ملخص
أصبحت الولايات المتحدة تصدر ما يزيد على 4 ملايين برميل يومياً من النفط الخام إلى مصافي التكرير في أوروبا وآسيا
على عكس التعهدات المعلنة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بتزعم جهود مكافحة التغيرات المناخية بالتحول عن الوقود الأحفوري إلى الطاقة الخضراء فإن السياسات الفعلية على الأرض جعلت الإدارة الأميركية الحالية اللاعب الأكبر في سوق النفط العالمية، بعدما منحت امتيازات تنقيب واستخراج نفط أكبر من الإدارة السابقة.
ومنذ اندلعت حرب أوكرانيا العام قبل الماضي وفرض الغرب العقوبات على موسكو أصبحت الولايات المتحدة المستفيد الأكبر من حظر أوروبا استيراد الطاقة من روسيا، إذ زادت صادرات الغاز الطبيعي المسال بقدر كبير. وزادت الصادرات الأميركية من النفط الخام إلى أوروبا أيضاً، وأصبحت الولايات المتحدة تصدر ما يزيد على أربعة ملايين برميل يومياً من النفط الخام إلى مصافي التكرير في أوروبا وآسيا، ووفر ذلك عشرات مليارات الدولارات من الأرباح الإضافية لشركات الطاقة الأميركية الكبرى.
وأصبحت الولايات المتحدة الآن أكبر منتج للنفط الخام في العالم بمعدل إنتاج وصل في نهاية العام إلى أكثر من 2.13 مليون برميل يومياً، وأصبح متوسط الإنتاج الأميركي من الخام في 2023 عند 12.9 مليون برميل يومياً، بزيادة بنحو مليون برميل يومياً على متوسط إنتاج العام السابق 2022.
المخزون الاستراتيجي
لكن ما جعل صحيفة "وول ستريت جورنال" تنشر تقريراً بعنوان "جو بايدن: أحدث تاجر نفط أميركي فوق العادة" ليس كل ما سبق، وإنما هو ما فعلته الإدارة الأميركية في 2022 بإغراق السوق النفطية عبر طرح 180 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي الأميركي. وباعت وزارة الطاقة ذلك النفط في السوق عندما كانت الأسعار عند نحو 95 دولاراً للبرميل، على أن تبدأ في الشراء من السوق لإعادة ملء المخزون الاستراتيجي عندما تهبط الأسعار إلى نحو مستوى 70 دولاراً للبرميل.
وبدأت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تكديس مخزونات استراتيجية من الخام في السبعينيات عقب صدمة النفط التي صاحبت حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 بين إسرائيل والعرب، وهو يماثل المخزون التجاري العادي لدى غالب الدول، والهدف منه الحفاظ على كمية من النفط الخام تكفي مقابل استيراد لمدة 90 يوماً.
وفي الولايات المتحدة وصل المخزون الاستراتيجي من النفط إلى قمته عام 2020 عند 727 مليون برميل حسب أرقام إدارة معلومات الطاقة الأميركية. بعد ذلك ارتفع الإنتاج الأميركي من الخام مع تطور إنتاج النفط الصخري، وعمل أعضاء الكونغرس من الحزبين على بيع كميات من المخزون الاستراتيجي لتمويل مشروعات يقرها البرلمان، بخاصة أن المخزون الاستراتيجي وصل إلى ما يكفي مقابل الاستيراد لمدة 175 يوماً، أي تقريباً ضعف المدة التي ينص عليها تكوين ذلك المخزون في البداية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد بداية الحرب الأوكرانية، وفي سياق سياسة البيت الأبيض للتأثير في معادلة العرض والطلب في السوق، اتخذ الرئيس بايدن قراراً بالإفراج عن 180 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي لزيادة المعروض في السوق بهدف خفض أسعار النفط، وأوقف الكونغرس البيع الإضافي لنحو 140 مليون برميل أخرى، ذلك لأن البيع الهائل للتحكم في السوق أدى إلى خفض المخزون الاستراتيجي إلى أقل مستوى له في 40 عاماً عند 347 مليون برميل.
التاجر الأكبر
ما إن انخفضت أسعار النفط، بدأت وزارة الطاقة الأميركية في الشراء من السوق بأسعار أقل مما باعت به ما أفرج عنه من المخزون الاستراتيجي على أن تستفيد من فارق الأسعار، وفي مطلع عام 2023، فشلت عملية شراء كبيرة لأن السعر الذي حددته وزارة الطاقة جاء أقل من سعر السوق، ثم توالت تعاقدات الوزارة للشراء الآجل في عقود بسعر نحو 75 دولاراً للبرميل.
ومع توفر ما يصل إلى 3.45 مليار دولار متبقية لدى الوزارة لشراء النفط للمخزون الاستراتيجي ارتفع سعر الشراء في نهاية العام من 72 إلى 79 دولاراً للبرميل، لكن الخام الأميركي الخفيف أنهى العام عند سعر حول 71 دولاراً للبرميل.
ويرى المحللون في السوق أن الإدارة الأميركية أصبحت أكبر تاجر نفط في السوق من خلال مشتريات وزارة الطاقة لملء المخزون الاستراتيجي، وذلك كفيل بأن يؤثر أكثر من أي تاجر آخر في السوق والأسعار.
واعتبر البعض أن هدف تلك الاستراتيجية ليس فقط إعادة ملء مخزون الطوارئ، بل التأثير في السوق على حساب تحالف "أوبك+" لاستقرار العرض والطلب.
يقول المدير في مركز الأبحاث "إمبولي أميركا" سكاما أماماث إنه "حتى لو كان (الشراء) بكميات قليلة فإن القدرة على استعراض العضلات بهذه الصورة مهمة جداً للتأثير في السوق".