ملخص
بلغ الفائض التجاري للصين 823 مليار دولار لهذا العام بانخفاض طفيف عن الرقم القياسي البالغ 878 مليار دولار في عام 2022
تغوص الصين بشكل أعمق في أسوأ انكماش اقتصادي منذ سنوات، مما يسبب مشاكل للعالم أجمع مع تعثر الطلب في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وأظهرت أحدث البيانات الرسمية أنه مع قلق كثير من الصينيين في شأن التوقعات الاقتصادية وعدم رغبتهم في الإنفاق، انخفضت أسعار المستهلكين للشهر الثالث على التوالي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وانخفضت الأسعار التي تفرضها الشركات المصنعة للشهر الـ15 على التوالي.
ووصف الاقتصاديون في بنك "مورغان ستانلي" الوضع بأنه "أطول وأعمق انكماش" في الصين منذ الأزمة المالية الآسيوية في عام 1998، عندما شهدت البلدان في جميع أنحاء المنطقة سخونة مفرطة ودخلت في فترات ركود استغرقت سنوات للتعافي منها.
وحتى وقت قريب، كان عديد من الاقتصاديين الغربيين يرحبون ببعض الانكماش في الصين، لأنه أدى إلى خفض كلفة السلع الصينية المستوردة، الأمر الذي ساعد في تخفيف الضغوط التضخمية في أماكن أخرى.
مع انحسار المخاوف في شأن التضخم في الغرب، أصبح الانكماش في الصين مصدراً أكبر للقلق، ويشير ذلك إلى استمرار الضائقة الاقتصادية في الصين، وهو ما قد يعني ضعف مبيعات العلامات التجارية الغربية التي تعمل هناك، ويبشر بمزيد من الجهود التي تبذلها الشركات الصينية لتفريغ البضائع الفائضة في أماكن أخرى، والتنافس مع الشركات الغربية وتفاقم التوترات التجارية، المرتفعة بالفعل.
واتهم الاتحاد الأوروبي، الخريف الماضي، الصين بإغراق السوق بالسيارات الكهربائية الرخيصة، وبدأ تحقيقاً في الدعم الحكومي الذي تقدمه بكين، وأثارت شركات في صناعات أخرى، بما في ذلك الطاقة الشمسية، مخاوف مماثلة.
وقال اقتصادي الأسواق الناشئة في شركة "أبسولوت ستراتيجي ريسيرش"، آدم وولف، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "الانكماش المستمر والتضخم المنخفض للغاية في الصين يمكن أن يسهم في زيادة الفائض التجاري ومزيد من الاحتكاكات التجارية مع بقية العالم".
انزلاق الصين لدوامة الانكماش
كل هذا يزيد من إلحاح بكين على زيادة الجهود الرامية إلى عكس انخفاض الأسعار وإنعاش النمو، في حين أن أحد المخاوف تكمن في أنه من دون تحفيز أقوى، يمكن أن ينزلق الاقتصاد الصيني إلى دوامة الديون والانكماش مثلما حدث في اليابان في التسعينيات، عندما دفع انخفاض الأسعار الشركات إلى خفض الأجور والمستهلكين إلى تأجيل المشتريات، مما خلق حلقة مفرغة من الطلب الأضعف ومزيداً من الانكماش.
وقال كبير الاقتصاديين الصينيين في "مورغان ستانلي"، روبن شينغ، "إن حجم وسرعة سياسة التحفيز مهمان في الصين، وكلما طال أمد الانكماش زادت إجراءات التحفيز التي يتطلبها".
وأكدت أحدث البيانات التجارية، التي أصدرتها هيئة الجمارك الصينية، أمس الجمعة، بعض الأخطار، ففي حين اكتسبت صادرات البلاد بعض الزخم في ديسمبر (كانون الأول) عام 2023، إذ ارتفعت بنسبة 2.3 في المئة مقارنة بالعام السابق، كانت الواردات ضعيفة، وهي علامة على أن المستهلكين الصينيين ما زالوا حذرين من الإنفاق.
روسيا تعوض تجارة الصين المفقودة
وأظهرت البيانات أيضاً مدى سوء عام 2023 على مدار العام بأكمله، مع انخفاض الصادرات الصينية بنسبة 4.6 في المئة عن العام السابق، وهو ما يمثل انخفاضاً للمرة الأولى منذ سبع سنوات. وانخفضت الشحنات المباشرة إلى الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ عام 2019، وهو ما يعكس ضعف الطلب مع قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، وبحث مزيد من المشترين الأميركيين عن مصادر أخرى للمنتجات الصينية.
وعوضت الصين بعض تجارتها المفقودة من خلال تعميق العلاقات مع روسيا التي تخضع لعقوبات من الغرب، وسجلت التجارة البينية مع روسيا رقماً قياسياً بلغ 240 مليار دولار العام الماضي، وارتفعت البضائع المشحونة من الصين إلى روسيا، بما في ذلك أعداد كبيرة من السيارات التي تعمل بالغاز، بنسبة 46.9 في المئة في عام 2023 مقارنة بعام 2022، بينما نمت واردات الصين من البلاد بنسبة 12.7 في المئة.
وكتب اقتصاديون من بنك "نومورا"، "مع ترسيخ الشركات الصينية وجودها في الأسواق الروسية، فمن غير المرجح أن تستمر هذه الوتيرة المرتفعة حتى عام 2024".
وبشكل عام، بلغ الفائض التجاري للصين 823 مليار دولار لهذا العام، بانخفاض طفيف عن الرقم القياسي البالغ 878 مليار دولار في عام 2022.
الصادرات الصينية والضغط على الاقتصاد
وبينما يتوقع المحللون أن تصبح الصادرات أقل ضغطاً على الاقتصاد الصيني في عام 2024، مع استقرار الطلب في أجزاء أخرى من العالم، فإنهم لا يتوقعون أيضاً أن تكون بمثابة ركيزة للنمو كما فعلت خلال الوباء، في حين لا يزال النمو العالمي ضعيفاً إلى حد ما، إذ تدفع التوترات الجيوسياسية الشركات الغربية إلى مواصلة البحث عن بدائل للموردين الصينيين.
وقال شينغ "انتهى العصر الذي كان بوسع الصين فيه الاعتماد على الصادرات لحل مشاكلها الاقتصادية... صناع السياسات بحاجة إلى إيجاد طرق أخرى لدفع النمو، والتخلي عن التقشف المالي وإعادة توازن الاقتصاد نحو مزيد من الاستهلاك".
ويكافح القادة الصينيون من أجل إعادة تنشيط الطلب المحلي منذ أشهر، بعد فشل الانتعاش المأمول في النشاط الاقتصادي بعد رفع ضوابط "كوفيد"، وبدلاً من ذلك، بدأ المستهلكون الصينيون، الذين أفزعهم ضعف سوق العقارات وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، ينفقون أقل ويزيدون من الادخار.
ومع ذلك، أشار البنك المركزي الصيني في العام الماضي إلى أنه يعتقد أن الانكماش في البلاد موقت، وعلى رغم الدعوات المتكررة من جانب الاقتصاديين لاتخاذ خطوات أكثر جرأة لتعزيز النمو، امتنع صناع السياسات في الصين عن تقديم الأموال النقدية أو غير ذلك من أشكال الدعم المباشر للأسر التي قد تزيد من الطلب الاستهلاكي.
وقال مكتب الإحصاءات الوطني في البلاد، إن بيانات، أمس الجمعة، أظهرت أن مؤشر أسعار المستهلكين انخفض بنسبة 0.3 في المئة الشهر الماضي مقارنة بالعام السابق، متقلصاً من انخفاض بنسبة 0.5 في المئة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وباستثناء أسعار الطاقة والمواد الغذائية المتقلبة، بلغ التضخم الأساس 0.6 في المئة الشهر الماضي.
الضغوط على الأسعار لن تهدأ
وتوقعت كبيرة الاقتصاديين الآسيويين في بنك "سوسيتيه جنرال"، وي ياو، أنه في حين من المرجح أن ينتعش التضخم الاستهلاكي في الصين إلى واحد في المئة بحلول نهاية عام 2024، فإن الضغوط الهبوطية على الأسعار لن تهدأ بسرعة، وقالت "من وجهة نظرنا، فإن الضغوط الانكماشية في الصين نتيجة لضعف الطلب المحلي يمكن أن تستمر لبعض الوقت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنسبة للسنة التقويمية بأكملها، وصل معدل تضخم المستهلكين إلى 0.2 في المئة في عام 2023، وهو أقل بكثير من الهدف البالغ نحو ثلاثة في المئة الذي حددته بكين، وهو ما يتعارض مع توقعات البعض منذ عام مضى بأن التضخم سيرتفع في الصين بعد أن تخلى كبار القادة عن قيود "كوفيد-19" في عام 2023. أواخر عام 2022.
وانخفضت أسعار المنتجين، وهو مقياس لأسعار الجملة التي يتم فرضها على أبواب المصانع، بنسبة 2.7 في المئة على أساس سنوي في ديسمبر الماضي، مقارنة بانخفاض بنسبة ثلاثة في المئة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وظل المؤشر في المنطقة السلبية لمدة 15 شهراً على التوالي منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022.
ووفقاً لمكتب الإحصاءات الصيني، فإن انخفاض أسعار النفط وعدم كفاية الطلب على بعض المنتجات الصناعية أثر على أسعار المنتجين.
الصين وخطوات لإنعاش النمو
واتخذت السلطات الصينية بعض الخطوات لإنعاش النمو، مثل خفض أسعار الفائدة وتمديد الإعفاءات الضريبية لأصحاب الأعمال الخاصة، وأصدرت الصين في أكتوبر الماضي، 137 مليار دولار إضافية من الديون السيادية لتمويل مشاريع البنية التحتية.
وعلى رغم هذه التدابير، تشير البيانات الأخيرة إلى أن الاقتصاد فقد قوته بعد انتعاش النمو في الربع الثالث من العام الماضي، وأشارت الدراسات الاستقصائية إلى انكماش النشاط في المصانع والخدمات، وظلت مبيعات المنازل الجديدة ضعيفة.
وتشير توقعات البنوك الاستثمارية العالمية إلى معدل نمو يتراوح بين أربعة و4.9 في المئة للاقتصاد الصيني هذا العام، وهو معدل مرتفع نسبياً وفقاً للمعايير العالمية ولكنه يمثل تباطؤاً ملحوظاً مقارنة بالسنوات السابقة. ويتوقع عديد من الاقتصاديين أن تحافظ بكين على هدف أعلى قليلاً يبلغ حوالى خمسة في المئة، مما يشير إلى أن مزيداً من التحفيز سيكون في الطريق.
وفي مذكرة للعملاء الشهر الماضي، قال الاقتصاديون في "سيتي"، إن الصين قد تخفض أسعار الفائدة اعتباراً من الربع الثاني من هذا العام بسبب مخاوف الانكماش، وكتبوا "ليس هناك وقت للتردد في السياسة لمنع حدوث حلقة مفرغة محتملة بين الانكماش والثقة والأنشطة".