Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الديكور السينمائي... كل شيء عن "صناعة الإيهام"

يتضمن فلسفة بصرية تخدم الحكاية وتجعلها أقرب إلى الواقع المعاش ولو لم ينتبه إليها المتلقي

حتى مشاهد الطبيعة العادية هي عبارة عن ديكور سينمائي ما دامت داخل إطار الشاشة وليس خارجها (مواقع التواصل)

ملخص

لا وجود لفيلم سينمائي من دون ديكور، فما هو؟

يعتبر الديكور الفني بمثابة عنصر جمالي مشترك بين السينما والتلفزيون والمسرح، ذلك أن أهميته تبدو بارزة داخل مجال الفنون التعبيرية لدرجة يكون فيها مؤثراً في مستوى جماليات الصورة، لكن داخل الأدبيات النقدية لا نعثر على فصول كاملة للديكور باعتباره مكوناً بصرياً مهماً في الصناعة السينمائية. فالنقاد لا يعيرونه اهتماماً كبيراً في دراساتهم ومؤلفاتهم، ويتعاملون معه بصورة هامشية وكأنه عبارة عن عنصر تكميلي ليست السينما في حاجة إليه، إذ يستحيل العثور على كتاب حول السينما يتخذ من الديكور مدخلاً للحديث عن قضايا وإشكالات السينما العربية، في حين نعثر على كتب غربية خاصة بفن الديكور السينمائي في علاقته بفنون تعبيرية أخرى، لكن عربياً لا وجود لمثل هذه الكتب لأن الثقافة العربية في عمومها لا تزال تتعامل مع السينما كأنها موضة، ناهيك عن أن النقد السينمائي عبارة عن مراجعات لأفلام سينمائية، ولم يدخل بعد بصورة فاعلة في الإطار النظري الذي يجعله نقداً متماسكاً يمتلك بنية معرفية ونظاماً علمياً.

ويعتبر عدد من الباحثين أن لا وجود لفيلم سينمائي من دون ديكور فني، إذ إنه مكون من مكونات المشهد السينمائي، ويمتلك خاصية الفرادة داخل الصورة السينمائية وصناعتها، بل حتى المشاهد العادية من أرض وسماء وصحراء وغابات وبحر وأعشاب وسيارات وغيرها هي عبارة عن ديكور سينمائي ما دامت توجد داخل إطار الصورة وليس خارجها. فكل ما يوجد داخل الصورة هو من إبداع المخرج، لذا يدخل ضمن العمل السينمائي. والصورة ذات صلة كبيرة بالديكور لأنه يقدم من خلالها، كونها تعطيه شرعية بصرية في علاقته بالمشاهد.

الديكور الفني

كما سبقت الإشارة، يرى الباحثون المتخصصون أن الديكور هو فن تزيين الفضاءات والفراغات، أي إنه عبارة عن أكسسوار جمالي مؤثر في المشهد الفني، لكن هذا الديكور يختلف من فن إلى آخر. فإذا كان في المسرح يعتبر شرطاً من شروط الفرجة المسرحية لأنه يسهم في تأثيث الفراغ وفق طريقة تتلاءم مع السيناريو، وفي التلفزيون يغدو بمثابة مختبر بصري لتمطيط الحكايات الدرامية، في حين تتعامل معه السينما على أساس أنه عماد الصورة السينمائية ومتخيلها. ويقدم الديكور فلسفة بصرية خاصة للسينما لأنه يجعلها فناً بصرياً محضاً لا يعتمد فقط على السيناريو في توصيل الأفكار والحوارات، بل على الصورة بكل ما تحمله من عمق ودلالات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والديكور يجعل من الفن السابع فناً واقعياً يمتلك مجموعة من الشروط الفنية التي تدفعه إلى أن يكون امتداداً حقيقياً للواقع، ففي الأفلام السينمائية تطالعنا المشاهد بوصفها حياة حقيقية عادية تبدو وكأن المخرج لم يهتم بتفاصيلها. والحال أن المشهد السينمائي، كيفما كان نوعه، بمجرد أن يتم تأطيره والقبض عليه داخل صورة يصبح مكوناً للصورة الفنية، في حين أن هناك ديكورات غير طبيعية تتم إعادة بنائها، كما هو الأمر في أفلام الغرب الأميركي لغياب ديكورات طبيعية تتماشى مع خصوصية السيناريو وجوهر القصة ونمطية الحكاية. وإذا كان الديكور العادي في الحياة اليومية تصنعه الطبيعة بفعل عامل الزمن، فإن نظيره في السينما من إبداع البشر، إذ يعد أرقى أشكال الابتكار بالنسبة إلى المصمم، ويختلف الديكور بحسب الفضاء الذي تدور فيه الحكاية السينمائية لأنه عبارة عن ديكور مركب يحمل دلالات متعددة بالنسبة إلى الحكاية.

تشكيل الصورة

تعتبر الأفلام التاريخية أكثر الأنواع السينمائية المهتمة بالديكور لأن الفضاء البصري الذي تشتغل داخله يجعل ديكورها صعباً ومركباً، فمصمم الديكور يجد نفسه داخل فضاء يحمل أبعاداً تاريخية، لذا ينبغي عليه البحث في المصادر عن هذه الحقبة بالضبط، ثم بعد ذلك ينقب بطريقة علمية عن ديكورات هذه المرحلة ويفهم زخارفها ويتأمل تكويناتها الجمالية ليعيد إدراجها داخل سياق بصري محدد. وبذلك فإن مهمة المصمم لا تقتصر على عملية تصميم وحياكة، وإنما تفكير وبحث. وأنجح الديكورات السينمائية هي تلك التي استطاعت نقل المشاهد إلى عوالم أخرى. ففي كثير من أفلام هوليوود يصبح الديكور بمثابة بنية بصرية مؤسسة للعمل السينمائي لأنه ليس عنصراً ثانوياً عابراً. وفي الأفلام التاريخية يتعامل المخرج مع الديكور على أساس أنه العنصر الجمالي الذي يعطي هوية أصيلة للصورة، فتوظيفه لا يخدم هواجس المخرج من الناحية الجمالية، بل رغبته في إعطاء عمق فلسفي للفضاء الذي تدور فيه الحكاية.

 في أفلام الـ"ويسترن" يأخذنا الديكور إلى عوالم مختلفة تعود تاريخياً إلى أزمنة قديمة، مما يعني أنه يمارس علينا سحراً من ناحية الصورة ويدفعنا إلى أن نصدق أننا بالفعل نعيش في الغرب الأميركي، وهذا السحر هو سر الديكور السينمائي وهو العنصر الجمالي الذي يعتمد عليه المخرج في تشكيل هوية الصورة السينمائية ودلالاتها.

من جهة أخرى، يحظى الديكور بأهمية كبرى داخل أفلام الخيال العلمي لأنه يسهم في تأثيث مجموعة من الخلفيات الإلكترونية التي تغني الحكاية ومتخيلها، فلولاه سيبدو الفيلم جافاً ولا تستطيع الصورة وحدها أن توصل المعنى.

إن تقدم فن الديكور وتطور مجال التكنولوجيا أسهما في تشكيل وحدة عضوية بينهما جعلتهما يستفيدان من بعضهما بعضاً، إضافة إلى أن التكنولوجيا أصبحت داخل هذا النوع السينمائي مركز الصورة وقلبها النابض، بل إن تأثيرها يبدو واضحاً في عدد من الأفلام السينمائية التي تشتغل داخل فضاء مفتوح ومتنوع، لذا تحتاج إلى ديكور متجدد يتماشى مع السياقات التاريخية للشخصية والتطور النوعي للحكاية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة