ملخص
كيف ينظر العراقيون إلى الانسحاب الأميركي من العراق؟
منذ سنوات عدة وحتى اليوم، ينشغل الشارع العراقي في الحديث عن انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق، ويظهر الحديث بوضوح إلى السطح في الوقت الذي تشهده البلاد من زعزعة في أمنه بسبب الصراع الإيراني-الأميركي، حيث وجهت الفصائل المسلحة المدعومة من إيران ضرباتها ضد المصالح الأميركية، بذريعة دعمها لإسرائيل في الحرب الأخيرة، والضغط عليها من أجل انسحابها كلياً من العراق.
ونشر الموقع الرسمي لرئاسة الوزراء العراقية قبل أيام أنه يتجه إلى صياغة جدول زمني محدد لإنهاء المهمة العسكرية للتحالف، والاتفاق على ضرورة الالتزام باتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين العراق والولايات المتحدة، بعد تكليف الأمر إلى أعمال اللجنة العسكرية العليا المشتركة بين العراق والتحالف الدولي.
وفي تصريح له على وسائل الإعلام، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني "العراق اليوم لا يحتاج إلى قوات قتالية، التحالف الدولي شُكّل في 2014 لمواجهة (داعش) وقد انتهت"، فما هي سيناريوهات إنهاء مهام قوات التحالف؟ وما أثرها الاقتصادي على البلاد؟
عقوبات اقتصادية
يقول الباحث في الشأن الاقتصادي العراقي، عمر الحلبوسي "إن انسحاب القوات الأميركية من العراق أو استمرار استهداف القوات الأميركية ستقابله الولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية ومالية جديدة على القطاع المالي والمصرفي الخاص، فضلاً عن تضييق وصول الدولار إلى البنك المركزي العراقي وتعطيل الحوالات مما يؤدي إلى حدوث انهيار اقتصادي كبير في العراق خصوصاً أنه بلد مستهلك يعتمد على النفط فقط".
وشهد سوق صرف الدولار في الأسواق المحلية ارتفاعاً كبيراً مقابل الدينار العراقي، فبلغ نحو 1550 ديناراً للدولار، في الوقت الذي بلغ فيه سعر الصرف الرسمي 1320 لكل دولار، ما تسبب في أزمة شديدة للحصول على العملة الأميركية.
وبدأت أزمة الدولار بعد أن فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على 14 مصرفاً عراقياً، وسبقتها عقوبات على أربعة مصارف أخرى بتهمة غسل الأموال وتحويل العملة الأميركية إلى إيران.
وأكمل الحلبوسي حديثه "لو أصرت الحكومة العراقية على إخراج القوات الأميركية من العراق، قد يدفع الولايات المتحدة لفرض عقوبات ضد جهات حكومية عراقية، حيث لدى واشنطن أوراق ضغط ولعب كثيرة منها اقتصادية ومالية وسياسية وعسكرية".
وبحسب موقع Trade Map الذي يوفر إحصاءات تجارية من أجل تنمية الأعمال التجارية الدولية، ذكر بالبيانات، قيمة الصادرات الإيرانية إلى العراق وبلغت سبعة مليارات و344 مليوناً و905 آلاف دولار، وهذا يعني أن العراق يعتمد بشكل كبير في صادراته المتنوعة، لا سيما المواد الغذائية، بشكل كبير من إيران، بعدها دول مجاورة أخرى مثل تركيا.
ابتلاع العراق
وبحسب رأي الحلبوسي، فإن الجانب الأميركي حذر من العقوبات الاقتصادية التي ستؤدي إلى حدوث انهيار اقتصادي كبير بدءاً من العام المقبل، لو استمر التصعيد من قبل الفصائل الموالية لإيران ضد المصالح الأميركية في العراق.
"انسحاب القوات الأميركية من البلاد سيجعل إيران تنفرد في السوق العراقية، خصوصاً أنها تعتبر العراق سوقاً مفتوحة لتصريف بضاعتها، ومتنفساً كبيراً لها بعد تضييق خناق العقوبات عليها من قبل الولايات المتحدة"، بحسب قول الحلبوسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويخشى مراقبون للشأن السياسي، أن الانسحاب الأميركي من البلاد يعني دخول إيران بقوة في العراق من أجل تسويق بضاعتها في السوق العراقية، وتخفيف الضغط عليها بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة.
وعلى رغم تطمينات الحكومة العراقية للشركات الأميركية العاملة في العراق، بعدم المساس بها وتهديد أمنها وتعرضها للابتزاز من قبل جهات خارجة عن القانون، لكن بطبيعة الحال، تخشى تلك الشركات من عدم استقرار أمن البلاد، ما يجعل بقائها مدة أطول أمراً صعباً.
ويؤكد الحلبوسي أن "الانسحاب الأميركي من العراق سيؤدي إلى اضطراب الأوضاع الأمنية في البلاد ويحولها إلى بيئة طاردة للاستثمار، سواء كانوا شركات أو أفراد، مما يؤدي إلى انسحابهم، لا سيما أن الفصائل المسلحة الموالية لإيران تستهدف منشآت النفط والغاز العراقية المستثمرة من قبل شركات أميركية بغية الضغط عليها للانسحاب من العراق وإفراغ الساحة لطهران وحلفائها الروس والصينيين.
وأبرم العراق مع الولايات المتحدة في عام 2008 اتفاقية الإطار الاستراتيجي، التي مهدت لخروج القوات الأميركية نهاية عام 2011، ووفق هذه الاتفاقية، تنظم على ضوئها العلاقات بين البلدين وعلى مستويات مختلفة، منها السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها.
وما إن خرجت القوات الأميركية من البلاد، عادت مرة أخرى عام 2014 بطلب من الحكومة العراقية، حيث تم تشكيل قوات التحالف الدولي، لمحاربة "داعش" الذي سيطر على ثلثي مساحة المدن العراقية في 10 يونيو (حزيران) 2014، لطرد التنظيم كلياً في يوليو (تموز) 2017 بعد حرب عنيفة استمرت تسعة أشهر.
وقد شهدت دول عربية وأجنبية عدة تدهوراً واضحاً في اقتصادها نتيجة التدهور الأمني لها وعدم الاستقرار، الذي يؤدي إلى خروج رؤوس الأموال من البلاد، بحثاً عن ملاذ آمن لتأمين أموالها، لذا، فإن العراق ليس بمعزل عن دول العالم تلك، فإذا تضرر العراق أمنياً، حتماً يتضرر اقتصاده ويحجم من النمو الاقتصادي في البلاد، وذلك واحد من السيناريوهات المحتملة لو فعلاً انسحبت قوات التحالف من البلاد، كما يحلل مراقبون للشأن السياسي والاقتصادي في البلاد.
نفوذ إيراني
يجيب المحلل السياسي رعد هاشم في سؤال له عن من المتضرر والمستفيد من الانسحاب الأميركي من العراق، قائلاً "الأكراد والسنة هم المتضرر الأكبر من الانسحاب الأميركي من البلاد، وجناح إيران هو المستفيد، وسوف يسفر عن تكريس الوجود الايراني في البلاد، على رغم أنه ومع الوجود الأميركي في قواعدهم بعموم البلاد، فإن الوجود الإيراني واضح".
وأضاف هاشم "خطر (داعش) لم ينته من البلاد، ولكن دواعي طلب العراق واضحة، بناء على الضغط الإيراني والفصائل على الحكومة في هذا التوقيت لأنهم تعرضوا إلى ضربات الفصائل والميليشيات رداً على هجماتهم على مناطق الوجود الأميركي ومصالحهم بدعوى مؤازرة غزة والفلسطينيين".
وأكمل المتحدث "لكن موضوع الانسحاب مستبعد أن يحسن العلاقات بين بغداد وواشطن لأنه سيكون على خلاف الرغبة الأميركية التي تريد أن تبقى في العراق لدرء خطر (داعش) أولاً، وخطر الميليشيات عن إسرائيل ثانياً".
ويعتقد هاشم أن الرد الأميركي سيكون ضد قرار طلب العراق بانسحاب قوات التحالف وسيكون الرفض على شكل رد اقتصادي، لأن الأميركيين يسيطرون على خيوط الاقتصاد العراقي وكذلك التجهيز والتسليح العسكري، إذ إن السلاح الجوي والتقليدي في العراق معظمه أميركي، فضلاً عن موضوع التدريب والاستشارات.
ومع كل السيناريوهات المحتملة والعواقب المتوقعة التي قد تضغط بها الولايات المتحدة بعد انسحاب قواتها وإنهاء مهامها كلياً من البلاد، يخشى المواطنون العراقيون أن تنعكس تلك السيناريوهات على حياتهم واستقرار البلاد أمنياً واقتصادياً، في الوقت الذي تعاني البلاد من تدهور أمني ينعكس سلباً على السلم الأهلي والاستقرار الاقتصادي، في الوقت الذي يكافح العراقيون بحثاً عن فرص عمل تساعدهم على تحمل الظروف الاقتصادية الصعبة في بلدهم الغني بالثروات.