Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وصية سياسية نسوية أخيرة من فرجينيا وولف قبل انتحارها

"3 جنيهات" من صاحبة رواية "مسز دالاواي" لفضح التشابه بين النازية والديمقراطية في اضطهاد المرأة

فرجينيا وولف (1882 – 1941) (غيتي)

ملخص

ستكون نصوص "3 جنيهات" من أكثر النصوص التي صدرت لفرجينيا وولف نسوية وسلمية

إذا كانت الكاتبة الإنجليزية فرجينيا وولف التي رحلت عن عالمنا انتحاراً في عام 1941 متفادية شرور العالم وشعورها هي الشخصي بأنها قالت في رواياتها كل ما كانت تريد قوله ولم يعد لديها ما تضيفه فاستسلمت لكآبتها المزمنة مسلمة روحها وجسدها للماء تغرق فيه، قد أنهت حياتها بكتابة رواية أخيرة أودعتها خلاصة تلك الحياة، فإنها كانت حرصت قبل ذلك على أن تصيغ ما يمكن اعتباره وصية فكرية - سياسية أخيرة آثرت أن تدفعها بسرعة إلى المطبعة لتصدر وسط استشراء الظروف التي أملتها عليها، هي التي ستترك نصوصاً كثيرة لتصدر بعد موتها متعمدة ذلك كما يبدو، وذلك تحديداً لأنها حرصت في ذلك النص البعيد كل البعد من اهتماماتها الإبداعية، في ظاهره في الأقل، على أن تخوض موضوعاً ينتمي إلى الراهن الذي كان يقض مضاجعها في ذلك الحين، موضوعاً يتعلق من ناحية بالأوضاع التي تعيشها المرأة في هذا العالم، ومن ناحية ثانية بالخطر الذي يخيم على البشرية من جراء تفاقم الفاشية والنازية متحالفتين ضد هذه البشرية، وحتى من قبل تحول ذلك الخطر إلى تلك الحرب - المجزرة التي من الواضح أن اندلاعها كان أحد الدوافع العديدة التي حدت بصاحبة تلك الأعمال الأدبية الكبيرة مثل "غرفة يعقوب" و"الأمواج" و"بين الفصول" إلى اختيار موتها بنفسها، هي التي لم يقيض لها أن تختار حياتها، بحسب تعبير منسوب إليها.

نص ثانوي؟

المهم أن ذلك النص وعنوانه "3 جنيهات"، اعتبر منذ صدوره ومن ثم بدء ترجمته إلى عدد لا بأس به من اللغات، إنما دون أن يصل نجاحه لدى القراء إلى درجة نجاح كتب وولف الروائية، اعتبر "نصاً ثانوياً" من دون أن يستنكف عن اعتباره صرخة احتجاج ضد النازية أطلقتها الكاتبة الإنجليزية ولكن من موقع ما كان ليخطر في بال أحد يومها: انطلاقاً بالتحديد من نظرة نسوية لا بد من القول على أي حال أنها وإلى حد ما، كانت معهودة في نصوص فرجينيا وولف. ولعل في إمكاننا أن نستند في هذا التأكيد إلى روايتها الكبرى "مسز دالاواي" التي كانت قد وضعتها منذ صدورها في عام 1925 في الصف الأول، بين كتاب ما سمي "تيار الوعي" في رواية القرن الـ20 إلى جانب الإيرلندي جيمس جويس، والفرنسي لوي فردينان سيلين، والألماني ألفريد دوبلن وغيرهم، لتكون المرأة الوحيدة بين تلك الصحبة الرائعة. فما كتاب "3 جنيهات" الذي صدر للمرة الأولى في عام 1938 قبل أن تندلع الحرب العالمية الثانية وفي وقت كانت فيه طبول تلك الحرب تقرع، وتهديدات الديكتاتور الألماني تصم الآذان؟ وستقول فرجينيا وولف ما يفيد بأنها كانت تصم آذان النساء أكثر كثيراً من آذان الرجال. وهي قالت ذلك انطلاقاً من أن الكتاب في الأصل إنما صيغ على شكل ثلاث رسائل دبجتها الكاتبة على شكل رد صاغته على مراسلات وصلتها من رجل يطلب منها أن تسهم كامرأة في نشر رسالة السلام في العالم. ومن هنا ستكون نصوص "3 جنيهات" من أكثر النصوص التي صدرت لفرجينيا وولف نسوية وسلمية، ونزوعاً إلى القول إن "صعود النازية، وفي ركابها الفاشية ليس قدراً محتماً"، مضيفة أنهما يكمنان على أي حال في جذور الديمقراطيات "ولا سيما تلك الديمقراطية السائدة في بريطانيا التي تعلن دائماً أنها تريد أن تكون بطلة حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة: وعبر منظومتها التي تقوم أساساً على الاضطهاد الأبوي، أي اضطهاد الرجل للمرأة تحديداً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مقارنة فاقعة

وهكذا تنطلق فرجينيا وولف في نظريتها قائلة إن في "مقدورنا أن نقارب ومن كثب بين ما يستشعره الذكور في مواجهتهم النازية، وما عاشته النساء ولا سيما منهن نساء الطبقات البورجوازية تحت حكم المنظومة الديمقراطية منذ أجيال وأجيال" حيث، وكما تؤكد الكاتبة في استعراض تاريخي علمي إلى حد ما، "أن المرأة ولا سيما تلك المنتمية إلى هذه الطبقات قد عاشت حياتها تعتمد على الذكر بصورة عامة بوصفها مواطنة من الدرجة الثانية، إذ لا يمكنها أن تمتلك ما يخصها ولا يمكنها أن تسافر أو أن تقابل أشخاصاً آخرين من دون أن يكون في صحبتها رجل من ذويها حتى حين تكون متزوجة فيقوم زوجها بالمهمة. لقد كانت تلك المرأة مبعدة دائماً وبصورة عامة من المنظومة التعليمية. ومن غير المسموح لها أن تكسب عيشها بعرق جبينها، وهي التي في المقابل لم يكن من حقها أن تطلق أو أن تختار بنفسها عدد الأطفال الذين تنجبهم". تستخلص الكاتبة أن كل هذا "ربما كان قد أمن للمرأة أن تعيش محاطة بالذهب، لكنه ذهب صنعت منه قضبان القفص الذي وضعت فيه. فكان سجنها الذي فرض عليها صمتها عن خوف بالطبع، أكثر مما عن قناعة".


الحقيقة والوعد

تقر فرجينيا وولف على أي حال بأن تلك الوضعية يمكن أن تبدو ضئيلة الأهمية والخطر مقارنة مع ما تعد به النازية على يد هتلر، وحليفتها الفاشية على يد موسوليني، من مصير في أوروبا اليوم. "ففي نهاية الأمر صحيح أن ثمة فارقاً بين الحالتين، لكنه فارق كمي وليس فارقاً نوعياً، بين الديكتاتورين الفاشي والنازي، وأولئك الديكتاتوريين الديمقراطيين البورجوازيين" الذين "نعرف أنهم يتعاملون حتى مع عائلاتهم ومع إناثها بالتحديد كأنهن ملكية تخصهم وحدهم ولهم مطلق الحرية في التصرف بهن ومعهن كما يشاؤون". ومن هنا ومن خلال التركيز في نصوص هذا الكتاب الذي تعمدت فيه تلك الكاتبة المشاكسة على الجمع بين نظرة النازية إلى المرأة ونظرة البورجوازية الديمقراطية إليها، أن تتوقف عند المنظومتين الاجتماعيتين للتنديد بكل منهما بالطريقة ذاتها من دون أن يبدو ما تصم به الموقف "الديمقراطي" من المرأة وكأنه نوع من الظروف المخففة للنازية، بل بوصفه يضيف سوء التعامل التاريخي السابق على ظهور النازية بالتخلف الذي يضاف هنا لا أكثر، إلى التخلف في التعامل "الديمقراطي" مع المرأة من دون أن يقلل ذلك من خطورة الكوارث التي تنتج من استشراء النازية، وتشمل في الوقت نفسه الذكور والإناث على قدم المساواة. أي إن الكاتبة التي لم تتوقف في نصوصها الروائية السابقة عن تصوير وضعية المرأة في المجتمعات التي تعرفها عن قرب ولا عن التنديد بتلك الوضعيات، لم تنتهز الفرصة هنا للتنديد بتعامل النازي والفاشية مع المرأة، بشكل قد يصب في مصلحة المنظومة الديمقراطية انطلاقاً من المبدأ القائل إن شرور غيرنا ستخفف من قسوة شرورنا، بل تعمقت في البعد السيكولوجي لموضوعها إلى درجة أن نصوص "3 جنيهات" تمكنت من أن تصف فصلاً محكماً من فصول تاريخ البورجوازية الإنجليزية، من خلال أفكار جعلت من كتابها دعوة راهنة وحاسمة لنوع من مقاومة حقيقية في وجه أدوات القمع التي يستخدمها الذكور ضد المرأة حتى وإن غلفوا ممارستها بكل أنواع النفاق. وتحديداً النفاق السائد ضدها في المجتمعات الديمقراطية. النفاق الذي ها هي ذي فرجينيا وولف تكتشفه وتكشف عنه من خلال واقع جديد قد يتراءى لكثر أنه يبرره بتفوقه في شره عليه، لكن الكاتبة تفيدنا بسرعة أنه أشد بؤساً وخطورة منه بكثير، واقع همه الأساس توجيه الذكور للإمعان في اضطهاد المرأة كنوع من "الرد على اضطهاد الفاشيين والنازيين لهم، هذه المرة وقد أعفتهم من النفاق المستشري لدى البورجوازية الديمقراطية، حيث يضفى على المرأة نوع من قداسة وتدليل يفرحانها هي قبل غيرها بما تناله من حظوة... إنما داخل قفصها الذهبي"، الذي لن تعود ثمة حاجة إليه في ظل الفاشية والنازية. وربما يكمن هنا الفارق الأساس الذي تقول لنا فرجينيا وولف في "3 جنيهات" إنه يمكن رصده بين الممارسة البورجوازية والممارسة اليمينية المتطرفة، في هذا المجال في الأقل.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة