من حين لآخر، يجدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب معركته مع وسائل في الولايات المتحدة، التي يصر على وصف بعضها منذ دخوله البيت الأبيض في الثامن من يناير (كانون الثاني) 2017، على أنها "تضر بصورة بلاده عبر بثها أخبارا كاذبة وتشوه الحقائق"، فيما تتهمه من الجهة المقابلة وسائل الإعلام بأنه يسعى "لتقويض الديموقراطية وحرية الإعلام المصانة وفقاً للدستور".
وعلى الرغم من أنها لم تكن الحادثة الأولى، التي باتت مشهدا متكررا في تعامل ترمب مع وسائل الإعلام، فإن معركته الأخيرة مع مراسلي صحيفة "واشنطن بوست" في البيت الأبيض، أعادت مجددا السجال إلى المقدمة بين بين الرئيس والإعلام في الأوساط الأميركية، بعدما انتقدها ترمب علنا اثنين من مراسلي الصحيفة بسبب ما قال عنه "عدم رضاه عن تغطيتهما الإخبارية لنشاط الرئاسة الأميركية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سجال متجدد
في معركته الأخيرة تصاعدت حدة لهجة الرئيس في انتقاده لوسائل الإعلام بعدما وصف صحافيينن هما فيليب روكر وآشلي باركر من الـ"واشنطن بوست"، بأنهما "مراسلان مقرفان من الوزن الخفيف"، واقترح منعهما من دخول البيت الأبيض.
وكتب الرئيس على حسابه في "توتير" أن المراسلَين "لا ينبغي السماح لهما بالوقوف على أرض البيت الأبيض، لأن تقاريرهما مزعجة للغاية ومزيفة". وتابع عبر صفحته بموقع "تويتر"، "أن وسائل إعلام مجنونة، تكتب ما تريد، ونادرا ما يكون لديها مصادر (على الرغم من أنهم يقولون إنهم يفعلون ذلك)، لم يعد التحقق من الحقيقة بعد الآن موجوداً، يبحثون فقط عن اغتيال الآخرين، يأخذون القصص الجيدة ويخرجونها سيئة، إنهم الآن يتجاوزون الزيف إلى الفساد".
لكن مارتي بارون المحرر التنفيذي في "واشنطن بوست"، دافع عن المراسلين، واصفاً إياهما بأنهما "رائعان"، وقال: "لقد أظهرا باستمرار نزاهتهما في تغطية أخبار البيت الأبيض". وقال بارون في بيان، "نحن نقف وراءهما تماماً وعملهما المهم".
كما وصف موقف الرئيس ترمب بأنه "يتناسب مع نمط السعي لتشويه وتهديد الصحافة، وهو غير مبرر وخطير، ويمثل تهديداً لصحافة حرة في هذا البلد".
وجاءت تلك الواقعة بعد قيام اثنين من كبار مسؤولي البيت الأبيض بصياغة مقال افتتاحي نشر في صحيفة "واشنطن إكزامنر" ينتقد ما سبق أن نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في مقال في الأول من سبتمبر (أيلول) عما سموه "صيف ترمب الضائع".
في مقال كل من ستيفاني غريشام السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، وهوجان جيدلي نائب السكرتير الصحافي، ذكرا أن صحيفة "واشنطن بوست" رفضت ذكر أغلبية إنجازات ترمب من قائمة تضم 26 تم تقديمها سلفاً للإعلام. واتهم مسؤولو البيت الأبيض المراسلين الصحافيين باركر وروكر، بأنهما دفعا روايتهما السياسية الشخصية ومفادها أن الرئيس كان لديه صيف من الفرص الضائعة وإنجازات قليلة".
وأشاروا على وجه التحديد، إلى أن اجتماع ترمب التاريخي مع الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون بالإضافة إلى دفع الرئيس للتوصل إلى اتفاق تجاري مع اليابان كأمثلة لم يتم ذكرها في تقرير الصحيفة.
وكتب كل من غريشام وجيدلي، "الحقيقة هي أن ترمب حقق الكثير من الانتصارات الموثقة جيداً، التي أفادت الشعب الأميركي بشكل مباشر في الداخل والخارج". وأضافا بأن التحيز الإعلامي يأتي في شكلين. في تحديد ماهية الأخبار التي تتم تغطيتها ولا تتم تغطيتها، وكذلك في تحديد كيفية تغطية تلك الأخبار، وأن مراسلي الصحيفة "مذنبان في الحالتين".
كما سارع البيت الأبيض، من جهته بالرد على مقال "واشنطن بوست" بنشر فيديو على حسابه بموقع "تويتر"، سماه "صيف الفوز"، يحتفي فيه بإنجازات الرئيس خلال فترة الصيف، مع تعليق مكتوب كعنوان في شكل سؤال، "هل هذا ما تسمونه بصيف ضائع؟".
وعبر دقيقتين، تناول مقطع الفيديو لقطات لترمب مختلفة، منها حضوره أحداث عديدة مهمة، بالإضافة إلى مشاهد إخبارية تشيد بالرئيس لإنجازاته المختلفة وأوامره التنفيذية التي وقعها، بينما يبدأ المقطع بسؤال، "هل قامت أمازون واشنطن بوست بإجازة هذا الصيف؟"، حيث إن مالك شركة أمازون هو نفسه مالك الصحيفة، لينتهي بشعار البيت الأبيض الرسمي.
والجمعة الماضية، كانت "واشنطن بوست" دافعت عن تغطيتها في بيان نشرته صحيفة "ذا هيل"، وقالت "إن قصتها قدمت بشكل بارز قائمة الإنجازات التي حققها البيت الأبيض كما استعانت بشهادات لآراء الجمهوريين وبعضهم جزء من إدارة ترمب".
وقال شاني جورج، مدير الاتصالات في الصحيفة، "يمكن للقراء أن يحكموا بأنفسهم إذا كان تقريرنا عادلاً أم لا في تقديم مجموعة متنوعة من وجهات النظر حول صيف الرئيس".
وهذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها ترمب الإعلام الأميركي، خصوصا "واشنطن بوست" ففي أبريل (نيسان) 2018، هاجم ترمب الصحيفة متهماً إياها بالكذب ونشر أخبار غير حقيقية تخص شركة أمازون، وفي أبريل (نيسان) 2019، جدد ترمب هجومه على صحيفتي "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" قائلاً "إنهما أكثر وسائل الإعلام كذباً"، واعتبر الصحيفتين من "أعداء الشعب" في أعقاب إعلان النص الكامل لتقرير روبرت مولر المحقق الخاص في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016.
ليست المعركة الأولى
منذ أيامه الأولى في البيت الأبيض، ويتجدد السجال بين ترمب وبعض وسائل الإعلام الأميركية، دفعت العديد من المراقبين والمدافعين عن حرية الصحافة لاعتبار تصريحات ترمب المستمرة ضد الإعلام تقوض دور السلطة التي تمارسه الصحافة وتتعارض مع المادة الأولى من الدستور الأميركي التي تضمن حرية التعبير وتحمي حقوق الصحافيين.
وفي تقرير سابق، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" ما قالت أنه متوسط مرات نشر الرئيس الأميركي تصريحات كاذبة، التي وصلت إلى 22 مرة في اليوم الواحد، منذ بداية عام 2019.
ووفقًا لموقع "فاكت تشيكير" التابع لصحيفة "واشنطن بوست"، فإنه منذ عام مضى بلغ متوسط عدد التصريحات الكاذبة لترمب في اليوم الواحد 16.5 تصريح، وفي السنة الأولى من الرئاسة 5.9 تصريح. وتابع تقرير الصحيفة أن ترمب، خلال فترة ترؤسه للولايات المتحدة، أدلى بأكثر من 9 آلاف تصريح مشكوك فيه. وهو ما دفع الرئيس الأميركي لتجديد هجومه على الصحيفة باعتبارها "عدوة الشعب وتشوه الحقائق".
ووفق قناة سي إن إن، "فإن لدى ترمب عادة في تقديم تصاريح مضللة بشكل منتظم، حيث تضاعفت عدد تصريحاته الكاذبة 4 مرات مقارنة بالعام الأول من رئاسته".
وكانت من أبرز مشاهد السجال بين ترمب ووسيلة إعلامية تلك التي حدثت أواخر العام الماضي، مع مراسل "سي إن إن"، جون أسوستا، حول المهاجرين وروسيا والإعلام، خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض.
وخلال هذا السجال، أطلق تركب هجوما على أسوستا وهو يشير إليه بسبابته مرارا، "يجب أن تخجل "سي إن إن" من نفسها لعمل شخص مثلك لمصلحتها، أنت شخص فظ وفظيع، ولا ينبغي لك العمل لمصلحة سي إن إن".
ويرى محللون أن هناك عدة مخاوف من ترشيحه للانتخابات في عام 2020، ومن أهمها أنه قام بالكذب أو التضليل أكثر من أي رئيس في تاريخ أميركا، وكلما زادت مدة رئاسته زاد ابتعاده عن قول الحقيقة، وأنه سيكون أقل صدقا خلال حملة إعادة انتخابه لعام 2020.
ويعد "التراشق بالألفاظ والاتهامات" السمة الأبرز للعلاقة بين ترمب والإعلام الأميركي منذ توليه مقاليد حكم الولايات المتحدة في العشرين من يناير (كانون الثاني) 2017. فتارة يتهم وسائل الإعلام بـ"الزيف وتزوير الأنباء والاعتماد على مصادر مجهولة"، وتارة أخرى يتهمها بـ "انعدام النزاهة وتضليل الشعب الأميركي، والتقليل من شأن إنجازات إدارته".