ملخص
تواجه البنوك الكبرى في الولايات المتحدة الآن احتمالات فرض بنك الاحتياط الفيدرالي قواعد رأسمالية أكثر صرامة
بعد سنوات من التعديلات التنظيمية، تنفذ واشنطن الآن الإصلاح الأكثر صرامة لأكبر سوق للسندات في العالم منذ عقود، وقد أيد رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، غاري جينسلر، الذي أشرف ذات يوم على إدارة الديون الفيدرالية في وزارة الخزانة الأميركية، خطوة تطالب الغالبية العظمى من تداول سندات الخزانة بالانتقال إلى غرفة مقاصة مركزية للطرف المقابل، وهي وسيط بين المشترين والبائعين يتحمل المسؤولية النهائية عن الصفقة.
ووفقاً لـ"بلومبيرغ"، ستبلغ العملية المرحلية ذروتها في منتصف عام 2026 بإدراج جميع معاملات اتفاقات إعادة الشراء، وهي أداة رئيسة تستخدمها صناديق التحوط في ما يسمى التجارة الأساس الشائعة التي تخضع للتدقيق من واشنطن.
وتشكل هذه المبادرة واحدة من أكثر الجهود أهمية منذ الإصلاح التنظيمي في أعقاب فضيحة مزاد وزارة الخزانة عام 1991، التي تورطت فيها شركة "سالومون براذرز" التي لم يعد لها وجود الآن. وبمجرد اكتمال الإصلاح، لا بد أن يقلل من خطر العدوى الناجمة عن الانهيار المفاجئ لأي مؤسسة مالية، وهو أشبه بما فعلته السلطات بالفعل بمشتقات أسعار الفائدة بعد انهيار بنك "ليمان براذرز"، الذي عاث فساداً في أسواق المال العالمية.
26 تريليون دولار قيمة سوق سندات الخزانة الأميركية
نظراً إلى أن غرفة المقاصة تتحمل مسؤولية إتمام التعاملات، فإنها تقلل من أخطار عدم قدرة الطرف المقابل على إكمال الصفقة، لكن الحد من الأخطار النظامية سيأتي بثمن، إذ سيواجه المتعاملون كلفاً أعلى لإدارة الأخطار، مع تشديد هيئة الأوراق المالية والبورصات أيضاً القواعد التي تحكم غرف المقاصة.
وبالنسبة إلى جينسلر وزملائه من الهيئات التنظيمية تعد هذه الخطوة أساساً لتعزيز المرونة في سوق سندات الخزانة الأميركية التي تبلغ قيمتها 26 تريليون دولار، والتي اضطربت مرات عدة في السنوات الأخيرة بسبب التجميد المفاجئ للتداول، فنحو 13 في المئة فقط من تداول سندات الخزانة النقدية البالغة 700 مليار دولار يومياً يجرى بالكامل من خلال غرفة المقاصة الوحيدة في السوق، مؤسسة مقاصة الدخل الثابت، ما يساعد في إقناع السلطات بأن هناك حاجة إلى تدخل تدريجي.
وقال رئيس هيكل السوق في "بنك أوف نيويورك ميلون" والرئيس السابق للأسواق المحلية في بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك ناثانيال وورفيل لـ"بلومبيرغ"، "ستغير الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع السوق والطريقة التي يعمل بها السوق". وأضاف "هذا هو إلى حد بعيد أكبر جهود الإصلاح التي كان المنظمون يعملون عليها خلال السنوات الأخيرة، في فترات التوتر السابقة، بدأ المشاركون في السوق في التراجع عن نظرائهم لأنهم قلقون في شأن أخطار ائتمان الطرف المقابل، وفي حين سيخفض ذلك في المستقبل، فإن كلف إدارة الأخطار الإضافية التي ينطوي عليها النظام الجديد تعني على أساس يومي أن السيولة ستكون أقل استمرارية قليلاً مما كانت عليه في الماضي".
4 تريليونات دولار عمليات إعادة الشراء
وحصلت صناديق التحوط على فوز جزئي في قواعد هيئة الأوراق المالية والبورصات التي كشف عنها الشهر الماضي، إذ أعفيت من استخدام المقاصة المركزية للتداول النقدي لسندات الخزانة، لكنهم أكثر نشاطاً بكثير في سوق الريبو (اتفاق البيع وإعادة الشراء، هي شكل من أشكال الاقتراض القصير الأجل في الأوراق المالية الحكومية)، الذي يستخدمونه في الرهانات ذات الرافعة المالية كما هي الحال في التجارة الأساس الشعبية.
وتبلغ قيمة عمليات إعادة الشراء نحو أربعة تريليونات دولار في المتوسط يومياً، ونحو 20 في المئة فقط من هذا المبلغ، يمر حالياً من خلال غرفة مقاصة مركزية للطرف المقابل.
وقال جينسلر في مقابلة أجريت معه الأسبوع الماضي "كثير من التمويل لا يقلل من الأخطار، بل ينقله فقط إلى أطراف أكثر استعداداً وقدرة على الاحتفاظ به مقابل ثمن". وأضاف "إن التقلبات العالية في السوق الأساس إلى جانب الرفع المالي العالي هي المكان الذي يمكنك فيه رؤية الصدمات في النظام... المقاصة المركزية هي واحدة من تلك الأشياء في مجال التمويل التي تقلل الأخطار بصورة عامة".
واليوم لا يوجد سوى نقطة مراقبة مركزية واحدة لسندات الخزانة FICC، وهي شركة تابعة لشركة "ديبوزتري ترست أند كليرينغ كورب"، وفي حين أن هناك إمكانية لدخول الوافدين الجدد، فإن المقاصة المركزية هي عمل كثيف رأس المال ومكلف في إنشائه، وهذا يترك الأخطار مركزة في المشغل الحالي الوحيد.
وقال متحدث باسم مؤسسة الإيداع والمقاصة DTCC "إننا نرى هذا التوسع لتوسيع المشاركة في المقاصة المركزية باعتباره تطوراً طبيعياً، وتتمتع مقاصة الدخل الثابت (FICC) بوضع جيد لتنفيذه".
صدمات "الريبو"
وعلى عكس صندوق التأمين على الودائع الفيدرالية الذي تدفع البنوك فيه، تجمع غرفة المقاصة المركزية للطرف المقابل "سي سي بي" رؤوس أموال الأعضاء للتأكد من أن الخسائر في إحدى الشركات لا تضر الشركات الأخرى. وتحوي المنصات أيضاً على ما يسمى "الصندوق الافتراضي"، المعروف باسم الشلال، إذ يودع أعضاء البنك الأموال النقدية والأوراق المالية للاحتفاظ بها كاحتياط كمستوى إضافي للحماية من الخسائر.
وسيطلب من نقاط التحكم الحرجة وضع معايير للهوامش التي يجب على المتداولين نشرها لصفقاتهم، بشكل منفصل عما قد يكونون قد وضعوه لعملائهم، وقد يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى إعاقة التداولات الأساس لصناديق التحوط، إذ يستخدم الرافعة المالية للاستفادة من فروق الأسعار بين سندات الخزانة والعقود الآجلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال رئيس أبحاث هيكل السوق في "كويليشين غرينيتش" كيفن ماكبارتلاند "الريبو هو مصدر التمويل الرئيس لكثير من الصفقات الأساس، وكثير من حالات الذعر في السوق على مدى العقد الماضي كانت بسبب صدمات الريبو".
وفي حين يجب على الأعضاء أن يصلوا إلى هذا الاحتياط، فإن إحدى ميزات منصة "سي سي بي" هي شبكة أوسع من الصفقات بين المشاركين في السوق كل يوم، ومن المحتمل أن يشجع ذلك المتعاملين مثل البنوك الكبرى على الانخراط في مزيد من تداول سندات الخزانة، وهذا بدوره يمكن أن يعمل على تعزيز السيولة وسهولة القدرة على الشراء أو البيع.
وقال نائب مدير سابق لمكتب إدارة الديون التابع لوزارة الخزانة الأميركية عمار ريغانتي، الذي يعمل الآن متخصصاً استراتيجياً للدخل الثابت في "ويلينغتون مانجمنت"، "من الناحية النظرية يجب أن تحرر المقاصة الموازنات العمومية على مستوى الوكيل الرئيس من خلال عملية المعاوضة... هذه فائدة".
البنوك الكبرى وقواعد رأسمالية أكثر صرامة
وقال رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأميركية في شركة "تي دي سيكيوريتيز إنك" جينادي غولدبرغ "في حين أن المقاصة المركزية لعمليات إعادة الشراء وسندات الخزانة يمكن أن تساعد في تحسين مرونة السوق، فمن غير المرجح أن يحل هذا التغيير بصورة كاملة خفض السيولة الأوسع في السنوات الأخيرة".
ومن بين الخطوات التالية المنتظرة هي تغييرات القواعد المقترحة من قبل مقاصة الدخل الثابت FICC في شأن القضايا بما في ذلك الهوامش، لجعل هيكل السوق يتماشى مع لوائح هيئة الأوراق المالية والبورصات، ومن المتوقع أيضاً الانتهاء من قاعدة أخرى مقترحة من هيئة الأوراق المالية والبورصات في الأشهر المقبلة، التي تتطلب من شركات التداول الخاصة والصناديق الخاصة الأخرى التسجيل كتجار للأوراق المالية، وهذا من شأنه أن يجبر مزيداً من التداول على غرفة المقاصة.
ودفعت مجموعة العمل المشتركة بين الوكالات المعنية بمراقبة سوق الخزانة، التي تضم وكالات عدة، إلى اتخاذ تدابير أخرى، بما في ذلك خطة وزارة الخزانة الأميركية للبدء في وقت لاحق من هذا العام لإعادة شراء بعض الأوراق المالية القائمة، التي تهدف جزئياً إلى تعزيز السيولة.
وقال مساعد وزير الخزانة للأسواق المالية جوش فروست "إن قواعد المقاصة المركزية الجديدة للجنة الأوراق المالية والبورصات هي جزء مهم من عمل الوكالات لمراقبة سوق الخزانة IAWG لتحسين مرونة سوق الخزانة".