مع استمرار المواجهات بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" وفشل المجتمعات الدولية في حل أزمة البلاد لإنهاء الحرب التي اندلعت شرارتها منتصف أبريل (نيسان) الماضي في العاصمة الخرطوم وتوسع رقعتها في جبهات ولائية كانت بمنأى عن الصراع، تعذر إيصال المواد الإغاثية إلى المحتاجين وجعل الغالبية العظمى من المدنيين سواء القابعين في مناطق الصراع أو بمعسكرات النزوح المختلفة يعيشون ظروفاً معيشية بالغة التعقيد.
ساعد في هذه المأساة انهيار الدولة السودانية وانقطاع الخدمات الأساسية من المدنيين، إلى جانب عجز المنظمات العاملة في المجال الإنساني عن تقديم الدعم للفئات الضعيفة التي تعاني أوضاعاً اقتصادية متردية بسبب عدم وجود ممرات آمنة.
وأكدت تقارير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة تعرض أشخاص للموت جوعاً في السودان جراء الكارثة الإنسانية الناجمة عن استمرار المعارك واتساع الأعمال العدائية، موضحة أن نحو 18 مليون شخص في أنحاء البلاد يواجهون مستويات حادة من الجوع.
وطالب البرنامج طرفي النزاع فتح ممرات لعبور المساعدات إلى المحتاجين بشكل آمن، والسماح للعاملين مباشرة مهماتهم من دون الاعتداء عليهم.
في هذه الأوضاع المأسوية التي يشهدها السودان نشط عديد من المبادرات الشبابية من ضمنها مبادرة "غرف الطوارئ"، التي أسهمت إلى حد كبير في إنقاذ المواطنين الذين يواجهون خطر الموت والفقر والجوع وصعوبة الحصول على مياه صالحة للشرب، إلى جانب إجلاء العالقين من خطوط النار، بخاصة في مدينة أم درمان القديمة وولايات دارفور.
حس وطني
تقول الناشطة في حقوق الإنسان حنين أحمد إن "الحرب أفرزت تداعيات في غاية الخطورة، فضلاً عن أنها قست على المواطنين الذين ظلوا يدفعون ثمن الاشتباكات المسلحة وهم يعانون أوضاعاً معيشية مزرية".
أضافت أن "خروج المنظمات الدولية من العمل في السودان وعدم مقدرة الدولة على توفير أساسات الحياة لانشغالها بالحرب خلق فراغاً كبيراً حال دون تقديم المساعدات للشرائح الضعيفة التي لم تتمكن من النزوح، ونظراً إلى ذلك ظهرت على السطح مبادرة (غرف الطوارئ) بمشاركة شباب ناشطين في العمل الطوعي، يجمعهم الحس الوطني وإحساسهم بالمسؤولية المجتمعية تجاه الفئات التي أصبحت غير قادرة على توفير ما يسد الرمق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت إلى أن "فرق المبادرة استطاعت فتح ممرات آمنة، فضلاً عن خبرتهم بخطوط العبور الآمنة بعد إغلاق الطرق الرئيسة ومدى خطورتها ومن ثم إيصال المساعدات الإنسانية المتمثلة في الغذاء والكساء والرعاية الصحية وأغطية التدفئة، إضافة إلى إجلاء العالقين الذين يتعرضون لهجمات متواصلة من طرفي الصراع إلى مراكز الإيواء، بجانب احتواء الذين تعرضوا للعنف الجنسي وعرضهم على متخصصين في مجال الصحة النفسية والاجتماعية".
وتابعت "هناك تحديات تواجه أعضاء المبادرة من مزاولة أعمالهم تتمثل في قطع شبكات الاتصالات، فضلاً عن وجود صعوبات جمة في جمع التبرعات، ونظراً إلى تغير سرعة الأوضاع بالبلاد من الضرورة رفعت قدرات وكفاءة المتطوعين حتى يتسنى لهم تغطية غالب حاجات الأسر العالقة".
ونوهت الناشطة المجتمعية حديثها إلى أن الدولة غير آبهة بتفاقم معاناة المواطنين السودانيين كلما تطاول أمد الحرب، مناشدة المجتمعات الدولية الاهتمام أكثر بقضية السودان ومضاعفة مجهوداتها من أجل إسكات صوت المدافع والرصاص وتقديم العون إلى المدنيين بعودة نشاط المنظمات وتوفير مزيد من الدعم الإنساني.
صعوبات وأخطار
في السياق أوضح محمد الطاهر أحد أعضاء المبادرة أن "عمليات الإجلاء التي نفذها شباب المبادرة شملت المواطنين الذين يتعرضون للقصف وهم داخل المنازل، إذ تم الإجلاء بشكل جماعي، وبلغ عدد الذين أنقذهم من مناطق القتال في جميع البلاد نحو 12 ألف شخص من بينهم 800 من منطقة الفتيحاب بأم درمان خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي".
ولفت الانتباه إلى توفير الإمدادات الغذائية وخدمات الكهرباء والمياه إلى ما يقارب 4 ملايين شخص في الخرطوم وإقليم دارفور، لا سيما أن المبادرة تضم مهندسين وحرفيين كان لهم الدور الفاعل في صيانة الآليات التي دمرتها الحرب، إضافة إلى أطباء يبذلون قصارى جهدهم في معالجة الذين يعانون تدهوراً صحياً، بخاصة الأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
وطالب بتضافر الجهود الدولية والعمل مع مبادرة "غرف الطوارئ" بوصفها جهة فاعلة في المجال الإنساني، فضلاً عن عملها في خضم صعوبات لوجيستية في الأمن والحركة، إضافة إلى تعرض عضويتها للاعتقال والعنف بينما لا يزال عديد منهم رهن الاعتقال من طرفي الحرب.
تطهير عرقي
وعلى الصعيد ذاته قال مسؤول المبادرة بدارفور أبو ذر عثمان إن "فرق المبادرة تنتشر في مدن وقرى ولايات دارفور كافة التي تأثرت بصورة مباشرة بالحرب، وعلى رغم ذلك تجتهد لتقديم خدماتها المستمرة، وأن جل اهتمام هذه الفرق ينصب في المحافظة على النسيج الاجتماعي بخاصة أن دارفور تعاني مجاعة حادة ووضعاً كارثياً بعد انقطاع الإمدادات الإغاثية من الجهات العاملة في هذه المجالات بسبب الصراعات المسلحة التي تعانيها المنطقة منذ 2003 التي تجددت باندلاع الحرب الحالية التي مورست فيها جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي بسبب انتشار السلاح والنزاعات القبلية، مما خلق واقعاً إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً مزرياً".
ونوه عثمان إلى أن "المبادرة ستواصل عملها في تخفيف وطأة المعاناة والمصير المجهول الذي يلاحق النازحين واللاجئين حتى تتوقف هذه الحرب العبثية وعودة الحياة لطبيعتها".