Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"التقحيل"... لعبة السعادة والقوة في تهامة اليمن

الطفرة التكنولوجية جعلت الألعاب الشعبية على شفا الاندثار

في ماراثون رياضي وأمام جمع من الناس على صوت الناي وقرع الطبول يجري أحدهم من مسافة خمسة أمتار، ثم يقفز إلى الأعلى ويلمس بأطراف أصابع رجليه "عصا" يمسكها شخصان بطريقة عرضية فيسقطها على الأرض، ويصبح الشخص الفائز محل إشادة وتقدير لدى شعوب قبائل عدة في اليمن، خصوصاً "الزرانيق"، القبيلة المعروفة بصلابتها وقوتها وممارستها لرياضات وفنون شعبية غريبة ومدهشة منذ القدم.

لعبة السعادة والقوة

وعلى مسرح أرض رملية تقع على امتداد البحر الأحمر والساحل عند النقطة المعروفة بـ"مدينة الخوخة" في محافظة الحديدة الساحلية (غرب البلاد)، يحيي شباب يمنيون في مظاهر ملحمية رياضات وألعاباً شعبية نادرة بصورة مدهشة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، كما هو الحال مع لعبة السعادة والقوة "العصا"، أو ما تسمى عند عامة الناس هناك "رياضة التقحيل"، وهي واحدة من الرياضات الشعبية النادرة التي تعبر عن الفتوة والرجولة والقدرات الرياضية المتميزة لدى أبناء تهامة.

ويفيد رئيس مركز التراث اليمني رفيق العكوري في حديث مع "اندبندنت عربية" بأن لعبة "العصا" موجودة في تهامة منذ مئات السنين، وموثقة إلى جانب غيرها من الألعاب الشعبية في كثير من الكتب والأبحاث، وانتقلت إلى عدة أجيال حتى اليوم.

أصالة ممتدة

ويرى محترفو هذه الرياضات الشعبية أن حضورها في حياتهم يشكل مصدر فخر وقوة تذكرهم بزمن الأجداد، وأن أداءها بصورة مستمرة يعمل على تطوير قدراتهم ومهاراتهم البدنية، ومن خلالها يمارسون أفراحهم وسعادتهم الموحدة على الأرض.

وتمارس لعبة السعادة والقوة (العصا) إلى جانب ألعاب شعبية أخرى في المناسبات الاجتماعية والأفراح واحتفالات جني التمور، وغيرها من المناسبات الزراعية، وفي كل هذه الظروف يكون أداؤها في الميدان على صوت قرع الطبول والناي.

ومن الأهمية بمكان أن هذه اللعبة نشأت وتطورت في إطار أجزاء جغرافية محدودة في تهامة، بغرب اليمن وأجزاء من السعودية، تمتد ما بين الحديدة وزبيد (شمالاً وجنوباً) وما بين جبال ريمة والبحر الأحمر (شرقاً وغرباً)، وارتبطت بالظروف البيئية والمعيشية والتاريخية لأبناء قبيلة الزرانيق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تسلسل الاحتراف

في داخل البنية الرياضية الشعبية في تهامة اليمنية تتسق قيمتا الأصالة والمعاصرة بصورة لافتة، فمن يؤدون طقوس هذه الرياضات والألعاب الشعبية الغريبة لم يتعلموها في الأكاديميات الرياضية، بل مارسوها كابراً عن كابر، فكلما جاء جيل جديد نقلها إلى الجيل الذي بعده، إذ يعتبر الجميع إحياءها مثار فخر وترابط.

وبصورة عامة يتم تدريب اللاعبين منذ الطفولة، فيتم في البداية وضع عصا صغيرة في مكان مناسب، ثم يأتي الطفل ويقفز عليها ويلامسها، ثم بعد فترة يتم رفعها تدريجاً حتى يصل أعلى مستوى.

وإلى جانب التدريب المتواصل والمستمر منذ الطفولة، ظلت المهارات البدنية العالية التي يتمتع بها الشباب التهامي، بؤرة الاحتراف ونقطة التفوق التي تمكنهم دون غيرهم من تنفيذ وإجادة كثير من الألعاب الرياضية الشعبية النادرة في اليمن.

رياضات اندثرت

وتزخر البيئة التهامية بعديد من الرياضات والألعاب والفنون الشعبية، منها ما يؤدي بدنياً كالقفز والرقص والجري، والأخرى تمارس ذهنياً كرياضتي البقر والكبن. ويشي حجم التنوع في الموروث الشعبي التهامي بمدى الثراء المكتنز عبر العصور في تلك المنطقة، لكن بعض الرياضات المهمة والألعاب الشعبية اندثرت أو شارفت على الاندثار، ومن تلك الرياضات رياضة الجري التي تنقسم إلى أنواع عدة، منها ما هو ماراثوني طويل خلف الصيد والطرائد كالغزلان والأرانب البرية، وهذا النوع اندثر لانقراض تلك الحيوانات، وإلى جانب ذلك، يوجد جرى ماراثوني طويل لنقل البضائع المستعجلة مثل: زهرة الفل أو الرسائل المستعجلة من منطقة إلى أخرى، وهذا النوع اندثر أيضاً، لتوفر وسائل النقل الحديثة.

 

ويوجد جري عشوائي متوسط، وهو أن يعطي أحد العدائين لعداء آخر إشارة مفاجئة، ثم يعدو ليلحق وراءه الآخر، فإما يمسك به، وإما يعود خاسراً، وهذا النوع أصبح نادراً، وهو غير محدد المسار ولا المسافة.

ويوجد نوع من أنواع الجري القصير الذي يكون بصورة منظمة ومحدد المسافة ينطلق فيها المتسابقين بعد انطلاق إشارة من أحد الحكام ثم ينتهي بفوز شخص من المتسابقين عند نهاية المسار.

تهديدات التكنولوجيا

أوضح رئيس مركز التراث اليمني رفيق العكوري أن الألعاب الشعبية مهددة بالاندثار، خصوصاً مع تطور التكنولوجيا والألعاب الافتراضية كألعاب الكمبيوتر وألعاب الهواتف والبلاي ستيشن، ودخولها إلى كل بيت وكل مدينة، معتبراً ذلك "يشكل عبئاً كبيراً على الثقافة الشعبية في المجتمع، ذلك لأن الألعاب الشعبية أو أي عنصر تراثي آخر، يمثل هوية المجتمع، وطريقة اندماجه مع أفراده ومحيطه، فالجماعات والشعوب تتعايش من طريق هذه العناصر المشتركة، وغياب مثل هذه الألعاب والرياضات والرقصات الشعبية تسبب قطيعة ما بين المجتمع والجماعات المختلفة في المنطقة نفسها، وصولاً إلى عدم التعايش".

وأشار العكوري إلى أن "الألعاب الإلكترونية أثرت بصورة كبيرة على الثقافة الشعبية وعلى التلاحم بين المجتمع الذي كان يتلاحم من طريق الألعاب ومن طريق المهرجانات والاحتفالات الشعبية ومن طريق الأكلات ومن طريق الرقصات وما إلى ذلك".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات