Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من هو بوزيان القلعي... روبن هود الجزائر الذي أعدمته فرنسا؟

راعي أغنام دوخ الاستعمار طوال 13 عاماً

كان بوزيان القلعي ينزل في الليل هو ورفاقه ويدخل مزارع الخونة الموالين للاستعمار فيأخذون كل ما بها من غلال وطعام (مواقع التواصل)

في النصف الثاني من القرن الـ19، كان يعيش في الجزائر راعي غنم بسيط، يسوق أغنامه صباحاً للرعي ويعود بها مساء إلى البيت ليحلبها ويطعم أسرته، وزاد على ذلك جمع الحطب من الغابة ليبيعه في السوق فيشتري بثمنه بعض الضرورات، وكان ذلك حال معظم الجزائريين، فالحياة تمضي على قدر الطعام والشراب بعدما ضيّق الاحتلال الفرنسي على الأهالي معيشتهم لينشغل الناس بلقمة العيش وينصرفوا عن مقاومته، وبحسب ظنهم ليس لجائع معدم أن يحمل السلاح في وجه المستعمر.

لم يكن الراعي بوزيان سحنون ولد الحبيب، المولود عام 1838، وسمي "القلعي" نسبة إلى مسقط رأسه القلعة، الواقعة في محافظة غليزان حالياً، يحمل رصيداً من التعليم ولا معرفة في التاريخ والسياسة، إلا أن الظلم الذي تعرض له بنو جلدته على يد المعمرين وجيش الاحتلال الفرنسي الذي جردهم من وطنهم وحريتهم وخيرات أرضهم، قلب حياته حين قاد ثورة عجزت فرنسا عن إخمادها إلا بعد 13 عاماً، حتى أصبح يكنى لاحقاً بـ"روبن هود الجزائري".

شرارة التمرد

في أحد الأيام، كان بوزيان القلعي يجلس مع أفراد أسرته، وإذا بطارق على الباب يقطع عليهم جلستهم، وهرع رب البيت ليفتح فوجد القائد (جزائري مكلف شؤون المحليين لدى الإدارة الفرنسية) الذي طلب منه أن يدفع ضرائب مبالغاً فيها بأسلوب فج فيه مهانة أمام أفراد عائلته، فغلى الدم في عروقه وهجم عليه وطرحه أرضاً وانهال عليه ضرباً ورفساً.

ولأن القائد هدده بالإبلاغ عنه، ما كان من بوزيان القلعي إلا أن جرده من ملابسه إلا ما يستر عورته، وطاف به القرية وفضحه وأهانه أمام كل الأهالي، وهو من كان يتجبر عليهم ويتقوّى بالاحتلال على بني وطنه.

بعد الحادثة، قرر القلعي التواري عن أنظار جيش الاحتلال الفرنسي واللجوء إلى الجبال وإعلان التمرد على فرنسا، واختار جبال بني شقران مقراً لثورته الفردية قبل أن يلتحق به كثير من الشباب بمعية جيلالي الشقراني، المدعو "جيلالي القاطع"، ويشرعوا في شن هجمات على مزارع وضيع المعمرين والباشاغات التي سلبوها من الجزائريين في إطار قانون سنه الفرنسيون عام 1863.

 

 

كان بوزيان القلعي ينزل في الليل هو ورفاقه ويدخل مزارع الخونة الموالين للاستعمار، فيأخذون كل ما بها من غلال وزرع وطعام وآلات الزراعة وحيوانات وطيور حتى خلايا النحل وأبراج الحمام ثم يحرقون ما تبقى بما في ذلك المنزل وملحقاته ويتركون الأرض جرداء لا تصلح للعيش.

في الـ13 من أغسطس (آب) 1873 اعترض بوزيان طريق ثري بمدينة أورليان سابقاً، الشلف حالياً، المدعو الحاج محمد بن عبداله، وسلبه كل ما يملك.

تعاطف وتقليد

واستمرت غارات القلعي على ممتلكات المعمرين والخونة الموالين لفرنسا 13 عاماً، وأصبح مثلاً لشباب المناطق المجاورة الذين بدأوا بتقليده ونفذوا عمليات مختلفة ضد جيش الاستعمار الفرنسي، وكان الجندي لا يأمن أن يمشي وحيداً أبداً في شوارع وطرقات القرى التي يسيطر عليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأدت نجاحات بوزيان القلعي إلى كسب تعاطف سكان الغرب الجزائري مع ثورته التي صارت تجلب أعداداً جديدة من الثوار، مما دفع الحاكم العام للإدارة الاستعمارية في الـ30 من ديسمبر (كانون الأول) 1874 إلى كتابة تقرير لوزير حربه أبلغه فيه بخطورة ثورة بوزيان القلعي وانتشارها وتأثيرها في وعي السكان، علماً أنها كانت سبباً مباشراً في ظهور بعض الثورات مثل ثورة فليتة في 1864.

ويروى أن بوزيان القلعي "التقى امرأة فرنسية تعطلت سيارتها فساعدها، وأخبرته بأنها خائفة من إرهابي يدعى بوزيان، لتتفاجأ أنه هو ودهشت من شهامته ونبله".

ولما ضاق الاستعمار بالثائر القلعي ذرعاً، وضعه على لائحة المطلوبين بمبلغ مالي كبير، وقرر وزير الشؤون الحربية تجييش فرق من العسكر والمخبرين الخونة لاعتقاله ورفاقه، لكنه فشل في ذلك ولم يستطِع الإيقاع به إلا بتجنيد العملاء والخونة.

وفي الـ16 من أكتوبر (تشرين الأول) 1875، وقع بوزيان القلعي في يد المستعمر على يد الخائنين الحاج بن يوسف وابنه عمار، وهما حركيان ينحدران من دوار أولاد يحيى البنيان الذي يبعد 45 كيلومتراً من مدينة معسكر وكافأتهما فرنسا بالميدالية الشرفية الفضية نظير ذلك.

إعدام وتخليد

بتاريخ الـ 13 من أكتوبر 1877، بدأت محاكمة بوزيان برفقة سي قدور بن حميدة واثنين آخرين، وفي مايو (أيار) 1976 حكم عليهم بالإعدام ونفذ فيه الحكم صباح الـ 26 من يوليو (تموز) من العام نفسها في الحديقة العمومية لمدينة المحمدية بمحافظة معسكر حالياً.

 

 

لم يكتفِ الاستعمار الفرنسي بإعدام الثائر بوزيان القلعي، فعمد إلى فصل رأسه عن جسده وأرسل رأسه ليعرض في متحف الإنسان بفرنسا وبقي هناك لغاية الثالث من يوليو 2020 عندما استرجعت السلطات الجزائرية رفاته إضافة إلى 23 جمجمة لمقاومين آخرين استقبلتهم باحتفالات أقيمت في مطار الجزائر بإشراف الرئيس عبدالمجيد تبون، قبل إعادة دفنهم في الخامس من يوليو بمناسبة عيد الاستقلال في مقبرة العالية بالجزائر العاصمة.

ودخل الثائر بوزيان القلعي التاريخ وصار أسطورة وتناقل السكان قصته عبر أغانٍ شعبية، ما زال الناس يرددونها إلى اليوم، وكان له أيضاً نصيب في السينما، فخلد المخرج الجزائري بلقاسم حجاج قصته في فيلم وثائقي عام 1983، وتقمص شخصيته الممثل الجزائري الراحل سيراط بومدين، وحاز الفيلم جائزة "فينيزيا جينتي موسترا" في البندقية بإيطاليا عام 1984.

المزيد من منوعات