ملخص
ضاعفت مصر فاتورة شراء القمح في 2023 بعد ارتفاع أسعاره عالمياً إلى 6 مليارات دولار
تلقي التحديات الاقتصادية في مصر بتداعيات جسام على سوق السلع الغذائية، في وقت يعاني اقتصاد البلاد اختلالات هيكلية إثر عديد من الأزمات العالمية، أفضت إلى خفض الجنيه المصري أمام الدولار وندرة الأخير وارتفاع التضخم.
وشكلت الأزمات أنماطاً استهلاكية وتجارية مختلفة عما كانت عليه قبل أعوام، فتراجع استهلاك الأسر من السلع إثر تقلص قدراتها الشرائية، وقدم معيار السعر على الجودة لدى المفاضلة بين شحنتين، وفق ما خلص إليه تقرير أميركي حديث.
التقرير الصادر عن وزارة الزراعة الأميركية بعنوان "التحديات الاقتصادية مستمرة في التأثير في السوق المصرية"، يرى أن الحرب الروسية - الأوكرانية وقبلها جائحة كوفيد وأخيراً حرب إسرائيل على غزة، أزمات عالمية أثرت سلباً في الاقتصاد المصري، وخفضت الجنيه وزادت من التضخم، وأعاقت قدرة البلاد على تدبير ما يلزم من النقد الأجنبي للواردات والتجارة.
ويلفت التقرير الأميركي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير وتقييد الواردات بفعل ندرة العملات الأجنبية، مما أدى إلى مزيد من الضرر وإعاقة الوصول إلى المواد العلفية الخام مثل فول الصويا، لكن ثمة خمسة عوامل عالمية أخرى تهدد قدرة مصر على استيراد السلع الزراعية، وفق ما يقول التقرير، هي زيادة الطلب على الواردات الزراعية بقيادة الصين، وخفض الإمدادات بسبب الجفاف، وارتفاع أسعار الطاقة والأسمدة وزيادة فاتورة النقل، علاوة على حظر تصدير بعض المنتجات الزراعية المفروض من قبل الدول الرئيسة المصدرة.
مضاعفة فاتورة القمح
وتحدث عن القمح الذي ضاعفت مصر موازنة شرائه إلى 6 مليارات دولار في 2023 بسبب ارتفاع أسعاره، في حين تستحوذ روسيا وأوكرانيا على 30 في المئة من صادراته عالمياً، إضافة إلى ارتفاع أسعار الزيوت النباتية التي تستورد مصر غالبيتها العظمى.
وبحسب مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة (FPI) الذي يقيس التغير الشهري في أسعار المواد الغذائية العالمية، بلغ متوسط مؤشر أسعار الغذاء والدواء 143.7 نقطة في عام 2022، بزيادة 14.3 في المئة على عام 2021 (أعلى مستوى مسجل منذ عام 1990)، والأهم من ذلك بالنسبة إلى مصر، أن أسعار القمح ارتفعت إلى متوسط 56.2 في المئة أعلى من قيمتها في عام 2021، بسبب الحرب الروسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منذ أوائل عام 2022 أدى نقص العملة الأجنبية إلى تباطؤ إجمالي الواردات، وارتفاع وتيرة السلع العالقة في الموانئ، وهو مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية بنحو 71.7 في المئة على أساس سنوي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في وقت يقدر البنك الدولي أن مصر في المركز الأول عالمياً على صعيد التضخم الغذائي الحقيقي، والخامسة من حيث التضخم الاسمي.
ولا يزال نقص العملات الأجنبية هو القضية الرئيسة التي تعوق الأعمال التجارية في البلاد، إذ انخفض الجنيه المصري بنحو نصف قيمته العام الماضي فقط، وأدت الحرب الروسية - الأوكرانية وموجة التشديد النقدي التي مارستها البنوك المركزية إلى زيادة الضغط على توافر الدولار وهرب ما يقارب 25 مليار دولار بحلول نهاية الربع الأول من العام الماضي.
خفض الواردات الزراعية
ويؤشر التقرير إلى خفض واردات مصر من كل السلع الزراعية بنسبة 17.8 في المئة خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر (أيلول) 2023، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، وتراجع صادرات الصويا الأميركية إلى مصر بنسبة 69.1 في المئة عن عام 2021، إذ يمثل فول الصويا أكبر الصادرات الزراعية الأميركية إلى مصر بمتوسط يتراوح بين مليار وملياري دولار كل عام، بسبب نقص الدولار.
على رغم الأسعار المرتفعة نسبياً لا تزال مصر تفضل فول الصويا الأميركي نظراً إلى جودته العالية، وفق التقرير، لكن مع ذلك، من المتوقع أن يكون محصول فول الصويا في الولايات المتحدة أصغر في العام المقبل، وبمستوى قياسي، ومن المتوقع أن يختار المشترون المصريون السعر على الجودة، إذ لا تزال التجارة صعبة بسبب نقص النقد الأجنبي، واتجاههم في المقابل إلى الاستيراد من أميركا الجنوبية.
ويشير تقرير الوزارة الأميركية إلى تضخم أسعار المواد الغذائية إلى 71 في المئة على أساس سنوي وفق تقديرات البنك الدولي، على رغم تباطؤ معدل التضخم، وهو ما من شأنه استمرار فقدان الأسر القوة الشرائية والتركيز على السلع الأساس مثل الخبز والرز وسط توقعات بزيادة استهلاكهما بنسبة ثلاثة إلى خمسة في المئة تقريباً.
التعافي الاقتصادي ممكن
ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر فإن 88.5 في المئة من الأسر تستفيد من منظومة دعم الغذاء، فيما أدخلت الحكومة عديداً من الإصلاحات لجعل النظام أكثر كفاءة والحفاظ على أنماط الاستهلاك في مصر.
وفقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي من المتوقع أن تصل أسعار المستهلك في مصر إلى 35.7 في المئة عام 2022/2023، يعقبها خفض إلى 25.9 في المئة عام 2023/2024 إذا زاد توافر النقد الأجنبي.
وفي أكتوبر 2023 خفضت وكالات التصنيف الائتماني مثل "ستاندرد أند بورز" و"موديز" و"فيتش" التصنيف الائتماني لمصر، فيما تتوقع الأخيرة أن تتمكن مصر من تغطية حاجاتها من التمويل الخارجي بنحو 18.7 مليار دولار في السنة المالية 2023/24، وتسجيل عجز قدره 8.7 مليار دولار و10 مليارات دولار التزامات خارجية معظمها من الاستثمار الأجنبي المباشر، واتساع العجز المالي إلى ثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2023/24، بسبب ارتفاع مدفوعات الفائدة وزيادة الدعم.
ويختتم تقرير وزارة الزراعة الأميركية أنه على رغم خفض التصنيف الائتماني لمصر فإن التعافي أمر ممكن، وذلك يعتمد على التقدم مع صندوق النقد الدولي، وانتعاش محتمل في قطاع السياحة، ومن الممكن أن يؤدي ضخ العملة الأجنبية إلى تسهيل الوصول إلى حد كبير للمواد الخام وتدفق الواردات من جديد.