ملخص
الولايات المتحدة تواجه تحديات ملحة تستوجب اتخاذ قرارات كبيرة وصعبة حيال حربين في أوكرانيا وغزة وأزمة قابلة للاشتعال في تايوان... فهل تحلها الانتخابات المقبلة؟
الولايات المتحدة الأميركية عاجزة، بحكم مصالحها الكونية، عن تخفيف الالتزامات الأمنية والعسكرية في المناطق الحساسة من العالم، وهي تواجه حالياً في وقت واحد، فوق الانقسام الداخلي الحاد، تحديات ملحة تستوجب اتخاذ قرارات كبيرة وصعبة حيال حربين وأزمة قابلة للاشتعال، حرب أوكرانيا وحرب غزة وأزمة تايوان.
حرب أوكرانيا يقرر مسارها مصير أوروبا والدور الأميركي، أما حرب غزة، فتقرر نهايتها مصير إسرائيل ومصير "حماس" وصراع المحاور في الشرق الأوسط، وتايوان التي انتخبت رئيساً من دعاة "الاستقلال" عن الصين، المصرة على توحيد الجزيرة مع البر الصيني، هو لاي تشينغ تي من الحزب "الديمقراطي التقدمي" قد تصبح بؤرة حرب تشنها الصين وتلتزم أميركا تسليحها والدفاع عنها، وإن كانت مع سياسة "صين واحدة" منذ "اتفاق نيكسون- ماو" في سبعينيات القرن الماضي، وتعلن أنها ضد أو "لا تدعم استقلال تايوان".
ومتى؟ في سنة انتخابات رئاسية تدور حولها كل سياسات واشنطن الداخلية والخارجية، وتشل قدرة الرئيس الجالس في البيت الأبيض وتجعله "بطة عرجاء" بحسب التعبير الأميركي، والنقاشات فيها حادة جداً، أقل ما يقول فيها المتصارعون من الطرفين والخبراء الاستراتيجيون من خارج الإدارة ومعارضوها إن الفشل في أوكرانيا "نصر استراتيجي" لروسيا ومعها الصين و"هزيمة أستراتيجية" لأميركا وأوروبا و"الناتو"، والفشل في غزة "ربح" لإيران وروسيا والصين و"كارثة" لأميركا.
أما تايوان، فإن المؤكد في أي صدام عسكري هو أن تربح الصين سواء تدخلت أميركا أو تخلت عن التزاماتها بسبب مصالحها مع بكين، وليس سراً أن خبراء استراتيجيين أميركيين أجروا محاكاة لـ18 حرباً بين أميركا والصين في مضيق تايوان كانت نتائجها ربح الصين بالنقاط.
وإذا كان الجمهوريون في مجلس النواب التابع للكونغرس يعرقلون الموافقة على طلب الرئيس جو بايدن تخصيص مبلغ 61 مليار دولار لأوكرانيا، فإن هناك من يتصور أنه من الممكن نجاح أميركا في الشرق الأوسط، وبين هؤلاء رئيسة برنامج المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا في معهد أفاري الدولي في روما ماريا فانتابي والتي شاركها والي نصر متخصص العلاقات الدولية ودراسات الشرق الأوسط في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة التابعة لجامعة جونز هوبكنز في مقالة نشرتها "فورين أفيرز" في عددها الأخير تحت عنوان "إعادة صنع الشرق الأوسط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول الكاتبان إن هجوم حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على إسرائيل في عملية "طوفان الأقصى" أوقع المنطقة في "اضطراب" وكشف عن "خطأ" الرؤية الأميركية للشرق الأوسط و"أنهى" تلك الرؤية والحاجة الآن إلى "استراتيجية أميركية جديدة للشرق الأوسط مرتبطة بالحقائق التي تجاهلتها واشنطن".
التفاصيل التي تحدث عنها المؤلفان كثيرة، لكن الأساسيات تتركز على ثلاثة، أولها عقد "معاهدة دفاعية مع السعودية" التي يتعاظم دورها في المنطقة وخارجها، وثانيها وقف نار تام في حرب غزة وعمل جدي لتسوية سياسية وقيام دولة فلسطينية، وثالثها ترتيب "نظام أمني إقليمي" في الشرق الأوسط يسمح لأميركا بالتركيز على آسيا وأوروبا.
وليس هذا ممكناً خلال العام الحالي ولا سهلاً حتى لو ربح بايدن الانتخابات، فهو في حاجة إلى حكومة وسط ويسار وسط في إسرائيل، كما يحتاج إلى سلطة فلسطينية متجددة تشارك فيها "حماس" كفصيل سياسي موافق على "حل الدولتين" على عكس ما يقاوم من أجله، وهو تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.
ويحتاج بايدن بالطبع إلى تفاهمات مع إيران وإعادة تشكيل المنطقة باتجاه الالتفات إلى التنمية والتطور بدلاً من التقاتل، وكل هذا يصبح خارج الموضوع إذا ربح دونالد ترمب الانتخابات وأعاد التركيز على أميركا فقط ومحاباة خصومها وتجاهل حلفائها.
لكن فريد زكريا يقول في مقالة في العدد نفسه من"فورين أفيرز" إن معظم التحديات المقلقة لقوانين النظام الدولي لا تأتي من الصين وروسيا وإيران بل من الولايات المتحدة نفسها" وإن مشكلة أميركا أنها إمبراطورية لا مثيل لها منذ الإمبراطورية الرومانية، لكن الأميركيين العاديين ليسوا في مزاج إمبراطوري كما كان البريطانيون والفرنسيون والألمان والهولنديون والإسبان والبرتغاليون، والسؤال في أميركا والشرق الأوسط هو من يغيّر من وماذا؟