Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوجاع المصريين الاقتصادية تزأر والمسكنات لم تعد تسكتها

يدركون أن الأزمة الحالية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وأن جانباً منها يعود إلى أسباب خارجية أقوى من الحكومة

"الدواء المر" و"العلاج المؤلم" وغيرهما من عبارات التسكين الاقتصادية تحاصر المواطن المكلوم منذ سنوات (أ ف ب)

ملخص

عوامل خارجية وآهات داخلية تستدعي مسكنات اقتصادية في مصر... فهل لا تزال مجدية؟

بعضهم يهرع إلى مسكنات مشتقة من "الباراسيتامول" لتهدئة صداع هنا أو ألم مفاصل هناك. وآخرون لا تسكن آلامهم سوى بأشباه الأفيون، وذلك بحسب درجة الألم ودرجة القدرة على تحمله.

تحمل آلام الصداع البسيط الناجم عن ضغوط الحياة، حيث ارتفع سعر الحليب بضعة قروش، أو زادت فواتير الكهرباء والماء جنيهات عدة، تختلف عن مكابدة أهوال الإبقاء على محتويات الثلاجة عند الحد الأدنى من الأجبان والألبان والبيض والخضراوات، أو حفظ ماء وجه الأبناء أمام مطالبة إدارة الحسابات في المدرسة بباقي المصروفات أو فروق اشتراك "الباص" الذي قفز من 10 إلى 15 ألف جنيه (نحو 500 دولار)، وربما 20 ألفاً.

والجنيه المصري مهموم ومغدور ومكلوم. فمع بدايات عام 2024 زادت همومه وتفاقم كمده وتسارع حتى بات الواحد منه بـ0.032 دولار أميركي وفق السعر الرسمي (نظرياً)، و0.018 في السوق السوداء (فعلياً).

لا يعفي من الألم

فعلياً، الكيلوغرام الواحد من الحليب، ذلك الضرورة القصوى البديهية البدائية في كل بيت، لا يتعدى ثمنه دولاراً واحداً. وفعلياً أيضاً، يعي المواطن المصري ذلك تماماً، لكن الوعي لا يعني القدرة على تحمل الألم أو يعفي منه، والقدرة ذاتها تختلف من شخص لآخر.

يقول الطب إن كل متألم يعبر عن ألمه بصورة مختلفة، وفق خلفيته الثقافية وعمره وغيرهما من العوامل. كما يقول إن الألم تجربة شخصية ولا يمكن لأحد – مهما كانت درجة قربه أو قرابته من المتألم - أن يقيم مستوى شعوره بالألم. وبحسب المتخصصين، فإن التقييم المنتظم لشدة الألم أمر لا غنى عنه لأجل المعالجة الفعالة لكل من الألم بغرض التسكين والتخفيف، وأسبابه بغية العلاج الجذري، ولو كان مراً.

"الدواء المر" و"العلاج القاسي" و"المداواة المؤلمة" وغيرها من العبارات الاقتصادية تحاصر المواطن المكلوم منذ سنوات، وتحديداً منذ التعويم الأول للجنيه المصري عام 2016. في هذا العام هبط الجنيه إلى ما اعتقد البعض أنه "الهبوط الأكبر في تاريخ العملة المصرية. وفي بداية ذلك العام، كان السعر الرسمي للدولار الأميركي الواحد سبعة جنيهات مصرية. ومع نهاية العام كان سعر الصرف نحو 20 جنيهاً للدولار.

تبدو هذه الأسعار في 2024 أقرب ما تكون إلى الخيال العددي. كما تبدو أيضاً الفواتير اليومية في حياة المصريين أقرب إلى الخيال المعيشي. حتى الرواتب الشهرية والأجرة باليومية صارت هي الأخرى أشبه بالخيال غير العلمي.

الورقة والقلم و"إكسيل"

علمياً، وبحسابات الورقة والقلم، أو حتى بملفات "إكسيل"، يقف الوارد ضعيفاً رعديداً منكمشاً أمام الصادر القوي الصنديد المتمدد. شكوى الغالبية، باختلاف فئاتها وطبقاتها وتفاصيل مشكلاتها، هي أن ما يرد من رواتب ومكافآت وحتى عوائد الودائع والشهادات لا تفي بمتطلبات الصادر، وإن وفت فبالكاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالكاد، خرج المواطن المصري من سنوات "عنق الزجاجة" في سبعينيات القرن الماضي وسياسة الانفتاح الاقتصادي التي أدت إلى ارتفاع طبقات بطريقة عشوائية وسقوط أخرى بطريقة منظمة، حتى دخل عصر تحسن أرقام الاقتصاد وتحقيق قفزات استثمارية وإحراز مكاسب مالية ضخمة موثقة في المؤسسات الأممي ومشاد بها في المحافل الدولية، لكن لا يشعر بها المواطن العادي الذي طلب منه الصبر حتى تصل إليه الآثار، والجلد حتى لا تتسبب أوجاع الاقتصاد الـ"مايكرو" في ضياع مكاسب الاقتصاد الـ"ماكرو".

وتقول الأسطورة الاقتصادية المعاصرة أن الـ"مايكرو" ظل يناطح من أجل تذوق حلاوة الـ"ماكرو"، والـ"ماكرو" ظل يركض بعيداً من الـ"مايكرو" حتى تعثر كلاهما. فلا المواطن العادي بتطلعاته الاقتصادية الـ"مايكرو" من سقف مطالب مادية تتعلق بأسعار السلع وثمن العلاج وفواتير التعليم والخدمات وقرارات إنفاق بحسب الأولويات، ولا الحكومات بقراراتها الـ"ماكرو" المسيرة للاقتصاد الوطني والمحركة لأولويات الاستثمار والإنفاق الكبرى قامت لها قومة في أعقاب هبوب رياح "الربيع العربي" عام 2011.

اختلفت الروايات واختلت التوازنات

تعددت الأسباب، واختلفت الروايات، واختلت الموازنات، لكن بقيت أوجاع المواطن، بل تصاعدت، وبقيت تصريحات المسؤولين المعللة لذلك، تارة بضيق عنق الزجاجة، أو الانتظار لحين تأثير الـ"ماكرو" على الـ"مايكرو"، أو تضافر عوامل خارجية وأخرى إقليمية وثالثة داخلية. كما بقي تعاطي المسكنات تارة بالقول، وأخرى بالفعل، وثالثة بالإيحاء.

الوجود في الأماكن الترفيهية، حتى لو لم يشارك الشخص في الأنشطة الترفيهية، يضفي شعوراً بالبهجة وإحساساً بالسعادة. وحين علمت مجموعة من زملاء وزميلات العمل من الممسكين بتلابيب الطبقة المتوسطة منذ سنوات حتى خارت قواهم أو كادت بفكرة تدرسها الحكومة المصرية لإقامة منطقة ترفيهية في مدينة شرم الشيخ، احتدم نقاش ساخن بين مرجح أن تكون الفكرة بغرض التنشيط السياحي والترويج الاستثماري، وهذا أمر جيد، وبين متخوف أن تكون الفكرة مشروعاً قومياً ضخماً آخر لا طاقة للاقتصاد الوطني به، حيث الأولوية الآنية للمصاعب المعيشية لغالب فئات المصريين. ولم يهدأ النقاش إلا حين تفتق ذهن أحدهم عن تفسير آخر، ألا وهو علاج أوجاع المواطنين الاقتصادية بالإيحاء لهم بأجواء الترفيه والبحر والشاطئ، وهو ما من شأنه تخفيف الآلام وتسكين الأوجاع.

طب الألم

بالعودة مجدداً إلى طب علاج الألم، تشير الدراسات إلى أن المريض الذي عانى أنواعاً بعينها من الألم يمكن تخفيف أوجاعه عبر جلوسه في مكان هادئ، وجعله يتخيل موقفاً سعيداً يتمناه أو عاشه، وهذا التخيل البصري يكون قادراً في بعض الأحيان على تنشيط مناطق في المخ تخفف من حدة الألم، وإن كانت لا تقضي عليه تماماً أو تعالج أسبابه.

أسباب الآلام الاقتصادية الحالية باتت كثيرة ومتشابكة ومتداخلة. كثرة الأوجاع، حيث تداخل الصداع مع عسر الهضم وآلام العظام وأوجاع العضلات، تجعلها عصية على الحلحلة أو حتى الخلخلة.

خلخلة الضرس قبل خلعه لم تعد أسلوباً متبعاً في علاجات الأسنان. المخدر القوي قادر على إفقاد المريض الإحساس بهذا الجزء من الفك، مما يسهل عملية الخلع السريع. أما الخلع البطيء فيكون أكثر إيلاماً.

الضرس الضارب فيه سوس الاقتصاد يتعارك بسببه كثيرون. صخب المعركة نفسها يخفف من حدة الألم. إنه التخفيف المعروف بـ"تشتيت الانتباه" عبر جذب تركيز المتألم بعيداً من موطن الألم وإلهائه عبر تعديل إدراكه.

ليست الأولى أو الأخيرة

يدرك المصري جيداً أن معاناته الاقتصادية الحالية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. كما يعلم علم اليقين أن جانباً منها يعود إلى أسباب لا ناقة للحكومة فيها أو جمل، ولكنه يعلم أيضاً أن جوانب أخرى مما يعانيه محلية قلباً وقالباً وتحتاج إلى مسكنات أقوى من ذي قبل.

مسكنات الأوجاع عبر التقارير العالمية والوثائق الصادرة عن مؤسسات التمويل الأممية ظلت تؤتي ثماراً وتخفف أوجاعاً، لا سيما أن العوامل الخارجية أثرت سلباً على الكوكب، وليس على الدولة.

فقبل إغلاقات وباء "كوفيد-19" التي خسفت بإيرادات السياحة، من ثم أثرت سلباً في تدفقات النقد الأجنبي، وهو ما فاقم معضلة نقص الدولار، ابتليت مصر بسلسلة من العمليات الإرهابية ارتكبتها جماعات ومجموعات يرفع جميعها راية الإسلام السياسي، وبعدها قامت حرب روسيا في أوكرانيا، ثم حرب غزة.

عوامل خارجية وآهات داخلية

حزمة العوامل الخارجية كثيراً ما خففت من حدة الآهات الداخلية، لكن العوامل الخارجية مهما بلغت من فداحة في الأثر وبأس في طول الأمد، لا بد لها من نهاية وبطلان مفعولها بسبب الإفراط في الاستخدام.

مقاومة الألم لنوعيات بعينها من المسكنات تدفع الطبيب المعالج لتجربة أنواع أخرى، بعضها كان ربما ضمن أسباب الألم في الأصل.

الكاتب والمقرر المساعد للمحور الاقتصادي في الحوار الوطني عبدالفتاح الجبالي، أشار في دراسة عنوانها "الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها على مصر والإقليم" (2022) إلى توليفة من الأسباب المحلية لتعثر الاقتصاد، بينها "بنية الاقتصادات القومية للمنطقة، والتضخم المستورد الناتج من تراجع الإنتاج وانخفاض إنتاجية عديد من القطاعات، وهو مما يؤدي بدوره إلى تزايد الحاجة إلى الاستيراد لتغطية الاستهلاك المحلي، بخاصة من المواد الغذائية ومستلزمات الإنتاج. وهذا ينعكس بدوره على المستوى العام للأسعار، إضافة لتراجع الاستثمارات الأجنبية وغيرها".

الأسباب معروفة

قائمة الأسباب يمكن أن يرددها ملايين المصريين من غير دارسي الاقتصاد أو محللي الأسواق المالية. عامل المقهى يحدثك عن فشل جهود – وربما عدم بذل جهود - للتنمية الصناعية وتهيئة الأجواء المناسبة للتصنيع والتصدير على مدار عقود. طالب الجامعة يناقش ما جرى في عقود من تسعير الجنيه المصري بأعلى من قيمته الحقيقية بمراحل. والمجموعات الهامسة في المقهى والـ"غروبات" المغلقة على الـ"سوشيال ميديا" تناقش أثر هيمنة الدولة ومؤسساتها على مشروعات كبرى وفرص استثمارية عظمى. وغير الحائزين على بطاقات التموين يسهبون في طرح ما فعلته منظومة دعم السلع الغذائية باقتصاد البلاد وجيوب العباد ممن يقطنون قاعدة الهرم الاقتصادي، حيث استنزاف موازنة الدولة بدأ مع الحرب العالمية الثانية وتجذر في حقبة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكان أشبه بالجمرة التي قبض عليها رؤساء مصر اللاحقون، وصولاً إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي نجح في تنقيح بطاقات التموين وتنقية جداول مستحقي الدعم والمساندة، واستبعاد آخرين تحولوا إلى متلقين مزمنين، وليسوا بالضرورة مستحقين.

أسبرين السنين

مستحقو الدعم يبلغ عددهم نحو 64 مليون مواطن يستفيدون من 23 مليون بطاقة تموين. بطاقات التموين أشبه بالأسبرين منذ سنين. واليوم هي أقرب ما تكون إلى "المورفين"، حيث تسكين الألم من المتوسط إلى الشديد.

"الموجة التضخمية غير المسبوقة"، بحسب وصف وزير المالية المصري محمد معيط في اليوم الأخير من عام 2023، يقابلها "التزام من الدولة بتحسين مسارات عدة. بدءاً بتحسين أجور العاملين في الدولة وأصحاب المعاشات، مروراً بتوسيع إجراءات ومبادرات ومخصصات الدعم والحماية الاجتماعية الهادفة للارتقاء بالأوضاع المعيشية للمواطنين".

بيان وزير المالية قبل ساعات من "قنبلة" رفع أسعار السلع الغذائية وشرائح الاستهلاك الكهربائي وكلفة الحديد والأسمنت والزيوت وغيرها احتوى على عديد من المهدئات والمسكنات.

دوار الأرقام المليارية

الأرقام المليارية عادة تصيب المواطن إما بالانبهار الإيجابي وإما بالدوار السلبي. المنبهرون يجدون صعوبة في تخيل المليون، فما بالك بالمليار، وهو ما يضفي على الأخبار الاقتصادية ثقلاً موزوناً ورصانة مطلوبة. أما من يصابون بالدوار فإنه إما ينتج من شعور مسبق بأن حديث المليارات لا يعنيهم، أو لخبث دفين قوامه أن الغرض من الإشارات المليارية هو إحداث متاهات شعبية تؤجل التفكير في الألم بصورة أو بأخرى.

آخر ما صدر عن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي نهاية العام الماضي وقبل بداية العام الحالي، هو اعتبار سبع سلع استهلاكية "منتجات استراتيجية"، ويجب كتابة الأسعار عليها وهي: الزيت الخليط، والفول، والأرز، واللبن، والسكر، والمعكرونة، والجبن الأبيض.

وضع السلع السبع الرئيسة في كل بيت مصري على قوائم "الاستراتيجية"، والتلويح بنصوص القوانين التي تحظر إخفاء السلع وتحظر الامتناع عن بيعها وتعاقب على تخزينها، أثار راحة مشوبة بالقلق في نفوس المصريين. إنها الخبرة المكتسبة من كثرة تعاطي المسكنات.

كثرة التعاطي تؤدي إما إلى عسر هضم وقرحة الجهاز الهضمي وآلام المعدة ومتاعب الكلي، أو ينجم عنها انعدام التأثير، حيث تصبح والعدم سواء، حتى لو تضاعفت الجرعات وتشعبت الأنواع.

السلع السبع

وقد تشعبت مسألة السلع السبع الاستراتيجية تشعباً فاقم من الهواجس الشعبية، فقد أصدر وزير التموين علي المصيلحي قراراً بتشكيل لجنة عليا لمتابعة كتابة الأسعار على السلع، "لعب الفأر في عب المصريين"، وهو التشبيه الشعبي الدال على الشك والريبة، لا في صدق الحكومة أو شفافية قراراتها، بقدر ما هي في قدرة الحكومة على تثبيت الأسعار وإمكانية وقوف الدولة في وجه التجار.

التجار وجشعهم، واللاجئون وأعدادهم، والعملات الأجنبية وشطحاتها، والأنظمة السابقة وميراثها، والقنبلة السكانية وانشطاراتها، والأقدار وتحول مساراتها، تتردد كثيراً على المسامع على سبيل تفسير الأزمات وتسكين الآلام.

لكن أرض الواقع تؤكد أن الحكومة لا تكتفي بالتفسيرات المثيرة للجدل والمسكنات المؤججة لنظريات القيل والقال، وإن كانت تساعدها إلى حد ما في إدارة الأوضاع الصعبة.

صعوبة الأوضاع، لا سيما للطبقات الأكثر احتياجاً، تتطلب توسعاً وتمدداً واستدامة لمبادرات "التخفيف عن كاهل المواطن". من "حياة كريمة" و"كتف في كتف" و"نور حياة" و"100 مليون صحة"، إلى "لعيبة بلدنا" و"مستقبلنا في إيدينا" و"بينا"، إلى "أطفال بلا مأوى" و"تكافل وكرامة" و"فرصة" و"ألف تاكسي" و"أبواب الخير" و"بر أمان"، وغيرها كثير تمضي الدولة ومعها مجموعة من منظمات العمل الأهلي والخيري المقربة منها في العمل على تسكين آلام الفئات الأكثر احتياجاً.

الارتطام الطبقي

أما الفئات الأقل احتياجاً، والتي تتركز آلامها على أوجاع الارتطام الطبقي، فمسكناتها مختلفة. الأمن القومي والأخطار التي تتعرض لها مصر حقيقية وأمر واقع، لكنها تقوم بمهمة تسكين الآهات الاقتصادية الآنية لدى هذه الطبقة. وليس أدل على ذلك من الانقلاب الشعبي – لا سيما لأبناء الطبقة المتوسطة وما تحتها وفوقها بقليل - في قائمة أولويات المطالب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وبدلاً من تسيد الاقتصاد وتحسين الأوضاع وإصلاح الاعوجاج، قفز أمن مصر القومي إلى المرتبة الأولى بفارق كبير عن الاقتصاد الذي أتى في المرتبة الثانية، وذلك في ضوء حرب القطاع الدائرة على الأبواب.

وتظل أبواب السماء من أقوى المسكنات أثراً، وأكثرها استدامة، لا سيما أنه لا مجال لمناقشتها أو مراجعتها أو التشكيك في صدقيتها. ورجال الدين لا يدخرون وسعاً في "وصف" هذه المسكنات للجميع.

التسكين الأبدي

تحرص المؤسسات الدينية والأئمة والمشايخ على التلويح بمحاسن التدبير والترشيد والاقتصاد في المعيشة، باعتبارها سبلاً مضمونة لتسكين الآلام الدنيوية وتحقيق المكاسب الأبدية، فـ"حسن التدبير والاقتصاد يذهبان الفقر ويجلبان الرزق وتحصل معهما البركة"، و"الإسلام عالج مشكلة ارتفاع الأسعار بالحث على ترشيد الاستهلاك"، و"البائعون المستغلون للأزمة الاقتصادية آثمون شرعاً"، وغيرها كثير من الأدعية "التي تذهب الهم وتقضي على الفقر وتجلب الرزق وتسدد الدين"، ولها مفعول السحر الموقت على كثير من الآلام لدى مختلف الطبقات.

بين هذه الطبقات من يرى فيها نوعاً من التسكين الأبدي، لا سيما حين يتم تداول مقولة "الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل" على منصات الـ"سوشيال ميديا"، كمسكن متداول بين الأصدقاء.

مسكن روحاني آخر يجري تداوله بين المصريين تلخصه الآية الكريمة "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". والآية تلعب أدواراً تسكينية عدة، بين إلقاء بلوم الاقتصاد المتعثر على الفساد والإهمال واللامبالاة والساكتين عن تفشي هذه الآفات، وتوجيه الاتهام إلى قيادات ومسؤولين، لا سيما أولئك الضالعين في ملف الاقتصاد الذي تتصاعد نبرات وإشاعات وأمنيات تغيير مكوناته وشخصياته، عسى أن يكون التغيير مقدمة لتخفيف الآلام.

الطريف أن أقاويل وإشاعات "التغيير الوزاري الموشك" أو "المستحق" أو "الواجب" أو "المأمول"، وذلك في أعقاب بدء انتهاء الانتخابات الرئاسية وبدء الولاية الثالثة للرئيس السيسي، تقوم بمهمة المخدر الموضعي.

يلاحظ أنه كلما احتدم النقاش حول الأوجاع الاقتصادية واختلفت الآراء حول سبل علاجها، ثم ذكرت عبارة "التغيير الوزاري" خفتت الحدة وهدأ الخلاف وساد شعور ما بالسكون، يقول خبثاء إنه وجوم.

المزيد من تحقيقات ومطولات