ملخص
تقوم السياسات الإيرانية في كل من سوريا والعراق وإقليم كردستان على الإمبريالية والسيطرة المعتمدة على القسر والإكراه واللجوء للقوة والأدوات العسكرية
منذ تأسيس النظام الإسلامي الإيراني رفع شعارات معاداة الإمبريالية، قاصداً بها الولايات المتحدة ومعها الغرب، ونسج النظام علاقاته مع بعض دول أميركا اللاتينية في هذا السياق. كما تبنى شعارات الوحدة والصحوة الإسلامية كسبيل لمعارضتها أيضاً، لكن بالوقوف على السلوك الإقليمي لإيران، نجد أنها تتبنى ذات الاستراتيجيات للقوى الإمبريالية ولكن على المستوى الإقليمي.
ونحاول في المقال تعريف الإمبريالية ومحدداتها، ومن ثم كيف تنطبق كأحد استراتيجيات السياسة الخارجية على إيران في الشرق الأوسط، في ما يتعلق بالأهداف والأدوات المطبقة.
تعرف الإمبريالية، بأنها، سياسة تتبعها دولة، تستهدف الاستيلاء أو السيطرة على الشعوب والأقاليم الأخرى، فهي تسعى إلى الحصول على مكسب من نوع ما من تلك الدول والشعوب العاجزة عن الدفاع عن أنفسها ضد تفوق الدولة الإمبريالية العسكري/ والاقتصادي، فقد تتضمن مكاسبها تحقيق تفوق استراتيجي، ويداً عاملة رخيصة، والولوج لأسواق جديدة والموارد الطبيعية والخام.
وتعد أهم وسائل الدولة الإمبريالية هي الغزو والاحتلال فضلاً عن نقل المستوطنين والمبشرين، من أجل الحفاظ على السيطرة الفعلية للإمبراطورية. والإمبريالية ظاهرة جزء من الآلية التي تحاول الدول بواسطتها إنجاز تغيير لمصلحتها في الوضع القائم. وعلى المستوى الواقعي أصبح المفهوم مرادفاً لسيطرة الولايات المتحدة.
وفى ظل النظام الدولي القائم على مفهوم الدولة القومية، تحرر المفهوم من شرط الامتداد الإقليمي وتم الاستعاضة عنه بمفهوم الإمبريالية غير الرسمية، من ثم تعرف الإمبريالية بأنها "السيطرة السياسية التي يفرضها بعض المجتمعات السياسية على السيادة التامة لمجتمعات أخرى".
وتتسم الإمبريالية بممارسة القوة من خلال الإكراه والفرض، لذا تستخدم القوى التي تتبع السياسات الإمبريالية التدخل العسكري أو التهديد باستخدام القوة العسكرية في حال عدم امتثال الدول التابعة لإرادتها وإلا فقدت مركز المسيطر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التهديد باستخدام القوة العسكرية قد يكون واضحاً ومحدداً مثل توجيه الإنذار، وقد يكون ضمنياً من خلال خطب وتصريحات تتضمن زيادة الإنفاق العسكري. أضف إلى ذلك رفض القرارات المتناقضة مع مصلحة الدولة الإمبريالية، والأحادية في اتخاذ القرارات. من هنا يمكن استنتاج أن الإمبريالية تميل في الغالب إلى التهديد أو استخدام القوة العسكرية من جهة، ومن جهة أخرى لا تتمتع بالشرعية بين بقية الدول، فهي مصطلح محمل بمعايير سياسية سلبية.
ما سبق كان تعريف ومحددات السياسات الإمبريالية، لكن هل يمكن تطبيقها على دولة إقليمية مثل إيران؟ تتسع مجموعة الخيارات التي يمكن لقوة إقليمية أن تمارسها، فتماشياً مع سلوك الدولة الكبرى عالمياً، فإن القوى الإقليمية تتبع استراتيجيات مماثلة، تصنف بالإمبريالية.
إن السياسات الإيرانية في كل من سوريا والعراق وإقليم كردستان تقوم على الإمبريالية والسيطرة المعتمدة على القسر والإكراه واللجوء للقوة والأدوات العسكرية. ففي سوريا عملت إيران على ترسيخ وجودها العسكري والاقتصادي وربط النظام السوري باتفاقات وامتيازات تحصل عليها طهران، على غرار الامتيازات التي فرضتها كل من روسيا القيصرية وبريطانيا على إيران خلال القرن الـ19 حينما ضعفت الأسر الحاكمة للدولة الإيرانية حينها، استطاعت روسيا وبريطانيا استغلال الموارد الاقتصادية حينها.
وبعد فترة حينما تطور الشعور القومي وأرادت حكومة محمد مصدق تأميم صناعة النفط الإيرانية تم الانقلاب عليه بمساعدة كل من الاستخبارات البريطانية والأميركية في عملية "أجاكس". الأمر مشابه لما يحدث في العراق حينما تخلق الميليشيات التابعة لإيران فوضى وشل حركة الحكومة، وتوقف الحياة السياسية والاقتصادية تماماً واندلاع ما يشبه حرب أهلية بين الأحزاب المختلفة، وذلك عندما لا تحصل تلك الأحزاب على الغالبية في الانتخابات ومن ثم تسمية رئيس حكومة مخالف لرغباتهم.
فضلاً عن القيام بتوجيه ضربات لأهداف داخل كردستان العراق في مخالفة صريحة لاحترام سيادة الدولة العراقية. ومع سؤال افتراضي، أنه في حال قامت الحكومة السورية أو العراقية أو حتى شعب الدولتين، بمطالبة إيران بالخروج من أراضيهما، هل تستجيب طهران؟ هل ستخرج أم إنها ترسخ لوجود عسكري وسياسي واقتصادي دائم؟ هل يمكن أن تخرج من دون إجبار تلك الدول على دفع ثمن باهظ قد تزهق فيه ملايين الأرواح العربية؟
إن إيران التي تعلن رفض الإمبريالية التي تستغل الشعوب هي ذاتها تسهم بسياسة مدروسة في إفقار العراق مائياً واستغلاله كسوق لمنتجاتها، فضلاً عن تصريحات المسؤولين الإيرانيين يومياً في وسائل الإعلام بالتهديد باستخدام القوة العسكرية، وهي أهم صفة تقوم بها الدول الإمبريالية التي تدعي طهران معاداتها.
إن السلوك يتناقض مع الخطاب لدى صناع القرار الإيراني، فقد استخدمت طهران لغة اعتمدت على التنديد بالاستغلال الإمبريالي، ممثلة في خطب مؤسس النظام الإمام الخميني، معتبراً أن الثورة الإيرانية ضد الإمبريالية ومحورها العدالة ونصرة المستضعفين، وعمدت إلى تقديم نموذج المقاومة والثورية في المنطقة ودول العالم الثالث.
آنذاك أكد الخميني أن الثورة الإيرانية ليست قومية وإنما إسلامية تعود بالإسلام إلى مجده القديم، وأن الوحدة الإسلامية هي الأفضل للتغلب على الإمبريالية، وفي سبيل ذلك تبنى مبدأ لا شرقية ولا غربية بل إن الأفضل للبشرية هو النظام الإسلامي، ومع ذلك نجد أن أهم علاقات إيران الاستراتيجية هي مع روسيا والصين، ولديها عدة تفاهمات واتفاقات مع أميركا نفسها.
استمر الخطاب الإيراني المعادي للإمبريالية حتى بعد وفاة الخميني، فالإمام علي خامنئي سبق أن وصف استراتيجية الولايات المتحدة بالمنطقة بأنها إمبريالية تستهدف مصالحها الخاصة، فقال" إن أميركا تعتبر منطقة الشرق الأوسط من المناطق الحساسة، وإن أهدافها تدور في إطار السيطرة على هذه المنطقة، وأعدت الخطط من أجل السيطرة على الشرق الأوسط والخليج وشمال أفريقيا. إن هذه الخطط كانت موضوعة مسبقاً، ومهدوا ووفروا الأسباب لها، إلا أنهم لن يستطيعوا تمرير مخططاتهم والوصول إلى أهدافهم، والدليل على ذلك هو فشل هذه الأهداف في فلسطين والعراق. ومع ذلك فإنهم لا يزالون يمتلكون المخططات لهذه المنطقة وللدول الأخرى".
إن ما جاء بحديث خامنئي ينطبق بالمثل على السياسة الإيرانية، بل إن طهران تحاول إخراج واشنطن من ساحات عدة في المنطقة لترسخ هي وجودها بها.
ربما كانت الولايات المتحدة إمبريالية تستهدف تحقيق مصالحها بالقوة العسكرية أو الاقتصادية، لكن واشنطن تمكنت من إنشاء نظام عالمي به قيم ومعايير وقواعد اتبعته كثير من الدول، ونجحت واشنطن أن تحقق مكاسب ومنافع من تطبيق النظام الدولي، لذا سعى الجميع إلى الحفاظ على الاستقرار والنظام الدولي، لكن ما تقوم به إيران هو إمبريالية تستخدم القسر والإكراه والآلة العسكرية حتى في مواجهة من يواليها من النظم والجماعات.
من ثم لم ولن تؤسس طهران لنظام إقليمي يحقق الاستقرار والأمن ويمنح المنافع والمكاسب فيجتذب مؤيدين لاستمرار ذلك النظام الإقليمي، بل على العكس تحقق طهران أهدافها حيث تنتشر الفوضى وتضعف الدول المجاورة، فكان إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 وضعف اليمن وسوريا خلال التظاهرات الشعبية عام 2011، ومحاولتها مع الإخوان المسلمين في مصر، واستغلال الانقسام الفلسطيني بين "فتح" و"حماس"، وإضعاف الدولة اللبنانية.