تترقب أسواق النفط العالمية استئناف منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" وحلفائها المعروفين باسم "أوبك+" اجتماعاتها لمتابعة السوق في الأسبوع الأول من فبراير (شباط) المقبل، وهو الاجتماع الأول للتحالف الذي تقوده - السعودية وروسيا - خلال العام الحالي.
الاجتماع المنتظر أن يعقد افتراضياً عبر الإنترنت، يأتي بعد بدء التحالف مطلع هذا العام جولة جديدة من خفوضات الإنتاج في محاولة لتجنب فائض المعروض العالمي خلال الربع الأول ودعم أسعار النفط.
وخفضت العديد من دول "أوبك+" بما في ذلك السعودية وروسيا إنتاجها من النفط طواعية بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً إضافياً في يناير (كانون الثاني)، وسيكون هذا الإجراء ساري المفعول طيلة الربع الأول من عام 2024، وبعد ذلك قد يبدأ التحالف في إعادة الكميات المخفضة تدريجاً إلى السوق، اعتماداً على ظروف السوق.
كانت "أوبك"، قد أكدت في الثالث من يناير الجاري، عبر بيان صحافي، على أن التعاون والحوار داخل "أوبك+ سيستمر لمصلحة "جميع المنتجين والمستهلكين والمستثمرين، وكذلك الاقتصاد العالمي ككل"، وأكدت دول "أوبك+" التزامها بالوحدة والتماسك الكامل واستقرار السوق من خلال إعلان التعاون.
وتوقع محللون نفطيون في تصريحات إلى "اندبندنت عربية"، التزام تحالف "أوبك+" باتفاق خفض إنتاج النفط الذي أقره العام الماضي.
وعقب اجتماع "أوبك+" الذي عقد في30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اتفقت دول التحالف على خفوضات طوعية إضافية في إنتاج النفط لتحقيق التوازن في السوق.
وبذلك ستخفض السعودية إنتاجها بمقدار مليون برميل يومياً حتى نهاية مارس (آذار) 2024، وستعمل روسيا على زيادة خفض إمدادات النفط للأسواق العالمية من 300 ألف برميل يومياً إلى 500 ألف برميل يومياً.
كما سيخفض عدد من دول "أوبك+" الأخرى الإنتاج بنحو 700 ألف برميل، على الشكل التالي، العراق بمقدار 223 ألف برميل يومياً، والإمارات 163 ألف برميل يومياً، الكويت 135 ألف برميل يومياً، كازاخستان 82 ألف برميل يومياً، الجزائر 51 ألف برميل يومياً، عمان 42 ألف برميل يومياً.
في ديسمبر (كانون الأول) 2023، أكدت السعودية وروسيا ضرورة التزام كل الدول الأعضاء في "أوبك+" بسياسة الإنتاج، التي أقرها التحالف في آخر اجتماعاته، بهدف دعم استقرار أسواق النفط.
وجاء خلال بيان مشترك، في نهاية زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض، أن البلدين يتعاونان بصورة وثيقة في إطار تحالف "أوبك+"، مع استمرار المشاورات بينهما، لخدمة مصالح المنتجين والمستهلكين.
تفاؤل "أوبك" مقابل تشاؤم وكالة الطاقة
وخلال الأسبوع الماضي شهدت أسواق النفط صدور تقريرين متزامنين لكل من منظمة "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية، وبينما ظهر التفاؤل طاغياً على التقرير الأول، كان التشاؤم غالباً على الثاني.
وفي أول تقاريرها الشهرية هذا العام أبقت "أوبك" على تفاؤلها في شأن مستقبل الطلب العالمي على النفط على رغم التحديات الاقتصادية، إذ أبقت في توقعاتها خلال يناير على نمو الطلب العالمي على النفط للشهر السابع على التوالي عند 2.25 مليون برميل يومياً في عام 2024.
ويعد نمو الطلب مؤشراً إلى قوة سوق النفط المحتملة، ويشكل جزءاً من الخلفية الأساسية لقرارات السياسة التي تتخذها "أوبك+".
وقالت أوبك في التقرير إنه من المتوقع أن يؤدي النمو الاقتصادي العالمي القوي، مع التحسن المستمر في الصين، إلى زيادة استهلاك النفط في 2024.
وأشارت إلى أن نهج "أوبك+" الاستباقي وقيود الإنتاج، أضافا قدراً كبيراً من الاستقرار إلى سوق النفط العالمية، والتي تعد الأساس لتوقع استمرار سوق النفط القوية هذا العام.
وفي مقابل تفاؤل "أوبك"، ظهرت جلياً نظرة وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الذي عدل نظرته بالتخفيض في 2023 بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي، متوقعاً أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى 102.1 مليون برميل يومياً.
مع ذلك، رفعت الوكالة مرة أخرى توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط لعام 2024، على رغم أن توقعاتها لا تزال أقل من توقعات "أوبك"، مشيرة إلى أن السوق تبدو إمداداتها جيدة بسبب النمو القوي خارج "أوبك+".
وتتوقع وكالة الطاقة أن ترتفع إمدادات النفط العالمية بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً إلى مستوى مرتفع جديد عند 103.5 مليون برميل يومياً في عام 2024، مدعوماً بإنتاج قياسي من الولايات المتحدة والبرازيل وغويانا وكندا.
التوترات الجيوسياسية تطل برأسها
وما زالت التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط تطل برأسها في السوق من حين لآخر، فعلى رغم أن استهداف ناقلات النفط لا يبدو متعمداً حتى الآن، فإن عديداً من الشركات المالكة للسفن تريد تجنب الأخطار.
لم تتأثر إمدادات الشرق الأوسط، الذي ينتج نحو ثلث الخام في العالم ويشحن معظمه إلى آسيا، بالوضع الراهن، لكن المبيعات إلى أوروبا أصبحت أكثر أهمية، بعد أن قطعت القارة إلى حد كبير واردات الطاقة الروسية، ويؤدي تغيير مسار الناقلات إلى ارتفاع كلف النقل، وقد يتسبب التأخير في خلق أوجه قصور في السوق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أسهم تعطل إنتاج النفط في الولايات المتحدة في زيادة المخاوف خلال الأسبوع الماضي، إذ تسببت موجات البرد القارس في تعطيل نحو 15 في المئة من طاقة تكرير النفط في منطقة الساحل الأميركي على خليج المكسيك، والتي تعد مركزاً رئيساً لمعالجة النفط الخام وتصديره في البلاد.
وأظهرت بيانات "وود ماكينزي" أن طاقة إنتاج الوقود في الولايات المتحدة فقدت نحو 1.5 مليون برميل يومياً اعتباراً من الأربعاء الماضي، وفق ما نقلته وكالة "بلومبيرغ".
في المقابل، زاد القلق في شأن نمو الطلب الصيني، إذ أثار النمو الأبطأ من المتوقع في الصين، وهي أكبر مستورد للنفط، خلال الربع الأخير من عام 2023 شكوكاً في شأن توقعات أشارت إلى أن الطلب هناك سيعزز سعر الخام عالمياً خلال العام الحالي.
إجراءات من خارج الصندوق
من جهته، أفاد المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي، بأنه لا يتوقع أي تغيير في السياسة الإنتاجية الحالية لتحالف "أوبك+" في الأقل في الوقت الراهن، إذ لا تزال الأسواق تواجه زيادة في المعروض من خارج أوبك وخصوصاً من الولايات المتحدة وكندا وغيانا إلى جانب أن الطلب الصيني لم يتعاف بعد.
ومع ذلك، وبحسب الحرمي، فإن التحالف في حاجة إلى البحث عن إجراءات من خارج الصندوق بهدف دعم الأسعار في وقت لم تحقق خطط خفض الإنتاج المستوى السعري المستهدف لمعظم دول التحالف فوق 80 دولاراً للبرميل، بل ومن المتوقع أن تسجل معظم الدول النفطية عجوزات في موازناتها العامة للسنة الماضية.
على جانب آخر، قال الحرمي إن التباين في التوقعات حيال أسواق النفط بين منظمة "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية يخلق حالة من الجدل وقد يلقي بظلال من الشك على مدى انتعاش الطلب العالمي على الخام.
بدء تطبيق التخفيض الطوعي
من جانبه، أفاد المحلل النفطي محمد الشطي، بأن عموم الأساسات في السوق النفطية ما زالت تشهد ضعفاً نسبياً لا سيما بالنسبة إلى الطلب مقابل الإمدادات، بالتالي هناك تخوفات على صعيد النصف الأول من عام 2024 من وجود فائض نفطي من الدول خارج منظمة "أوبك"، إلا أن إجراءات بعض دول تحالف "أوبك+" التي بدأت مطلع هذا العام في تطبيق التخفيض الطوعي الإضافي سيظهر تأثيرها خلال الأشهر المقبلة.
وأضاف الشطي، أن هناك ضعفاً في درجة تعافي الطلب العالمي على الخام مقابل فائض الإمدادات، مما يضغط على أسعار النفط، لذا فإن الأسعار ما زالت دون 80 دولاراً للبرميل بالنسبة لخام برنت.
وكشف الشطي عن أن الأسواق ستشهد كفاية في الإمدادات ينتج منها ارتفاع في المخزونات، متوقعاً أن يشهد النصف الأول من هذا العام العالمي زيادة في الإمدادات مقابل تعثر نمو الطلب.
لا تغيير متوقعاً على السياسة الإنتاجية الحالية
من جهته، قال الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن، طارق الرفاعي، إنه من غير المرجح حدوث أي تغيير على السياسة الإنتاجية الحالية لتحالف "أوبك+" خلال اجتماعه المقبل. وأضاف أن السيناريوهات المحتملة للتحالف هو تأكيد وتثبيت وتهدئة الأسواق بأن "أوبك" مستعدة لتلبية جميع الحاجات والمتطلبات للنفط، بغض النظر عن أي اضطرابات في حركة ناقلات الخام في البحر الأحمر.
وأوضح الرفاعي أن سعر النفط منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية مع غزة كان في اتجاه نزولي قبل الحرب، وعندما بدأت الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي شاهدنا قفزة في سعر الخام ثم تراجعاً.
تحركات في نطاق عرضي
تحركت أسعار النفط الخام في نطاق عرضي منذ بداية تعاملات 2024 وكثيراً ما اتبعت معنويات السوق المالية الأوسع.
إذ أنهت الأسبوع الأول من العام في المنطقة الخضراء، في خط متواز مع توترات منطقة الشرق الأوسط، ولكن تراجعت في الأسبوع الثاني، مع تزايد عدد ناقلات النفط التي تحول مسارها عن البحر الأحمر.
وخلال الأسبوع الماضي، سجلت أسعار الخام مكاسب أسبوعية في ثاني مرة هذا العام بعدما عوض التوتر في الشرق الأوسط وتعطل الإنتاج في بعض المواقع إثر المخاوف إزاء الاقتصادين الصيني والعالمي، وارتفع خام برنت بنحو 0.5 في المئة، بينما صعد الخام الأميركي أكثر من 1 في المئة.
وعلى رغم افتقار أسعار الشهر الجاري الأقرب إلى الزخم، فإن أجزاء من قطاع النفط تشير إلى ضيق الإمدادات بالسوق، ارتفع الهامش الفوري لخام غرب تكساس الوسيط، وهو مقياس حاسم للعرض والطلب، إلى هيكل "باكورديشن" الصعودي في وقت سابق من الأسبوع الماضي، مما يشير إلى أن العرض يفوق الاستهلاك.
يشار إلى أن أسعار النفط، كانت قد أنهت العام الماضي مسجلة أكبر انخفاض سنوي منذ عام 2020، بنحو 10 في المئة، وذلك مع سيطرة المخاوف المرتبطة بزيادة المعروض في السوق من الإنتاج القياسي خارج "أوبك".