Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة التضخم للارتفاع تنذر باستمرار أسعار الفائدة مرتفعة حول العالم

تأثير اضطراب الملاحة التجارية في البحر الأحمر لم تظهر كاملة بعد على الاقتصاد العالمي

توقف بنك إنجلترا عن رفع أسعار الفائدة نهاية العام الماضي بعد رفعها 14 مرة منذ نهاية عام 2021 (أ ف ب)

أظهرت الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني في بريطانيا الأربعاء عودة معدلات التضخم للارتفاع بشكل مفاجئ لشهر ديسمبر (كانون الأول) للمرة الأولى منذ 10 أشهر. وتبعت معدلات التضخم نظيرتها في أكبر اقتصاد في العالم بالولايات المتحدة وفي اقتصادات أوروبا الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا التي ارتفعت مجدداً بنهاية العام الماضي.

وأدت تلك البيانات والأرقام إلى عودة العائد على سندات الخزانة للارتفاع بعدما كانت أخذت في الانخفاض مع تباطؤ نمو معدلات التضخم. وهو ما جعل الأسواق تعيد النظر في توقعاتها لبدء البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى مسار خفض أسعار الفائدة قريباً.

ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في بريطانيا للشهر الماضي بمعدل سنوي بنسبة 4 في المئة، من نسبة 3.9 في المئة لشهر نوفمبر (تشرين الثاني).

وكان مسح لوكالة "رويترز" قبل صدور الأرقام الرسمية تضمن توقعات الاقتصاديين بانخفاض نمو معدل التضخم ليرتفع بنسبة 3.8 في المئة فقط. وذلك انعكاس لمسار الانخفاض الذي يشهده معدل التضخم في بريطانيا منذ فبراير (شباط) العام الماضي.

وفور صدور بيانات مكتب الإحصاء الوطني، تراجعت توقعات السوق باحتمال بدء بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) خفض أسعار الفائدة بحلول مايو (أيار) المقبل من نسبة 80 في المئة إلى نسبة 55 في المئة فقط. كما خفض المتعاملون في السوق توقعاتهم لخفض أسعار الفائدة خلال العام الحالي إلى 1.12 في المئة حتى نهاية العام، مقابل توقعاتهم بتخفيض بمقدار نسبة 1.24 في المئة من قبل.

استمرار التضخم الأساسي

على رغم التراجع الطفيف في ارتفاع أسعار الغذاء، وأيضاً بعض التراجع في كلفة الطاقة، إلا أن مؤشر التضخم الأساسي الذي يستبعد المكونات المتذبذبة السعر مثل الغذاء والطاقة ظل مرتفعاً الشهر الماضي عند نسبة 5.1 في المئة، وهي نسبة المعدل السنوي للشهر السابق. كانت الأسواق تتوقع تراجع نمو مؤشر التضخم الأساسي في ديسمبر ليرتفع بنسبة 4.9 في المئة.

بالنسبة لأسعار الأغذية، شهد المؤشر نمواً أبطأ من نسبة 9.2 في المئة لشهر نوفمبر إلى نسبة 8 في المئة الشهر الماضي. لكن الأسعار في قطاع الخدمات ارتفعت بنسبة 6.4 في المئة الشهر الماضي من نسبة 6.3 في المئة للشهر السابق. وأرجع مكتب الاحصاء الوطني الارتفاع العام في مؤشر أسعار المستهلكين إلى ارتفاع أسعار التبغ والكحوليات مع زيادة الرسوم الحكومية عليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مع عودة معدلات التضخم للارتفاع ولو بقدر طفيف بدلاً من استمرار التراجع يصبح البدء في خفض أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي غير وارد في الأشهر القليلة المقبلة. في مقابلة مع صحيفة "الفايننشال تايمز" يقول كبير الاقتصاديين في شركة "تي راو برايس" للاستثمار توماس فيلاديك: "البيانات الصادرة ستجعل لجنة السياسات النقدية في بنك إنجلترا أكثر حذراً... وربما نشهد خفضاً لأسعار الفائدة مرة كل ثلاثة أشهر وليس مرة كل شهر" كما كان متوقعاً من قبل.

وبدأت الأسواق على الفور التأثر بأرقام التضخم الجديدة، بخاصة في أسواق السندات. إذ ارتفع العائد على سندات الخزانة السيادية البريطانية قصيرة الأجل لمدة عامين، وهي الأكثر حساسية للتحركات في أسعار الفائدة، إلى نسبة 4.7 في المئة. بينما ارتفع العائد على سندات الخزانة متوسطة الأجل لمدة 10 سنوات إلى نسبة 3.89 في المئة.

كان بنك إنجلترا توقف عن رفع أسعار الفائدة نهاية العام الماضي بعد رفعها 14 مرة منذ نهاية عام 2021 ليصل سعر الفائدة الأساسية حالياً إلى نسبة 5.25 في المئة. واستبعدت الأسواق الأربعاء أن يشهد اجتماع لجنة السياسات النقدية في البنك الشهر المقبل أي تغيير في السياسة.

تأثير تهديدات البحر الأحمر

جاءت أرقام التضخم في بريطانيا مسايرة لما حدث في الاقتصادات الأخرى. فقد ارتفع معدل التضخم بشكل طفيف أيضاً في الولايات المتحدة الشهر الماضي إلى نسبة 3.4 في المئة بمعدل سنوي مقابل ارتفاع بنسبة 3.1 في المئة في نوفمبر. وفي دول منطقة اليورو ارتفع معدل التضخم بنسبة 2.9 في المئة لشهر ديسمبر من نسبة 3.1 في المئة الشهر السابق.

وصرحت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد على هامش اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا أن البنك الذي يضع السياسة النقدية لدول اليورو سيلتزم الحيطة قبل البدء في خفض أسعار الفائدة. وذلك ما تتوقعه الأسواق أيضاً من الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي. والواضح أن البنوك المركزية الآن ستنتظر حتى ترى التأثير الكامل لاضطرابات التجارة الدولية على الأسعار في ضوء ارتفاع الكلفة نتيجة عرقلة الملاحة في البحر الأحمر.

فكل تلك الأرقام والبيانات التي صدرت أمس والأيام السابقة، لا تأخذ في الاعتبار التأثير الكامل للتصعيد الأخير في البحر الأحمر حيث تهديد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن للملاحة التجارية الدولية. في مقابلة مع شبكة "سكاي نيوز" قال المدير المالي لشركة "دي بي وورلد" يوفراج ناريان إن المستهلكين في أوروبا سيكونون الأكثر تضرراً من ارتفاع كلفة الشحن وتأخير وصول السلع والبضائع نتيجة أحداث البحر الأحمر. وأضاف: "سترتفع كلفة البضائع والسلع الآتية من آسيا إلى أوروبا بشكل كبير... وسيشعر المستهلكون الأوربيون بالضرر. وسيكون التأثير السلبي على الاقتصادات المتقدمة أكبر منه على الاقتصادات النامية".

وفي مقابلة مع "الفايننشال تايمز" وصفت المحللة في شركة "ثيرد بريدج" روزالين تشين الوضع بقولها: "يقدر خبراؤنا أن أسعار الشحن البحري إلى أوروبا وصلت إلى ذروتها بما يعكس زيادة كلفة تحويل المسارات". وكان محافظ بنك إنجلترا أندرو بايلي في شهادته أمام نواب البرلمان الأسبوع الماضي أشار إلى أن عليه الآن أن يأخذ في الاعتبار خطر ارتفاع كلفة أسعار الشحن التي ستنعكس في فواتير الاستهلاك وبالتالي معدلات التضخم. وأضاف: "لقد شهدنا بحسب متابعتنا لحركة الشحن البحري أن هناك تأثيراً وأن السفن يتم تحويل مسارها... وسيرفع ذلك أسعار وكلفة الشحن، وأعتقد أن تلك ستكون مشكلة لواضعي السياسة النقدية في العالم".

ربما لا تكون عودة الارتفاع في معدلات التضخم بالقدر الكبير الذي يهدد بعودة سياسات التشديد النقدي، لكن البنوك المركزية ستتحسب أيضاً لاعتبار أن مشكلة الضغوط التضخمية انتهت وتبدأ مبكراً في خفض أسعار الفائدة. وبالتالي ستظل كلفة الائتمان والاقتراض في أغلب الاقتصادات عالية لأشهر مقبلة هذا العام.