Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معايير السلامة في مشروعات مصر بين استفهام وتعجب

متخصصون يعتبرون "الإهمال" المتهم الرئيس وآخرون يرون قصوراً في المنظومة

أعمال إنشاءات متواصلة في الطرق القريبة من العاصمة الإدارية الجديدة لمصر (أرشيفية - أ ف ب)

أثارت حادثة انزلاق إحدى الكمرات الخرسانية أثناء تركيبها بمحور الفريق كمال عامر في الجيزة (جنوب القاهرة)، الذي أسفر عن مصرع عامل وإصابة خمسة آخرين، قبل أيام، عديداً من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول مدى تطبيق معايير وإجراءات الأمن وقواعد السلامة في المؤسسات الحكومية وأعمال البناء والحفر والإنشاءات.

ويدور حديث واسع حول آليات المراقبة الدورية لتفادي وقوع أي حوادث في مصر، علاوة عن تساؤل خاص بطبيعة الإجراءات المتبعة لتأمين العاملين أثناء عملهم، والجهات المنوط لها مراقبة إجراءات الأمن وقواعد السلامة المهنية.

حوادث متفرقة

وأعادت حادثة محور الفريق كمال عامر، الذي يعتبر أول شريان مروري حر يربط بين شمال وجنوب الجيزة ويعمل على تخفيف الاختناقات المرورية في مناطق عدة إلى الأذهان بعض الحوادث السابقة التي وقعت في محافظات مختلفة خلال الفترة الماضية.

وبرز ذلك جلياً في وقوع ثلاث حوادث كبرى داخل مؤسسات حكومية في عام 2023 فقط، ففي مايو (أيار) الماضي نشب حريق ضخم في مبنى جهاز 15 مايو المكون من سبعة طوابق، ويضم إدارات عدة ومصالح حكومية بالمدينة، مما أدى إلى إصابة عدد من الأشخاص وتدمير كامل لبعض الطوابق بالمبنى.

ثم في أغسطس (آب) الماضي، اندلع حريق داخل مبنى وزارة الأوقاف المصرية في منطقة وسط القاهرة، ودفعت الحماية المدنية بسيارات إطفاء للسيطرة على الحريق، وفي مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي شب حريق ضخم بمديرية أمن الإسماعيلية شمال شرقي العاصمة المصرية القاهرة وأصيب عدد من الأشخاص في الحريق.

وقبل ذلك وتحديداً يونيو (حزيران) من عام 2022، أصيب ثلاثة عمال أثناء عملهم في كوبري تحت الإنشاء بمدينة ميت غمر في محافظة الدقهلية (شمال القاهرة)، بسبب انهيار أحد الأعمدة بشكل مفاجئ.

الإهمال سبب الكوارث

وإلى ذلك، يقول مساعد وزير الداخلية المصري للحماية المدنية سابقاً اللواء عبدالعزيز توفيق، في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، إن مصر تطبق معايير وإجراءات وقواعد الأمن والسلامة في المنشآت والمؤسسات سواء الحكومية أو العامة، موضحاً أن الإهمال يعتبر السبب الرئيس وراء وقوع كثير من الحوادث والكوارث التي تحدث بسبب التهاون في تطبيق بعض الإجراءات الخاصة بالصيانة أو تدريب العاملين أو عدم استمرار إجراءات الرقابة والمراجعة الدورية على سلامة المنشآت.

وأشار إلى ضرورة أن يكون هناك جدية في استمرار متابعة إجراءات السلامة والأمن حتى بعد الحصول على موافقة الجهات الرسمية والاشتراطات المطلوبة، موضحاً أن كل منشأة ملزمة بتدريب 25 في المئة من العاملين بها سنوياً بمعاهد تدريب الحماية المدنية بالمحافظات وفقاً لقانون العمل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما ينبغي - وفقاً للواء توفيق - أن يكون هناك سلم رئيس وآخر للطوارئ لضمان وجود منفذ للخروج في حالة وقوع أي مشكلة بالمبنى، ويشترط في أي مبني يزيد على خمسة أدوار وضع معدات حريق منتشرة في كل الأرجاء، إضافة إلى خزانات مياه على الأسطح، وأن تكون التوصيلات الكهربائية تخضع للكود المصري، ويمنع التخزين في مكان البدروم ويكون مخصصاً للجراجات فقط.

ونبه إلى أن أي منشأة في مصر سواء حكومية أو تجارية أو سياحية أو عامة ينبغي أن تحصل على موافقة الحماية المدنية عقب مراجعة الاشتراطات اللازمة وعمل معاينة للمبنى، على أن يجرى التجديد سنوياً لضمان استمرارية الإجراءات المتبعة لقواعد الأمن والسلامة.

إجراءات الأمن والسلامة

فيما يرى أستاذ النقل والطرق بكلية الهندسة جامعة عين شمس الدكتور حسن مهدي أن وقوع بعض الحوادث في مشروعات البناء والحفر والإنشاءات مثلما حدث بمحور الفريق كمال عامر يندرج تحت بند الحوادث "العارضة"، التي تحدث داخل مواقع العمل.

وأوضح أن الموقع كان محاطاً بأسوار حديدية والكوبري لا يزال تحت الإنشاء، وعلى رغم أن المحور يخضع لسلطة وزارة الإسكان فإن وزير النقل الفريق كامل الوزير أعلن في تصريحات متلفزة عقب الحادثة عن تحمله المسؤولية كاملة، مردفاً "لا ينبغي التضخيم من تلك القضايا لأن ما يقال به مغالطة كبيرة واصطياد في الماء العكر".

وذكر أن تلك النوعية من الحوادث تحدث في كثير من الدول وليست قاصرة على مصر فقط، مثلما حدث من قبل مع عمال المناجم في الصين أو حينما سقطت رافعة في توسعة الحرم المكي في السعودية.

وبحسب مهدي فإن إجراءات الأمن والسلامة للمنشآت والعاملين بداخلها يجري تطبيقها بعناية فائقة دائماً بداية من ارتداء ملابس العمل والخوذة، وصولاً إلى التحركات داخل مكان الموقع نفسه، وفي حالة وقوع أي حادثة يتم إجراء تحقيقات داخلية لمعرفة ملابساتها كاملة.

 

 

ولفت الانتباه إلى أنه في حالة وقوع أي حادثة يجري تعويض العاملين الذين وقع عليهم الضرر، لأن شركات التأمين والمقاولات الكبرى تطبق تأميناً على المنشآت والعمالة في حالة وقوع أي حادثة.

وتنص المادة (256) من قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003، في شأن السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل، أنه يعاقب كل من يخالف ذلك بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن 1000 جنيه (32 دولاراً) ولا تتجاوز 10 آلاف جنيه (323 دولاراً) أو بإحدى هاتين العقوبتين. وأشارت إلى أن عقوبتي الحبس والغرامة المنصوص عليهما في الفقرة السابقة تكون وجوبيتين إذا ترتب على الجريمة الوفاة أو الإصابة الجسيمة.

وأقرت المادة (209) من ذات القانون أن المنشأة وفروعها تلتزم اتخاذ جميع الاحتياطات والتدابير اللازمة لتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل للوقاية من الأخطار الميكانيكية التي تنشأ من الاصطدام بين جسم العامل وجسم صلب، وعلى الأخص كل خطر ينشأ عن آلات وأدوات العمل من أجهزة وآلات وأدوات رفع وجر، وكل خطر ينشأ عن أعمال التشييد والبناء والحفر ومخاطر الانهيار والسقوط.

الأخطاء واردة

يتفق أستاذ الطرق والنقل والمرور بكلية الهندسة بجامعة بني سويف الدكتور عبدالله أبو خضرة مع الطرح السابق، موضحاً أن مصر تطبق أعلى معايير وإجراءات الأمن والسلامة أثناء أعمال الحفر والبناء والإنشاءات.

وأشار إلى أن هناك إدارة للسلامة والأمان في كل المواقع والمشروعات دورها مراجعة الإجراءات اللازمة للحفاظ على العاملين والتشديد على السترات التي يرتدونها لتأمينهم وتحديد الممرات المخصصة لهم أثناء السير.

وقال إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دائماً ما يشدد خلال كثير من المناسبات والجولات التفقدية له على ضرورة اتباع الإجراءات المطلوبة ورفع كفاءة المشروعات وتطويرها وتطبيق قواعد السلامة والأمان أثناء العمل، مستشهداً بالطريق الدائري الذي خضع للتطوير بالكامل، مع إنشاء أعداد إضافية من الحارات وصلت إلى ثماني حارات في معدلات وقت زمنية غير مسبوقة وبتنسيق كامل مع مختلف الجهات طبقاً لأعلى مواصفات الجودة.

 

 

كان السيسي وجه في أكثر من مناسبة خلال تفقده عدداً من الأعمال الإنشائية لتطوير الطرق والمحاور بضرورة الالتزام بالخطط الزمنية لإتمام الأعمال الإنشائية ورفع الكفاءة، مع مراعاة تطبيق أفضل معايير السلامة والأمان، وفقاً لأحدث المعايير العالمية.

وفقاً لـ"أبو خضرة" فإن أي حوادث مرتبطة بأعمال الإنشاءات والبناء والحفر تكون مرتبطة بثلاثة أسباب رئيسة، هي الطريق أو المركبة أو قائد المركبة نفسه، وغالباً ما يكون العنصر البشري هو السبب الأبرز في تلك الحوادث وليس العيوب الإنشائية.

وتابع "نسبة الخطأ والحوادث واردة ومن الممكن أن تحدث في أي موقع هندسي، ولكن يجب أن نسعى إلى تقليلها من خلال إتباع إجراءات الأمن وقواعد السلامة المهنية".

قصور في المنظومة

على النقيض من الآراء السابقة، اعتبر أستاذ الطرق والنقل والمرور بجامعة عين شمس، المهندس الاستشاري أسامة عقيل، أن إجراءات الأمن والسلامة والصحة المهنية في المشروعات وأعمال البناء والحفر بمصر لا تطبق بالدرجة المطلوبة سواء على مستوى الأكواد أو المواصفات.

وذهب إلى أن منظومة صناعة المقاولات في مصر تعاني بعض القصور ونقاط الضعف، مضيفاً "إذا حدث أي مشكلة أو خطأ أثناء تنفيذ إجراءات الأمن والسلامة في مواقع العمل تكون نتيجته تكبد المنظومة برمتها خسائر كبرى على مستوى الأرواح والنفقات وتعطل المشروع نفسه".

ونوه بأن تنفيذ إجراءات الأمن والسلامة أثناء العمل يتطلب وقتاً ومجهوداً وكلفة مادية، موضحاً أن تلك الإجراءات تحتل مرتبة الصدارة في مشروعات النفط عكس مشروعات الإنشاءات والطرق والكباري، التي تأتي في مرتبة متأخرة ولا تطبق بالصورة الواجبة.

وقال عقيل إن جميع المشروعات في العالم تتطلب إجراءات محددة تتمثل في تحديد موازنة المشروع والوقت المحدد لتنفيذها، إلى جانب الإجراءات الخاصة بضبط جودة الأعمال وإجراءات الأمن والسلامة والصحة المهنية للعاملين، ولكن حينما تضغط الجهة المالكة للمشروع لتنفيذه في أسرع وقت، في حين لا تحصل الجهة المنفذة على المستحقات الكاملة، يحدث الخلل في المنظومة، وتضطر الجهة المالكة إلى أن "تغمض عينيها" نسبياً عن إجراءات الأمن والسلامة للعاملين أثناء العمل، وفي النهاية يحاسب المسؤول المباشر وليس المنظومة بأكملها.

وعن إجراءات الأمن والسلامة في المشروعات الإنشائية، نبه إلى ضرورة مراقبة عدد من الأمور مثل "ارتداء الخوذة" و"الأحذية المخصصة" لتلك الأعمال لتفادي سقوط الحجارة أو المسامير أو الأخشاب أو خليط الخرسانة، إلى جانب مراجعة "السقالات" بشكل يومي للتأكد من سلامتها وربطها بحبال متينة حفاظاً على العاملين، إضافة إلى ارتداء إجراءات لحماية الأعين.

وطالب بوضع المعدات في أماكن آمنة وليست عشوائية، واتباع إجراءات الحماية والسلامة في حال حدوث أي حرائق، ووضع لافتات عن كل الإجراءات المطلوبة والمستشفيات التي ينقل العاملون إليها في حالة حدوث أي مشكلة أو خطأ، مردفاً "لو طبقت تلك الإجراءات كان من الممكن تلافي أكثر من 95 في المئة من تلك الحوادث".

يشار إلى أن وزير النقل والمواصلات المصري عبر خلال الجلسة العامة للبرلمان في أواخر يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، عن تمنيه بوصول بلاده إلى "صفر حوادث" مثل السويد، ولكن جودة الطرق ليست هي المحدد الوحيد لخفض الحوادث، إنما هناك أربعة عوامل من بينها جودة الطرق، وتشمل مواصفات فنية وفنيات طريق والقوانين، متسائلاً "أين قائد السيارة والسيارات نفسها؟".

وختم حديثه بالقول: "هناك طرق تنفذها وزارة الإسكان فنحن لا ننفذ كل الطرق، وبعض الطرق الخاصة بجهاز التعمير أخذناها وطورناها، ولن أتهرب من المسؤولية، فكل طرق مصر سواء أنشأتها وزارة الإسكان أو الهيئة أو المحافظات أنا مسؤول عنها جميعها لصيانتها ورفع كفاءتها".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير