يسهم قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بأكثر من 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للهند، ويعد من المحركات الاقتصادية الرئيسة للبلاد، كما تهدف نيودلهي إلى تنميته إلى تريليون دولار بحلول عام 2025، بما يعادل 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع.
وتخطو الهند خطوات واسعة كي تصبح أحد أكبر المراكز لصناعات التقنية في آسيا والعالم، كما تعمل على اجتذاب كبرى الشركات التقنية إلى أراضيها. ويدعم هذا التوجه قوة الاقتصاد الهندي خلال السنوات الأخيرة، والتحول الرقمي الذي تشهده البلاد إلى جانب العدد الضخم من مستخدمي التقنية في البلد الواقع جنوب آسيا.
طفرة كبرى
قبل ما يزيد على ثلاثة عقود كانت الهند في موضع متراجع بمجال التكنولوجيا، إذ بلغ حجم صادرات البرمجيات والخدمات أقل من 100 مليون دولار في عام 1990، ذلك الرقم قفز وصار اليوم يقترب من 100 مليار دولار. ويعد تطوير الهند المبكر لتكنولوجيا الكمبيوتر جزءاً من جهود البلاد لتحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني في مجال التقنية.
وشهدت الهند طفرة كبرى في صناعات التقنية منذ عام 1991، إذ أضحت الإصلاحات الاقتصادية الرئيسة ذات تأثير إيجابي في قطاع الإلكترونيات، أهمها إلغاء التعريفات الجمركية على منتجات تكنولوجيا المعلومات، وإلغاء نظام الترخيص الصناعي، وإسقاط حواجز دخول الاستثمار الأجنبي المباشر.
وفي عام 1991 تم فتح قطاع الاتصالات بالكامل أمام الاستثمار الأجنبي المباشر، فأنشأت خمس شركات رائدة متعددة الجنسيات مرافق التصنيع الخاصة بها في الهند، وهي "ألكاتيل" و"لوسنت تكنولوجيز" و"إريكسون" و"سيمنز" و"فوجيتسو". كما أقرت الهند على مدار السنوات الماضية عديداً من البرامج والسياسات التي استقطبت صناعات التقنية على أراضيها وساهمت في بزوغ الهند كإحدى أهم مراكز إنتاج وتصدير تقنية المعلومات على المستوى العالمي.
وعلى سبيل المثال، شاركت الحكومة الهندية منذ عام 2014 بنشاط في تحقيق الرقمنة من خلال تدابير مختلفة. ومن الأمثلة على ذلك، إلغاء تداول العملات الذي يظهر امتثال القيادة الحكومية لدفع التحول الرقمي في الهند.
رافد رئيس
برزت صناعة التكنولوجيا في الهند كقوة حيوية تمثل أحد روافد الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفرص العمل، والنمو الاقتصادي الشامل. عام 2022 حققت صناعة تكنولوجيا المعلومات الهندية إيرادات بقيمة 227 مليار دولار (177 مليار دولار من عائدات تصدير خدمات التكنولوجيا).
وفي 2023 سجلت صناعة تكنولوجيا المعلومات في الهند زيادة بنسبة 8.4 في المئة في إجمالي الإيرادات لتصل إلى 245 مليار دولار (194 مليار دولار من الصادرات). وبالنظر إلى المستقبل، فإن صناعة التكنولوجيا في الهند في طريقها لتحقيق هدف بقيمة 500 مليار دولار أميركي بحلول عام 2030، وفقاً لتقرير "ناسكوم"، قطاع التكنولوجيا في الهند 2023.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعد قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والاقتصاد الرقمي، اللذين يسهمان بأكثر من 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للهند، من المحركات الاقتصادية الرئيسة للبلاد. ووفقاً للرابطة الوطنية لشركات البرمجيات والخدمات (NASSCOM)، من المتوقع أن تتجاوز صناعة التكنولوجيا في الهند 245 مليار دولار في عام 2023 على أساس معدل نمو سنوي قدره 8.4 في المئة.
وتنظر الحكومة الهندية إلى صناعات التكنولوجيا باهتمام جلي، إذ قال رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إنه ينبغي على الهند أن يكون هدفها ألا تضطر إلى استيراد أي تقنية أو الاعتماد على دول أخرى من أجل التكنولوجيا، بما يدلل على سعي الهند للاستفادة من القفزة التكنولوجية التي حققتها خلال السنوات الماضية.
وجهة للشركات الناشئة
بحسب تقديرات حديثة، أضحت الهند ثالث أكبر وجهة عالمية للمشروعات الناشئة وشهدت قفزة في نمو هذه المشروعات، بصورة خاصة بعد جائحة "كوفيد-19". وتشير الإحصائيات إلى وجود ما يزيد على 99 ألف شركة ناشئة حتى مايو (أيار) من العام الماضي، بالتوازي مع اجتذاب نيودلهي للاستثمارات العالمية في هذا المجال بصورة خاصة.
وتمتلك الهند ثالث أكبر نظام للشركات الناشئة يوفر ما يقرب من مليون وظيفة منذ عام 2017. ومن المتوقع أن ينمو إجمالي عدد الشركات الناشئة بمجال التكنولوجيا في الهند بمقدار 2.6 مرة من 68 ألفاً عام 2023 إلى 180 ألفاً في 2030. كما يتوقع أن يصل عدد مستخدمي الإنترنت إلى نحو 900 مليون شخص حتى عام 2025، بما يدفع نمو صناعات التقنية بالبلاد.
ووضعت الحكومة الهندية العام الماضي هدفاً يتمثل في مساهمة القطاع التكنولوجي بما يراوح ما بين 20 و25 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي للبلاد حتى عام 2025، بما يقدر بنحو من تريليون إلى 5 تريليونات دولار، وتعد إحدى المهام التي تركز عليها حكومة رئيس الوزراء مودي. وجاء ذلك صراحة على لسان وزير تقنية المعلومات الهندي راجيف تشاندراسيخار في لقاء له مع رواد الأعمال الهنود الأميركيين ودعاهم لأن يكونوا جزءاً من ذاك الهدف.
وذكر الوزير الهندي أن أي جزء من صناعات التكنولوجيا اليوم فيه حضور كبير وزخم من قبل الشركات الهندية الناشئة والشركات الهندية والمبتكرين الهنود، خصوصاً مع نمو اقتصاد الابتكار الهندي من 4-5 في المئة عام 2014 إلى 10 في المئة العام الماضي.
ويؤكد الرؤية الهندية صعود الهند في مؤشر الابتكار العالمي، إذ ارتفعت من المركز 81 إلى المركز 40 خلال ثماني سنوات، مما يظهر التزامها بالإبداع.
مركز للصناعات الرقمية
تمتلك الهند مقومات عدة تؤهلها لأن تجتذب مزيداً من الشركات إليها، كما أنها مؤهلة لتكون في مصاف الدول المنتجة للتقنية، وأن تكون مركزاً للتكنولوجيا بالقارة الآسيوية وعلى الصعيد العالمي كذلك.
ومن المتوقع أن يتجاوز الصعود الاقتصادي النيزكي في الهند اليابان بحلول عام 2030، ويحتمل أن يصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2075، كما عززت خطوات الهند في البنية التحتية الرقمية بصورة كبيرة جاذبيتها العالمية، فمع وجود 881.25 مليون مشترك في الإنترنت، تحتل الهند المرتبة الثانية في العالم من حيث عدد السكان الذين يدعمون الإنترنت، بعد الصين مباشرة.
واتخذت بعض الشركات التكنولوجية الكبرى خطوات واسعة في التحول نحو الهند. فشركة "أبل" وضعت الهند بصورة استراتيجية كمركز تصنيع محوري في إطار استراتيجيتها الصينية+1، مما أدى إلى أرقام قياسية للإيرادات خلال السنة المالية 2023، بتحقيق نمو سنوي ملحوظ بنسبة 48 في المائة، وقفزت إلى 5.9 مليار دولار أميركي.
وبالمثل، شهدت شركة "ميتا" نمواً قوياً بنسبة 13 في المئة من إجمالي إيرادات الإعلانات بالهند خلال السنة المالية نفسها. وفي الوقت ذاته سجلت "مايكروسوفت" الهند زيادة مذهلة بنسبة 39 في المئة في الإيرادات خلال السنة المالية 2023، متجاوزة نمو الإيرادات العالمية للشركة، والتي بلغت سبعة في المئة فقط على أساس سنوي لفترة الأشهر الثلاثة المنتهية في 31 مارس (آذار) 2023.
هذه العوامل من الممكن أن تدفع بأن تصبح الهند مركزاً محورياً في صناعات التكنولوجيا خلال العقد المقبل، إذا استكملت الهند سياساتها نحو تنمية قدراتها الذاتية تقنياً واجتذاب الشركات الكبرى إليها، هذا الاهتمام الهندي بالصناعات التقنية انعكس في نسبة إسهام هذا القطاع في النمو الاقتصادي والناتج الإجمالي المحلي للبلاد.
وتشير السياسات الهندية إلى سعي نيودلهي لأن توسع صناعتها التقنية، وتعدها أحد الأهداف الرئيسة للإدارة الحالية.