Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من السجن إلى التشرد فالعودة للإجرام... واقع آلاف السجناء في بريطانيا

يخرج نحو 600 شخص من سجون المملكة المتحدة كل شهر ليجدوا أنفسهم بلا مسكن

تقول جمعيات خيرية إن من الصعب للغاية على السجناء السابقين إعادة بناء حياتهم من دون أن يكون لديهم عنوان سكن دائم (آي ستوك / غيتي)

ملخص

يطلق سراح آلاف السجناء في بريطانيا وفي جعبتهم الخيام وأكياس النوم فقط، لينتقلوا بعد ذلك إلى دوامة من التشرد والعودة للإجرام ومن ثم الرجوع إلى السجون

كشف خبراء لـ"اندبندنت" عن أنه على رغم المبادرة الحكومية المهمة التي تهدف إلى توفير السكن للسجناء بعد إطلاق سراحهم، إلا أن الواقع هو أن آلاف السجناء يطلق سراحهم وفي جعبتهم الخيام وأكياس النوم فقط، لينتقلوا بعد ذلك إلى دوامة من التشرد والعودة للإجرام ومن ثم الرجوع إلى السجون.

وأوضحت جمعيات خيرية ناشطة في هذا المجال أن الأزمة داخل خدمة السجون والمراقبة المثقلة بالأعباء، أدت إلى عدم حصول عدد من السجناء على أية مساعدة في مجال السكن حتى إطلاق سراحهم، وهي مشكلة يخشى بعضهم أن تتفاقم، بسبب الخطوة الطارئة التي أقدمت عليها الحكومة البريطانية، والمتمثلة في تسريع الإفراج عن السجناء بهدف إخلاء مساحة في السجون المكتظة للغاية.

ووفقاً لأرقام رسمية مسجلة حتى شهر مارس (آذار) من السنة الماضية، فإن نحو 600 شخص يغادرون كل شهر مراكز الاعتقال ليجدوا أنفسهم بلا مأوى، في حين أن من المرجح أن يعود ثلثا هؤلاء إلى ارتكاب جرائم مرة أخرى في غضون سنة من خروجهم من السجن. وتشير أبحاث إلى أن عدم وجود عنوان ثابت لهؤلاء الأفراد يزيد من احتمالات إعادتهم للسجون بسبب خرقهم إطلاق سراحهم المشروط، كما حذرت جمعيات خيرية. [عندما يرتبط إطلاق سراح السجناء بشروط محددة، فإن أحد المتطلبات الشائعة هو وجوب الحفاظ على عنوان ثابت. وهذا يسمح للسلطات بمراقبتهم، والتأكد من حضورهم المواعيد الإلزامية، والتأكد من أنهم يعيشون في بيئة مناسبة تدعم إعادة تأهيلهم].

وفيما اعتبر كامبل روب الرئيس التنفيذي لمؤسسة "ناكرو" Nacro الخيرية - التي تعنى بتأمين سكن للذين يغادرون السجون في مختلف أنحاء البلاد - أن عدد الأفراد الذين يواجهون التشرد بعد إطلاق سراحهم مرتفع للغاية، نبه أحد كبار أعضاء البرلمان من حزب "المحافظين"، إلى أن عودة المفرج عنهم إلى الإجرام نتيجة التشرد، يمكن أن تعوق جهود الحكومة لتخفيف مشكلة الاكتظاظ في السجون.

روب حذر مما سماه "دوامة الخروج من السجن، والتشرد في الشوارع، ومن ثم العودة للجريمة" بالقول، إنه "في ظل عدم وجود مسكن ينتقل إليه الأفراد المفرج عنهم بعد إطلاق سراحهم، يكاد يكون من المستحيل البدء ببرنامج إعادة تأهيل المدمنين منهم على المخدرات مثلاً أو مواصلته، أو الحصول على وظيفة، أو إعادة بناء علاقات إيجابية في المجتمع، أو معاودة الاندماج والمساهمة فيه بشكل إيجابي".

 

وقال إنه "في ظل عدم توافر مكان يعيش فيه الأشخاص الذي أطلق سراحهم، فإننا نخاطر بتعريض هؤلاء للفشل".

وتأتي هذه الأرقام المحبطة، على رغم وضع الحكومة البريطانية مخططاً جديداً لضمان منح السجناء المفرج عنهم والموضوعين تحت المراقبة، 12 أسبوعاً من الإقامة. ودخل هذا المخطط حيز التنفيذ الكامل على مستوى البلاد في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، بعدما وسع نطاقه بشكل تدريجي منذ طرحه للمرة الأولى في خمس مناطق، في شهر يوليو (تموز) عام 2021.

المفتشون الذين يتولون مراقبة السجناء المفرج عنهم، أشادوا بالتأثير الإيجابي للمخطط، وقالت الحكومة إن دعماً في مجال السكن قدم لـ 5796 فرداً من الذين غادروا السجون، في الفترة الممتدة ما بين يوليو (تموز) عام 2021، ومارس (آذار) من عام 2023.

لكن تحليلاً أجرته "اندبندنت" وجد أن 11609 أشخاص آخرين من المفرج عنهم، أصبحوا بلا مأوى خلال الفترة نفسها، في حين أن الوضع السكني لـ11 ألف فرد من مغادري السجون كان "مجهولاً" - وهو ما يمثل خمس جميع السجناء الذين أطلق سراحهم.

وتتخوف جمعيات خيرية أيضاً من أن المخطط الجديد يعد في مضمونه بمثابة "تأخير للمشكلة لمدة ثلاثة أشهر" فقط، بحيث يتم ببساطة إخراج بعض الأشخاص لينتهي بهم الأمر مرة أخرى في الشوارع، بمجرد انتهاء فترة إقامتهم التي تبلغ 12 أسبوعاً.

 

ولا ينطبق هذا المخطط على المفرج عنهم من الحبس الاحتياطي، على رغم أن عدد الأفراد المسجونين في انتظار محاكمتهم يبلغ أعلى مستوى له منذ نحو 50 سنة - وهو ما يفاقم حدة أزمة الاكتظاظ.

يشار إلى أن "اندبندنت" كانت أثارت هذه المسألة مع وزارة العدل البريطانية، وفهمت أن الحكومة ستنظر في خيارات الإيواء لتوفير سكن موقت للسجناء المحتجزين احتياطياً الذين برئوا، والذين خرجوا من المحكمة ليقعوا في براثن التشرد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، أدى الضغط الشديد على السجون، إلى تقليص قدرة السلطات على التخطيط الفعال لإطلاق سراح الأفراد - إلى درجة أنه لم يحصل أي سجن فتش السنة الماضية حتى شهر أبريل (نيسان) على تصنيف "جيد" على مستوى التخطيط لإعادة التأهيل والإفراج - ويشكل ذلك انخفاضاً بارزاً عن نسبة 30 في المئة المسجلة في عام 2020.

دانييل راجان ميلز، المسؤول عن تنسيق السياسات في مؤسسة "سويتشباك"  Switchback الخيرية (التي تعنى بدعم مغادري السجون من فئة الشباب على بناء حياة مستقرة)، قال: "لسوء الحظ أن معظم الأشخاص المفرج عنهم لا يحصلون حتى على مستوى محدود من الدعم المحق لهم".

وأكدت المؤسسة الخيرية لـ "اندبندنت" أن 41 في المئة من الرجال الذين عملت معهم، والذين أفرج عنهم خلال عام 2023، أصبحوا بلا مأوى، وهو أعلى مستوى مسجل منذ عام 2017، باستثناء الارتفاع المفاجئ بعد فترة الجائحة في عام 2022، عندما غادر 7 من كل 10 من عملائهم السجن، من دون توفير أي مأوى لهم.

ونبه ميلز إلى أن "أزمة التوظيف الهائلة" في خدمات السجون والمراقبة، تعني "أن العاملين يجدون مصاعب في تنفيذ المهمات الأساسية، وفي إجراء عمليات التقييم والإحالات التي تحدث في وقت متأخر للغاية، ما يعوق إمكان اتخاذ أي إجراء ذي معنى".

ورأى أن "العلاقة يجب أن تبدأ بين عنصر المراقبة والشخص الذي يستعد لمغادرة السجن قبل ثلاثة أشهر في الأقل من إطلاق سراحه. ومع ذلك، فقد أصبح من الشائع بشكل متزايد أن نسمع بأن الأفراد الذين يغادرون السجن لا يلتقون بعنصر المراقبة إلا في يوم إطلاق سراحهم".

ولفت إلى أنه "في كثير من الأحيان، تقوم المجالس المحلية بالحد الأدنى المطلوب بموجب القانون لدعم الأفراد المفرج عنهم".

في المقابل، اعتبر رئيس لجنة العدل في حزب "المحافظين" السير بوب نيل، أن "من غير المقبول على الإطلاق" أن ينتظر السجناء حتى يوم إطلاق سراحهم لتلقي المساعدة. وأضاف: "أعتقد أن هذه هي الحلقة المفرغة بحد ذاتها، لأن السجون مكتظة، والموظفون مثقلون بأعباء مسؤولياتهم، وهذا النوع من العمل لا ينجزه بالسرعة اللازمة كما ينبغي".

وحذر السير بوب من أن إطلاق الأشخاص ورميهم ببساطة في دائرة المجهول "من شأنه بالتأكيد أن يزيد من صعوبة" معالجة الاكتظاظ في السجون بالنسبة إلى الحكومة، وقال لـ"اندبندنت" إن "في إمكان النواب الأعضاء في لجنة العدل، النظر في تداعيات التشرد، كجزء من تحقيقهم المستمر الراهن والمتعلق بالقدرة الاستيعابية للسجون في المستقبل".

 

وأشار إلى أنه "على المدى الطويل، سيسهم تأمين مأوى للأشخاص المفرج عنهم، في التقليل من خطر ارتكابهم مزيداً من الجرائم ووقوع مزيد من الضحايا. وقال: "يجب أن يصب ذلك في مصلحة المجتمع على الأمد الطويل، ويتعين أن تكون الحكومة مستعدة للاستثمار مقدماً في هذا الجانب".

بيفرلي بروكس، مؤسسة جمعية "ريكروتنمانت جانكشن" Recruitment Junction الخيرية التي تساعد سجناء سابقين في العثور على عمل، اعتبرت أن عدم توفير سكن للخارجين من السجن "لا يزال يشكل أكبر عائق أمام هؤلاء لمواصلة حياتهم".

وبحسب ما تؤكد، فإن عدم توفير مساكن يعد عاملاً مساهماً في أن 50 إلى 60 في المئة من عملائها يعاد استدعاؤهم للسجن. علماً أن ثلاثة أرباع هذه الاستدعاءات، لا تتعلق بأنشطة إجرامية جديدة، بل ترتبط بانتهاكات شروط الإفراج عنهم أو السلوك غير المناسب، مثل عدم حضور مواعيد فترة المراقبة، بعد قضاء ليلة في العراء وسط أحد الشوارع، أو على مقعد في إحدى الحدائق العامة".

آنا فيربانك، المحامية في "خدمة استشارات السجناء" Prisoners’ Advice Service (وهي مؤسسة خيرية تقدم مشورة قانونية مجانية للسجناء وتقوم بتمثيلهم في ما يتعلق بحقوقهم)، أكدت أن بعض السجناء الذين أعيد سجنهم ممن اتصلوا بجمعيتها طلباً للمساعدة، "أعربوا عن غضبهم من المشكلات الهائلة التي واجهوها نتيجة مكوثهم في العراء بلا مأوى، ومن النقص في الدعم، ومن إعادة سجنهم لمجرد ارتكابهم خرقاً بسيطاً".

أحد السجناء أبلغ المؤسسة الخيرية أنه كان يستخدم كرسياً متحركاً وأطلق سراحه من دون تأمين مأوى له. وجاء إطلاق سراحه بشرط منعه من العودة لمقر إقامته أو مسقط رأسه، حيث يقع مكتب المراقبة ومركز الإسكان.

ومع ذلك، روى أنه "بعدما ترك على الرصيف وهو على كرسيه المتحرك، من دون أي مورد أو مكان يتقي فيه من الطقس البارد"، اختار البقاء في منزله الشاغر حتى موعد اجتماعه المقرر مع المسؤول عن مراقبته بعد بضعة أيام. وعلى رغم تأكيده أنه لم يلتق أي شخص خلال فترة وجوده في مقر إقامته، إلا أن الشرطة أتت لإلقاء القبض عليه قبل يوم واحد من موعد اجتماعه.

تشارلي تايلور، كبير مفتشي السجون، قال لـ"اندبندنت" إنه "بات أمراً مألوفاً أن يجرى إطلاق سراح سجناء وتزويدهم بخيام وأكياس النوم، خصوصاً عندما يكونون على دراية باحتمال تعرضهم الوشيك للتشرد. وأشار إلى أن النساء في سجن "ستايل"  HMP Styal غالباً ما يتركن مقتنايتهن  في مخزن الممتلكات العائد للسجن، لأنه يعد المكان الأكثر أماناً، ولإدراكهن بأنهن سيعدن إليه في أية حال.

وقال إن بعضهم يعتبرون السجن أكثر أماناً من التشرد، مستشهداً بحادثة التقى فيها بسجين كان ناشد القضاة أن يأمروا بمعاودة سجنه "لأنه كانت هناك موجة برد مقبلة، وكان مدمناً على الهيرويين، ويعلم أنه قد يواجه خطر الموت في فترة عيد الميلاد بسبب (عدم) وجود أي مكان آمن للعيش فيه".

وأضاف كبير مفتشي السجون البريطانية: "الحقيقة هي أن السجن يصبح بالنسبة إلى بعض هؤلاء الأشخاص، بمثابة إحدى الخدمات الاجتماعية الأخرى. وفي وقت لا يعد فيه الوجود في ’سجن بيدفورد‘ بالأمر الممتع، لذا فإن البديل لا بد أن يكون جحيماً مروعا".

وفي تعليق على ما تقدم، قال متحدث باسم وزارة العدل البريطانية: "لقد اتخذنا إجراءات غير مسبوقة تقضي بتوفير الإقامة الموقتة وتقديم الدعم في العثور على مأوى دائم لأكثر من5700  من المفرج عنهم، الذين كان سينتهي بهم المطاف في العراء لولا ذلك. وقمنا أخيراً بتوسيع هذا المخطط على الصعيد الوطني".

وخلص إلى التأكيد على أن "موظفي الوزارة يقومون بعمل رائع في تحويل المجرمين إلى مواطنين ملتزمين بالقانون، ولهذا السبب قمنا بتوظيف أكثر من 4 آلاف عنصر مراقبة متدرب، منذ عام 2020، ولدينا 4700 عنصر حراسة سجون إضافي، مقارنة بعام 2017".

 

© The Independent

المزيد من تقارير