ملخص
الأزمة التي تواجه أغلب المعتمرين المصريين في الوقت الراهن مرتبطة بشكل رئيس بمسألة الندرة التي تعانيها الدولة في العملات الأجنبية.
يعتزم كثير من المصريين في الوقت الراهن السفر لأداء مناسك العمرة، لا سيما مع حلول ما يسمى "أشهر الذروة" (رجب وشعبان ورمضان) التي يحرص خلالها عدد من الأفراد والأسر المصرية على حجز رحلات السفر للعمرة، بالتزامن مع اقتراب موعد إجازة نصف العام الدراسي للمدارس والجامعات أواخر الشهر الجاري، إلا أن "اندبندنت عربية" رصدت عبر شهادات وتجارب مختلفة، مشكلات واجهت كثيراً من المعتمرين والراغبين في أداء العمرة للحصول على عملة الريال السعودي من البنوك المصرية.
رحلة مصرفية شاقة
خاض أدهم إسلام (اسم مستعار) الذي يقطن منطقة عين شمس شرق العاصمة المصرية القاهرة، رحلة شاقة تنقل خلالها بين عدد من أفرع أحد البنوك الوطنية حيث حسابه الشخصي، أملاً في الحصول على عملة الريال السعودي اللازمة خلال رحلة السفر لأداء مناسك العمرة بالسعودية والمقرر أن تستغرق 10 أيام.
لم يجد "إسلام" أمامه سبيلاً بعدما باءت كل محاولاته بالفشل سوى اللجوء إلى أحد أقاربه العاملين في أحد فروع البنك لتوفير الريالات، ليتمكن من الحصول على نحو 1000 ريال سعودي وبلغت قيمة الريال داخل البنك آنذاك 8.22 جنيه للشراء، وطُلب منه أن يتسلم قيمة تلك العملة قبل موعد السفر المحدد بـ48 ساعة.
حاول "إسلام" تدبير مبلغ إضافي آخر من عملة الريال السعودي بخلاف ما سيحصل عليه من البنك لتغطية نفقات السفر خلال أداء مناسك العمرة، فلجأ إلى أحد أصدقائه المقربين الذي يحتفظ بمبالغ من العملة السعودية وحصل منه على 1500 ريال إضافية.
يوضح الشاب الثلاثيني في شهادته لـ"اندبندنت عربية" أنه حاول الاستفادة من ميزة إضافية أخرى بالبنك من خلال التواصل مع موظف خدمة العملاء وطلب منه فتح "فيزا المشتريات" خارج مصر وبها 100 ألف جنيه (3240.59 دولار)، ووافق موظف البنك مقابل منحه 62 ألف جنيه (2000 دولار) وبما يعادل آنذاك 7500 ريال سعودي، لكن البنك اشترط لمنحه تلك الميزة إرسال صورة عن جواز السفر وختم الدخول والخروج من مطار القاهرة خلال 90 يوماً وإلا سيتم وقف البطاقة نهائياً واتخاذ الإجراءات القانونية ضده.
يشار إلى أن البنك المركزي المصري كان أصدر بياناً في أواخر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2022، أكد ضمنه أنه يحظر طلب تدبير العملة لأغراض السفر إلى الخارج من دون مغادرة البلاد، كما يجب على البنوك مراجعة عينة من استخدامات تلك البطاقات والتي تمت خارج البلاد، وكذلك طلبات تدبير العملة لأغراض السفر منذ الأول من ديسمبر 2022.
وأكد البنك المركزي أنه في حال لاحظ البنك وجود استخدامات متكررة بصورة متزايدة بما يتنافى مع طبيعة استخدامات العميل وبما يشير إلى الشك بإساءة استخدام العميل للبطاقة أو العملة التي تم تدبيرها، بخاصة في حال توافر مؤشرات على عدم مغادرة العميل للبلاد، فإنه يجب على البنك موافاة الإدارة المركزية ببيانات كاملة عن هؤلاء العملاء تمهيداً لإيقاف التعامل بالبطاقة وإبلاغ العميل بذلك واتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن.
حساب شخصي
معاناة أخرى، عاشتها السيدة الستينية س. ك مع البنوك المصرية (الحكومية والخاصة)، أملاً في تدبير عملة الريال السعودي اللازمة لتغطية نفقات السفر إلى السعودية لأداء مناسك العمرة، إذ تقول "تنقلت بين أكثر من بنك على مدى 10 أيام من أجل الحصول على ريالات، لكن تمثلت المشكلة الكبرى بالنسبة لي في أنه ليس لدي حساب شخصي، فجاءت إجابات معظم الموظفين برفض منحي أي عملة".
وتضيف السيدة أنه "حاولت إقناع موظفي البنوك بفتح حساب شخصي لي نظير الحصول على العملة، إلا أنهم قالوا لي إن منح العملة يتطلب أن يكون الحساب الشخصي مفتوحاً منذ ثلاثة أشهر، فحاولت إقناعهم باستخدام حساب زوجي الشخصي إلا أنهم رفضوا أيضاً لأن منح العملة يجب أن يكون باسم الشخص صاحب الحساب نفسه، فحاولت أن أعرض عليهم فتح فيزا المشتريات لزوجي كي أستطيع استعمالها خارج مصر إلا أنهم رفضوا أيضاً ذلك، وباءت كل محاولاتي بالفشل".
لجأت السيدة إلى تدبير مبلغ العملة المطلوب من مكاتب الصرافة إلا أنها لم تتمكن من ذلك، فأصبحت مضطرة تحت ضغط الوقت وموعد السفر إلى شراء العملة من السوق السوداء بـ14 جنيهاً، واستطاعت في النهاية تدبير 2000 ريال سعودي للسفر.
محاولات فاشلة
شهادة أخرى، يرويها الشاب الثلاثيني محمد محمود (اسم مستعار) من أبناء محافظة الجيزة خلال تجربته للسفر لأداء مناسك العمرة، إذ يقول "ذهبت قبل موعد السفر المحدد بـستة أيام إلى أحد فروع البنك حيث حسابي الشخصي، وطلبت من الموظف الحصول على عملة الريال السعودي، فقال لي أنه يستطيع تدبير 700 ريال فقط وقبل السفر بـ48 ساعة وبعد منحه الأوراق التي تدل على السفر والمتمثلة في تذكرة وجواز السفر".
أحضر الشاب الثلاثيني الأوراق المطلوبة لموظف البنك، إلا أنه فوجئ باعتراضه ورفض منحه العملة المتفق عليها بزعم أن تذكرة السفر ذهاب فقط وليست ذهاباً وعودة.
حاول الشاب تبرير ذلك لموظف البنك بأنه سيحجز تذكرة العودة أثناء وجوده في السعودية وأن مدة السفر المحددة ستنتهي إجبارياً خلال أسبوعين وسيكون مضطراً إلى العودة، إلا أن موظف البنك رفض جميع المحاولات.
طرق الشاب جميع الأبواب أملاً في الحصول على عملة الريالات المطلوبة للسفر، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، واضطر إلى الاعتماد على بعض الدولارات التي حصل عليها من أشخاص مقربين لتبديلها إلى ريالات سعودية حين يصل إلى المملكة لأداء مناسك العمرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لجأ "محمد" إلى خطوة إضافية أخرى بالحديث إلى موظف خدمة العملاء في البنك للسماح له له بفتح فيزا المشتريات التي تبلغ قيمتها 25 ألف جنيه (809.15 دولار)، ليكون بإمكانه استخدامها خارج مصر أثناء السفر، إلا أنه واجه مشكلة أخرى في حجز تذاكر السفر عن طريق الشركات (أونلاين) التي يوجد معظمها خارج مصر وتتطلب تحصيل قيمة الحجز بالدولار، مما يتعارض مع بعض الإجراءات التي تضعها البنوك في شأن تلك العملة الأجنبية.
وألزم قانون رقم 72 لعام 2021 إنشاء البوابة المصرية للعمرة وتنفيذ رحلات العمرة من خلال الشركات السياحية المرخص لها، إذ نصت المادة 5 من القانون على أنه لا يجوز تنفيذ رحلات العمرة إلا من خلال الشركات السياحية المرخص لها بمزاولة النشاط وفقاً لأحكام القانون رقم 38 لعام 1977 بتنظيم الشركات السياحية دون غيرها.
نقص في جميع العملات الأجنبية
وتعقيباً على الشهادات السابقة، يقول الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة إن مصر تعاني نقصاً في العملة الأجنبية بكل العملات وليس في الريال أو الدولار فقط، موضحاً أن بعض الراغبين في أداء مناسك العمرة يلجأون إلى السوق السوداء من أجل تدبير عملة الريال السعودي أو الحصول على عملة الدولارات واستبدالها بريالات بمجرد الوصول إلى السعودية.
ويوضح بدرة في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن بعض المواطنين يلجأون إلى تخزين العملات مثل الريال السعودي أو الدرهم الإماراتي وكذلك الدولار الأميركي، إذ أصبحت تلك العملات بمثابة قيمة للتحوط، لذلك ترتفع أسعارها بصورة كبيرة في السوق السوداء.
تقييد البطاقات خارج مصر
يعضد الطرح السابق، حديث الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع الذي أشار إلى أن الأزمة التي تواجه معظم المعتمرين في الوقت الراهن مرتبطة بصورة رئيسة بمسألة ندرة العملات الأجنبية التي تعانيها الدولة.
ويوضح أن "سعر صرف الريال السعودي مرتبط بشكل كبير بسعر صرف الدولار الأميركي لأن نظام سعر الصرف في دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء الكويت هو نظام الربط الجامد، لذلك تمارس بلدان الخليج سياسة نقدية أقرب إلى التماهي مع الولايات المتحدة، فما يسري على الدولار يسري أيضاً على الريال السعودي، مما يخلق سوقاً سوداء تنشط للغاية في فترات المواسم".
وأضاف نافع أن تلك الظاهرة ستظل موجودة ما دام أن هناك سعرين للدولار، لافتاً إلى أن ما يفاقم الأزمة هو تقييد استخدام البطاقات خارج مصر والتي تصل إلى نحو (60 دولاراً شهرياً) وشارحاً أن الأسباب السابقة تجعل العملاء والمستخدمين يلجأون إلى السوق السوداء للحصول على حاجاتهم من العملة.
الأولوية لعملاء البنك
فيما تقول الخبيرة المصرفية والاقتصادية ونائبة رئيس بنك مصر سابقاً سهر الدماطي إن غالبية البنوك تشترط أن يتم منح عملة الريال السعودي قبل السفر لأداء مناسك العمرة بـ48 ساعة، بعد الاطلاع على الأوراق التي تدلّ على ما يثبت السفر مثل "الباسبور والفيزا والتذكرة"، وتختلف قيمة عملة الريال السعودي الممنوحة من بنك لآخر، وهو أمر داخلي متروك للبنك نفسه، مردفة أن "كل بنك يسعى إلى توفير العملة للعميل الخاص به وهو أمر متعارف عليه في كل البنوك".
وتشير الدماطي إلى أن البنوك تحاول السيطرة على سوء استخدام العملة الذي كان موجوداً في السوق خلال فترات سابقة وسط أزمة نقص العملة الأجنبية التي تعانيها الدولة.
بينما يرى الرئيس السابق للجنة السياحة العربية وعضو غرفة شركات السياحة محمد ثروت أن السوق السوداء أصبحت البديل الحالي للبنوك أمام المسافرين لأداء العمرة لتدبير حاجاتهم المطلوبة من العملة، لافتاً إلى أن البنوك تحاول تحجيم منح عملة الريال السعودي للعملاء بسبب الأعداد الكبيرة الراغبة في السفر لأداء العمرة، مرجعاً السبب في ذلك إلى سياسة الدولة التي تعاني عجزاً في العملة الأجنبية لديها، لذلك تحاول تقليل إخراج العملة من البنوك. وقال إن قيمة الريال السعودي في السوق السوداء تخطى حالياً الـ14 جنيهاً مصرياً.
يشار إلى أن عضو اللجنة العليا للحج والعمرة المهندس هشام أمين كان أكد خلال تصريحات متلفزة في مارس (آذار) الماضي أن عدد المعتمرين المصريين قرابة نصف مليون معتمر سنوياً.
يعود ثروت ليؤكد أن بعض البنوك توفر للعملاء ما يعادل 1000 ريال سعودي وهي تكفي لإقامة ليلتين في السعودية فقط، مؤكداً على ضرورة أن تمنح البنوك عملاءها قيمة العملة المطلوبة لتغطية نفقات السفر بدلاً من لجوء المواطنين إلى السوق السوداء.
يذكر أن وزير الحج والعمرة السعودي توفيق بن فوزان الربيعة كان أعلن في مطلع يناير (كانون الثاني) الجاري أن عدد المعتمرين خلال 2023 وصل إلى رقم قياسي تاريخي بلغ 13.55 مليون معتمر، مضيفاً أن "أكبر عدد للمعتمرين من خارج المملكة كان عام 2019 يقدر بـ8 ملايين و550 ألف وفي هذا العام قفز العدد إلى 13 مليوناً و550 ألف معتمر بفضل التسهيلات المقدمة، وهو أكبر ارتفاع في تاريخ المعتمرين من خارج المملكة بحيث يقدر عدد الزيادة بـ5 ملايين معتمر بنسبة زيادة 58 في المئة".