كشفت مصر ولأول مرة وثائق نادرة عن الفترة ما بين عامي 1967 و1973، حيث نكسة يونيو (حزيران)، وما تلاها من سنوات للإعداد لحرب أكتوبر (تشرين الأول)، التي خاضتها بالتنسيق مع الجبهة السورية ضد إسرائيل، وقادت في النهاية إلى تحرير شبه جزيرة سيناء.
الوثائق التي نشرتها وزارة الدفاع المصرية عبر موقعها الإلكتروني، في وقت متأخر من مساء أمس السبت، تحت عنوان "وثائق حرب أكتوبر 1973 أسرار الحرب"، استعرضت، وإن من دون تفاصيل شاملة، بعضاً من جوانب حرب يونيو 1967 التي أسفرت عن احتلال إسرائيل لسيناء (شرقي مصر)، مروراً بالتخطيط الاستراتيجي العسكري للفترة التي تلتها، فضلاً عن بعض من تفاصيل "إدارة حرب 1973 بمراحلها حتى وقف إطلاق النار"، بما شمل كيفية تصفية "الثغرة" ممثلة في الخطة "شامل وشامل المعدلة"، إضافة لاتفاقات فض الاشتباك، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وكذلك بعض مذكرات قادة الحرب بخط اليد، فضلاً عن دور الإعلام والهيئات الدولية والإقليمية.
جاء كشف الوثائق النادرة، بعد نحو أربعة أشهر من احتفال مصر بمرور 50 عاماً على نصر أكتوبر، ولم تفصح القاهرة، عن سبب توقيت نشر تلك الوثائق، مما استدعى معه جدلاً بين المراقبين، ممن يرون أن توقيتها يحمل دلالة مهمة، خصوصاً أن المنطقة تواجه تصعيداً غير مسبوق في مختلف الجبهات. وأنها تمثل رسالة حول "جهوزية القوات المسلحة" لأي سيناريو مستقبلي، فيما اعتبرها آخرون محاولة لـ"جذب الانتباه بعيداً من التطورات الحادثة" على الحدود الشمالية الشرقية لمصر، حيث حرب إسرائيل في قطاع غزة التي دخلت شهرها الخامس، منذ اندلاعها في السابع من أكتوبر الماضي.
وحتى أمس السبت، لم يكن هناك أي أرشيف أو وثائق رسمية مصرية حول أيام الحرب ويوميات المعارك وإدارتها مع إسرائيل، على رغم الغموض حول تفاصيلها البادئ منذ الخلاف بين الرئيس الأسبق أنور السادات (حكم من 1970 إلى 1981) ورئيس أركان حرب القوات المسلحة خلال الحرب الفريق سعد الدين الشاذلي، حين أورد السادات في كتابه "البحث عن الذات" اتهاماً للشاذلي بالمسؤولية عن الثغرة التي نفذت منها القوات الإسرائيلية إلى غرب القناة في هجوم مضاد، فرد الشاذلي بكتاب "مذكرات حرب أكتوبر" الذي اتهم السادات بالتدخل في القرارات العسكرية، مما أدى إلى تلك الثغرة، وتوالت بعد ذلك كتب ومذكرات لقادة عسكريين وصحافيين عن مجريات الحرب، لكن جميعها انحصرت في نطاق الشهادات والروايات غير الرسمية.
"نكسة" يونيو وخسائر الحرب
وفق ما جاء في بعض الوثائق التي تضمنت في معظمها أوامر إدارية وعسكرية، قدرت وزارة الدفاع المصرية، خسائر حرب الخامس من يونيو 1967، أنها أدت "إلى تدمير نحو 80 في المئة من العتاد الحربي ومقتل 25 ألف شخص، واحتلال سيناء وتهجير بعض من سكان مدن القناة المصرية والقنيطرة (شرق)، وهضبة الجولان السورية وعشرات الآلاف من الفلسطينيين، واحتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة وفتح باب الاستيطان بها وإغلاق قناة السويس".
وقالت الوزارة، إن حرب يونيو، وهي الثالثة بين العرب وإسرائيل، وعلى رغم خسائرها، فإن "المصريين والشعوب العربية رفضوا نتائج هذه الحرب وتمسكوا ببقاء الرئيس جمال عبدالناصر (1956 - 1970) في الحكم ورفضه التنحي، بل خرج الشعب المصري لمطالبته بالاستمرار وإصراره على استعادة الكرامة وتحرير الأرض من خلال لاءات ثلاث وردت في مؤتمر القمة العربية بالخرطوم (عقدت في أغسطس/آب 1967)، (لا صلح - لا اعتراف - لا تفاوض)، ورفع شعار (ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة)".
وفي هذا الجزء الخاص بنكسة 1967، كشفت وزارة الدفاع المصرية، في بعض وثائقها عما وصفته "الحراك السياسي -ما بعد مبادرة (روجرز) لوقف إطلاق النار في الثامن من أغسطس (آب) 1970 وحتى صباح السادس من أكتوبر 1973" يوم الحرب، حيث أظهرت سجلات محادثات تليفونية، تناولت تفاصيل عن نشاط العدو خلال تلك الفترة، إلى جانب إحداثيات العدو وحراك أسلحته، إذ تعرضت السجلات التليفونية لملخص لممارسات العدو في تلك الأثناء.
الإعداد لحرب أكتوبر
كان الجزء الأكبر من الوثائق حول حرب أكتوبر وخططها وسنوات الإعداد لها، إذ وصف موقع وزارة الدفاع المصرية، التخطيط الاستراتيجي لحرب 1973، بأنه "يرقى إلى أعلى درجات الفكر العسكري العالمي، حيث شمل التوجيه السياسي العسكري للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وإعداد فكر الاستخدام للقوات المسلحة، وقرار القائد العام وإعداد خطط العمليات والخطط التكميلية وتنظيم التعاون الاستراتيجي والإشراف والمراجعة واختبار التخطيط بما يؤكد قدرة القوات المسلحة على تنفيذ المهام المخططة".
ومن بين خطط الحرب، تضمنت بعض الوثائق السرية، "تفاصيل العملية جرانيت 2"، وهي إحدى الخطط العسكرية التي وضعتها قيادة الجيش المصري، التي كان الهدف منها هو احتلال المضائق الجبلية في شبه جزيرة سيناء، وجاء في إحدى الوثائق المؤرخة بـ22 أبريل (نيسان) 1973، والصادرة من قاعدة البحر الأحمر البحرية، إلى رئيس شعبة العمليات البحرية، "للوقوف على مطالبة في تأمين قتال القوات على الساحل الشرقي لخليج السويس"، وجد بعض المهام التي لم يسبق تكليف القاعدة بها والتي تشمل "الاستعداد للإغارة على رأس العدو بالضفة الشرقية لخليج السويس والتي يكتشف بها وسائل إمرار بحري باستخدام الضفادع البشرية، وتوجيه ضربة بالصواريخ غير الموجهة، والإغارة بفصيلة صاعقة بحرية، والمعاونة على إمرار عدد أربع سرايا صاعقة باستخدام 30 زودياك".
في المقابل كانت مطالب قائد منطقة البحر العسكرية "إعداد وتجهيز مناطق التحميل لسرايا الصاعقة والسيطرة عليها أثناء تنفيذ العملية، وتأمين إبحارها في العملية جرانيت2 المعدلة، وتأمين وسائل وأعمال الإمداد البحري عبر الخليج للقوات، فضلاً عن استغلال وسائل التأمين الخاصة بالعملية في تأمين إبحار فصائل الصاعقة".
كما تضمنت تلك الوثائق، استخدام القوات المسلحة فكرة العملية جرانيت، "حيث تهدف العملية إلى هزيمة وتدمير تجميع العدو الإسرائيلي في سيناء على مرحلتين إضافة إلى الاستيلاء على مناطق ذات أهمية استراتيجية، مع تهيئة أنسب الظروف العسكرية والسياسية لاستكمال هزيمة العدو وتحرير الأراضي المحتلة".
خطة "الخداع الاستراتيجي"
وعن الإعداد للحرب ذاتها، كشفت بعض الوثائق جانباً من خطة "الخداع الاستراتيجي" التي انتهجها الرئيس المصري آنذاك أنور السادات، لخداع العدو، إذ أشارت الوثائق إلى إجراءات الخداع الاستراتيجي المقترحة للعمليات الاستراتيجية والتعبوية لتحرير الأراضي المحتلة في جبهتي مصر وسوريا، عبر مجموعة من الوسائل شملت: "تنشيط الحراك السياسي والدبلوماسي لترجيح الحلول السلمية، وإظهار التناقضات في الجبهة العربية بالقدر اللازم فقط، الذي لا يضر بالعلاقات الحقيقية للدول العربية أو العمليات المشتركة".
وبحسب إحدى الوثائق، ووفق إجراءات الخداع الاستراتيجي، حددت الجهات المسؤولة عن تنفيذ الخطة، وهي القيادة السياسية ووزارة الخارجية وجامعة الدول العربية ووزارة الإعلام. وشملت خطة العمل لتنفيذها: "أولاً تنشيط التحرك السياسي والدبلوماسي لترجيح الحلول السلمية، الذي يشمل استمرار الاتصالات الدبلوماسية والسياسية المكثفة مع الدول الشرقية والغربية ودول عدم الانحياز، بغرض تأكيد وجهة النظر العربية في شأن التسوية السلمية مع استمرار التظاهر بالمرونة والرغبة في التوصل إلى حلول سلمية شاملة أو جزئية، إضافة لمعاودة التوسط من طريق الدول العربية التي تربطها علاقات صداقة مع الغرب للاتصال بأميركا والدول الغربية الأخرى، لإظهار نية الدول المواجهة في قبول الحل السلمي، ويتخذ في ذلك الأساليب المختلفة التي تقرها أجهزة الدولة الفنية".
وتضمن البند الثاني من الخطة، ما قالت عنه الوثائق، "إظهار التناقضات في الجبهة العربية بالقدر اللازم فقط، الذي لا يضر بالعلاقات الحقيقية للدول العربية أو العمليات المشتركة، والذي تضمن الإعلان عن مقابلات واتصالات عربية بغرض تنقية الجو العربي، واستغلال إعلان عدم جدوى عقد مؤتمر قمة عربي قبل تصفية التناقضات في العالم العربي، وأخيراً تضخيم بعض النزاعات التي تنشأ بين الدول العربية بقصد إظهار التناقضات بما يوحي بصعوبة تنفيذ العمل العربي الموحد ضد إسرائيل في الوقت الحاضر. ومن أمثلة ذلك: مشكلة الحدود بين العراق والكويت، ومشكلات اليمن الجنوبية والشمالية، ومشكلة السودان ومنظمة تحرير فلسطين".
في ما تضمن البند الثالث من الخطة وفق الوثائق، "إبراز سياسة طويلة الأمد نسبياً لإعداد أجهزة الدولة والقوات المسلحة والشعب للمواجهة الشاملة: الذي تضمن إبراز مشكلات إعداد الجبهة الداخلية وإيجاد حلول تستغرق فترة طويلة نسبياً".
واستشهد موقع وزارة الدفاع بكلام الرئيس السادات بعد الحرب، حين قال "إن التاريخ العسكري سيتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم السادس من أكتوبر 1973، حيث تمكنت قواتنا من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع واقتحام الضفة الشرقية للقناة بعد أن أفقدت العدو توازنه وقيامها بتحقيق مهامها المباشرة والتالية (رؤوس الكباري) وصد وتدمير ضربات العدو وهجماته المضادة وتدميرها والتطوير شرقاً، وهدم نظرية الأمن الإسرائيلي وبتر ذراعه الطولى، وإدارة أعمال القتال شرق وغرب القناة وحتى إيقاف إطلاق النيران، وإجراء محادثات فض الاشتباك وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى الشرق لقد كانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة لحرب السادس من أكتوبر المجيدة".
ونشر في ذلك موقع وزارة الدفاع، مجموعة من الوثائق عن الحرب التي تضمنت، الضربة الجوية والتمهيد النيراني وعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف، وإسقاط واستسلام مواقع إسرائيلية من خط بارليف (بورتوفيق - القنطرة)، فضلاً عن تكوين رؤوس الكباري وصد الهجمات المضادة للعدو، إضافة إلى تطوير الهجوم شرقاً وتداعياته، عبر رصد الدعم العاجل إلى مطار العريش، عبور الاحتياطات التعبوية المدرعة إلى شرق القناة، وحتى تطوير الهجوم شرقاً صباح 14 أكتوبر خارج مظلة الدفاع الجوي المصري، وصولاً للأعمال القتالية ما بعد التطوير".
وشملت بعض الوثائق كذلك بعض الأوامر والخرائط لكيفية تصفية ثغرة الدفرسوار ممثلة في الخطة شامل، وشامل المعدلة، إضافة لفض الاشتباك، وانسحاب القوات الإسرائيلية.
كانت القوات الإسرائيلية قد استطاعت الدفع بتشكيلات مدرعة بين الجيشين الثاني والثالث المصريين، وعبور القناة باتجاه الغرب في 16 أكتوبر 1973، مستغلة تحريك قوات مصرية لتطوير الهجوم في سيناء، وهو ما عرف بـ"ثغرة الدفرسوار"، ودارت معارك ضارية بين الجيشين على حدود مدينة السويس، وفشلت القوات الإسرائيلية في دخول مدينة الإسماعيلية، واستمرت الاشتباكات حتى وقف إطلاق النار في 24 من الشهر نفسه امتثالاً لقرار من مجلس الأمن.
وتباينت الآراء حول تلك الثغرة بين المؤرخين على طرفي الحرب بين من يرى أنها عبور مضاد قلص من حجم الإنجاز المصري، بل إن الإسرائيليين كانوا على مقربة من الوصول إلى القاهرة، ومن يؤكد أن القضاء على الإسرائيليين كان مسألة وقت فقط.
الدعم العربي لمصر
أشارت الوثائق كذلك إلى الخطط التكميلية والخاصة مع دول الدعم العسكري العربي لمصر، إذ أشارت على سبيل المثال إلى دور المملكة المغربية في تأمين طيران الطائرات إلى الجزائر، ثم تونس حيث تتزود بالوقود، ثم تعمل مصر على تأمينها للطيران في سماء ليبيا.
وبحسب إحدى الوثائق، الصادرة من السفير المصري لدى المغرب، إلى مستشار الرئيس للأمن القومي، التي جاء فيها أنه تم "استدعاؤه من قبل العاهل المغربي مساء يوم الثامن من أكتوبر لإخباره، بأن الرباط "لا بد وأن تشارك القاهرة في معركة المصير"، وعليه تم "اختيار اختيار 2500 فرد بمعداتهم الحربية وهم على أتم الاستعداد للانتقال للمعركة، حيث ترى المغرب أن يتم نقلهم صباح 9 و10 أكتوبر بطائرات مغربية وجزائرية، على أن تحل محل القوات المصرية التي دخلت بالفعل سيناء، إضافة إلى أنه جاري تجهيز قوات الكوماندوس ويمكن أن يتم إرسالها فيما بعد".
وأبلغت المغرب الجانب المصري أن الأسلحة التي ستكون مع هذه القوة يمكن الحصول على ذخائرها من قبل السعودية أو الكويت لتماثل الأسلحة، إضافة إلى أن المغرب سيقوم بتأمين طيران الطائرات إلى الجزائر ثم تونس وستكون مزودة بالبترول".
وفي الوثيقة ذاتها، طلب السفير المصري لدى المغرب، بسرعة إفادته بعدد من الإجراءات تشمل "الموافقة على استقبال هذه القوات، وموافقة ليبيا على طيران هذه الطائرات في سمائها، وتسمية المطار الذي يمكن أن تهبط به هذه الطائرات بمصر"، مشيراً إلى أن وزير الخارجية المغربي ووزير القصر سيكونان على اتصال دائم به كل ساعة انتظاراً للموافقة.
في الاتجاه ذاته، أشارت إحدى الوثائق، إلى إخطار دولة تونس السفير المصري لديها استعدادها للمشاركة بقوة عسكرية في المعركة على أن يتم توفير وسائل نقل جوي من ليبيا والجزائر إلى الجبهة المصرية، وعلى أن تكون القوة المشاة 1000 فرد كدفعة أولى، إضافة لتسليح القوة بذخيرة تكفي لمدة أربعة أيام في حالة نقلها جواً، وثمانية أيام في حالة نقلها براً.
وجاء في الوثيقة المرسلة من السفير المصري لدى تونس، أن الوزير الأول في تونس استدعاه لإبلاغه بمشاركة بلاده بقوة عسكرية في المعركة، وذكر أنه "نظراً إلى ضعف إمكاناتهم فقد طلبوا من ليبيا والجزائر توفير وسائل النقل الجوي لهذه القوات للجبهة المصرية".
وأشار إلى أن تونس أعلنت أنها "ستتكفل بجميع الأعباء المتعلقة بهم كقوة محاربة من تموين وذخيرة وخلافه، ولأسباب عملية فإنهم يرجون أن تتولى القيادة المصرية تقديم التموين والذخيرة للقوة، كما يمكن للقيادة المصرية أن تتولى استبدال بعض الأسلحة بما يناسب نوعية الذخيرة الموجودة لدى مصر". راجياً سرعة الرد المصري في أقرب وقت، لا سيما مع رغبة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة أن يكون "سفر القوات باكر اً أو بعد باكر على الأكثر".
الإعلام ودوره في الحرب
في الجزء الخاص بالإعلام العسكري خلال حرب أكتوبر، ذكر موقع وزارة الدفاع المصرية، أن "الإعلام المصري عامة والعسكري خاصة لعب دوراً مهماً في مجال الإعداد والتخطيط لحرب أكتوبر1973 ليختلف تماماً عن الوضع الذي كان عليه ذلك الإعلام خلال حرب يونيو 1967، حيث خرج الإعلام المصري إلى نطاق التأثير الإقليمي والدولي وتوجه نشاطه لكشف النوايا الإسرائيلية والتحم بالأحداث العربية والعالمية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت كذلك إلى أن "الإعلام اكتسب ثقة المواطن والشعب المصري بصدقيته خصوصاً أثناء حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973، على رغم أنه لم يتمكن من تغطيتها مباشرة بسبب حرص القيادة المصرية على تحقيق السرية وعدم كشف نية الهجوم يوم السادس من أكتوبر"، كاشفاً عن بعض الوثائق التي رصدت الإعلام الإسرائيلي (قبل/ أثناء/ بعد الحرب)، وكذلك، مقتطفات من الإعلام الدولي (المصري/ العربي/ الغربي/ الشرقي).
وفي بعض الوثائق، تم رصد خلالها تصريحات القادة الإسرائيليين قبل حرب أكتوبر 1973، مشيرة إلى أنه ومنذ عام 1967، "استمرت إسرائيل في إطلاق الادعاءات عن تفوقها والقدرة على العمل الجاد أو التخطيط المنسق السليم"، معتبرة في الوقت ذاته أن "مجرد الزعم بالقدرة على التخطيط لاقتحام مانع مائي مثل قناة السويس، واختراق خط حصین مثل قلاع بارليف إنما هو أمر يستحيل على العرب إنجازه، إذ يصعب تحقيقه على أكثر الجيوش تقدماً وأقواها وأحدثها تسليحاً فكيف بالجيوش العربية المتخلفة".
ولفتت إحدى الوثائق إلى تصريح موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي، في 12 يونيو 1967، مخاطباً جمعاً من الصحافيين: قائلاً "منذ أسبوع مضى من كان يحلم بأمن كهذا أو بحدود كهذه؟". وتضيف الوثيقة "ثم تمر ست سنوات حافلة بالجهد والإنفاق على تقوية هذه الحدود وتدعيم هذا الأمن إلى الدرجة التي وصفها ديان بأنها أصبحت الصخرة التي ستتحطم عليها عظام المصريين".
في سياق تصريحات القادة الإسرائيليين التي سبقت حرب أكتوبر كذلك، جاء بحسب الوثيقة ذاتها، رد فعل إسرائيل معبراً عن نواياها الحقيقية، عقب مبادرة الرئيس السادات في فبراير (شباط) 1971 إذ أكد وزیر دفاعها موشی دیان "أنه ليس لدى إسرائيل أي نية للانسحاب من أفضل خط استولت عليه"، مشيرة كذلك إلى قول الجنرال ديفيد أليعازر رئيس الأركان الإسرائيلي السابق عن خط بارليف إلى أنه "سيكون مقبرة للجندي المصري"، ثم تضيف "غير أن الجندي المصري أفسد رأي هذا القائد الإسرائيلي" في إشارة إلى اقتحام خط بارليف المنيع وتدميره خلال الحرب.
وعن بعض التصريحات التي ترصدها الوثيقة للقادة الإسرائيليين، أثناء المعركة، نقلت ما جاء على لسان قائد جبهة سيناء الإسرائيلي، الجنرال شموئيل جونين، قوله "كان المدني المصري يتقدم في موجات تلو موجات، وكنا نطلق عليه النار وهو يتقدم، ونحيل ما حوله إلى جحيم ويظل يتقدم، كان لون القناة قانياً بلون الدم، وعلى رغم ذلك ظل يتقدم".
ثم تنقل الوثيقة ذاتها عن موشى ديان قوله لصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية في اليوم الرابع للمعركة (التاسع من أكتوبر)، قوله "أريد أن أقر في أوضح أسلوب أنه ليس لدينا الآن القوة اللازمة لرد المصريين على أعقابهم عبر القناة، فليس بمقدورنا القيام بعملية قتال السوريين والمصريين من دون إرهاق قواتنا"، ثم تعود وتنقل عنه قوله في الـ10 من أكتوبر إن "خط بارليف كان مثل الجبن السويسري الهش فيه من الثقوب أكثر من السدود".
وعن تصريحات الإسرائيليين، بعد المعركة، رصدت الوثيقة تصريحات الجنرال ديفيد أليعازر، رئيس الأركان الأسبق، الذي عاد ليعترف بكفاءة الجندي المصري فقال عنه "أكبر مفاجآت الحرب المصرية كانت روح الجندي المصري وكفاءته العالية".
كذلك صرح الجنرال غورى تاركيس من أبرز قادة إسرائيل وأكد لأحد الملحقين العسكريين الغربيين في تل أبيب بنهاية الحرب "الذى لا أستطيع عمله الآن هو عدم تمكننا من رد المصريين على أعقابهم وهزيمتهم، ليس لدينا القوة الآن لدفع المصريين إلى الجانب الآخر".
وتابع "لا بد أن نشهد لجهاز التخطيط المصري بالبراعة لقد كانت خطتهم دقيقة، وكان تنفيذها أکثر دقة، لقد حاولنا بكل جهد عرقلة عملية العبور وصدها بالقوة وردها على أعقابها ولكننا ما كدنا نتمثل ما حدث إلا وقد تحققت لهم نتائجه كأننا أغمضنا عيوننا وفتحناها فإذا هم قد انتقلوا تحت النار من غرب القناه إلى شرقها، وفاجأونا في 1973 صباح اليوم السابع من أكتوبر بخمس فرق كاملة أمامنا على الضفة الشرقية من القناة".
كذلك، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي موشی دیان في الـ25 من ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته، بأن "الحرب كانت بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل - وأن ما حدث في هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون وأظهر لنا ما لم نكن نراه قبلها وأدى كل ذلك إلى تغيير عقلية القادة الإسرائيليين، أن أشد أيام إسرائيل العصيبة لم تمر بنا بعد، وعلينا أن نظل صامدين في فترة المحنة التي ما زالت أمامنا".
وقال ديان كذلك في 29 ديسمبر إنه "لم يكن تقييمنا لمدى كفاءة العرب وقدرتهم القتالية سليماً، على رغم أننا كنا نعلم مقدماً بطبيعة أسلحتهم وحجم قواتهم وبجسور الحرب التي أعدوها لعبور قناه السويس".
وبحسب الوثيقة: "يتضح مما سبق أن أقوال وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين قبل المعركة كانت تمثل قمة الصلف والغرور الإسرائيلي الذي كان يعتقد أن العرب لن يجرؤوا على شن أي حرب ضد قواتهم التي لا تقهر، ثم يعودون أنفسهم أثناء المعركة ويضطرون إلى مسايرة الواقع والتحدث عنه لأول مرة من الصدق الذي يكشف عن ضخامة ما لقيته من خسائر في الأرواح والمعدات".