Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل رئيس الوزراء الفرنسي الجديد صغير جدا على الحكم؟

مع اعتلائه هذا المنصب، يتعرض غابرييل أتال ذو الـ 34 عاماً لانتقادات لاذعة بسبب انعدام خبرته في الحياة

دشن جون أف. كينيدي عهده الرئاسي عندما كان عمره 43 سنة. أما جاسيندا أرديرن في نيوزيلندا، فكانت في الثلاثينيات من عمرها (غيتي)

ملخص

حتى لو بدا منطقياً تماماً أن يصل الرياضيون والفنانون إلى الذروة في سن مبكرة، من المقلق إلى حد ما أن يصبح رجل كان في مرحلة البلوغ أثناء غزو العراق في عام 2003، رئيس حكومة دولة من "مجموعة الدول السبع" G7

هل تذكرون ما كنتم تفعلونه في منتصف مارس (آذار) من عام 1989؟ أنا أذكر، لأنها كانت بداية عطلتي المدرسية النهائية. ومن ثم كنت مقبلاً على شهر من مراجعة المواد الدراسية الأساسية، مع كل ما يرافق ذلك من جهود مضنية وتوتر. لكن لو كان هناك شخص واحد لا أتذكره، فهو حتماً رئيس الحكومة الفرنسي غابرييل أتال، وذلك لسبب بسيط، وهو أنه كان آنذاك طفلاً حديث الولادة.

بنظرنا نحن الأكبر سناً، ممن أصبحنا في مطلع الخمسينيات من عمرنا، اعتدنا منذ وقت طويل إلى حقيقة تفيد بأننا غالباً ما نكون أكبر عمراً بكثير ممن أصبحوا حكاماً للعالم. فعندما تولى ريشي سوناك رئاسة الحكومة البريطانية، لم يكن عمره قد تخطى 42 سنة، أي إنه كان أصغر بعام واحد فقط من توني بلير وديفيد كاميرون، لحظة تسلمهما منصبيهما. لكن بالله عليكم، أتال لا يتخطى عمره 34 سنة، أي إنه أبصر النور في سنة ولادة غاريث بايل، وتايلور سويفت، ودانييل رادكليف، وحتى بعض من نجوم "يوتيوب"، أمثال "بيو داي باي" PewDiePie، الذين جاؤوا إلى الدنيا في عام 1989.

وحتى لو بدا منطقياً تماماً أن يصل الرياضيون والفنانون إلى الذروة في سن مبكرة، من المقلق إلى حد ما أن يصبح رجل كان في مرحلة البلوغ أثناء غزو العراق في عام 2003، رئيس حكومة دولة من "مجموعة الدول السبع" G7.

وعلى رغم أمثلة رؤساء الحكومة البريطانيين الذين تولوا مناصبهم في الآونة الأخيرة، والذي أظن أن معظمنا يميلون إلى تفضيل أن يكون قادتنا كباراً نسبياً في السن، وأن يكونوا جميعاً، في أفضل الأحوال، شبيهين نسبياً بهارولد ماكميلان، الذي ترأس الحكومة في سن الـ62، والذي لم يتسن له صعود الدرجة الأولى والأكثر انخفاضاً من سلم السلطة إلا في سن الـ46، لدى تعيينه في منصب رفيع، كسكرتير برلماني في وزارة التموين. وكذلك، لا نريدهم أن يكونوا طاعنين في السن، كما هي الحال مع جو بايدن ودونالد ترمب، اللذين يبدوان على أفضل حال أنهما في العقد العاشر من عمرهما.

لكن لو وضعنا التحفظات جانباً، فهل يشكل الشباب النسبي عائقاً فعلياً لإنجاز المهام التي تتطلبها المناصب العليا؟ بل أكثر، هل يمكن أن يشكل [الشباب] ميزة؟ وهل يمكن التحدث فعلاً عن عقل مسن في جسم شاب، أم أن أمثال أتال ونظرائه من قادة منتصف العمر مجرد رجال ونساء نجحوا في إبهار الآخرين وتمكنوا من إنشاء شبكة علاقات سمحت لهم بشق طريقهم نحو العلا ليفوزوا بالمنصب الأعلى؟

مع أننا نميل إلى التفكير في أن القادة الشبان يمثلون ظاهرة جديدة نسبياً، يفيدنا التاريخ بأنها ليست كذلك على الإطلاق. ففي النهاية، غزا الإسكندر الأكبر العالم الذي نعرفه قبل أن يبلغ سن الثلاثين، في حين تبوأ أتيلا الهوني مقاليد السلطة عندما كان أصغر بست سنوات من أتال الفرنسي.

 

ويكفي إلقاء نظرة إلى الأعمار التي وصل الرؤساء الأميركيون فيها إلى مناصبهم، لنرى أنه من بين الرجال الـ10 الذين دخلوا البيت الأبيض في الأربعينيات من عمرهم، يمكن تعداد خمسة فعلوا ذلك في القرن الـ19. ومن بين الأربعة المتبقين، جرى تدشين رئاسة ثيودور روزفلت في عام 1901، ولم يتخط عمره آنذاك 42 سنة، مما يجعله أصغر الرؤساء سناً على الإطلاق، ليصغر من ثم جون أف. كينيدي بعام واحد، وبيل كلينتون بأربعة أعوام، وباراك أوباما بخمسة أعوام.

وبطريقة مماثلة، نفترض في بريطانيا أن شباناً يافعين أمثال بلير وسوناك يشكلان استثناءً نسبياً، فتنتابنا الصدمة عندما نكتشف أن وليام بيت الابن جاء إلى الحكم في سن الـ24، بيد أن ما سبق يدفعنا إلى تجاهل أن يكون أربعة رؤساء حكومة من القرن الـ18 قد تولوا منصبهم في الثلاثينيات من عمرهم، في حين أن 18 رئيس حكومة في المجموع دخلوا مقر "داونينغ ستريت" في الأربعينيات من عمرهم.

عندما يكون متوسط العمر المتوقع أقصر، لن تكون مفاجأة طبعاً إن اعتلى أشخاص أهم المناصب في سن يافعة نسبياً وفق المفاهيم السائدة اليوم. لكن هل كان الناس في الثلاثينيات والأربعينيات من عمرهم، في القرنين الـ18 والـ19، أكثر كفاءةً ليصبحوا قادة عالميين، مقارنة بأشخاص بسن مماثلة اليوم؟ لا ريب في أن هذه المسألة تدعو إلى التشكيك. فالواقع أن سجل إنجازات القادة اليافعين حول العالم على مر التاريخ ليس أفضل ولا أسوأ من سجل إنجازات قادة كانوا في سن أكبر بكثير.

بالطبع، لا يخلو الأمر من بعض الفاشلين، أمثال سيباستيان كورتس، الذي أصبح مستشار النمسا ولم يكن قد تخطى عمره 31 سنة، وكان أداؤه مخيباً. وبالطريقة ذاتها، وحتى لو افترضنا أن بينيتو موسوليني نجح في تحسين الكفاءة والنظام في البلاد، لا يسعنا أن نقول إن هذا الأخير، الذي ترأس حكومة إيطاليا في سن الـ39، كان معروفاً بمسيرته المبهرة.

لكن في المقابل، يمكن ذكر جملة أمثلة عن رؤساء حكومة انتخبوا في الثلاثينيات من عمرهم، وأثبتوا، على أقل تقدير، أنهم مؤهلون لتولي منصبهم، بغض النظر عما إذا كنتم موافقين أو معترضين على سياستهم. فصحيح أن سانا مارين من فنلندا، وليو فارادكار من إيرلندا، وجاسيندا أرديرن من نيوزيلندا، اعتلوا المنصب الأعلى في الثلاثينيات من عمرهم، وقد نجحوا، أو يسعون إلى النجاح في تحقيق إنجازات خلال عهدهم. ومن المؤكد طبعاً أنهم ارتكبوا جميعاً بعض الهفوات، ولكننا نعود لنقول إن كل زعيم، مهما كان عمره، قد ارتكب الهفوات ذات يوم.

 

ومن بين الأسباب التي تدعونا إلى توجيه انتقادات حادة لأمثال أتال، بسبب صغر سنهم، هو توقعنا بأن يكون قادتنا قد اكتسبوا بعض الخبرة القيمة في الحياة. وفي أفضل الأحوال، نتمنى أن يكونوا قد أسسوا عائلة، وعملوا في وظيفة طبيعية نسبياً، وأن يكونوا قد شاهدوا العالم. ونفترض أن ذلك يخول رئيس الحكومة فهم ما يريده الناس وما يحتاجون إليه فعلاً. لكن هل هذا الكلام منطقي؟ من المؤكد أن المرء ليس مضطراً إلى اكتساب عشرات السنوات من الخبرة ليعرف أن ما يريده الناس بصورة أساسية هو الأمن والسلم والازدهار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى ذلك، لا شك في أن القيادة في سن الشباب تمثل ميزة إيجابية، إذ إن منصب رئيس الحكومة ورئيس البلاد بات يفرض اليوم متطلبات أكبر بكثير مما كان مفروضاً قبل قرن من الزمن. ومن ثم لا بد من اتخاذ القرارات بصورة شبه فورية، في مهمة غالباً ما تتطلب نحو ساعتين من النوم، كما أن صورة [القائد] تكتسي أهمية قصوى. ومن ثم فإن الشباب - وكذلك الرونق - يسمحان بالفوز في الانتخابات في عصر الإعلام. ولا شك في أن شيخوخة بايدن وترمب لا تفيد مصلحتهما على الإطلاق، لا سيما أن بايدن يبدو ضعيفاً وهزيلاً إلى حد يمنعه من أداء دوره.

وفي حين أن الزعامة السياسية في سن الشباب ليست بالضرورة ظاهرة جديدة، يشير ارتفاع متوسط العمر المتوقع إلى أنه عند رحيل رئيس حكومة يافع عن منصبه، تبقى أمامه عشرات السنوات التي يجب أن يملأها. وغالباً ما يقال إن الأشخاص في مجال الرياضة يموتون مرتين - مرة أولى لحظة تقاعدهم من نوع الرياضة الذي يمارسونه، ومرة ثانية عندما يرحلون فعلياً عن الدنيا. والأمر سيان بالنسبة إلى رؤساء الحكومة الذين ينتهي عهدهم، كونهم يحرمون فجأة من نفوذهم الكبير، ويكونون مرغمين على التخلي عن مقامهم وامتيازاتهم، ويكتشفون أنهم تحولوا مرة أخرى إلى مواطنين عاديين.

 

وما يعنيه ذلك هو أن دور رئيس الحكومة يكاد يبدو كحجرة يدوس عليها [صاحب المنصب] خلال مسيرته، أكثر من كونه غاية نهائية بحد ذاتها. وفي حين أن البعض، أمثال كاميرون، يواجهون صعوبات لإيجاد دور لأنفسهم، يبدو أن أمثال بلير وأوباما نجحوا في إبقاء أنفسهم منهمكين. أما مارين، وبالنظر إلى حضورها على مواقع التواصل الاجتماعي، فتعيش على ما يبدو حياة متكاملة وغنية كمسافرة راقية تجوب أرجاء العالم على الدوام. ومما لا شك فيه هو أن سوناك سيعيش هو التالي حياة متكاملة، ترضي طموحاته كخبير مرموق في التكنولوجيا على الضفة الغربية للولايات المتحدة. ومع أن الوقت لا يزال مبكراً للتخمين عما سيكون عليه أداء أتال، لا بد من الإشارة إلى أنه لو انتهت مسيرته السياسية في منتصف الأربعينيات من عمره، سيجد أمامه، على أقل تقدير، ثلاثة عقود من الحياة سيكون عليه أن يملأها.

من بعض النواحي، لا شك في أن الشعور بأن تولي رئاسة الحكومة ليس سوى قطرة في بحر من الأمور التي يفعلها المرء في حياته يقلل من شأن هذا المنصب، فلا يعود يبدو كذروة [في المسيرة المهنية] كما في السابق، كما أن تزايد عدد رؤساء الحكومة السابقين، الذين يجوبون أرجاء العالم من دون أي غاية تذكر، يجعلهم يبدون عاديين وغير متميزين، فيكون ذلك، على الأرجح، أكبر العراقيل في وجه وصول الشبان إلى المنصب الأعلى في السلطة - ويجعل دورهم يبدو سهلاً للغاية، مع أنه بالطبع ليس كذلك، وهذا ما سيكتشفه أتال عما قريب.

© The Independent

المزيد من تحلیل