ملخص
مأساة حرب السودان تتفاقم والجوع يخطف الأرواح النازحين
مع استمرار المعارك بين الجيش وقوات "الدعم السريع" وتواصل دوي المدافع والراجمات الصاروخية في العاصمة السودانية وجبهات ولائية عدة أخرى، تتعالى صرخات الاستغاثة الداخلية وتحذيرات المنظمات الإنسانية من وضع غذائي كارثي، تضاعفت فيه أعداد الجوعى ورصدت حالات من الموت جوعاً في معسكرات النزوح بدارفور وبعض المناطق الملتهبة الأخرى وفق تقارير أممية.
الموت جوعاً
وأكد برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة تلقيه تقارير عن حالات تعرض أشخاص للموت جوعاً في السودان جراء الكارثة الإنسانية الناجمة عن استمرار القتال، في وقت تضاعفت أعداد الجوعى في ظل توقف المساعدات عن المحتاجين. وتوقع البرنامج، في بيان، أن تتدهور أوضاع بعض الأسر لا سيما في مدينتي أم درمان والجنينة، وأشار إلى أن اتساع الأعمال العدائية وازدياد حركة النزوح وتدمير البنى التحتية وانتشار أعمال النهب، إلى جانب ضعف وصول المساعدات، عوامل تساعد على هذا التدهور.
مستويات جوع حادة
ولفت البيان، أيضاً، إلى توقعات تقرير شبكة نظم الإنذار المبكر بالمجاعة لعام 2024، باحتلال السودان ثالث أعلى نسبة من السكان المحتاجين في العالم بين البلدان التي تراقبها الشبكة.
وأدت الحرب في السودان، بحسب تقارير أممية، فضلاً عن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين، إلى تشريد أكثر من 7.4 مليون شخص نزحوا بحثاً عن الأمان داخل البلاد وخارجها، فضلاً عن دمار هائل في البنية التحتية والمرافق الحيوية بالبلاد.
وأضاف بيان برنامج الغذاء العالمي "بات شبه مستحيل عبور وكالات الإغاثة لخطوط المواجهة في مناطق الصراع بالسودان، كما لم يعد باستطاعتها، في الوقت الحالي، تقديم مساعدة غذائية منتظمة إلا لشخص واحد من كل 10 ممن يواجهون مستويات حادة من الجوع في مناطق ملتهبة مثل الخرطوم ودارفور وكردفان، وطالب البرنامج طرفي الحرب في السودان بضرورة تقديم ضمانات بشكل عاجل لإيصال المساعدات الغذائية الإنسانية إلى المناطق المتضررة من دون عوائق".
أكثر من كارثي
على الصعيد ذاته، حذر المتحدث باسم منسقية اللاجئين والنازحين بدارفور آدم رجال من أن الوضع في معسكرات النازحين تجاوز مرحلة الكارثة وعلى أبواب حالة من الموت الجماعي المتتالي، بخاصة بالنسبة إلى كبار السن والمرضعات والأطفال الذين تضاعفت معدلات موتهم في معسكر "كلمة" للنازحين من 10 وفيات إلى 20 حالة وفاة شهرياً، بسبب الجوع وسوء التغذية والأمراض، التي كان يعمل برنامج الغذاء العالمي على مكافحتها.
وأوضح رجال أن النازحين بالمعسكرات يعيشون وضعاً مزرياً بالمعني الحرفي للكلمة، إذ لم يتلقوا حصصهم الغذائية التي كان يقدمها لهم البرنامج أو أي معونات أو أغذية من أية جهة أخرى منذ 10 أشهر مضت. وتابع "في الوقت نفسه ما زالت المعسكرات تستقبل أفراداً وأسراً جديدة بصورة مستمرة هرباً من الحرب، مما أدى إلى نفاد كل المخزونات، وبات الجميع يعيشون على وجبة واحدة هي المديدة، وهي وجبة تقليدية شبه سائلة تصنع من طحين الذرة".
فوق الوصف
ولفت المتحدث باسم المنسقية إلى أن معظم مدن وقرى دارفور بات على أعتاب مجاعة حقيقية بعد الانقطاع الطويل لوصول أي إمدادات أو سلع غذائية، نتيجة إغلاق الطرق وخطورتها، فضلاً عن توقف المساعدات والمعونات التي كانت تقدمها المنظمات الإنسانية بسبب الحرب.
وناشد رجال المجتمع الدولي والضمير الإنساني العالمي تشديد الضغط على الطرفين المتحاربين لوقف هذه الحرب بالنظر إلى المأساة الرهيبة التي يعيشها الشعب السوداني.
ندرة حتى الموت
من جانبها، كشفت رابطة إعلاميي وصحافيي دارفور عن أوضاع إنسانية، في غاية السوء، وتدهور أوضاع النازحين صحياً واقتصادياً تسببت في موت نساء وشيوخ وأطفال جوعاً خصوصاً في مخيم "كلمة" للنازحين بمدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، وأعرب بيان للرابطة عن أسفه الشديد لهذه الأوضاع السيئة التي تضع العالم أجمع أمام مسؤولية أخلاقية وإنسانية، وناشدت الرابطة منظمات الأمم المتحدة العاملة في مجال العون الإنساني والطبي إعلان نداء إنساني عاجل يبدأ بعودة المنظمات إلى مزاولة نشاطها وتقديم العون إلى المحتاجين من النازحين واللاجئين والمتأثرين من الحرب الراهنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت المنظمة العربية للتنمية الزراعية قد ذكرت، في وقت سابق، أن الحرب شلت القطاع الإنتاجي في البلاد وتسببت في تشوهات كبيرة في البنية الإنتاجية للقطاع الزراعي في مناطق الصراع الساخنة.
قصف وانفجارات
ميدانياً، تعرضت أنحاء متفرقة من العاصمة السودانية الخرطوم لقصف مدفعي وجوي، بخاصة في محيط القيادة العامة وسط الخرطوم حيث تجددت الهجمات المتبادلة، كما شهدت المناطق المتاخمة لسلاح المدرعات، جنوب العاصمة، تبادلاً للقصف المدفعي بين الجانبين، وأغار الطيران الحربي والمسير على أهداف عدة لقوات "الدعم السريع" في مناطق عدة جنوب الحزام ومحلية شرق النيل بالخرطوم بحري.
وشنت المقاتلات الحربية غارات جوية على مواقع "الدعم السريع" في المناطق الشرقية لمدينة الخرطوم، وحول مبنى الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، وفي ضاحية حنتوب والمدخل الشرقي لمدينة ود مدني بولاية الجزيرة.
وفي الخرطوم بحري، استهدفت مدفعية "الدعم السريع" معسكر سلاح الإشارة التابع للجيش وسط المدينة، وردت مدفعية الأخير بقصف منصات وتمركزات "الدعم السريع" في شمال بحري ووسط مدينة أم درمان التي تشهد منذ أسابيع معارك ومطاردات برية شرسة بين الجانبين.
فك الحصار
وأوضحت مصادر ميدانية أن الجيش تمكن من فك الحصار عن سلاح المهندسين والسلاح الطبي بتنفيذ عملية إمداد بالأسلحة والذخائر والأدوية والأغذية.
في الأثناء، بشر عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق إبراهيم جابر، لدى تفقده قوات معسكر جبل سركاب التابع للجيش بأم درمان، باقتراب ساعة التحرير والنصر.
هدنة إنسانية
وفي وقت يتواصل التوتر في مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور، تنشط، في المقابل، مبادرات أهلية ومجتمعية عدة لتجنيب المدينة الحرب والتدمير، كما نجحت في غرب كردفان جهود وساطة القيادات الأهلية في عقد هدنة إنسانية موقتة بين "الدعم السريع" والجيش للتمكين من إجلاء المدنيين العالقين في مدينة بابنوسة.
وفي ولاية القضارف، دشن الوالي المكلف محمد عبدالرحمن محجوب انطلاق المقاومة الشعبية المسلحة، داعياً كل قادر على حمل السلاح للانخراط في صفوفها.
وأعلن قائد المقاومة الشعبية بالقضارف الفريق خضر المبارك تكوين قرى دفاعية، على غرار تجربة فيتنام، بوصفها آلية فعالة للدفاع عن الولاية.
جهود جنوبية
وفي إطار الحراك الإقليمي لإنهاء الحرب، أعلن رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت عزمه طرح تصور على القوى المدنية لحل الأزمة في السودان عبر حوار يفضي لتحقيق السلام والاستقرار، مشدداً على ضرورة تنسيق الجهود الدولية والإقليمية وتكاملها لوقف الحرب، وأكد ميارديت، خلال لقائه تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، مواصلة مساعيه مع قيادتي الجيش و"الدعم السريع" والمجتمع الدولي والإقليمي من أجل التعجيل بالوصول إلى وقف إطلاق النار.
وأعلن وفد "تقدم" الذي يزور مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، استعداد التنسيقية للتعاطي الإيجابي مع أي مساع لإنهاء الحرب واستدامة السلام وصولاً لتأسيس حكم مدني ديمقراطي يلبي تطلعات الشعب السوداني ويستكمل تحقيق أهداف ثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة، وشرح الوفد، لرئيس جنوب السودان، تطورات الأزمة السودانية وتفاقم الكارثة الإنسانية، وما تمثله من تهديد بانزلاق السودان نحو الحرب الأهلية والفوضى الشاملة والتقسيم. وطرح الوفد، بحسب بيان للتنسيقية، رؤية "تقدم" حول أهمية وقف الحرب كأولوية قصوى لمعالجة الكارثة الإنسانية.
الصناعة
اقتصادياً، تعكف وزارة الصناعة السودانية على تمكين المنشآت، التي ما زالت قادرة على العمل، على مواصلة الإنتاج للمساهمة في وفرة السلع الضرورية التي يمكن إنتاجها محلياً مع دعم المنتجين لتعويض بعض خسائرهم والتقليل من آثار الحرب. وقالت وزيرة الصناعة المكلفة محاسن يعقوب إن وزارتها وضعت خطة إسعافية للحفاظ على المقدرات الأساسية لأكبر عدد من المنشآت الصناعية التي تمثل العمود الفقري للقطاع الصناعي بما يمكنه من العودة للعمل حال توفر الظروف المناسبة، وأشارت يعقوب إلى أن الخطة تتضمن تهيئة المناخ الملائم وتوفير البنى التحتية الأساسية لتمكين أكبر عدد من المنشآت على مواصلة إنتاجها ودعمها بالإمكانات الضرورية، إلى جانب تأهيل المصانع المتوقفة بالولايات الآمنة لإعادتها إلى الإنتاج أيضاً، بخاصة تلك المرتبطة بالأمن الغذائي والدوائي.