Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخاوف من غزو الأسمنت الأراضي الزراعية في الجزائر

قرار رسمي بإلغاء تصنيف أراضٍ فلاحية بهدف إنجاز مجمعات سكنية يثير التساؤلات

التجمعات السكنية العشوائية تزحف على الأراضي الزراعية في الجزائر (مواقع التواصل)

ملخص

زاد الزحف العمراني نحو الأراضي الخصبة في الجزائر خلال السنوات الأخيرة بصورة كبيرة، وأصبح إنشاء التجمعات السكانية العشوائية إحدى المشكلات التي تستدعي حلولاً عاجلة

تواجه الأراضي الفلاحية في الجزائر تحديات عدة تهدد استدامتها وتؤثر في إنتاجية القطاع الزراعي واستقراره، وتقوض قدرة أهم مورد طبيعي واقتصادي يسهم في تأمين الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي في البلاد، نتيجة الزحف العمراني الذي يواصل محاصرة المساحات الصالحة للزراعة، ويفاقم الوضع المتأزم بفعل عوامل طبيعية مثل التصحر والتعرية التي تنجم عن التغيرات المناخية وسوء التصرف في الموارد الطبيعية.

قرارات استثنائية

وعلى رغم أن الحكومة الجزائرية في مناسبات عدة تعلن عن حرصها على تطوير سياسات فعالة لحماية الأراضي الفلاحية، بما في ذلك تشديد الرقابة على استخدام الأراضي وتطبيق القوانين المتعلقة بالتحولات الزراعية والاستعمال الأمثل للموارد، فإن قرارات استثنائية أسهمت في التهام العمران لآلاف الهكتارات من الأراضي التي كانت تستعمل في الفلاحة.

ولعل ما يثير التساؤل، القرار الصادر في الصحيفة الرسمية تحت رقم 24-48 الذي يقضي بإلغاء تصنيف أراضٍ فلاحية على مستوى محافظات عدة بهدف إنجاز مجمعات سكنية ومشاريع مرافق ذات منفعة عامة.

وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه الأراضي التي نزع عنها الطابع الفلاحي، أكثر من 526 هكتاراً، تم اقتطاعها من رصيد 10 محافظات من الأراضي الصالحة للزراعة.

وتتوفر الجزائر على 44 مليون هكتار من الأراضي الفلاحية، منها ما يقارب 33 مليون هكتار من المراعي و8.5 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، والباقي أراضٍ زراعية تابعة للخواص، ونحو أربعة ملايين هكتار من الأراضي الغابية.

وزاد الزحف العمراني نحو الأراضي الخصبة، خلال السنوات الأخيرة بصورة كبيرة، وأصبح إنشاء البنايات والتجمعات السكانية العشوائية إحدى المشكلات التي تستدعي حلولاً عاجلة، لتفادي آثارها السلبية على المنطقة والأراضي الزراعية، على رغم أن المادة الـ21 من الدستور الجزائري، تنص صراحة، على حماية الدولة للأراضي الفلاحية.

خطوات متثاقلة

ولم تخطُ الحكومات الجزائرية المتعاقبة خطوات فعالة لحماية الأراضي الصالحة للزراعة من زحف الأسمنت عليها، ولم تقم باستغلال البحبوحة المالية التي عرفتها البلاد بعد ارتفاع أسعار النفط حتى عام 2015، بل ارتفعت وتيرة نهب الأراضي الزراعية بصورة رهيبة حين أصبحت مختلف المناطق ورشات بناء مفتوحة، دون مراعاة أي تخطيط عمراني يحفظ سلامة الأراضي الفلاحية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعد مناطق الشمال التي تمثل 17 في المئة من إجمالي المساحة العامة للبلاد المقدرة بـ2.4 مليون كيلومتر مربع، ويقيم فيها 94 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ 45 مليوناً الأكثر تضرراً من ظاهرة الزحف العمراني غير المدروس.

وعلى رغم وضع الحكومة قوانين لحماية الأراضي الفلاحية في الجزائر والحفاظ على صلاحية وطابع هذه الأراضي والعمل على منع التعدي عليها بأي صورة من الصورة، فإن الواقع يشير إلى أن الأمر لا يتماشى مع القوانين، حيث يتم التعدي على هذه الأراضي بصورة غير قانونية، سواء من قبل الأفراد أو المؤسسات الحكومية، وذلك باستغلالها لأغراض البناء وغيرها من الأغراض التي لا تتماشى مع طابع الأراضي الفلاحية.

عقوبات ردعية

ودفع تفاقم الوضع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى توجيه تعليمات إلى الحكومة، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، بتسليط عقوبات على المسؤولين الذين يثبت تورطهم أو تقاعسهم عن حماية الأراضي الفلاحية وتسهيلهم استمرار تشويه البناء والتعمير.

وأمر تبون بـ"مراجعة قانون التعمير وفق تخطيط عمراني حقيقي، للقضاء على مظاهر الفوضى جذرياً، حتى تكون كل عمليات البناء والتشييد، خاضعة لتأطير قانوني ومضبوطة بصرامة، بخاصة في المدن".

ولأجل ذلك تم استحداث شرطة العمران، ضمن مشروع مراجعة قانون التعمير لتعزيز حماية أراضي الدولة وتمثيلها في كل أحياء بلديات البلاد.

وكانت الحكومة الجزائرية قد درست، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، مشروع قانون حماية أراضي الدولة والمحافظة عليها، حيث كرس إطاراً قانونياً يقر عقوبات تصل إلى 20 سنة سجناً وفرض غرامة بمبلغ مليوني دينار (14800 دولار) على كل تعد على أراضي الدولة أو أفعال تؤدي إلى تدهور قيمتها أو تغيير وضعها أو طابعها.

وقال رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان) إبراهيم بوغالي إن وقوع العقار الفلاحي تحت تصرف غير القادرين على استغلاله بكفاءة يرهن السيادة الغذائية للبلاد.

وأوضح بوغالي بمناسبة اليوم البرلماني، المنظم من طرف لجنة الفلاحة والصيد البحري وحماية البيئة، أول فبراير (شباط) الجاري، بعنوان "العقار الفلاحي: مقاربة واقعية لمبدأ الأرض لمن يخدمها" أن الدستور تطرق إلى حماية الأراضي الفلاحية، وكذا النصوص القانونية التي تؤطر العقار الفلاحي، معترفاً أن بعض هذه نصوص يعود إلى سنوات عديدة، "وربما قد بات من الضروري الآن إعادة النظر في بعضها لتحيينها وجعلها متماشية مع الواقع الذي نعيشه اليوم".

وفي هذا الإطار، دعا رئيس المجلس إلى المحافظة على العقار الفلاحي وحمايته والتفكير "بكل الطرق الممكنة" لحماية وجهته من جميع صور "العبث أو الإهدار"، مؤكداً أن هذا العقار يشكل مورد إنتاج، "ومستودعاً استراتيجياً" للغذاء.

إشكالات

يرى الباحث الاقتصادي مراد كواشي أن "التشريعات في مختلف الدول دائماً ما تهتم بإعطاء الإطار القانوني لكيفيات استغلال الموارد الزراعية، والجزائر سعت منذ مدة لسن قوانين تنظيمية لهذه العملية، وتعمل على حماية أراضي الدولة والمحافظة عليها، وكذا مكافحة الأبنية غير القانونية المنجزة على الأراضي ذاتها، خصوصاً بعد تزايد عمليات البناء العشوائي والتعدي على عقارات الدولة، علاوة على ضمان الاستغلال الأمثل للأراضي وردع الممارسات السابقة التي كثرت وتنوعت".

ويقول كواشي في تصريحات صحافية، إن "تطبيق القانون الخاص بحماية العقار الفلاحي سيكون في مواجهة عديد من الإشكالات، أهمها ما يتعلق بالأراضي الفلاحية التي شيدت عليها مبانٍ سكنية أو استغلت لإطلاق استثمارات غير فلاحية، وكذا العقارات الصناعية الموجودة في مناطق النشاطات الصناعية، والتي منحت في وقت سابق من دون مراعاة للشروط والمعايير التي يجب أن تمنح لأجلها". ويضيف أن "نحو 45 في المئة من العقارات التي وزعت في الفترة السابقة، منحت لشركات لم تستطع استغلالها كما يجب، أو منحت لمستثمرين وهميين أو في صورة امتيازات غير مشروعة".

المزيد من تقارير