Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كتب فرنسية تتناول ظاهرة لينين في مئوية وفاته وسط تجاهل روسي

أفكار الزعيم البلشفي مهددة بالنسيان وضريحه في الساحة الحمراء موقع سياحي

ضريح لينين في الساحة الحمراء في موسكو (مؤسسة لينين - فيسبوك)

ملخص

أفكار الزعيم البلشفي مهددة بالنسيان وضريحه في الساحة الحمراء موقع سياحي

شكلت الذكرى المئوية الأولى لوفاة الزعيم السوفياتي فلاديمير إيلتيش لينين في الـ21 من يناير (كانون الثاني) 1924 مناسبة عالمية لاستعادة حياته وتقييم مساهمته في حكم روسيا. فصدرت منذ بداية هذا العام عشرات الكتب والدراسات التي تناولت مسيرة هذا القائد البلشفي والمنظر السياسي، المؤسس لمذهب اللينينية الماركسية في روسيا، حيث ما زال جثمانه المسجى في ضريحه في الساحة الحمراء وسط موسكو يستقطب كثيرين، وحيث المنحوتات والجداريات التي صورته في ثورته وخطبه وفكره وقيادته لواحدة من كبرى الدول في العالم تزين ساحات البلاد، علماً أن بصماته داخل المجتمع الروسي توارت إلى حد كبير.

 ولاحظ المهتمون بلينين وبالشأن الروسي أن السلطات الرسمية لم تعلن عن أي احتفالات خاصة بهذه الذكرى المئوية، في حين شهد العالم مراسم بسيطة قام بها بعض الشيوعيين، كهذا الاحتفال الصغير الذي أحياه عدد من الفرنسيين أمام منزل في باريس كان لينين يسكنه.

 ماذا تبقى من تراث لينين الذي أنهى حكم القيصر نيقولا الثاني وأسس دولة عظمى عاشت بعده سنوات؟ وكيف تتبدى صورته كمفكر ثوري دمغ حقبة مفصلية من تاريخ بلاده؟ وماذا تضيف هذه الكتب السياسية والتاريخية والأدبية العديدة على معرفتنا بفكره وبإنجازاته وإخفاقاته السياسية، لا سيما أن الدراسات الخاصة بمسيرته وحياته التي نشرت بعيد وفاته كانت قليلة جداً بسبب الرقابة السوفياتية التي أخفت حينها كل ما يتعارض مع التوجهات السياسية لستالين؟ وهل الكتب المتوفرة حالياً حول لينين والتي وضعها الروس الذين يعيشون خارج وطنهم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أو تلك التي وقعها مؤرخون عالميون كافية لإعطاء القارئ فكرة موضوعية عن الرجل وأفكاره وإنجازاته؟

 للتذكير، ولد فلاديمير أوليانوف عام 1870 في روسيا القيصرية لعائلة برجوازية في مدينة سيمبيرسك الواقعة على ضفاف نهري الفولغا وسفياغي على بعد 890 كيلومتراً من العاصمة موسكو. كان للأزمات السياسية والمعاناة الاجتماعية التي طبعت تلك الفترة من تاريخ البلاد، والتي عبرت عنها آنذاك كتابات ألكسندر هرتزن ونيكولاي تشيرنيتشفسكي، أثرها التدريجي في انتفاضة جزء من الشعب ضد القيصر. وكان ألكسندر، شقيق لينين، قد انضم في فترة دراسته إلى مجموعة من الشبان الثوريين الذين خططوا لاغتيال ألكسندر الثالث، مساهماً في صياغة بيانات دعت إلى الانقلاب والهجوم على القيصر، لكن الشرطة الروسية اعتقلت المنظمين وتمت إدانتهم جميعاً بالإعدام شنقاً، ومن ضمنهم ألكسندر الذي اعترف بمسؤوليته في جلسة المحاكمة على رغم استجداء أمه الرحمة. وقد أصاب مقتل الأخ الأكبر لينين بصدمة ولو لم يتحدث كثيراً عن هذا الموت في كتاباته لاحقاً، إذ أسر عام 1895 لأحد أصدقائه أن ألكسندر قد "فتح أمامه الطريق".

سيرة ونضال

 بعد موت أخيه استأنف فلاديمير أوليانوف بنجاح دراسته الثانوية ملتحقاً بجامعة قازان لدراسة الحقوق. في البداية لم تكن السياسة من اهتمامات الطالب الشاب الذي أتقن إلى جانب اللغة الروسية اللغات الألمانية والفرنسية واللاتينية واليونانية القديمة، لكن أحوال البلاد استرعت اهتمام معظم الطلاب، الذين بدأوا بتنظيم التظاهرات لأسباب شتى. وعلى رغم عدم إظهار لينين حماسة مفرطة تجاه الأحداث، بدأ يشارك في بعض التظاهرات الاحتجاجية والاجتماعات الطلابية، التي كانت محظورة من قبل السلطات، منتمياً وهو في الـ17 من عمره إلى "حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي"، أي إلى حركة ماركسية ثورية سمحت له بقراءة دراسات تناولت تاريخ الاقتصاد الروسي وعمقت معرفته بالنصوص الماركسية. وكان حضوره في هذه الأنشطة غير منتظم، لكن صلته العائلية بألكسندر أوليانوف جعله موضع مراقبة مشددة من قبل الشرطة. ففي أوائل ديسمبر (كانون الأول) 1887، تم اعتقاله واستبعاده من الجامعة مع 30 طالباً آخر. في هذه الفترة، انغمس لينين في قراءة كتب ماركس، محللاً نصوصه ومكتشفاً نيكولاي تشيرنيتشفسكي، صاحب رواية "ما العمل؟"، وهي رواية تسلط الضوء على شخصية الرجل الثائر الزاهد بالسلطة. شكلت هذه الرواية مصدر إلهام كبير ليس فقط للينين، بل لأجيال من النشطاء الروس، وأسهمت في تشكيل رؤيتهم للعالم. وقد أقنعته دراسة أعمال ماركس وأنغلز بأن مستقبل روسيا يكمن في التصنيع والانتقال من المجتمع الريفي إلى المجتمع المديني. وعلى رغم كل شيء، لم يتخل الشاب عن حلمه في الحصول على الشهادات واستعد لاجتياز الاختبارات التي سمحت له بالانضمام إلى جامعة سانت بطرسبورغ لمتابعة دراساته الحقوقية. وها هو ذا يتفوق بتصدره الاختبارات وينال شهادة تتيح له العمل كمحام متدرج، علماً أن الشرطة كانت قد أبقته قيد المراقبة.

 لم يتول لينين في فترة عمله كمحام أي قضية تذكر، بل اكتفى بحل بعض النزاعات القائمة بين ملاكي الأراضي، أو بحل بعض القضايا المالية ذات الاهتمام الشخصي، وهو الذي لم تجبره ظروفه العائلية على السعي الحثيث لكسب رزقه. ففي استبيان قام به أعضاء الحزب الشيوعي، أشار لينين إلى أن "مهنته الأساسية" هي "الكتابة" ودراسة السياسة والاقتصاد ودعوته الثورية الناشئة.

في العامين 1891-1892 عايش لينين تشرد سكان منطقة الفولغا بسبب مجاعة مروعة، لكنه عكس الوسط الثوري الروسي، لم يبد اهتماماً كبيراً بمصير الفلاحين، لظنه أن المجاعة التي تضرب الفلاحين هي نتيجة لا مفر منها للتطور الصناعي، وأن تقديم الدعم السياسي للفلاحين سيؤخر تطور الرأسمالية الروسية، من ثم التطور نحو الاشتراكية.

المراقبة الأمنية

في صيف عام 1893 انتقلت عائلة أوليانوف إلى موسكو وخفت حدة المراقبة الأمنية المفروضة على فلاديمير، فاستقر في مدينة سانت بطرسبورغ، متطلعاً إلى تحقيق اسم له في الأوساط السياسية والفكرية. في ذاك الوقت، كان المحامي الشاب ليس فقط متأثراً بالماركسية، بل أيضاً بأفكار بيوتر تكاتشيف (1844-1886)، الذي دعا إلى أن تتولى السلطة أقلية ثورية. وقد كان مفتوناً خصوصاً بفكرة ثورة تشعلها نخبة من المتمردين المؤيدين للجوء إلى الأساليب الإرهابية. فنشر نصاً بعنوان "من هم أصدقاء الشعب وكيف يحاربون الاشتراكيين الديمقراطيين"، فيه عرض أطروحاته حول حتمية تطور الرأسمالية في روسيا ونشاط الاشتراكيين الديمقراطيين، الذي يجب أن يكون موجهاً بالكامل نحو طبقة العمال وتعليمهم مبادئ "الاشتراكية العلمية". شارك لينين في نشاطات مجموعة بيير ستروف الماركسية. وبعد رفع الحظر عنه سافر إلى سويسرا وفرنسا وألمانيا حيث تواصل مع الجماعات الثورية الروسية في المنفى وعدد من الماركسيين، كغيورغي بليخانوف وبول لافارغ، صهر ماركس، وغيرهما، ثم عاد إلى روسيا محملاً بكتب محظورة خبأها في قاع حقيبته.

في سانت بطرسبورغ أسس لينين مع عدد من رفاقه مجلة ماركسية ومجموعة سياسية دعيت "اتحاد النضال من أجل تحرير الطبقة العاملة" حاول من خلالهما جمع البعد الفكري مع النضال الفعلي على الأرض، خائضاً مجال العمل السياسي. كان من نتيجة هذه النشاطات أن تم اعتقاله وحكم عليه بالسجن والنفي إلى شرق سيبيريا. في منفاه وضع كتباً ومقالات تناولت التطور الاقتصادي في روسيا بعد أن نجح من خلال شقيقته آنا في إيجاد ناشر لأعماله التي وقعها باسم فلاديمير إيلين مشدداً فيها على ضرورة الثورة وإسقاط عائلة رومانوف. بانتهاء عقوبة المنفى، سافر لينين إلى سويسرا، حيث عمل على تأسيس صحيفة سياسية ذات نطاق وطني واسع، بهدف لم شمل المجموعات المحلية المتفرقة في حركة ثورية واحدة على مستوى روسيا. صدر العدد الأول من الصحيفة المسماة "الشرارة" عام 1901 وحرص ناشروها على إيصالها سراً إلى وطنهم. كما نشر لينين كتيبه الشهير "ما العمل؟" الذي عرض فيه أفكاره حول كيفية تنظيم حزب سياسي سري يضم الطبقة الوسطى وكل الطبقة العاملة في سياق النظام القيصري ووقعه باسم "لينين".

جذب هذا الكتيب اهتمام أوساط الماركسيين الروس واعتبر مؤسساً لاستراتيجية كاتبه الثورية ولتصوراته السياسية للإمبراطورية الروسية، لا سيما في ما يتعلق بإنشاء الصراع بين الطبقات وتسريع حركة التاريخ. بالتوازي مع صدور كتيبه، كرس لينين نفسه لصياغة برنامج حزب العمال الديمقراطي الاشتراكي في روسيا، استعداداً لتنظيم مؤتمره الثاني الذي أدرج فيه مصطلح "ديكتاتورية البروليتاريا". كان من نتيجة هذه النشاطات أن اتسعت أعداد المؤيدين لأفكاره في حكم روسيا، على رغم الصراعات والانتقادات التي وجهت له، في وطنه من قبل تروتسكي، وفي الخارج من قبل كارل كوتسكي وروزا لوكسبورغ. لكن هذه الانتقادات لم توقفه عن متابعة تحقيق أفكاره وسيطرته المطلقة على الحزب. مع اندلاع الحرب العالمية الأولى دعم لينين حملة لتحويل الصراع العالمي إلى ثورة بروليتارية على المستوى الأوروبي، وأيد نهاية النظام القيصري وإنشاء دولة اشتراكية بقيادة الحزب الشيوعي الجديد. وقد كانت تباشير الثورة قد بدأت تلوح منذ عام 1905 إلى أن نجحت عام 1917 في القضاء على القيصر وتسلم لينين مقاليد الحكم وسط فوضى الحرب الأهلية، ثم تشكيل الاتحاد السوفياتي وممارسته السلطة بطريقة عارضت نظرياته ونظريات ماركس وإنغلز المتعلقة بالطابع الانتقالي لديكتاتورية البروليتاريا، بعيداً من الاضمحلال التدريجي المتوقع للدولة.

الذكرى المئوية

 بعد 100 عام على وفاته، ما زالت هذه السيرة وأفكار صاحبها ودوره في تاريخ روسيا وفي تاريخ عدد كبير من البلدان، تؤكد لنا أن لينين هو واحد من أكثر الشخصيات إثارة للكراهية الشديدة أو للإعجاب المطلق. وقد تقاسم كتابان حديثان هذه الرؤية الثنائية لهذا الزعيم البلشفي الذي دعا إلى تعزيز "الديمقراطية المباشرة" لمجالس العمال وأنشأ معسكرات العمل و"ديكتاتورية البروليتاريا" مقلصاً في ما بعد دورهما لصالح جهاز شرطة سياسي مرعب. وهذا بالضبط هو موضوع إعادة طبع كتاب "الإرهاب تحت حكم لينين" الصادر عام 1975، الذي ركز على إظهار "الإرهاب السوفياتي" الذي تم تطبيقه فور انتزاع السلطة من قبل البلشفيك. وفي بداية هذا العام، خصت صحيفة "أومانيتي" الفرنسية لينين بعدد خاص تحت إشراف المؤرخ والأستاذ الجامعي ميشال بيجوني والكاتب وعضو معهد التاريخ الاجتماعي أندريه نارتسنس. ضم هذا العدد مجموعة قيمة من المقالات ذات التوجهات والمقاربات المختلفة أعادت مساءلة مسرى ونضال هذا المنظر والسياسي ومؤسس أول دولة اشتراكية في العالم من خلال وضع حياته وأعماله في سياقاتها الزمنية، من دون أن ينسى كتابها طرح إشكالية راهنية فكره الآخذ بالبهتان، والذي لم ينجح مع ذلك أحد في إزالته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أشير في هذا الإطار إلى إعادة طبع كتب عديدة تناولت لينين وتجربته السياسية ككتاب إرنست مانديل "لينين الثورة والحزب"، وكتاب جورج لوكاش "فكر لينين"، وكتاب مارينا غاريزي "اكتشاف لينين" وكتب إيلين كارير-دانكوس وغيرها من الكتب القديمة، فضلاً عن عشرات الدراسات والمقالات الجديدة. ولئن نجح الحكم في روسيا في إشاحة الضوء عن أعلام الفترة الشيوعية كستالين مثلاً، فإنه لم ينجح في التخلص من لينين، الذي ما زال البعض ينظر إليه كأيقونة، بينما ينظر إليه البعض الآخر كالمؤسس الحقيقي للنظام الشمولي، على حد قول المؤرخ ستيفان كورتوا، في دراسة معنونة "الكتاب الأسود للشيوعية".

 مهما تنوعت التحليلات في شأن دور لينين، الذي أصيب بجلطتين دماغيتين أعاقتا مهاراته الحركية وأدتا تدريجاً إلى وفاته في الـ21 من يناير 1924، في تطور الدولة السوفياتية الشيوعية واتهام حنة آرندت له بارتكاب خطأ جوهري حين فضل أداة الديكتاتورية على أداة الديمقراطية لتحقيق الثورة، وهذا ما يعارضه ليونار شابيرو الذي يعتبر أن الشيوعية الشاملة بدأت مع لينين وليس مع ستالين، ووصف دومينيك كولاس له بـ"مخترع الديكتاتورية الحزبية الواحدة"، و"بالنموذج الأول للطغاة الحديثين"، يبقى في النهاية أن للتاريخ فصل المقال في دور هذا الرجل الذي لا يمكن تجاهله ليس فقط في تاريخ روسيا، بل في تاريخ الإنسانية جمعاء بوصفه من أكثر الشخصيات جدلاً وإلهاماً.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة