ستارمر في الانتخابات العامة المقبلة. ويحتاج حزب "العمال" الآن للتقدم بنسبة 5 إلى 8 نقاط مئوية فقط على "المحافظين" في حصته من الأصوات، كي يتمكن من الحصول على الغالبية في "مجلس العموم"، في حين كانت الحسابات السابقة تشير إلى أن الحزب المعارض يحتاج إلى التقدم بنسبة 10 إلى 12 نقطة.
أحد الجوانب التي أعتقد أنني قمت بتقييمها بدقة هذه السنة، هو أن تحقيق "كوفيد" [تحقيق حول إجراءات الحكومة أثناء الجائحة]، سيكون بمثابة استنزاف للمال والوقت، وهو الشعور الذي عبرت عنه حتى قبل إطلاقه. فقد كتبت في مايو أقول إن "الغرض من مثل هذا التحقيق - الشبيه بتحقيق ’هاتون وتشيلكوت‘ Hutton and Chilcot [أجراه اللورد والسير جو تشيلكوت في شأن غزو العراق، وخلص إلى أن المعلومات الاستخبارية المتعلقة بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل لم تكن دقيقة] - هو التيقن من صحة ما ’يعرفه الجميع في الأساس‘، ومحاسبة المسؤولين المتهمين مسبقاً. عندما يخلص التحقيق، وهو أمر لا مفر منه، إلى أن الوضع كان أكثر تعقيداً مما كان يعتقد في البداية، وبالتالي، فمن المرجح أن تتعالى ’صرخات تدعو إلى تبرئة المتهمين‘".
وتوقعت أنه "في ذات الوقت ستكون هناك تغطية متواصلة – لأن الأمر مذهل - للصراعات الشخصية والعداوات، وحالات من التصريحات السخيفة، التي يُدلى بها بشكل عابر في خضم تلك اللحظات المشحونة". ومع استمرار المشهد، الذي يحاكي على نحو متزايد برنامج ألعاب تلفزيوني، تتضاءل احتمالات استخلاص دروس مفيدة لأزمة الطوارئ الصحية العامة المقبلة. وعلى رغم أن وجهة نظري تظل وجهة نظر أقلية، إلا أنها تتقاسمها الآن شريحة أكبر من الناس مقارنةً بالماضي.
توازياً، واجهت وزيرة الداخلية البريطانية السابقة سويلا برافرمان في مايو، انتقادات على أثر إشارتها إلى أنها طلبت من موظفي الخدمة المدنية تنظيم دورة خاصة للتوعية بأخطار السرعة، بعد حادث تعرضت له العام الماضي نتيجة قيادة سيارتها بسرعة. وفي نهاية المطاف، دفعت الغرامة وقبلت وضع النقاط السوداء على رخصتها، ما سمح لها بتهدئة موجة الامتعاض ضدها. لكنني كنت قد توقعت في حينه بأن "تبحث في وقت قريب عن سبب للاستقالة نتيجة سياساتها".
افترضت أن سويلا برافرمان - في إطار سعيها إلى إظهار نفسها مرشحةً مناهضةً للهجرة في الانتخابات المقبلة لزعامة حزب "المحافظين" - ستقوم بتصميم سيناريو مغادرتها وزارة الداخلية قبل مواجهة المساءلة عن السبب في عدم تمكنها من خفض أعداد المهاجرين. لم أتوقع في المقابل إقالتها وإظهارها غضباً علنياً حيال ذلك. وإذا ما حصلت على أي دعم من أعضاء حزب "المحافظين" من خلال وصفها التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين بأنها "مسيرات كراهية"، على عكس رغبات ريشي سوناك، فمن المحتمل أنها خسرت الكثير من الدعم نتيجة رسالتها الحادة والمثيرة للانقسام التي وجهتها إلى رئيس الحكومة [عقب استقالتها].
مرةً أخرى أخفقت - إلى جانب نظرتي لأداء ريشي سوناك "فائق العقلانية" - في تقدير مستوى العاطفة والفخر في سلوك برافرمان - وأيضاً في استقالة روبرت جينريك (وزير الدولة البريطاني لشؤون الهجرة) بعد بضعة أسابيع، الذي كان حانقاً لعدم ترقيته لتولي منصبها على رأس وزارة الداخلية.
وإذا كنت أعتقد أن أداء سوناك قد يكون أفضل هذه السنة، فقد اتهمني أنصار كير ستارمر بالتقليل من شأن زعيم المعارضة. وربما من الصحيح أنني قد أثنيت على موقفه الإصلاحي المنهجي والحازم في مراجعته للسياسات التي كانت تهدد بخسارة الأصوات، لكنني أشرت أيضاً إلى أن السياسات المتبقية لم تكن جاهزة بالمقدار الكافي "لتحمل المراجعة والفحص في الحملة الانتخابية". وعلى وجه التحديد، أشرت في يونيو (حزيران) إلى أن الخطة التي تقضي باقتراض 28 مليار جنيه استرليني (35 ملياراً و560 مليون دولار أميركي) سنوياً للاستثمار الأخضر، تهدد بانتهاك قواعد الحصافة المالية التي وضعتها وزيرة الخزانة في حكومة الظل "العمالية" ريتشل ريفز.
وفي غضون أسبوع، أعلنتْ الوزيرة عن تأجيل الخطة إلى الجزء الأخير من الدورة البرلمانية المقبلة، وأن ذلك سيكون "رهناً" بقاعدتها التي تقضي بخفض الدين كحصة من الدخل القومي.
هذا الموقف وضع ريفز في حرج بعدما تخلت عن السياسة من دون أن تتمكن من أن تقول ذلك صراحة. ولا يزال بإمكان حزب "المحافظين" اتهامها بالتخطيط لاقتراض مبلغ إضافي مقداره 28 مليار جنيه استرليني سنوياً، ولن تستطيع أن تنكر ذلك، لأنه وفقاً للسياسة الراهنة، يظل هذا احتمالاً إذا ما سمحت به قاعدة الديون (علماً أنها لا تسمح بذلك). وعلى رغم إحراز تقدم أكبر مما كنت أتصوره قبل عامين، فإن حزب "العمال" لا يزال غير مستعد بشكل كامل لتشكيل حكومة تتولى إدارة البلاد.
وقد تكون أهمية هذه العوامل في توقع نتائج الانتخابات أقل مما كنت أعتقد في البداية، نظراً إلى الشعور المتزايد بأن الشعب البريطاني حسم حتى الآن أمره بأن الوقت قد حان للتغيير. ومع ذلك، ما زلت أعتقد أن ستارمر يقوم بمراكمة المتاعب وتخزينها لفترة ما بعد الانتخابات. والواقع أنه من السابق لأوانه مراجعة بعض التوقعات التي قمت بها هذه السنة، ولا سيما منها تلك المتعلقة بشهر العسل القصير الذي قد يمر به كل من ستارمر وريفز بعد الانتخابات، والصعوبات المقبلة التي سيواجهانها.
وسيكون عزاؤهما الوحيد هو أن غضب اللاعقلانية من المرجح أن يمزق حزب "المحافظين" إلى أشلاء بعد هزيمته في الانتخابات المقبلة. وإذا كنت قد تعلمت أي شيء هذه السنة، فهو أن هناك عدداً هائلاً من أعضاء حزب "المحافظين" الذين يعتقدون أن الأمر الوحيد الخطأ الذي حصل خلال فترة الـ 49 يوماً التي أمضتها ليز تراس في السلطة، هو أنها لم تكن جريئة بما فيه الكفاية.
© The Independent