Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل مهدت قمة العرب في 1967 لتعايش إسرائيل بالشرق الأوسط؟ (2-2)

تؤكد وثائق بريطانية أن مؤتمر الخرطوم شهد تحولات أكدت أن العرب مستعدون للسعي إلى حل سياسي من خلال القنوات الدبلوماسية

رؤساء وملوك الدول العربية يجلسون حول الطاولة في اجتماع قمة الخرطوم عام 1967 (أ ب)

ملخص

شهدت قمة الخرطوم 1967 تحولات في المناخ السياسي العربي العام... فما هو المسكوت عنه في تلك القمة؟

في الحلقة الثانية من "المسكوت عنه في قمة العرب بالخرطوم عام 1967" بعد الحرب الإسرائيلية – العربية، التي عرفت بالنكسة، تكشف وثائق بريطانية عن كيف تمخضت القمة عن قراراتها، التي شهدت تحولات في المناخ السياسي العام، بالاتفاق على توحيد الجهود العربية في العمل السياسي والدبلوماسي المشترك على المستوى الدولي، لإزالة آثار العدوان وضمان انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة بعد الـخامس من يونيو (حزيران).

وعلى رغم اللاءات الثلاث التي رفعها الملوك والزعماء العرب، إذ "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض" مع إسرائيل، فإن مؤتمر الخرطوم "فتح في الأقل طريقاً نحو إمكانية التعايش في الشرق الأوسط"، بحسب ما ذكرته الوثائق البريطانية، لكنها رهنت ذلك التعايش بـ"ألا يطلب من العرب التنازل عن الأراضي التي احتلتها إسرائيل عقب النكسة أو التفاوض على معاهدات سلام مستقبلية".

أما السودان صاحب الدعوة والمستضيف فأخذ حظاً وافراً من تلك الوثائق بوصفه أحد الذين تبنوا الخطاب الثوري بعد الحرب، إلا أن القمة كان من نتائجها أن الخرطوم "انضم إلى صفوف المعتدلين"، وهو ما اعتبر إنجازاً للمعتدلين العرب وزعيمهم الملك فيصل بن عبدالعزيز.

وكان السودان في طليعة الدول العربية التي بادرت بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع بريطانيا، نتيجة اعتقاد العرب أن لندن كانت تقف إلى جانب إسرائيل في عدوانها على الأراضي العربية.

وفي القمم العربية تكون الفرص سانحة لفض وإذابة جليد الخلافات العربية – العربية، وهو ما تطرقت إليه الوثائق، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقات السعودية – المصرية، وبينهما قضية اليمن، إذ التقى الرئيس المصري جمال عبدالناصر الملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز في منزل الزعيم السوداني محمد أحمد المحجوب، حيث جرى التوصل إلى "اتفاق حقيقي وكامل".

ترحيب سوداني

يتحدث التقرير الدبلوماسي البريطاني المرسل إلى وزارة الخارجية البريطانية وشؤون الكومنولث في الثامن من سبتمبر (أيلول) 1967، الصادر عن قسم رعاية المصالح البريطانية بالسفارة الإيطالية لدى الخرطوم، عن حفاوة استقبال الشعب السوداني للزعماء العرب والوفود المشاركة في فعاليات المؤتمر، وكذلك الوفود الإعلامية العربية والأجنبية.

يقول التقرير، "رحب السودانيون ترحيباً حاراً بجميع رؤساء الدول. وجرى التعامل مع الصحافيين الزائرين المتميزين من بريطانيا كأصدقاء قدامى، فالأهمية التي أعطيت للمؤتمر والإشادة بمحجوب في كبرى الصحف البريطانية، بددت المياه العكرة في العلاقات الأنغلوسودانية، كما استقبل السودانيون الملك فيصل استقبالاً مهذباً وليس حماسياً، لكن شخصيته وقراراته جعلته زعيماً لا لبس فيه للمعتدلين".

 

وعن المحجوب ذاته يقول التقرير البريطاني، "ربما لم يكن له تأثير يذكر على القرارات الرئيسة للمؤتمر، لكنه حصل على تقدير كبير من خلال نجاحه في عقد المؤتمر والتعامل مع الإجراءات. لم يخرج الملك حسين وعبدالسلام عارف إلى دائرة الضوء. كان القادة العرب الآخرون، في الأساس، راضين عن ترك السباق للملك فيصل والرئيس جمال عبدالناصر. وقام السودانيون بعمل جيد للغاية كمضيفين".

ويواصل التقرير وصفه أجواء ما قبل القمة، "احتشدت حشود كبيرة مبتهجة في الشوارع، لكن باستثناء تظاهرة لمنظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية التي اخترقت طوق الشرطة خارج مبنى السفارة الأميركية وصرخت (تسقط الولايات المتحدة الأميركية)، وتظاهرة أخرى خارج السفارة المصرية نظمها اليمنيون الذين احتجوا على اتفاق عبدالناصر- فيصل، لم يكن هناك أي إزعاج. ولم يكن هناك شعور ملحوظ معاد للغرب".

ويضيف، "انعقاد مؤتمر القمة العربية تزامن مع هطول أمطار غزيرة على الخرطوم، والأمطار في أغسطس (آب) كانت غير متوقعة واستثنائية، وقد أدت الأمطار الاستثنائية إلى قطع إمدادات البنزين، ووقود الطائرات والغذاء عن الخرطوم تقريباً، لكن ترتيبات المؤتمر لم تتأثر بهذا النقص والتجاوز على إمدادات بقية السكان".

وعلى رغم كل هذه الظروف المحيطة فقد انعقد المؤتمر، وذلك بفضل الجهود التي بذلتها الحكومة السودانية في تلك الفترة لانعقاده، التي نجحت في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء العرب، إضافة إلى الأجندة الوفاقية التي تبناها المؤتمر، إذ كانت نقاشات المؤتمرين تدور حول ضرورة إيجاد حلول لمشكلات آنية واجهها العرب آنذاك، وعدم البت في قضايا خلافية، مما مكن المؤتمرون من تحقيق غايتهم، والخروج بتوصيات وقرارات حاسمة.

الابتعاد عن الخطاب الثوري

وفي الشأن السوداني تؤكد الوثيقة البريطانية أن سياسيي السودان في تلك الحقبة أخذوا يخففون من خطابهم الثوري والاقتراب من الخط العربي المعتدل، وهو مما اعتبر إنجازاً للمعتدلين العرب وزعيمهم الملك فيصل، "منذ اندلاع الحرب تبنى أصحاب السياسة في السودان الخطاب الثوري، وعرفوا السودان بأنها من الدول الثورية، لذا فإن الأمر يثير الدهشة والاستياء لكثيرين أن المعتدلين انتصروا في ذلك اليوم، بخاصة أن السودان كان في طليعة الدول التي قطعت علاقاتها معنا (بريطانيا)، وأخذت زمام المبادرة، وهو ما لن يتبعه الآن لحسن الحظ، في إزالة احتياطاتها من العملات من لندن، ويشعر المتطرفون في الحكومة بالحرج بشكل خاص. ولعل الشعور السائد هو الشعور بالفخر بأن السودان كان قادراً على المبادرة، وترؤس حدث دولي كبير".

 

وحول مساعي الحل، يقول التقرير "كثيراً ما يقول السودانيون إن أحد الاختلافات بيننا وبين العرب هو أن العرب ما زالوا يؤمنون بعقيدة (العين بالعين). لذلك فإن رد الفعل الأول هو الارتياح لأن العرب، الذين حرموا من أي فرصة للانتقام المبكر من الإسرائيليين، قاوموا بعد كل شيء إغراء التنفيس عن حقدهم على الدول الغربية التي يزعم أنها ساعدت إسرائيل".

ويؤكد التقرير أن "العرب مستعدون الآن على ما يبدو للسعي إلى حل سياسي من خلال القنوات الدبلوماسية. وبينما لا تزال أي تسوية تفاوضية مباشرة غير واردة، لكن منطق موقفهم الجديد سيجبرهم على طلب الدعم من الدول الغربية، وكذلك من الشرق، وقد سمعت أن عبدالناصر قال ذلك خلال المؤتمر".

مستقبل العلاقات البريطانية - العربية

وحول العلاقات العربية - البريطانية يذكر التقرير أن "السودانيين والعرب في كل مكان سيتابعون بعناية شديدة الموقف الذي نتخذه (بريطانيا) في الاجتماعات القادمة لمجلس الأمن والجمعية العامة"، متوقعاً "تحسناً سريعاً في العلاقات مع السودانيين وغيرهم من العرب. وعلى رغم القرار المتصلب للمؤتمر حول العلاقات مع إسرائيل، فإن العرب يبتعدون عن الإقصاء كسياسة عملية ويتحركون ببطء نحو فكرة التعايش، شريطة ألا يطلب منهم التنازل عن الأراضي، أو التعامل مباشرة أو التفاوض على أي شكل من أشكال معاهدة السلام الدائم، لقد فتح مؤتمر الخرطوم في الأقل طريقاً نحو إمكانية التعايش في الشرق الأوسط."

ويضيف التقرير في ما يتعلق بالسودان، فـ"من المرجح أن الحكومة السودانية الحالية التزمت التزاماً عميقاً بسياسة معادية للغرب، بحيث لا يمكنها تغيير مسارها فجأة. لقد أصدر العبقري الشرير لمجلس الوزراء، شريف حسين الهندي، بياناً بالفعل يؤكد أن الحكومة ليس لديها نية لاستئناف العلاقات مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا الغربية. لكن هناك مؤشرات واضحة على حدوث تحول في المناخ السياسي".

 

وتشير الوثيقة الملحقة للتقرير البريطاني، وهي ترجمة إنجليزية لأبرز النقاط التي وردت في البيان الختامي لمؤتمر الملوك ورؤساء الدول العربية الذي انعقد في الخرطوم في الفترة من الـ29 من أغسطس (آب) إلى الأول من سبتمبر (أيلول) 1967، والتي جاءت على النحو التالي: أكد المؤتمر التضامن العربي وتوحيد العمل العربي المشترك في جو نقي من التنسيق والمصالحة. وقد جدد أصحاب الجلالة وفخامة الملوك ورؤساء الدول وممثلوهم التزامهم ميثاق التضامن العربي الصادر عن مؤتمر القمة العربي الثالث في الدار البيضاء. وكذلك ضرورة تضافر الجهود لإزالة كل آثار العدوان على أساس أن استعادة جميع الأراضي العربية المحتلة مسؤولية مشتركة لجميع الدول العربية.

واتفق الملوك ورؤساء الدول العربية على توحيد جهودهم في العمل السياسي والدبلوماسي المشترك على المستوى الدولي لإزالة آثار العدوان وضمان انسحاب القوات العدوانية الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة بعد الخامس من يونيو (حزيران) في إطار الالتزام والقناعة العربية الأساسية التي تنطوي على عدم الاعتراف بإسرائيل، ولا مصالحة ولا تفاوض معها. والتمسك بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه.

 

كما أوصى وزراء المالية والاقتصاد والبترول بإمكانية استخدام النفط كسلاح في المواجهة. لكن مؤتمر القمة بعد دراسة متأنية ارتأى أن تصدير النفط يمكن أن يستخدم سلاحاً إيجاباً يخدم الأهداف العربية، ويمكن أن يسهم في مساعدة الدول التي تضررت بشكل مباشر من العدوان، التي فقدت مواردها الكونية في مواجهة إزالة آثار العدوان. وقد أسهمت الدول المنتجة للنفط بالفعل في مساعدة هذه البلدان، لتمكينها من الوقوف في وجه أي ضغوط اقتصادية.

ووافق المؤتمر على الخطة المقدمة من الكويت لإنشاء بنك عربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفقاً لتوصيات مؤتمر وزراء المالية والاقتصاد والبترول العرب المنعقد في بغداد. وقرر كذلك ضرورة اتخاذ كل الخطوات الكفيلة بتعزيز الجاهزية العسكرية، لمواجهة كل تبعات الوضع، والإسراع في تصفية القواعد الأجنبية في الدول العربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في منزل المحجوب

وفي شأن العلاقات المصرية– السعودية، يتحدث التقرير الدبلوماسي البريطاني عن وصول متزامن للملك فيصل بن عبدالعزيز والرئيس المصري جمال عبدالناصر إلى العاصمة السودانية الخرطوم، مؤكداً أنهما "التقيا بمجرد وصولهما إلى مقر إقامتهما، وذلك لمناقشة أبرز النقاط الخلافية بينهما، وهي قضية اليمن".

ويتطرق التقرير إلى اللقاء الذي جمع الرئيس المصري والملك السعودي في منزل الزعيم السوداني محمد أحمد المحجوب، أسفر عن التوصل إلى اتفاق حقيقي وكامل بين الطرفين، بعد ثلاث ساعات من النقاش. شهد على أثره محيط السفارة المصرية في الخرطوم تظاهرة نظمها يمنيون احتجاجاً على الاتفاق.

إشكول يستفز العرب

ولم تمر أيام قليلة على ختام مؤتمر القمة العربية في الخرطوم، حتى أقدم رئيس وزراء إسرائيل، ليفي إشكول، على حركة استفزازية أعلن من خلالها تمسك حكومته بالأراضي العربية المحتلة، ورفض إسرائيل خط الاعتدال العربي.

 

جاء في البرقية الصادرة عن السفارة البريطانية في العاصمة المغربية، الرباط، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يرافقه وزير العمل وعدد من كبار الموظفين، قام في السادس من سبتمبر بجولة في شبه جزيرة سيناء بطائرة هليكوبتر.

وفي القنيطرة أعرب إشكول عن أسفه لأن مؤتمر الخرطوم قرر بشكل غير مسؤول، لكن لا لبس فيه أنه لن يكون هناك سلام مع إسرائيل. وبما أنه لم يكن هناك أي اتفاق في الوقت الحاضر للتوصل إلى حل متفق عليه، فإن الطريقة الوحيدة لإنشاء خط ترسيم الحدود هي الالتزام بالحدود الطبيعية، ولا توجد حدود طبيعية أكثر من قناة السويس.

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق