مع قصف الولايات المتحدة مواقع تابعة لجماعة الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن للمرة الرابعة هذا الأسبوع، تتزايد أخطار تصعيد الصراع في المنطقة وتأثيره في التجارة الدولية نتيجة اضطراب الملاحة التجارية عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
إلى ذلك أصدرت مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني تقريراً هذا الأسبوع يقدر الخسائر المحتملة من السيناريوهات المختلفة للصراع في المنطقة.
وقالت "موديز" إن السيناريو الأساس حتى الآن أن يبقى الصراع محصوراً في قطاع غزة مع اشتباكات محدودة بين إسرائيل والقوى المدعومة من إيران مثل "حزب الله" في لبنان والحوثيين في اليمن، إلا أنه مع التطورات الأخيرة زادت احتمالات أن تؤدي أية حسابات خاطئة إلى اندلاع صراع أوسع على جبهات عدة في الشرق الأوسط، وهو السيناريو الذي يعني مزيداً من التقيدات الدولية والأضرار على اقتصادات المنطقة والاقتصاد العالمي.
وفي كل الأحوال، بحسب تقرير المؤسسة، فإن استمرار عرقلة التجارة عبر البحر الأحمر سيؤدي إلى زيادة كلفة الشحن والنقل اللوجيستي عامة.
وتقدر "موديز" أن يضر ذلك أكثر الأعمال والشركات وأيضاً بالمستهلكين مع تحميل الزيادة في كلفة الشحن على الأسعار النهائية للسلع والبضائع، وبحسب التقرير سيكون الضرر الأكبر على دول أوروبا ومصر.
طول الصراع وتوسعه
إلا أن طول مدة الصراع يزيد احتمالات الأخطاء التي قد تقود إلى توسع الصراع في المنطقة كلها، ومع ذلك يظل السيناريو الأساس ألا تدخل إيران أو الولايات المتحدة في حرب واسعة في المنطقة، وإن بقي الاحتمال في نطاق التوقع المتوسط.
ويشير التقرير إلى أن الهدنة بين التحالف بقيادة السعودية وتطور المحادثات من أجل تسوية سياسية في اليمن تقلل من احتمالات أخطار توسع الصراع، وأن القوة العسكرية الأميركية في المنطقة تمثل ردعاً لإيران يحول دون التصعيد نحو صراع أوسع، لذا يظل احتمال حرب إقليمية واسعة تشمل إيران في المستوى المنخفض تقريباً.
ولا يتوقع تحليل المؤسسة استهداف المصالح الأميركية في المنطقة بقدر أكبر من المستوى المنخفض حالياً، وإن كان استمرار قصف الولايات المتحدة وبريطانيا للحوثيين يمكن أن يؤدي إلى ردود فعل تطاول ما هو أبعد من الملاحة في البحر الأحمر، ومثل هذا السيناريو ستكون له تبعات كبيرة عالمياً وليس فقط على اقتصادات دول الشرق الأوسط، ويمكن أن يؤدي إلى تدهور اقتصادي عالمي في حال تضرر أي من منشآت الطاقة في المنطقة أو تعطل الملاحة عبر مضيق هرمز الذي يمر من خلاله نسبة من 20 إلى 25 في المئة من تجارة النفط والغاز العالمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحتى بحسب السيناريو الأساس للمؤسسة فإن مزيداً من شركات الشحن البحري ستتفادى المرور عبر البحر الأحمر إلى قناة السويس.
ويقدر التقرير، بحسب بيانات متابعة السفن وشركات الشحن البحري، أن عدد السفن التجارية بما فيها سفن شحن الحاويات وناقلات الطاقة وسفن الشحن العملاقة التي تمر عبر قناة السويس انخفض بنحو الثلث، أي ما بين 20 و30 في المئة خلال الأسبوع الثاني من شهر يناير (كانون الثاني) الجاري.
كذلك ارتفعت أسعار شحن الحاويات بمقدار الضعف وأحياناً الضعفين، مقارنة بما كانت عليه قبل عام، ورفعت شركات التأمين على النقل البحري كلفة التأمين بصورة كبيرة بسبب الأخطار في البحر وطول المسافة لسفن شحن السلع والبضائع بين الشرق والغرب التي تحول مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
مصر وأوروبا
وبحسب تقرير "موديز" فإن هجمات وتهديدات الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر تعني خفضاً كبيراً لعائدات مصر من الرسوم على عبور السفن والناقلات لقناة السويس.
في غضون ذلك، أعلنت هيئة قناة السويس بالفعل تراجع العائدات بما يقارب النصف، أي 40 في المئة، خلال الأسبوعين الأولين من عام 2024.
وكانت عائدات قناة السويس السنوية العام الماضي 2023 ارتفعت بنسبة 25 في المئة عن العام السابق 2022 لتصل إلى 10 مليارات دولار.
ولا تتوقع المؤسسة تضررا كبيراً لحسابات مصر المالية، فيما تبقى من العام المالي الحالي المنتهي بنهاية شهر يونيو (حزيران) 2024 نتيجة تراجع عائدات مصر من قناة السويس، لكن إذا استمر اضطراب التجارة عبر البحر الأحمر فإن المالية العام لمصر ستتضرر، بخاصة أن الحكومة تحصل على ما بين 60 و 70 في المئة من عائدات قناة السويس التي تشكل تسعة في المئة تقريباً من دخل الحكومة.
ويشير التقرير إلى أن الضرر التالي هو على إسرائيل التي ستعاني تجارتها الاضطراب وبخاصة عبر ميناء إيلات، إلا أن ذلك الضرر يمكن تعويضه بموانئ إسرائيل الأخرى على البحر الأبيض المتوسط.
أما الضرر الأكبر من استمرار التوتر في المنطقة من الحرب في غزة إلى تهديد الحوثيين للملاحة التجارية في البحر الأحمر فهو على دول أوروبا بسبب تأثر التجارة بين الشرق والغرب عبر قناة السويس.
وهناك ما يصل إلى 20 ألف سفينة شحن وناقلة تعبر قناة السويس سنوياً وتنقل القدر الأكبر من التجارة في السلع والبضائع والمكونات وقطع الغيار بين آسيا وأوروبا، إذ تظهر بيانات وأرقام مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) أن 20 في المئة من الواردات الأوروبية جاءت من آسيا عبر الشحن البحري في عام 2022، معظمها بالطبع من طريق باب المندب - البحر الأحمر - قناة السويس.
ومن القطاعات الأوروبية الأكثر تعرضاً للضرر قطاع التجزئة والصناعات العامة الذي يعتمد على الشحن البحري من آسيا، وبالفعل بدأت بعض شركات صناعة السيارات تعليق الإنتاج نتيجة تأخر وصول المكونات المشحونة بحراً.
أما الواردات الآسيوية من أوروبا فإنها أقل تأثراً بعرقلة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، إلا أن غالبيتها ما تكون منتجات عالية القيمة ويمكن شحنها جواً، ومع أن الشحن الجوي أكثر كلفة لكن مثل تلك الواردات يمكن تحميل كلفة الشحن على أسعارها للمستهلك.