Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تتجاهل طلب لجوء قناص أفغاني عالق في فندق لـ 17 شهرا

حصري: لم يكن أمامه من خيار سوى السفر إلى المملكة المتحدة على متن قارب صغير في محاولة للعثور على ملاذ آمن

حبيب الله الذي خدم في وحدة مقاتلة أفغانية مؤلفة من عناصر النخبة أنشأها ودربها ومولها البريطانيون، يعيش الآن على 9 جنيهات استرلينية في الأسبوع، في انتظار البت بطلب لجوء إلى المملكة المتحدة كان قد تقدم به منذ مدة (اندبندنت)

ملخص

على رغم حصوله وزملائه على رواتب من البريطانيين وتقاسم أماكن المعيشة مع أفراد القوات البريطانية والعمل معهم، إلا أنهم حرموا من الانتقال إلى المملكة المتحدة

شعر حبيب الله (اسم مستعار) الشاب ذو الـ18 سنة بفخر كبير عندما انضم إلى قوة الكوماندوز الأفغانية Commando Force 333 (CF333)، وهي وحدة مقاتلة تضم عناصر من النخبة، أسسها البريطانيون ومولوها ودربوا عناصرها. وقد شارك في مهام شديدة الخطورة إلى جانب القوات البريطانية في القتال ضد حركة "طالبان" في أفغانستان، وكرس نفسه للخدمة إلى جانبها حتى سقوط العاصمة كابل في أغسطس (آب) في عام 2021.

ولدى الانسحاب الفوضوي لقوات التحالف الغربي من أفغانستان، عجز حبيب الله عن تأمين مكان له على متن رحلة إجلاء بريطانية. وفي مواجهة التهديد المباشر من حركة "طالبان"، التي كانت على علم بمكان وجوده، لجأ على مضض إلى المهربين للحصول على المساعدة من أجل المغادرة، وقام برحلة محفوفة بالأخطار للهرب من وطنه، والعثور في نهاية المطاف على ملاذ في المملكة المتحدة حيث طلب اللجوء.

إلا أنه بعد نحو ثلاثة أعوام من هربه الدرامي، فقد عديد من الصفات التي ميزته في الماضي، فقد أمضى العام ونصف العام الأخيرين قابعاً في غرفة فندق كئيبة ومكتظة في وورشستر، يعيش بمبلغ ضئيل مقداره تسعة جنيهات استرلينية (11 دولاراً أميركياً و43 سنتاً) في الأسبوع، في انتظار قرار في شأن طلب اللجوء الذي قدمه في المملكة المتحدة.

وكان قد أبحر في أغسطس (آب) عام 2022، على متن قارب صغير عبر "القنال الإنجليزي" إلى بريطانيا، متشبثاً بالأمل في بداية جديدة في المملكة المتحدة. ويقول في معرض تعبيره عن معاناته: "إن أكثر ما يؤلمني هو التجاهل الذي لقيته هنا، على رغم تعاوني الوثيق مع القوات البريطانية، وعملي إلى جانبها في بلادي".

حبيب الله الذي يبلغ من العمر الآن 26 سنة، هو أحد عناصر الكوماندوز الأفغان السابقين الكثر الذين خدموا جنباً إلى جنب مع قوة "سي أف 333" ونظيرتها، "القوة الإقليمية الأفغانية 444" Afghan Territorial Force 444 (ATF444) - اللتين تعرفان بالقوى "الثلاثية" The Tripples. وعلى رغم حصولهم على رواتب من البريطانيين وتقاسم أماكن المعيشة مع أفراد القوات البريطانية والعمل معهم، فإن هؤلاء العناصر بمن فيهم الشاب البالغ من العمر 26 سنة، حرموا من الانتقال إلى المملكة المتحدة. وفي تعاون مشترك مع غرفة الأخبار الاستقصائية "لايت هاوس ريبورتس" Lighthouse Reports، أجرت "اندبندنت" توثيقاً دقيقاً لعدد من الحالات التي عانى فيها الأعضاء السابقون في الفرق الثلاثية الأفغانية الضرب أو التعذيب أو العواقب المميتة على يد حركة "طالبان"، بعد فشل المملكة المتحدة في تسهيل نقلهم إلى بر الأمان.

 

واليوم، يمكننا الكشف عن أن العواقب الناجمة عن التخلي عن هؤلاء الكوماندوز الأفغان، دفعت بعدد منهم إلى اللجوء إلى طرق محفوفة بالأخطار وغير مصرح بها، بحثاً عن ملجأ المملكة المتحدة - وهي رحلات التزم رئيس الوزراء وقفها من خلال تعهده "وضع حد للقوارب" - علماً أنها تمثل بالنسبة إليهم الوسيلة الوحيدة لتأمين سلامتهم.

حبيب الله - الذي غير اسمه لحماية عائلته في أفغانستان - وصل إلى بريطانيا بعد رحلة من المعاناة استمرت لمدة عام، قادته من إيران إلى أوروبا، وبلغت ذروتها بالعبور على متن زورق من فرنسا.

القناص المدرب الذي كان عضواً في وحدة شاركت في القتال ضد حركة "طالبان" حتى سقوط كابل، كان يعرف أنه أحد "أبرز أعداء" الحركة التي تسيطر على أفغانستان. وفيما كان يفكر في الهرب من بلاده، تلقى خبراً مفجعاً بأن أحد أصدقائه المقربين له - وهو الآخر كان عنصراً في قوة الكوماندوز 333" - قد قتل.

يستذكر تلك اللحظة قائلاً: "عندما سمعت الخبر، كنت في مكان ما بين أفغانستان وإيران. كنت على اتصال معه وأطلعته على قرار فراري. حاول إقناعي بانتظار الرحلات الجوية من كابل، لأنه في ذلك الوقت كانت ما زالت هناك رحلات إجلاء تنطلق من العاصمة الأفغانية، وكنا نعتقد أن زملاءنا البريطانيين كانوا يدركون الأخطار التي نواجهها، وسيتخذون التدابير اللازمة لترتيب رحلات جوية لنا من مطار كابل".

 

ويضيف حبيب الله: "كان يقول لي إنه عليَّ الصبر في انتظار تلك الرحلات الجوية، لكنني في الواقع شعرت بأنني لا أستطيع تحمل البقاء في خطر لفترة أطول. صديقي كان في منزل صهره عندما أجهزت عليه ’طالبان‘. من الواضح أن الحركة كانت تتابع تحركاته من كثب وتترصده".

الشاب المغدور الذي كان في الـ29 من عمره، لقي حتفه خارج المنزل برصاص مسلح كان يستخدم دراجة نارية. ووصف حبيب الله اللحظة التي سمع فيها بمقتل صديقه بالقول: "إن كل فرد عمل في تلك الوحدات القتالية، كان يتوقع أنباء عن مقتل أحدنا على يد ’طالبان‘. كنا جميعاً نخشى هذا الواقع. لكن عندما سمعت الخبر شعرت بصدمة ولم أصدق. وكنت قد تركت له كثيراً من الرسائل النصية على أمل الحصول على رد منه".

ويضيف: "كنت أنتظر لساعات على أمل أن يرد على رسائلي. وفي نهاية المطاف، تقبلت الأمر عندما رأيت صور جثته".

في الصورة الأخيرة التي التقطت لحظاتهما المشتركة، كان الثنائي يأخذان استراحة أثناء الجري، وهما يدركان الانهيار الأخير للحكومة الأفغانية، والتغييرات الوشيكة التي لا رجعة فيها في حياتهما داخل الجيش الأفغاني. ويقول حبيب الله في هذا الإطار: "تذكرنا تلك الأوقات باعتبارها أياماً جميلة. شعرنا بأن تلك المناسبة ستكون الأخيرة لنا معاً بهذه الصورة. ومع ذلك، لم تكن لديَّ أي فكرة عن أنها ستكون المرة الأخيرة التي أراه فيها. وبعد وفاته المأسوية، تيقنت تماماً من أننا كنا دائماً خاضعين لمراقبة ’طالبان‘، أينما توجهنا".

لدى هرب الجندي من أفغانستان، كان يأمل بداية في أن يستقر في إيران، لكنه اضطر إلى المغادرة عندما علم بترحيل سلطاتها للأفغان. بعد ذلك، اجتاز الحدود إلى تركيا، حيث قال إن لصوصاً مسلحين هاجموه، واضطر إلى استخدام مهاراته التي كان قد اكتسبها أثناء خدمته لتجنب خطرهم. وأثناء وجوده في تركيا، تمكن من الحصول على عمل لمدة شهر في مصنع متخصص في إعادة تدوير المواد، وهي الوظيفة التي قام بها "لتأمين مأوى" له.

 

لكن في تركيا، علم أيضاً بأن السلطات تجمع الأفغان غير المسجلين لديها، بهدف إعادتهم إلى أفغانستان، لذلك قرر الفرار إلى أوروبا.

ويقول حبيب الله: "عندما وصلت إلى ألمانيا وقدمت وثائقي للسلطات هناك، أبلغتني بأنه ربما تكون لديَّ فرصة أفضل في الذهاب إلى المملكة المتحدة، لأنني سبق أن عملت مع البريطانيين". ويضيف: "في فرنسا كذلك، نصحتني كذلك الشرطة بأن أتوجه إلى بريطانيا لأنني كنت أعمل مع قواتها".

وتحدث الجندي الأفغاني السابق عن المشقات التي واجهها خلال رحلة انتقاله من فرنسا إلى المملكة المتحدة بالقول: "لم يكن الأمر سهلاً. استخدمنا في البداية قارباً صغيراً مصمماً لاستيعاب 25 شخصاً، لكنه كان مكتظاً بما يراوح ما بين 65 و70 راكباً. وفي منتصف الطريق إلى بريطانيا، نفد الوقود منا، وواجهنا طقساً سيئاً، بالكاد بقي القارب محافظاً على استقراره. وقد تدخلت قوة حرس الحدود الفرنسية وأنقذتنا وأعادتنا إلى الأراضي الفرنسية. وفي المحاولة الثانية، استخدمنا القارب نفسه، لكننا تمكنا من الوصول إلى الساحل البريطاني".

لدى وصوله إلى المملكة المتحدة، كان حبيب الله يأمل في أنه سيحصل - بعد تعاونه مع القوات البريطانية في بلاده - على الحماية بسرعة. وقال وهو يفكر في خدمته: "كنت صادقاً للغاية عندما عملت مع القوات البريطانية. وشاركت في عدد من العمليات بالتعاون معها في مختلف أنحاء البلاد".

ومع ذلك، لا يزال المواطن الأفغاني - بعد مرور عام ونصف العام تقريباً - ينتظر البت بطلب اللجوء الذي تقدم به. وفي عام 2022، تقدم أيضاً بطلب في إطار مخطط إعادة التوطين التابع لوزارة الدفاع البريطانية، المعروف بـ"سياسة نقل ومساعدة الأفغان" (أراب) Afghan Relocations and Assistance Policy (Arap)، المصمم للأفغان الذين تعاونوا مع القوات البريطانية، لكنه لم يتلق أي رد أيضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول حبيب الله في وصف حياته اليومية في الفندق: "أعيش في غرفة صغيرة مشتركة مع شخص آخر، يوجد فيها حمام، وأتناول ثلاث وجبات يومياً. يقدمون لنا تسعة جنيهات استرلينية (11 دولاراً أميركياً و43 سنتاً) في الأسبوع. ومن دون الحصول على تصريح بالعمل، فأنا غير قادر على العثور على وظيفة، أو فتح حساب مصرفي، ولا أستطيع حتى المشاركة في صالة ألعاب رياضية للتخفيف من شعوري بالقلق".

ويتابع "ألازم هذه الغرفة منذ مدة ليست بقصيرة. لا أعرف ماذا سيحدث. المال الذي يقدمونه لنا لتغطية الأسبوع، لا يكفي حتى لتحمل كلف تنقل لمدة ساعة. وأجد نفسي عالقاً هنا".

وأشار إلى أنه يشعر بقلق من احتمال ترحيله إلى رواندا، بموجب خطة الحكومة إرسال طالبي اللجوء (الذين دخلوا إلى البلاد بطرق غير مشروعة) إلى هناك. ويقول: "يشعر جميع الأفراد في الفندق والذين ينتظرون البت بطلباتهم، بقلق من هذا الاحتمال. وفي بعض الأحيان أعتقد أن هذا الشعور يطغى عليَّ كلياً لكنني تعودت على القلق".

وأوضح حبيب الله أنه أثناء خدمته في وحدة "سي أف 333"، تلقى نوعين من الدعم المالي من البريطانيين. الأول كان عبارة عن راتب شهري يختلف باختلاف الرتبة، بحيث كان يحصل كجندي على نحو 100 دولار في الشهر. وكان يحصل علاوة على ذلك، على بدل مالي مقداره خمسة دولارات عن كل مهمة شارك فيها، وكان يقوم بنحو 25 إلى 30 مهمة شهرياً.

وقال "لم أخذل القوات البريطانية أبداً، وخاطرت بحياتي لمساعدة عناصرها. لقد كنت دائماً إلى جانبهم. لكنهم خيبوا أملي عندما لجأت إلى بلادهم".

تجدر الإشارة إلى أن سياسيين من مختلف الأحزاب الرئيسة في المملكة المتحدة، إضافة إلى عسكريين في الخدمة وآخرين سابقين، قاموا بحملة تطالب وزارة الدفاع البريطانية بمساعدة أفراد الوحدتين الأفغانيتين.

وعلق وزير القوات المسلحة في حكومة الظل "العمالية" المعارضة، النائب لوك بولارد، قائلاً: "منذ ما قبل سقوط كابل وحتى اليوم، كان تعامل الحكومة مع الوضع الأفغاني بمثابة مسيرة مخزية من الفشل، فقد أهملت معالجة التراكم المتزايد في الطلبات المقدمة بموجب برنامج ’ سياسة نقل ومساعدة الأفغان‘، مما ترك هؤلاء في حال من عدم اليقين والغموض".

ورأى بولارد أن "سوء إدارة الحكومة لإعادة توطين الأفغان لا يزال أحد أفظع الإخفاقات في القيادة الوزارية وكفاءتها في الذاكرة الحديثة، إذ يترتب على عاتق المملكة المتحدة التزام أخلاقي عميق بمساعدة هؤلاء الأفغان، وهو الواجب الذي تشعر به القوات البريطانية التي خدم هؤلاء إلى جانبها. لقد طفح الكيل وحان الوقت لاتخاذ إجراء حاسم".

الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية البريطانية، تيم ويلاسي ويلسي، الذي كان قد تعاون مع قوة "سي أف 333" في الفترة الممتدة من عام 2002 إلى عام 2008، أشار إلى أنه "كان من الصعب مناصرة قضية حبيب الله، بسبب دخوله غير القانوني إلى المملكة المتحدة. ومع ذلك، ما الخيار الآخر الذي كان متوافراً له؟ فقد تقطعت به السبل وترك على مدرج مطار كابل، بعدما كان قد ساعد في عملية الإجلاء".

وأضاف: "شهد الجندي السابق مقتل زميل مقرب له، ولم يكن لديه الوقت الكافي آنذاك لتقديم طلب رسمي إلى مخطط ’أراب‘. وظلت بعض هذه الطلبات متعثرة من دون البت فيها من جانب السلطات المعنية في لندن لأشهر عدة، في وقت جرى الرد على عدد منها. أما طلب حبيب الله، فقد رفض لأسباب لم توضح. ويمكن القول إن الولاء الدائم الذي أبداه حبيب الله للمملكة المتحدة هو مصدر فخر كبير وخزي شديد في آن معاً".

وفي تعليق على ما تقدم قال متحدث باسم الحكومة البريطانية: "نحن نفي بالتزامنا تجاه هؤلاء الأفغان الشجعان الذين دعموا مهمة المملكة المتحدة في بلادهم، وحصلوا على وضع مستقر في المملكة المتحدة".

وختم المتحدث بالقول: "لقد نقلنا حتى الآن نحو 24600 شخص إلى بر الأمان من أفغانستان، بمن فيهم أكثر من 15200 شخص، في إطار برنامج ’سياسة نقل ومساعدة الأفغان‘ - وهو أحد أكثر المبادرات سخاءً في جميع أنحاء العالم - إلى جانب آلاف الأفغان المؤهلين لبرنامجي إعادة التوطين اللذين وضعناهما. ليست هناك ضرورة لأن يعرض الأفغان حياتهم للخطر من خلال القيام برحلات محفوفة بالأخطار وغير قانونية".

© The Independent

المزيد من متابعات