Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اتحاد الشغل "الصوت التاريخي" للتوانسة "خافت"

فضلت قيادته عدم الاصطدام مع السلطة بسبب الوضع الداخلي للمنظمة ونفور المواطنين من بعض النقابات

 يملك اتحاد الشغل مليون منخرط بالقطاعين العام والخاص ولعب دورا مؤثرا بالمشهد السياسي التونسي (اندبندنت عربية)

ملخص

بعد أن كان صوته عالياً وفعَّالاً في رسم ملامح المشهد العام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في تونس تراجع دور الاتحاد العام التونسي للشغل.

منذ تأسيسه في أربعينيات القرن الماضي، دأب الاتحاد العام التونسي للشغل على لعب دور وازن في رسم ملامح المشهد السياسي العام في البلاد، وشهدت علاقته بالسلطة في التاريخ السياسي المعاصر، محطات مختلفة راوحت بين الصدام والمهادنة.

اصطدم الاتحاد مع السلطة في أحداث يناير (كانون الثاني) 1978، وفي أحداث الخبز في 1984، ثم انتفاضة الحوض المنجمي في 2008، كما لعب دوراً بارزاً في تأطير احتجاجات يناير 2011 التي أدت إلى سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

اليوم يلاحظ المتابعون للوضع العام في تونس تراجعاً لافتاً لدور الاتحاد العام للشغل في إدارة الشأن العام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وانحسار دور النقابات في مختلف القطاعات بعد أن كان صوتها عالياً في الدفاع عن منظوريها وفي فرض أجنداتها وتوجهاتها في تسيير عدد من القطاعات بالضغط والإضرابات. فما الأسباب التي جعلت صوت النقابات والاتحاد العام التونسي للشغل خافتاً اليوم؟

وضعت الحكومات المتعاقبة في تونس بعد 2011 في حسبانها الثقل الاجتماعي للمنظمة النقابية التي تملك قاعدة واسعة من المنخرطين في القطاعين العام والخاص تقارب المليون منخرط، لذلك سارعت إلى تشريكها في رسم سياساتها وفي مختلف برامجها حفاظاً على السلم الاجتماعي الذي كان شبحاً يخيف تلك الحكومات، وتعتبر الإضرابات سلاح الاتحاد العام التونسي للشغل والنقابات الذي يشهره في وجه الحكومات كلما تعطلت لغة الحوار بين الطرفين.

بعد لحظة 25 يوليو (تموز) 2021، التي قطعت مع المنظومة السابقة بمختلف مكوناتها السياسية، تغيرت التوازنات العامة في البلاد، وانحسر دور الاتحاد والنقابات في مختلف القطاعات، كما ضمر دور الأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات بجميع مشاربها الفكرية والسياسية.

الحوار مع السلطة منعدم

ويقر الكاتب العام للنقابة الخصوصية للسكك الحديدية نجيب الجلاصي في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "الحوار مع سلطة الإشراف اليوم يكاد يكون منعدماً، نافياً أن تكون هناك قطيعة تامة، إذ لا يوجد تفاعل مع السلطة للتفاوض في شأن عدد من المسائل الاجتماعية التي تهم عمال الشركة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتبر الجلاصي أن "السلطة تبرر عدم التفاوض حول المسائل المادية للعمال بالظروف الصعبة التي تمر بها المالية العمومية"، مطالباً بـ"ضرورة فتح ملفات عالقة كتحسين الظروف المادية للعمال، في ظل غلاء الأسعار وضعف المقدرة الشرائية لعموم التونسيين، وتحيين القانون الأساسي للشركة، وتوفير قطع الغيار من أجل تحسين مردوديتها، بخاصة في نقل الفسفات الذي يعتبر شرياناً حيوياً للشركة التونسية للسكك الحديدية".

المفاوضات مثمرة ومستمرة

في المقابل، تواصل نقابات القطاع الخاص مشاوراتها مع سلطة الإشراف، في عدد من الملفات. ويقول رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة نوفل عميرة، في تصريح خاص، إن "المفاوضات مع وزارة الصحة مستمرة ومثمرة ودورية وتحقق المطلوب".

وأشار إلى أن "القطاع الخاص مختلف عن القطاع العمومي لخصوصية كل منهما"، مذَّكراً بأن "عدد الصيادلة المنضوين تحت النقابة يبلغ 2500 صاحب صيدلية، بينما يبلغ عدد المنخرطين في النقابة 15 ألفاً من عملة الصيدليات".

ويرى عميرة أن "ما يتم ترويجه عن أن المنظومة الحالية لا تعترف بالأجسام الوسيطة مجانب للواقع، لأن النقابات التي تلتزم بدورها النقابي تنشط بشكل طبيعي".

الاتحاد اختار التصرف بحكمة

أفرز منعرج 25 يوليو 2021 واقعاً سياسياً جديداً في تونس، من خلال وضع حد للتعامل مع المكونات الكلاسيكية للمشهد السياسي من أحزاب ومنظمات ونقابات، وهو ما أصاب المنظمة النقابية الأكبر في تونس بخيبة أمل، عمقتها الأزمة الداخلية الناتجة من ارتدادات آخر مؤتمر للاتحاد، والذي حدث فيه شرخ عميق، بين رافض لتنقيح الفصل 20 من النظام الأساسي للمنظمة، لتكريس مبدأ التداول على قيادة الاتحاد وبين داعم لهذا التنقيح.

وبحسب عدد من المتابعين فإن قيادة الاتحاد اليوم فضلت عدم الاصطدام مع السلطة الحاكمة بسبب الوضع الداخلي للمنظمة ولنفور عموم التونسيين من عدد من النقابات التي أوغلت في تنفيذ الإضرابات على حساب المصلحة العامة.

ويرى الأمين العام المساعد للاتحاد التونسي للشغل سامي الطاهري، أن "الاتحاد اختار في قراءة للواقع، التصرف بحكمة وإيجاد حلول سلمية لمختلف الإشكاليات في الظرف الصعب الذي تعيشه البلاد وتجنب التصرف بانفاعلية أو بالتصادم".

وأضاف خلال إشرافه على هيئة إدارية جهوية بتطاوين (جنوب)، أن "ذلك لا يعني التفريط في الحقوق والصمت عن الانتهاكات، والدليل أن عديداً من القطاعات تواصل نضالها بتنفيذ الإضرابات والاعتصامات والتحركات، إضافة إلى تواصل الأنشطة الثقافية والسياسية والتكوينية والمؤتمرات".

وحذَّر في الوقت ذاته من "انفجار اجتماعي غير متوقع، لا يمكن السيطرة عليه، في صورة تواصل الوضع على ما هو عليه الآن، وعدم الإسراع في تنظيم الحوار الاجتماعي".

مؤتمر استثنائي للمصالحة

ويعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي سيحتفل يوم 20 يناير الجاري، بالذكرى 78 لتأسيسه، أهم جسم مدني في المشهد السياسي والاجتماعي، اضطلع بدور مهم في الكفاح التحريري ضد الاستعمار الفرنسي، وخلال كل المحطات السياسية الفارقة التي عرفتها تونس.

ويذكر الكاتب الصحافي، خالد كرونة، أن "تراجع تأثير اتحاد الشغل، وانحسار دوره في رسم ملامح المشهد السياسي التونسي، يندرج في سياق تراجع عام لدور النخب أحزاباً وجمعيات ومنظمات منذ 25 يوليو 2021".

ويرى كرونة أن "تبني السلطة الحالية للمطالب الاجتماعية التي كان يرفعها اتحاد الشغل بصرف النظر عن مدى التزامها بها في الواقع، أفقد المنظمة مادتها التعبوية"، داعياً إلى عقد مؤتمر استثنائي يجمع كل قيادات الاتحاد، واعتماد الفصل 20 من القانون الأساسي للمنظمة، من أجل مصالحة نقابية تعيد الغاضبين إلى بيت المنظمة النقابية، حتى يستعيد الاتحاد دوره المعهود.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي