أطلقت عليها الجيوش أسماء مختلفة خلال الحرب العالمية الأولى، فالألمان قالوا عنها "عصاب الحرب " وأسماها الفرنسيون "الإرباك العقلي للحرب" والبريطانيون "الوهن العصبي"، وعندما أدخل الدكتور تشارلز صامويل مايرز المفردات التي يستخدمها في القاموس الطبي عام 1915، أصبح مصطلح "صدمة القصف" Shell Shock متعارفاً عليه. وبعد مرور 25 عاماً، تحول ذلك المصطلح إلى "إرهاق المعركة" battle fatigue وبحلول نهاية القرن الـ20 أصبح يُعرف بـ"اضطراب ما بعد الصدمة" post-traumatic stress disorder PTSD.
في ديسمبر (كانون الأول) عام 1914، وبعد ما يقارب خمسة أشهر فقط من بداية الحرب العالمية الأولى [أو كما توصف بالحرب لمنع وقوع أي حرب أخرى مما يعكس بطريقة ما السخرية والتفاؤل المأسوي في أوائل القرن الـ20 في ما يتعلق بمستقبل الصراعات العالمية]، تكبدت القوات البريطانية 10 في المئة من مجمل ضباط الصفوف الأمامية وأربعة في المئة من المجندين، أو ما يطلق عليهم اسم "الرتب الأخرى"، بسبب "الصدمة العقلية والعصبية".
وفي الشهر نفسه، أعربت افتتاحية في المجلة الطبية البريطانية "ذا لانسيت" The Lancet عن قلقها في شأن "تزايد انتشار الهستيريا، سواء كانت مؤلمة أو غير ذلك، بين الجنود".
بعد مرور عام، أشارت المجلة نفسها إلى أن "حوالى ثلث المرضى الذين أدخلوا إلى الأجنحة الطبية في المستشفيات كانوا مصابين بالوهن العصبي" وبلغ مجموعهم 21747 ضابطاً و490673 من المجندين.
وفي هذا السياق، قال الدكتور فريدريك ووكر موت، مدير مختبر علم الأمراض المركزي للجمعية الطبية في لندن في أوائل عام 1916: "إن استخدام المواد الشديدة الانفجار في حرب الخنادق أنتج عصراً جديداً في العلوم الطبية العسكرية".
وأصبحت مشكلة الصحة النفسية للجنود أزمة في صيف عام 1916 عندما أطلق الجنرال السير دوغلاس هايغ هجوماً شاملاً لخرق الخط الألماني في وادي سوم في شمال فرنسا.
لم تكن تلك معركة بقدر ما كانت مذبحة. فبين الفجر والغسق، قُتل ما يقارب 20 ألف جندي بريطاني فيما أُصيب 40 ألف آخرين بجروح أو فقدوا أثناء المعارك، مما شكل أعلى حصيلة يتكبدها الجيش البريطاني في تاريخه خلال يوم واحد سواء قبل ذلك ومنذ ذلك الحين. كما عانى الرجال والشبان الذين تمكنوا من العودة لخنادقهم رعباً غير مسبوق.
قام عدد من أولئك الجنود المصابين بصدمات نفسية بتوثيق محنتهم من خلال المذكرات والرسائل والرسومات والأشعار. وكان من بينهم ضابطان شابان عولجا من صدمة القذائف، هما سيغفريد ساسون وويلفرد أوين، المعروفان بأنهما من أبرز شعراء الحرب. ومن المثير للاهتمام أن كثيراً من شعرهما ربما لم يكن ليوجد لولا العلاج النفسي الذي خضعا له. جمع القدر بين الشاعرين ليضعهما تحت رعاية أطباء نفسيين ناسبوا حاجاتهم الفردية. لقد عمل هؤلاء الأطباء كمحفز لنتاجهم الأدبي حيث ساعدوا على ولادة أعمالهم من خلال فك رموز كوابيسهم وفهم أفكارهم ورعاية مساعيهم الإبداعية.
في سيناريو مختلف، ربما كان من الممكن أن يترك أوين يعاني الصدمة التي تعرض لها. لكنه تلقى علاجاً مكثفاً من الدكتور آرثر بروك، وهو طبيب نفسي تتوافق اهتماماته في العلوم وعلم الاجتماع والفولكلور والأساطير اليونانية والطبيعة مع اهتمامات أوين. لقد كان بروك المسؤول عن توسيع آفاق أوين ومنحه الثقة بالنفس للقيام بمختلف المهمات واستعادة توازنه العقلي.
من ناحية أخرى، استفاد ساسون من علاقة فكرية مع طبيبه النفسي الدكتور ويليام هالس ريفرز الذي على عكس بروك مع أوين، لم يصر على القيام بأنشطة خارجية كجزء من العلاج. فلو انقلبت الأدوار وقام ريفرز بمعالجة أوين وكان بروك مسؤولاً عن ساسون، لكانت قصصهما تكشفت بصورة مختلفة. علاوة على ذلك، لو عيّن الضابطان في مستشفيات مختلفة، لما كانت مساراتهما تقاطعت، ومن المحتمل أن تكون القصائد التي كتباها في النهاية انحرفت على نحو كبير عن الأعمال الشهيرة التي يعرفها العالم اليوم.
بعد كارثة سوم، فتحت وزارة الحربية مستشفيات جديدة للتعامل خصيصاً مع صدمة القصف ومعالجة ما أصبح جائحة. وكان مستشفى كريغ لوكهارت العسكري في اسكتلندا أفضل مكان لتلقي العلاج.
مع اقتراب موعد عقد المجالس الطبية لساسون وأوين، إذ كان موعد عقده في الـ23 من أكتوبر (تشرين الأول) لساسون وأوين بعد ذلك بأسبوع، أدى الطقس العاصف في أواخر أكتوبر إلى تعذر خروج ساسون للعب الغولف، وتركه يتدرب مجدداً على حواره الداخلي حول أخلاقيات القتال في حرب غير عادلة. في هذه الأثناء، كان أوين يشهد تعافياً كبيراً، مما عزاه ساسون إلى الدور الذي قام به الدكتور بروك الناجح في استعادة توازنه العصبي. ولم يعد أوين يرتجف ويتلعثم وأصبح أكثر ثقة بالنفس فكان يخرج من المستشفى يومياً لرؤية الأصدقاء الذين كونهم خلال الأشهر الأربعة الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان يجذب كل من يقابله، خصوصاً أولاد أصدقائه وطلاب مدرسة تينيكاسل. كما دعته الرسامة الألمانية ماريا ستاينتهال التي كانت تقطن في شارع 21 سان برنارد كريسانت مع ليونارد ومايدي غراي إلى الجلوس في الـ17 من أكتوبر لكي ترسمه. تفاجأ أوين عندما أنهت مسودة بالفحم لملامحه في خمس دقائق. وكما جرت العادة، كان يلعب مع بيكسي، ابنة ماريا التي كانت في عامها الأول ووصفها بأنها "أروع جزء من البروتوبلازما (المادة الأساسية التي تتركب منها الكائنات الحية كافة) الذي سبق لي أن تعاملت معه". وكان يقوم بتسلية بيكسي والترفيه عنها فيما كانت ماريا ترسم "وقبل تناول الشاي، استكملت الرسم التقريبي الكامل بواسطة طريقة الرسم الزيتي". كانت اللوحة تحتاج إلى مزيد من الجلسات ولكن حتى في شكلها غير النهائي، أعجبت أوين خلافاً للوحة رسمتها حماة ماريا بالألوان المائية التي لم تنَل إعجابه.
وفيما كان أوين يكتب ويدخل في المجتمع والحياة الاجتماعية، وجد ساسون نفسه في حال من التفكير العميق. وكتب إلى روبرت غرايفز في الـ19 من أكتوبر قائلاً: "إن وضعي هنا يكاد يكون لا يُحتمل والشعور بالعزلة يجعلني أشعر بالعفن". وكتب إليه صديقه أمين المخازن جو كوتريل من بوليغون وود أن ظروف الفوج كانت مزرية والأصدقاء يموتون. أميال من الوحول وحفر أحدثتها القذائف وجثث البشر والخيول تغطي الأرض التي يجتازها كوتريل كل مساء لجلب الحصص التموينية. وقال لساسون إن الامر أشد رعباً وترويعاً مما سبق له أن رآه من قبل. لقد أزعج هذا الكشف ضمير ساسون بصورة أعمق.
وفي نهاية المطاف، أخبر غرايفز عن قراره بالعودة لفرنسا "إن كانوا سيرسلونني (مع التوضيح بأن آرائي لا تزال نفسها كما كانت في يوليو (تموز) – أو أكثر)". ولكنه أضاف: "أشعر بأنني سأعود للحرب من دون الشعور بالاقتناع بما كنت أقوم به". وتضمنت الرسالة ملاحظة يائسة: "يا روبرت، ما الذي يمكن أن يحصل لإنهاء الحرب؟".
كانت وزارة الحرب تنظر إلى مستشفى كريغ لوكهارت، بحسب كلمات ساسون، "بعين الشك فقد أبلغه الدكتور ريفرز أن المدير المحلي للخدمات الطبية في الجيش يحمل نظرة سلبية للمستشفى وبأنه "لم يسبق له أن سمع بوجود ما سُمي صدمة القصف ولم يقر بذلك مطلقاً". لعل المدير فكر هو أيضاً بالرأي التقليدي القائل إن المرضى العقليين كانوا متمارضين يتظاهرون بالمرض وإن مستشفى كريغ لوكهارت كان يدللهم فحسب. ولم يكن خافياً على أحد أن الرائد برايس سمح للضباط ارتداء النعال في الغرف المشتركة ولم يحُل دون عرض مسرحية اشتراكية خطرة. كان تحقيق شامل تجريه وزارة الحرب أمراً حتمياً وتلقى برايس إنذاراً يمنحه بضعة أسابيع للتحضير له.
مع علمهم بالتفتيش مسبقاً، حرص قادة المستشفيات العسكرية، شأنها شأن القواعد العسكرية، على التأكد من أن موظفيهم ينظفون كل منطقة جيداً وأن الرجال يصقلون أزرارهم النحاسية ويلمعون أحذيتهم ويقفون منتبهين للمفتشين. ومع ذلك، اختار الرائد برايس الذي ادعى ساسون أنه نال "امتنان الجميع ومودتهم"، طريقاً مختلفاً. أراد أن يرى مفتشو وزارة الحرب المستشفى في حاله الحقيقية. وأشار ساسون إلى أن برايس فعل ذلك "من منطلق المبدأ، معتقداً بأنه لا ينبغي التعامل مع مستشفى الصدمات مثل ساحة العرض. وينبع هذا النهج من اقتناعه بأن طبيعة وغرض مستشفى الصدمات النفسية يختلفان اختلافاً جوهرياً عما هو موجود في قاعدة عسكرية عادية".
أرسلت وزارة الحرب جنرالاً وجد مستشفى كريغ لوكهارت وهو يعمل بطريقة نموذجية وغير منظمة إلى حد ما. لم تكن أواني المطبخ تلمع كالمرآة ولم تكن أرضيات المراحيض نظيفة بما يكفي وافتقرت بزات المرضى إلى أحزمة سام براون التي تربط الخصر بالكتفين. ولم يصطف الأطباء والممرضون أمام الجنرال لإلقاء التحية. عوضاً عن ذلك، واصلوا عملهم المعتاد للاهتمام بالمرضى. فقرر الجنرال الذي غضب من قلة النظام، تسريح الرائد برايس. وعندما علم الطاقم الطبي في شأن تسريح قائدهم، تقدم ريفرز وأفراد آخرون من طاقم العمل باستقالاتهم ريثما يتم تشكيلهم في أماكن أخرى. لم يتم إخبار المرضى بما يحصل. وكتب ساسون أنه لو كان على علم بنوايا ريفرز لما ارتكب ما وصفه "بالتصرف الأحمق" عندما عُقد المجلس الطبي الخاص به.
كان ساسون يحمل أخباراً جيدة لأوين عندما حضر إلى العلية لتناول الشاي في الـ 22 من أكتوبر: لم يكن هناك من سبب كما نصحه سابقاً بتأجيل نشر مجموعة من قصائده. وحث أوين على "الإسراع وطباعة القصائد الجاهزة" لكي يتمكن من إرسالها مطبوعة على الآلة الكاتبة إلى الناشر ويليام هاينيمان. فقام أوين بطباعة عمله الذي تضمن ست قصائد ألفها في ذلك الأسبوع وأعطاها إلى ساسون. أسهمت لفتة ساسون في تعزيز علاقتهما.
عاد ريفرز من وزارة الحرب في لندن لإعلام ساسون بأن "شخصيتين مؤثرتين" ستدعمان طلبه بالخدمة في الخطوط الأمامية. وعندها كان ساسون سيعود أخيراً إلى ما وصفه "بالمناطق التي تنتظرني فيها القنابل وغاز الخردل وصناديق القذائف وأمور ممتعة أخرى". وصودف أن أحد الشخصيتين النافذتين هو صديق سبق لساسون أن لعب معه الكريكيت قبل اندلاع الحرب. أعطى الصديق لريفرز رسالة طمأنه فيها بأن نتيجة اجتماع لجنته الطبية ستكون إيجابية. كل ما كان على ساسون القيام به هو أن يحضر ويبدو سليم العقل.
اجتمع المجلس بعد ظهر الـ23 من أكتوبر وعلى طاولته عدد من الحالات لمراجعتها. وفيما قام الأطباء الثلاثة بمقابلة الملازم إي جيه شاتر من البحرية الملكية وعدد من الضباط الآخرين، انتظر ساسون في غرفة الانتظار. أدى التأخير الطويل إلى جعله "متقلب المزاج وعصبياً". لتتحول أفكاره إلى التفكير في دعوة عالم الفلك الملكي لكي يريه القمر في ذلك المساء من خلال عدسة أكبر تلسكوب في اسكتلندا. مع نفاد صبره، تفقد ساسون ساعته و "قلت في نفسي إنه بوسع اللجنة الطبية أن تذهب إلى الجحيم ومن ثم (أسجل هذا مع شعور بالندم) خرجت لاحتساء الشاي مع عالم الفلك". نسيت في شأن ريفرز "وكل ما كنت مديناً له به". وبعد ذلك، على متن القطار الذي تنقل به في أنحاء إدنبره، أدرك بأنه ارتكب "أمراً جنونياً لا يمكن تصوره". تبعه سوء الحظ إلى منزل عالم الفلك الملكي حيث كان التلسكوب معطلاً. "حتى إنني فشلت في مشاهدة القمر".
لم يمر وقت طويل قبل أن يضطر ساسون إلى مواجهة الدكتور ريفرز الذي كان يعتبره سنداً أخلاقياً وعاطفياً له. وبصورة مخجلة، قدم ساسون "شرحاً سيئاً" لقراره المتهور بالتغيب عن المجلس الطبي، مما أزعج ريفرز منه بشكل غير عادي. وتذكر ساسون بأن "الجزء الأسوأ كان أن ريفرز بدا تعيساً للغاية". وعندما أشار إلى أن تغيبه عن المجلس لا يعني التراجع عن "قراره بالتخلي عن كونه من دعاة السلام"، تنفس ريفرز الصعداء. والتقت عيناهما. شعر ساسون بالارتياح وأقر بأنه كان غبياً لأنه أهدر فرصة العودة للجيش من أجل تناول الشاي مع عالم فلك، "فأرجع عندها ريفرز رأسه إلى الخلف وضحك بطريقته الممتعة" ووافق على ترتيب عقد جلسة أخرى للهيئة الطبية. وتطلب عقد مجلس ثانٍ موافقة قائد جديد قد يكون أقل تعاطفاً من برايس.
ترك برايس فراغاً ليس في الإدارة فحسب، بل في حياة المرضى أيضاً. فقد عبر "نادي الكاميرا" Camera Club الذي ترأسه "عن تقديره للكياسة البارعة التي أظهرها الرئيس المتقاعد الرائد برايس من الهيئة الطبية للجيش الملكي بمناسبة مغادرته لمنصبه في المستشفى". لن يتمكن بعد اليوم من لعب الكريكيت والغولف مع الرجال وستفتقد حفلات السبت الموسيقية أغنياته الاسكتلندية الممتعة. ستكون مهمة الشخص الذي سيحل مكانه بغاية الصعوبة.
ولملء المنصب الشاغر الذي تركه برايس، عين المكتب الحربي المقدم روبرت بلفور غراهام، البالغ من العمر 57 سنة والذي يتمتع بسجل لا تشوبه شائبة كطبيب عسكري ورئيس المجلس الطبي للتجنيد في اسكتلندا آنذاك. ولد في روكسبورغ شاير، جنوب شرقي اسكتلندا، في الـ25 من أغسطس (آب) 1859، وهو ابن لرجل دين، ودرس الفن في البداية لمدة عام بعد تخرجه في مدرسة كيلسو للقواعد Kelso Grammar School التي تعد صرحاً تعليمياً مرموقاً قبل متابعة الطب في جامعة إدنبره، وحصل على شهادته عام 1884.
تميزت مسيرة غراهام المهنية بالخدمة العامة: فقد تطوع كجراح في هيئة الأركان الطبية في فيلق مدفعية فايفشاير الأول عام 1887، وعمل في جمعية سانت جون للإسعاف في 1890، وأصبح مفتشاً للصحة العامة في كلية الجراحين الملكية في إدنبره عام 1911. تقدم في الرتب العسكرية، فحمل رتبة كابتن في 1889 وكولونيل عام 1908. وفي بداية الحرب عام 1914، أصبح كبير الضباط الطبيين في مستودع القيادة الغربية ومدير المقاطعة في لواء الصليب الأحمر الإقليمي الاسكتلندي. من دون أي خبرة في مجال الطب النفسي، لم يكن بلفور غراهام خياراً منطقياً للإشراف على مستشفى كريغ لوكهارت. فلا بد من أن وزارة الحرب رأت في الجراح البارع والمتخصص في الصحة العامة مديراً صلباً بوسعه إعادة المستشفى إلى شكلها العسكري المناسب.
لم يتمكن الدكتور آرثر هيلر راغلز بصفته مواطناً أميركياً خاضعاً لقيادته الخاصة، من تقديم استقالته احتجاجاً على مغادرة الرائد برايس. فتولى مسؤوليات برايس في "نادي الكاميرا" الذي استضافه مساء كل أحد في غرفته. وتابع راغلز معالجة الضباط المصابين بالوهن العصبي "ورأى عدداً من الاسكتلنديين الذين انهاروا بصورة دراماتيكية في الخطوط الأمامية من أيام الحرب المرعبة... ومن بينهم برزت حالات الفصام الذهني الحاد (انفصام الشخصية) واضطرابات أخرى التي وُضعت كلها في خانة "صدمة القصف" بطريقة مغلوطة". وكانت عائلات أولئك الرجال يزورونهم في كريغ لوكهارت ويقولون لراغلز إنهم يريدون اصطحاب أبنائهم وآبائهم إلى الديار في هايلاندز والاعتناء بهم هناك. ولكن راغلز رفض إخراجهم من المستشفى. وأشار إلى أنه "على رغم ذلك، تم إخراج عدد من المرضى خلافاً للنصيحة الطبية وعادوا للبيئة البسيطة والمألوفة في الجبال التي ترعرعوا فيها".
فاجأت النتيجة أطباء النفس. وكتب راغلز: "أمضيت في اسكتلندا وقتاً طويلاً بما يكفي لأرى عدداً من أولئك الرجال يعودون للمستشفى من أجل زيارة دورية روتينية وقد تعافوا بالفعل ليأخذوا أماكنهم في الديار ومواصلة أعمالهم البسيطة بنشاط ونجاح". وخلُص إلى أنه على رغم أعراض الوهن والضعف التي أظهروها في ما مضى، "كان بوسعهم الشفاء عندما نُقلوا من ضغط الخطر والإحباط وتعقيدات المعركة والإجهاد الذي تسببه". وبحسب ما أفاد ريفرز، كانوا أشخاصاً طبيعيين يتفاعلون مع ظروف غير طبيعية للحرب. فمتى تمت إزالتهم من ذلك المحيط، استعادوا صحتهم. شكّل ذلك درساً مهماً لراغلز ولكن مهمته في فرنسا تمحورت حول إرسال الفتيان الأميركيين إلى المعركة مجدداً عوضاً عن إرسالهم إلى البيئة الحاضنة في الديار.
كتاب " الجنود لا يصابون بالجنون" Soldiers Don´t Go Mad لتشارلز غلاس (22 جنيهاً استرلينياً) صادر عن منشورات بيدفورد سكوير Bedforf Square Publishers وهو متوافر حالياً.
© The Independent