ملخص
اليمين المشدد أصبح أكثر ضراوة وانتشاراً في تل أبيب واحتمالات تصاعد حصته في الكنيست واردة بقوة... ما أثر ذلك على دولة إسرائيل؟
في عام 1994 أعلنت الحكومة الإسرائيلية حركة "كاخ" التي تنتمي لليمين الديني المتطرف، أما في عام 2022 فقد تولى إيتمار بن غفير، الذي انخرط سابقاً في تلك الحركة، وزارة الأمن القومي في حكومة بنيامين نتنياهو، وبين التاريخين كثير من التغيرات حدثت في الساحة السياسية الإسرائيلية التي يجمع المراقبون على أنها تتجه إلى اليمين أكثر فأكثر.
وعلى رغم انتماء معظم رؤساء وزراء إسرائيل إلى اليمين منذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين في 1995، إلا أن حكومة نتنياهو التي تسلمت السلطة في ديسمبر (كانون الأول) 2022 وصفت بالأكثر تشدداً، بعدما ضمت بن غفير وهو رئيس حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف، وكذلك بتسلئيل سموتريتش زعيم حزب "الصهيونية الدينية" الذي تولى حقيبة المالية، وهما المعروفان بمواقفهما شديدة التطرف المعادية لكل ما هو غير يهودي والمناصرة للمستوطنين.
وبرزت تلك الأصوات المتشددة خصوصاً في أعقاب اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث دعا العديد من السياسيين اليمينيين المتشددين إلى تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، وهي الأفكار التي وإن كانت طرحت سابقاً، لكن خروجها من وزراء بالحكومة شكلت سابقة استدعت رفضاً واستنكاراً، سواء من دول جوار إسرائيل مثل مصر والأردن المهددتين بأفكار التهجير، أو حتى الحلفاء التقليديين لتل أبيب كالولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا.
انحسار اليسار
بالعودة إلى التاريخ، نجد أن العقود الثلاثة من عمر دولة إسرائيل هيمن عليها اليسار؛ بداية من أول رئيس للحكومة ديفيد بن غوريون وحتى رابين (في ولايته الأولى) عام 1977، وبعد ذلك صعد اليمين متمثلاً في حزب الليكود بزعامة مناحم بيغين، لتستمر لعبة الكراسي الموسيقية بين حزبي العمل اليساري والليكود اليميني حتى عام 2009 حين تولى نتنياهو الحكم وأصبحت السيطرة شبه مطلقة لليمين، فيما انحسر اليسار حتى أن حزب العمل الذي قاد الدولة لعقود لن يحصل على نسبة الحسم لدخول الكنيست، في حال أجريت الانتخابات الآن، بحسب ما تشير آخر استطلاعات الرأي.
لكن نتنياهو الذي كان يوصف بأنه في أقصى اليمين، يبدو حالياً لا يقارن تشدده مع أقطاب اليمين المتشدد سواء داخل الحكومة مثل سموتريتش وبن غفير، أو خارجها مثل رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان.
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد شنيكات، لفت إلى أن فوز نتنياهو في انتخابات 1996 كان يوصف بأنه صعود لليمين، لكن الآن أصبح هناك من هو على يمين نتنياهو مثل سموتريتش وبن غفير، ما يؤكد تصاعد الأصوات اليمينية المتشددة في الساحة السياسية الإسرائيلية، وتصاعداً في التنافس على أصوات المستوطنين، وأصبح كل حزب يرى أنه للاستمرار في الحياة السياسية عليه أن يتحدث بلغة أكثر تطرفاً.
أفكار التهجير
وفي شأن الفارق بين اليمين التقليدي والمتطرف أوضح شنيكات أن أجندة التطرف تتمحور حول تهجير الفلسطينيين ورفض حل الدولتين واستخدام العنف والقوة بحق الفلسطينيين لإجبارهم على الخضوع التام لسياساتهم، والنظر إلى جميع أبناء الشعب الفلسطيني باعتبارهم متطرفين، إضافة إلى اعتناق أفكار دينية بأن فلسطين "أرض الميعاد" التي يجب السيطرة عليها بالكامل وأنها أرض خالصة لليهود وكل من عداهم عليه مغادرتها، إضافة إلى أفكار أبعد من ذلك عبّر عنها سموتريتش بإمكانية احتلال دول أخرى مثل الأردن وسوريا إذا ما أتيحت الفرصة، وغيرها من الأفكار التوسعية.
وأكد شنيكات أن تصاعد اليمين المتطرف سوف يؤثر على الدول العربية، على رغم وجود معاهدات سلام مع العديد من الدول مثل مصر والأردن، إلا أن اليمين المتطرف لن يقف عند هذه النقطة، لأن سياساته تتحدث عن سيطرة إسرائيل على المنطقة برمتها وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، والنظر إلى البيئة الموجودة فيها إسرائيل باعتبارها "عدائية ويجب السيطرة عليها وإخضاعها بشكل كلي"، مع عدم الثقة في أي أطراف مجاورة، وشدد على أنه لا يمكن الفصل بين خطاب الوزراء المتطرفين مثل سموتريتش وبن غفير وسياسات الحكومة لأنهم جزء منها، وفي حال خروجهم من التشكيل الوزاري سوف تسقط.
كما اعتبر أن الدول العربية عليها حالياً مطالبة باتخاذ مواقف واضحة تجاه الأفكار اليمينية المتشددة في إسرائيل، والحديث بصوت واحد في ما يتعلق بمواجهة تصاعد اليمين، وأكد ضرورة اعتماد الدول العربية على نفسها وتنمية قدراتها، مشيراً إلى أنه لا يمكن الاعتماد على القوى الخارجية في حماية أمنها القومي.
كما وصف رئيس معهد دراسات الأمن في الأردن، عامر السبايلة، نتنياهو بأنه آخر عناصر المحور اليميني الذي يؤمن بضرورة العلاقات مع المحيط العربي لإسرائيل أو المهتم بالسلام الإقليمي، مشيراً إلى أن الدول العربية سوف تواجه معضلة في التعامل مع اليمين المتطرف، لأنه لا يؤمن حتى بفكرة العلاقة مع دول جوار إسرائيل، مشيراً إلى أن تلك المشكلة بدأت إرهاصاتها في الظهور منذ تولي الحكومة الحالية.
وكرر الأردن ومصر في أكثر من مناسبة رفضهما التام أي أفكار بشأن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ووصف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أي تحرك في ذلك الإطار بأنه يهدد مسار السلام الذي بدأ في السبعينيات من القرن الماضي، كما قال رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي إن القاهرة مستعدة لبذل ملايين الأرواح دفاعاً عن سيناء، فيما دعا العاهل الأردني عبدالله الثاني، العالم إلى التنديد بأي محاولة من جانب إسرائيل لتهيئة الظروف التي من شأنها تهجير الفلسطينيين.
لكن السبايلة قال إن حرب غزة قد تفضي إلى قناعة داخل إسرائيل بأن الخروج من الأزمات تحتاج إلى حل سياسي، يتضمن إخراج اليمين المتطرف من المشهد، معتبراً أن المشكلات في المنطقة ستواصل التصاعد حتى تتشكل قناعة بأن أي حل يجب أن يكون من بوابة السياسة وليس الحرب، حتى وإن استمرت العمليات العسكرية لشهور، معتبراً أن الوصول إلى تلك "الوصفة السياسية" برعاية دولية سوف يؤدي إلى تخفيف قبضة اليمين المتطرف على الحياة السياسية الإسرائيلية.
نسخة جديدة من نتنياهو
على الصعيد الفلسطيني، لا يعتقد وزير شؤون المفاوضات الفلسطيني الأسبق حسن عصفور أن هناك اختلافاً يذكر بين السياسيين الإسرائيليين بمختلف توجهاتهم، معتبراً أن تكوين دولة إسرائيل يتعارض مع السلام لأنها قائمة على فكر ديني توراتي يجد في "يهوذا والسامرة" (الاسم العبري للضفة الغربية) في قلب إسرائيل، لذلك البحث عن السلام معهم أمر مستحيل، بحسب عصفور الذي كان عضواً في وفد فلسطين بمؤتمر مدريد للسلام 1991 وما تبعها من مفاوضات أفضت إلى اتفاق أوسلو 1993 قبل أن يتولى وزارة شؤون المفاوضات في نهاية التسعينيات من العقد الماضي.
وقال عصفور إن الخطاب المتشدد الحالي من سموتريتش أو بن غفير يذّكر بما كان يفعله نتنياهو في التسعينيات، حيث وقع اتفاقية واي ريفر عام 1998 في الولايات المتحدة، ثم عاد لإسرائيل وتنصل من التزاماته ما دفع الولايات المتحدة للعمل على إسقاطه وهو ما تم في العام التالي، وبرأيه فإن في تاريخ إسرائيل لم يسع للسلام سوى رئيسي وزراء هما رابين الذي وقع على اتفاق أوسلو فتم اغتياله عام 1995، والآخر هو إيهود أولمرت الذي "حاول" التوصل إلى سلام وتم سجنه.
كان أولمرت قدم استقالته عام 2008 إثر بدء التحقيق في قضايا فساد بحقه، وصدر قرار بسجنه عام 2015 ثم خرج من السجن عام 2017 بعفو عن باقي المدة، وشهدت فترة ولايته لقاءات مكثفة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لاستئناف عملية السلام، حيث التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع أولمرت 36 مرة بين ديسمبر (كانون الأول) 2006 وسبتمبر (أيلول) 2008.
واعتبر عصفور أن الائتلاف الحكومي الحالي يعد نموذجاً لتركيبة دولة إسرائيل بعد اغتيال رابين، ووصفه بالأكثر فاشية منذ قيام دولة إسرائيل، ويشكل خطراً على الفلسطينيين ودول محيط إسرائيل وكذلك على اليهود أنفسهم.
وذكرت دراسة لمركز المستقبل للدراسات بعنوان "لماذا يتجه المجتمع الإسرائيلي أكثر لليمين بعد حرب غزة؟" أنه غالباً ما يُشار إلى لحظة اغتيال رابين على يد أحد أتباع التيار الديني الأرثوذكسي المتشدد، على أنها نقطة مفصلية يمكن أن تؤرِّخ لتحول إسرائيل إلى مجتمع أكثر انقساماً، وذي نزعة يمينية.
واستندت الدراسة في ذلك إلى نتائج الانتخابات البرلمانية التي نظمت بعد ذلك، وجاءت بحكومات ائتلافية عجزت عن استكمال ولاية الأربع سنوات، ما يظهر انقسام الشارع بصورة واضحة، كما أضافت أن الرأي العام الإسرائيلي أصبح أكثر تشدداً في ما يتعلق بالقضايا الأمنية والتعامل مع الفلسطينيين.
اختيار العنصرية
وفي السياق نفسه، يرى رئيس مركز القدس للدراسات في رام الله، أحمد رفيق عوض، أن هناك ما يشبه إجماعاً في إسرائيل على رفض إقامة دولة فلسطينية أو السماح بعودة اللاجئين أو التنازل عن القدس الشرقية المحتلة، وهو ما يوحد جميع أصوات السياسيين تقريباً سواء غلفوا خطابهم بعبارات منمقة أم لا، موضحاً أنه بعد 30 عاماً على اتفاق أوسلو أثبتت الأحداث الجارية أن إسرائيل اختارت فكرة الاحتلال العنصري ولم تعد ترغب في التسوية وفكر الشارع الإسرائيلي أصبح أكثر يمينية وتطرفاً، مشيراً إلى أن الأصولية متجذرة في المجتمع الإسرائيلي وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي حول مقاعد الكنيست في أي انتخابات مستقبلية، وعلى العكس يسقط أصحاب الأفكار اليسارية والليبرالية.
وأضاف عوض أن تأثير تصاعد نجم سياسيين متطرفين مثل سموتريتش وبن غفير على القضية الفلسطينية هو إنهاء التسوية وحل الدولتين وتفكيك السلطة الفلسطينية والتوسع في سياسة الاستيطان؛ وبالتالي تأثيرهم قوي وخطير جداً على القضية الفلسطينية، فهم لا يريدون وجود الشعب الفلسطيني على أرضه من الأساس، أو على الأقل يرغبون في استخدامهم كعمال ومعاملتهم كـ"العبيد" بحسب وصفه.
مستقبل المتشددين
المستقبل القريب لليمين المتشدد يبدو غير واضح، حيث أشار استطلاع رأي أجرته "القناة 12" الإسرائيلية في منتصف ديسمبر الماضي إلى أنه لو أجريت الانتخابات اليوم لتراجع حزب "الصهيونية الدينية" برئاسة سموتريتس إلى ما دون نسبة الحسم للحصول على أي مقعد في الكنيست المؤلف من 120 مقعداً، وفي المقابل سوف يعزز حزب "القوة اليهودية" برئاسة بن غفير موقعه بحصد ثمانية مقاعد. وكان الحزبان قد حصلا مجتمعين على 14 مقعداً في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإجمالاً، أكد الاستطلاع استمرار ميل الرأي العام الإسرائيلي نحو اليمين القومي المتمثل في حزب "الوحدة الوطنية" برئاسة بيني غانتس، بأكثرية 37 مقعداً مع تراجع الليكود من 32 حالياً إلى 18 مقعداً في حال إجراء الانتخابات، وكذلك سيتراجع حزب المعارضة الرئيس "هناك مستقبل" بزعامة يائير لابيد إلى 15 مقعداً بدلاً من 24 في التشكيل الحالي للكنيست، وهي جميعاً أحزاب يمينية.
أما اليسار الإسرائيلي، فلن يتمكن حزب العمل صاحب التاريخ الكبير من الحصول على أي مقعد، وفق استطلاع الرأي لـ"القناة 12" العبرية.
استبعد رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، سمير غطاس، أن يتصاعد دور اليمين المتشدد في الساحة الإسرائيلية على المنظور القريب أو المتوسط، لكنه أشار إلى احتمالية ذلك على المدى البعيد، كما قال إنه لا يتصور تواجد سموتريتش وبن غفير في حكومة ما بعد الحرب، لأن هناك موقف أميركي دولي مضاد للحكومة الحالية، وللمرة الأولى رئيس الولايات المتحدة يطالب بتغيير حكومة إسرائيلية.
وفي ديسمبر الماضي، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن على نتنياهو تغيير حكومته، مشيراً إلى أن الدعم لحملة إسرائيل العسكرية على غزة يتضاءل، ووصف حكومة نتنياهو بأنها "الأكثر تشدداً في تاريخ إسرائيل"، مضيفاً أنها "لا تريد حل الدولتين".
تفكيك الدولة
وقال غطاس إنه "يتمنى" تصاعد قوة اليمين المتشدد في إسرائيل، لأن هذا ما يمكن أن يفكك الدولة من الداخل بحسب تعبيره، موضحاً أن اليمين الديني المتشدد يحمل صفات تختلف عن سمات إسرائيل منذ قيامها، مضيفاً "إسرائيل تقليدياً قادها يهود الأشكيناز وهم ذوي الأصول الأوروبية أو الغربيين وقد جاؤوا لإسرائيل يحملون قدراً من التعليم أو ازدادوا تعلماً وواصلوا علاقاتهم بالغرب في إسرائيل، على عكس قادة اليمين المتشدد سموتريتش فهو من أصل مغربي أما بن غفير فمن أصل عراقي كردي، وهم يحملون أفكاراً دينية متشددة".
وأضاف رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية أن المنتمين إلى اليمين المتطرف بأفكاره الدينية المتشددة لا يدخلون المدارس ويكتفون بالتعليم الديني، كما لا يدخلون مؤسسات الدولة، وبالتالي يدمر الحياة المدنية الديمقراطية وهذا يعجل بدفع إسرائيل إلى صدامات غير محسوبة العواقب يجعلها تتآكل من الداخل، مشيراً إلى أن المتشددين دينياً يمثلون حالياً 11 في المئة من المجتمع الإسرائيلي، وكلما ازداد عددهم فإن ذلك سوف يحول إسرائيل إلى دولة دينية متطرفة من العالم الثالث ويفقدها الطابع العلماني الديمقراطي الذي لطالما تحدثت عنه، كما أن ذلك التطرف الديني يحد من مجيء اليهود من دول العالم وقد يؤدي لهجرة العلمانيين خارج البلاد.
وبينما أكد غطاس أن تجربة وجود اليمين المتشدد خلقت نفوراً تجاههم في الشارع السياسي، استدرك أن النزعة تجاه اختيار اليمين القومي تزداد، بما يحمله من أفكار كراهية الفلسطينيين، لكن ذلك يختلف عن اليمين الديني الأكثر تطرفاً، بينما انتهى اليسار في إسرائيل بحسب ما تشير استطلاعات الرأي، حيث لن يحصل حزب العمل على نسبة الحسم، فيما قد يحصل حزب "ميرتس" بالكاد على خمسة مقاعد.
النزعة اليمينية
وبالنظر إلى تهديد اليمين المتشدد تركيبة الشعب الإسرائيلي، فإن المجتمع العربي في الداخل فلسطينيو الداخل أو عرب 48 يتعرض لأخطار أكبر، وبحسب عضو الكنيست السابق إمطانس شحادة فإن المجتمع الإسرائيلي يميل نحو أفكار اليمين واليمين المتطرف في العقدين الأخيرين، بخاصة منذ انتخابات 2009 التي فاز بها نتنياهو.
وقال شحادة إن اليمين المتشدد موجود بالفعل في السلطة طالما أن له وزراء ممثلون في الحكومة، معتبراً أن الليكود يمكن اعتباره ضمن اليمين المتشدد بخاصة في السنوات العشر الأخيرة، وأشار إلى أن سموتريتش وبن غفير يتفقون مع الليكود في معظم السياسات والقوانين وكذلك أفكار قسم كبير من أعضاء الليكود.
وحول تأثر المجتمع العربي داخل إسرائيل، قال العضو السابق في الكنيست إن هناك تزايداً في العنصرية وتهميش العرب والتشديد على يهودية الدولة وأفضلية اليهود على ما سواهم، بخاصة في ظل الحكومة الحالية التي تمارس سياسات مناهضة للمجتمع العربي، من خلال تولي المتشددين حقائب ذات أهمية كبيرة مثل سموتريتش وزير المالية، وبن غفير وزير الأمن الداخلي الذي يهمل قضايا المجتمع العربي على رغم أنه يشهد تزايداً في العنف والجريمة بمناطق تمركز العرب، واعتبر أن سياسات حكومة نتنياهو تهدف إلى تغيير طابع الدولة، وتحقيق سيطرة اليمين على جميع مفاصل البلاد، مثل محاولات السيطرة على المحكمة العليا التي تعطلت بسبب الحرب الجارية على غزة.
وخلال العام الماضي دخل رئيس الوزراء الإسرائيلي في صدام مع المحكمة العليا، من خلال محاولة تطبيق ما يسمه "إصلاحات قضائية" تحد من سلطة المحكمة، لكن في مطلع العام الحالي ألغت المحكمة العليا قانون ما يسمى بـ"حجة المعقولية" الذي يمنع القضاء من إلغاء قرارات حكومية.
قوانين عنصرية
محاولة السيطرة على القضاء يرى العضو العربي السابق في الكنيست أن الهدف منها سن قوانين عنصرية تمس بالمجتمع العربي من دون تدخل من المحكمة العليا في السياسات والقوانين تجاه المجتمع العربي.
وأرجع شحادة تزايد النزعة اليمينية في المجتمع الإسرائيلي خلال العشر سنوات الأخيرة إلى عدة أسباب، منها تزايد التدين في المجتمع، وتصاعد تأثير التيارات الاستيطانية والقناعة بإمكان الاستيطان من دون دفع أي ثمن سواء سياسي أو اقتصادي أو دبلوماسي أو أمني، إضافة إلى سن العديد من القوانين مثل القومية اليهودية الذي يحاول قمع المجتمع العربي ويعزله عن هويته وانتمائه.
ورجح أن تزداد يمينية المجتمع الإسرائيلي، حتى إن تراجعت مقاعد أحزاب اليمين المتشدد في الانتخابات المقبلة، لأن هذا توجه عام في المجتمع، معتبراً أن وجود أصوات متشددة مثل بن غفير أو سموتريتش يشكل خطراً إضافياً على عرب الداخل، لكن غيابهم لا يعني حل مشكلات المجتمع العربي في إسرائيل، لأن هناك أفكاراً وعقيدة بأن هذه دولة لليهود فقط ولا تخدم غيرهم والمجتمع العربي يمكن التعامل معه كأفراد من دون انتماءات قومية وطنية.
صدام الحلفاء
الطابع المتطرف لوزراء الحكومة الإسرائيلية أثار حفيظة الولايات المتحدة، الحليف التقليدي لتل أبيب، حيث انتقدت وزارة الخارجية الأميركية دعوات سموتريتش وبن غفير إلى تهجير الفلسطينيين، واصفة خطابهما بـ"التحريضي" وغير المسؤول.
الخلاف النادر بين الحليفين تحول إلى حرب تصريحات، حيث رد بن غفير على الخارجية الأميركية بالقول إن "إسرائيل لم تعد نجمة في العلم الأميركي".
كما نددت فرنسا بالتصريحات الداعية إلى تهجير الفلسطينيين واعتبرتها "استفزازية"، كما وصفتها الخارجية الألمانية بـ"غير المعقولة"، فيما دان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تلك التصريحات وقال إنها "تحريضية وغير مسؤولة".
لكن إلى أي مدى يؤثر تصاعد اليمين المتشدد على الدعم الأميركي لإسرائيل؟، يجيب متخصص العلوم السياسية بجامعة موراي الأميركية إحسان الخطيب بأن الدعم المطلق هو لدولة إسرائيل وسوف يستمر بغض النظر عن السياسة الإسرائيلية، بفضل اللوبي الإسرائيلي الموجود في الولايات المتحدة.
وفي شأن الحديث الأميركي المتكرر عن دعم حل الدولتين، قال الخطيب إن ذلك هو موقف "خطابي" يتكرر منذ عقود من دون ترجمة على أرض الواقع، لكن سياسة واشنطن الفعلية هي إدارة الصراع لا حله، بحيث يتم التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها مرضاً مزمناً عصياً على الحل.
تطرف عكسي
وأوضح المحلل السياسي أن الموقف الأميركي الرسمي بتأييد حل الدولتين يواجه برفض إسرائيلي مدعوم من اللوبي اليهودي، وعلى رغم تسليم الخطيب بأن كل إسرائيل أصبحت عملياً متطرفة تجاه القضية الفلسطينية، فإنه أشار إلى أن هناك تطرفاً يقابله تطرف أكبر، وسط غياب أي دعم لحل الدولتين في إسرائيل.
وبينما تتركز السياسة الأميركية على إبقاء الصراع "على نار هادئة" لمنع التداعيات السلبية على إسرائيل وأميركا في الشرق الأوسط، فإن اليمين المتطرف في إسرائيل "يريد الطبخ على نار حامية"، بحسب تعبير متخصص العلوم السياسية، معتبراً أن المتشددين الإسرائيليين يعتبرون الفرصة حالياً مواتية لطرد الشعب الفلسطيني من كل أرض فلسطين التاريخية، حتى هؤلاء الذي يحملون هوية إسرائيلية، ويرون البداية في "الإبادة الجماعية" في غزة.
ومنذ هجمات السابع من أكتوبر الماضي يدور السؤال في الإعلام الإسرائيلي حول خليفة نتنياهو، وسط انطباع عام بأن الحرب في غزة قد تنهي مسيرته السياسية المستمرة منذ نحو أربعة عقود، وتشير الدراسة التي نشرها مركز المستقبل للأبحاث إلى أن احتمالات تصاعد حصة اليمين المتشدد في الكنيست واردة بقوة، مثلما ظهرت أصوات، بخاصة في فترة الهدنة نوفمبر الماضي، تدعو إلى العودة إلى حل الدولتين وعدم إمكانية حل الصراع جذرياً بالقوة العسكرية.
وتوقعت الدراسة أن تختمر تأثيرات حرب غزة على المجتمع الإسرائيلي خلال فترة قد تمتد لسنوات، حيث استغرق صعود حزب الليكود بزعامة مناحم بيغين أربع سنوات بعد حرب أكتوبر 1973.