Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتنفس الأسواق الناشئة الصعداء في 2024؟

محللون يرون أن بدء تخفيف "الفيدرالي" السياسة النقدية في صالح الاقتصاد المصري والدولار يتجه إلى إنهاء مكاسب استمرت عامين

فقدت القاهرة نحو 20 مليار دولار في 2022 مع هرولة المستثمرين الأجانب تجاه الفائدة الأميركية المرتفعة (اندبندنت عربية)

يبدو أن الأسواق الناشئة على موعد مع الهدوء النسبي وتنفس الصعداء والتحلل من الضغوط الواقعة عليها مع نهاية الربع الأول من العام الجديد 2024، بعد أن تجرعت اقتصادات الدول الناشئة ومن بينها مصر مراراة التشديد النقدي من البنوك المركزية على مدار عامين منذ 2021، فالقاهرة على سبيل المثال عانت تبخر الأموال الساخنة (استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية) مع كل زيادة في مستويات الفائدة الأميركية حتى فقدت نحو 20 مليار دولار في عام 2022 وحده مع هرولة المستثمرين الأجانب تجاه الفائدة الأميركية المرتفعة.

إلى ذلك يترقب المسؤولون في الأسواق الناشئة أن تحقق البنوك المركزية يتقدمها مجلس الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي) ما لمحت إليه قبل يلملم عام 2023 أوراقه، إذ أشارت إلى إمكان التهدئة في السياسة النقدية المتشددة وبدء مرحلة خفض أسعار الفائدة في مارس (آذار) المقبل على أقرب تقدير أو مايو (أيار) من العام الجديد.

يشار إلى أن المرة الأخيرة التي خفض فيها "الفيدرالي" أسعار الفائدة تعود لفترة بداية الوباء وظهور الجائحة العالمية، بعد سلسلة من الاجتماعات الطارئة بدأت في مارس 2020، اتخذ البنك الأميركي خطوة غير مسبوقة تتمثل في خفض أسعار الفائدة بمقدار 1.25 نقطة، مما أدى إلى وصول أسعار الفائدة إلى مستويات قريبة من الصفر، إذ كان البنك يعتقد أن الخفض كان ضرورياً لمواجهة الأخطار التي يشكلها فيروس كورونا على الاقتصاد.

وبعد مرور ما يقرب من 20 شهراً على بدء التشديد الصارم للسياسة النقدية، أرسل رئيس "الفيدرالي" جيروم بأول عدة رسائل إلى الأسواق كان أهمها، أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الظروف المالية العامة لا تزال مقيدة بما يكفي لترويض التضخم الذي لا يزال يعتبره أعلى بكثير من هدف البنك المركزي البالغ اثنين في المئة.

إلى ذلك تركت رسائل باول الأسواق في حال من عدم اليقين بخصوص مستقبل الفائدة، لكن المستثمرين فسروها بصورة إيجابية، إذ بات البنك الأميركي للمرة الأولى في وضع غير متأكد إذا كان قام بعملية التشديد بما يكفي بالفعل للسيطرة على التضخم، أو إذا كان الاقتصاد يحتاج إلى مزيد من الضبط.

ويعد سعر فائدة البنوك المركزية إحدى الأدوات الأساس المستخدمة في محاولة إدارة التضخم، إذ تميل أسعار الفائدة المنخفضة إلى ارتفاع التضخم، في حين أن أسعار الفائدة المرتفعة بصورة عامة تعمل على خفض التضخم، ومنذ مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 ثبت "الفيدرالي" أسعار الفائدة لمرتين آخرها في الشهر الأخير من العام الماضي 2023.

تراجع تدفقات رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة للخارج إلى 173 مليار دولار

الضرر كان بالفعل كبيراً على الأسواق الناشئة، فالتقارير والتوقعات والتحليلات كافة في العامين الماضي والحالي كانت تتنبأ بالصعوبات الاقتصادية التي ستواجه الأسواق الناشئة، إذ حذر البنك الدولي في دراسة له في سبتمبر (أيلول) 2023 من رفع البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم أسعار الفائدة في وقت واحد لمكافحة التضخم، متوقعاً الاتجاه نحو الركود العالمي هذا العام، إضافة إلى سلسلة من الأزمات المالية في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية من شأنها أن تلحق بهم ضرراً دائماً.

أما معهد التمويل الدولي، فتوقع في دراسة بحثية أيضاً في وقت سابق أن يتراجع تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج في 2023، مما سينتج منه تراجع صافي تدفقات رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة للخارج إلى نحو 173 مليار دولار مقارنة مع 522 مليار دولار في عام 2022، وباستثناء الصين، يقدر صافي تدفقات رؤوس الأموال بنحو 80 مليار دولار هذا العام بعد إعلان تدفقات خارجة بقيمة 221 مليار دولار في عام 2022.

وعادة ما يكون رفع أسعار الفائدة وتشديد السياسة النقدية بالأسواق المتقدمة، التي تعتبر الولايات المتحدة أهمها، أمراً لا ينبئ بخير للأسواق الناشئة إذ يفضل المستثمرون العوائد الجذابة والمضمونة في أوقات عدم التيقن، مما يدفعهم لسحب أموالهم من الدول الأقل نمواً.

إضعاف معظم عملات الأسواق الناشئة

ووفق المذكرة التي أعدها رئيس قسم أبحاث الائتمان في الأسواق الناشئة خوسيه بيريز غوروزبي، انخفضت قيمة عملات الأسواق الناشئة على نطاق واسع خلال العام الحالي، مما يعكس على الأرجح أن الأسواق وضعت أسعار فائدة أعلى على المدى الطويل في الاقتصادات المتقدمة، وأدى هذا إلى جانب احتمال استمرار أسعار النفط أعلى مما كان متوقعاً في السابق، إلى إضعاف معظم عملات الأسواق الناشئة، بخاصة تلك الموجودة في البلدان التي تعتبر مستوردة صافية للطاقة مثل تشيلي والمجر والهند والفيليبين وتايلاند وتركيا وبلدان أخرى.

وبحسب غوروزبي، فمن شأن ارتفاع أسعار الفائدة أن يعوق إعادة تمويل الديون في بعض الأسواق الناشئة، وإذا أدى الارتفاع في أسعار الطاقة وقوة الدولار الأميركي إلى إبقاء أسعار الفائدة أعلى مما هو متوقع حالياً، فستواجه عقبات أكبر في إعادة تمويل ديونها، وستكون آجال استحقاق ديون الأسواق الناشئة العام الحالي 2024 أعلى مما كانت عليه العام الماضي، بل ستزيد أكثر عام 2026.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهته توقع معهد التمويل الدولي أن يسجل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين لعام 2023 بأكمله أدنى مستوياته في 18 عاماً.

وبالنسبة إلى أفريقيا، توقع المعهد أن تضطر مصر إلى تقديم خصوم كبيرة في ظل مساعيها إلى بيع أصول مملوكة للدولة في إطار تعديل هيكلي تحتاج إليه، وذكر أن مفتاح هذا التعديل هو "اعتماد نظام مرن لسعر الصرف، الأمر الذي روج له البنك المركزي المصري كثيراً لكنه كان حذراً في شأنه".

محلياً قال البنك المركزي المصري في أحد تقاريره في 2023، إن "تراجع تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية الموجهة إلى الأسواق الناشئة أدى إلى انخفاض قيم عملات عدة من هذه الأسواق، مما أدى إلى مزيد من الضغوط التضخمية وارتفاع أعباء الدين"، مشيراً إلى أن "التأثير كان أكبر لدى الدول ذات العجز الكبير في الميزان الجاري والنسب المرتفعة للديون المقومة بالدولار"، لافتاً إلى أن "الأسواق الناشئة اتجهت إلى رفع أسعار الفائدة لاحتواء الضغوط التضخمية، وإعادة جذب الاستثمارات الأجنبية لتخفيف الضغوط على عملاتها المحلية، وذلك على حساب ارتفاع كلفة الاقتراض محلياً".

وأمام قوة متصاعدة للدولار، تجد بعض الأسواق الناشئة نفسها اليوم إزاء خطر مباشر، في ظل ارتفاع الديون المقومة بالعملة الأميركية التي من المقرر أن يحل موعد استحقاقها في العام المقبل، معززاً بذلك من الضغوط المالية في عدد من الاقتصادات النامية وينكأ جرحها أكثر.

الأسواق الناشئة أكثر عرضة للخطر

وترى مذكرة حديثة لـ"ستاندرد أند بورز غلوبال بلاتس"، أن اقتصادات الأسواق الناشئة أكثر عرضة للخطر بصورة خاصة، تحديداً تلك التي تعاني ديوناً كبيرة بالعملة الأجنبية أو عجزاً خارجياً في الحساب الجاري، وتركز الوكالة على 18 اقتصاداً ناشئاً رئيساً، مع الأخذ في الاعتبار حجمها وأهميتها في السوق، في أميركا اللاتينية ومنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وفي آسيا.

ويتمثل الخطر الرئيس في الوقت الحالي، بحسب ما يشير محلل "ستاندرد أند بورز" في أن يؤدي ارتفاع قيمة الدولار بصورة إضافية إلى تفاقم الضغوط على ظروف الائتمان في مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى أن الضغوط التضخمية في الأسواق الناشئة وأماكن أخرى قد تزيد من خلال التأثيرات العابرة لصرف العملات الأجنبية.

أخيراً، من شأن سيناريو ضعف الدولار أن يخفف الضغوط على الأوضاع المالية في الأسواق الناشئة الفترة المقبلة، بحسب ما يخلص تحليل الوكالة الأميركية، إذ يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التقلبات في الأسواق المالية ويسبب مشكلات عدة للشركات والمستثمرين.

تراجع الدولار بعد مكاسب عامين

إلى ذلك كان تراجع سعر الدولار الأميركي من بين المؤشرات المرجحة لعودة الحياة للأسواق الناشئة مع ختام 2023، فبعد مكاسب العملة الأميركية طوال عامي 2021 و2022، إلا أنها أنهت 2023 على خسارة، إذ تضغط عليه توقعات السوق بأن تبدأ مرحلة جديدة من التخفيف النقدي، بعدما خسرت العملة الأميركية نحو اثنين في المئة من قيمتها العام الماضي 2023.
ولكن مع تواتر البيانات الاقتصادية التي تشير إلى استمرار تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة، تحول تركيز المستثمرين للموعد الذي قد يبدأ فيه البنك المركزي خفض أسعار الفائدة.

وعن ذلك قال كبير المحللين في "نورديا" نيلز كريستنسن، "تتطلع الأسواق إلى خفض مبكر في الولايات المتحدة، وهي أقل ثقة في أن البنك المركزي الأوروبي سيخفض أسعار الفائدة بالسرعة ذاتها، ولهذا السبب فإن الدولار متقلب جداً".
وأتاح ضعف الدولار متنفساً للعملات الأخرى، بما في ذلك اليورو الذي سجل في أحدث تداول 1.1049 دولار، إذ أنهى عام 2023 عند أعلى مستوياته في خمسة أشهر، بل حقق ارتفاعاً يصل إلى ثلاثة في المئة في 2023، ليسجل أول زيادة سنوية منذ 2020، أيضاً يمضي الجنيه الاسترليني في طريقه لتحقيق مكاسب سنوية تصل إلى خمسة في المئة وهو أفضل أداء له منذ 2017.

معادلة أفضل في العجز التجاري

من جانبه يري المتخصص في شؤون الاقتصاد الدكتور مدحت نافع، إن هدوء حمى التشديد النقدي عالمياً خصوصاً في الولايات المتحدة ومن ورائه البنوك المركزية في أوروبا، سيكون في صالح الاقتصادات والأسواق الناشئة ومن بينها مصر بالفعل، مضيفاً أن "مرحلة تخفيف السياسة النقدية تعني ضعف الدولار بصورة نسبية وهذا في صالح الاقتصاد المصري"، موضحاً أن "ذلك يعني تحقيق القاهرة معادلة أفضل في العجز التجاري، علاوة على سداد آمن لفاتورة الديون الذي بلغ ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، مما يسمح ببراح اقتصادي نوعاً ووفرة دولارية مقارنة بالعامين الماضي والحالي".

استعادة الجدارة الائتمانية

أما أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة هاني جنينة فاتفق مع نافع على أن تخفيف السياسة النقدية الأميركية سيساعد قطعاً الاقتصاد المصري"، مستدركاً "لكن الأهم من ذلك هو استعادة القاهرة لتصنيفها الائتماني العالمي، إذ إن ذلك يدعمها عند الاقتراض من الخارج بأعباء ديون أقل علاوة على تشجيع المستثمرين على ضخ استثمارات مباشرة إلى مصر".