ملخص
في حين لم تثن الضغوط الدولية إسرائيل عن تهديداتها باقتحام رفح لكن يبدو أنها وجدت صدى داخل واشنطن... فهل تتراجع تل أبيب عن إصرارها وتوافق على وقف إطلاق النار؟
ضغوط دولية متصاعدة للدفع نحو هدنة لوقف إطلاق النار في غزة وإثناء إسرائيل عن اقتحام مدينة رفح، التي تأوي نحو مليون ونصف المليون شخص نازح من أنحاء القطاع تحت وطأة عمليات عسكرية إسرائيلية لا هوادة فيها منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ومنذ مطلع الأسبوع الجاري، أصدرت مجموعة من كبرى المنظمات الحقوقية الدولية والمنظمات العاملة في الإغاثة الإنسانية بيانات تندد بالخطوة الإسرائيلية المزمعة، وتدعو إلى التوقف الفوري عن التحرك نحو اقتحام رفح، والتحذير من العواقب الكارثية لمثل هذا التحرك.
وترفض الأمم المتحدة المشاركة في أي إجلاء قسري للفلسطينيين في رفح، حيث تستهدف إسرائيل إخلاء المدينة الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، في إطار خطة لاجتياح المحافظة بهدف "القضاء على مقاتلي حركة (حماس)، وإنهاء عمليات تهريب الأسلحة من مصر"، وفق مزاعم الإسرائيليين.
بيان مشترك لمنظمات "أوكسفام" و"العفو الدولية" و"جمعية وكالات التنمية الدولية" و"مجلس اللجوء الدنماركي" وغيرها من المنظمات الأوروبية، وصف تصرفات الحكومة الإسرائيلية في قطاع غزة بـ"العقاب الجماعي للمدنيين". وقال إن "العقاب الجماعي للمدنيين من خلال حرمانهم من المأوى المناسب والغذاء والمياه النظيفة وغيرها من الضرورات اللازمة لبقائهم على قيد الحياة وعرقلة شحنات الإغاثة الإنسانية المخصصة للتخفيف من المجاعة، قد يرقى إلى مستوى الانتهاكات الجسيمة لالتزامات قوة الاحتلال بموجب القانون الإنساني الدولي، ويشكل جرائم حرب."
ودعت منظمة "أطباء بلا حدود" إسرائيل إلى الوقف الفوري لهذا الهجوم، كما دعت عديداً من الحكومات حول العالم إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لتحقيق وقف كامل ومستدام لإطلاق النار.
ضغط الحلفاء
انتقادات وتحذيرات المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، جنباً إلى جنب مع الضغوط العربية، لا سيما الاستهجان المصري وتكرار التحذيرات الموجهة بشكل مباشر إلى تل أبيب، لم تقع على آذان صماء بل بدا تغير في مواقف الحكومات الغربية الحليفة التي أعلنت دعمها مراراً لإسرائيل منذ هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر الماضي، إذ أبدى عديد من المسؤولين الغربيين رفضاً قاطعاً لاقتحام رفح.
ومطلع الأسبوع، وجه كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل انتقاداً لاذعاً لإسرائيل عندما تهكم على دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إجلاء المدنيين الفلسطينيين من رفح، وتساءل عن كيفية تنفيذ الخطة، قائلاً "سيقومون بالإجلاء؟ إلى أين؟ إلى القمر؟ إلى أين سيجلون هؤلاء الناس؟".
ودعا بوريل الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في إرسال الأسلحة لإسرائيل. وقال للصحافيين عقب اجتماع لوزراء مساعدات التنمية بالاتحاد الأوروبي في بروكسل: "حسناً، إذا كنتم تعتقدون أن عدداً كبيراً للغاية من الناس يقتلون، فربما يتعين عليكم تقليل إمدادات الأسلحة لمنع قتل هذا العدد الكثير جداً من الناس". وأضاف "إذا كان المجتمع الدولي يعتقد أن هذه مذبحة، وأن عدداً هائلاً من الناس يقتلون، فربما يتعين علينا إعادة التفكير في تقديم الأسلحة".
والإثنين، أعلن بوريل أن 26 من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تدعو إلى "هدنة إنسانية فورية" تفضي إلى "وقف مستدام لإطلاق النار" في غزة. وأشار إلى أن تلك الدول اتفقت على "المطالبة بهدنة إنسانية فورية من شأنها أن تؤدي إلى وقف مستدام لإطلاق النار والإفراج غير المشروط عن الرهائن وتقديم المساعدة الإنسانية".
ولم يذكر بوريل الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي التي لم توافق على البيان، لكن دبلوماسيين يقولون إن المجر منعت صدور بيان مماثل قبل بضعة أيام.
وفي اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن إسرائيل تخاطر بحدوث "كارثة إنسانية بحجم جديد". وأكد بيان مشترك لزعماء أستراليا وكندا ونيوزيلندا أن "العملية العسكرية في رفح ستكون كارثية" ودعا إسرائيل إلى "الاستماع إلى أصدقائها". وكتب رئيسا وزراء إسبانيا وإيرلندا إلى السلطات في بروكسل يشيران إلى أن إسرائيل قد تنتهك اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ويطالبان بـ"مراجعة عاجلة".
تردد أميركي
هذه الضغوط في حين لم تثن إسرائيل عن تهديداتها باقتحام المدينة، لكن يبدو أنها وجدت صدى داخل واشنطن، فبعد أن تعهدت الإدارة الأميركية باستخدام حق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار جزائري يدعو إلى وقف "فوري" لإطلاق النار، فإنها اقترحت مشروعاً من جانبها يدعو إلى وقف موقت لإطلاق النار، وإن كانت أرفقته بعبارة "في أقرب وقت ممكن عملياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يحذر مشروع القرار الأميركي من التوغل البري الإسرائيلي في رفح، وهو ما يمثل ضغطاً على تل أبيب التي اعتادت الحماية الأميركية من أي تحرك ضدها داخل الأمم المتحدة.
واستخدمت واشنطن بالفعل حق النقض مرتين ضد قرارات مجلس الأمن منذ السابع من أكتوبر، وامتنعت عن التصويت مرتين مما سمح للمجلس بتبني قرارات تهدف إلى تعزيز المساعدات الإنسانية لغزة والدعوة لهدنة إنسانية عاجلة وممتدة.
وكانت انتقادات المنظمات الدولية ذهبت إلى اتهام الدول الداعمة لتل أبيب بـ"التواطؤ" في المأساة الإنسانية التي يعيشها سكان غزة، إذ قالت المنظمات في بيانها المشترك إن "الصمت، وفي بعض الأحيان الدعم المادي للجيش الإسرائيلي من قبل الدول القوية، يشير إلى تواطؤ محزن في أزمة غزة المتفاقمة، وسواء كان ذلك من خلال نقل الأسلحة أو العرقلة الدبلوماسية للقرارات، فقد منحت مثل هذه الإجراءات إسرائيل فعلياً حصانة من العقاب".
وأضافت أن الوضع المروع في غزة يؤكد الحاجة الملحة إلى قيام الحكومات في جميع أنحاء العالم بوقف إمدادات الأسلحة والذخيرة المستخدمة في هذه الفظائع.
مهلة حتى رمضان
وفي حين أقر مجلس الشيوخ الأميركي، مطلع الشهر، حزمة مساعدات خارجية بقيمة 95 مليار دولار تتضمن مزيداً من المساعدات الأمنية لإسرائيل، يضغط المشرعون الديمقراطيون لمنع الإدارة الأميركية من تجاوز الكونغرس عند الموافقة على مبيعات الأسلحة لإسرائيل.
وتقول بعض الدول الأوروبية إنها أوقفت صادرات الأسلحة إلى إسرائيل وسط ذعر متزايد في شأن الطريقة التي تشن بها الحرب في غزة. والأسبوع الماضي، أمرت محكمة في هولندا الحكومة الهولندية أن تتوقف عن تصدير أجزاء طائرات مقاتلة من طراز "أف-35" إلى إسرائيل، مشيرة إلى وجود "خطر واضح" من استخدام الأسطول الإسرائيلي لارتكاب انتهاكات خطرة للقانون الدولي في قطاع غزة، بينما قالت الحكومة إنها ستستأنف القرار. وجاء الحكم بعد أن قال وزيرا خارجية إيطاليا وإسبانيا، أخيراً، إن بلديهما أوقفا جميع مبيعات الأسلحة لإسرائيل منذ بدء الحرب في غزة قبل أكثر من أربعة أشهر.
على رغم الدعم الأميركي لإسرائيل، أفادت شبكة "سي أن أن" الأميركية أنه خلف الكواليس يشعر الرئيس جو بايدن بإحباط متزايد حيال نتنياهو، والأسبوع الماضي، قال إنه يعتقد أن الحملة الإسرائيلية في غزة "تجاوزت الحدود". وربما تعكس التصريحات الإسرائيلية الأخيرة استجابة متوارية أمام تلك الضغوط الدولية المتزايدة. ففي حين بدت إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية قاب قوسين أو أدنى من اقتحام رفح، كشف وزير حكومة الحرب الإسرائيلي بيني غانتس عن مهلة للتفاوض حتى بداية شهر رمضان.
وقال غانتس، عبر خطاب ألقاه في القدس، الأحد الماضي، إنه ما لم تفرج "حماس" بحلول شهر رمضان عن كل الأسرى المحتجزين لديها فإن الجيش الإسرائيلي سيشن هجوماً برياً على رفح.
تصريحات الوزير الإسرائيلي تعكس محاولة لإلقاء الكرة في ملعب حركة "حماس" وفي الوقت نفسه إتاحة وقت للمفاوضات في ظل الضغط الدولي والإدانات الهائلة لوحشية الحرب الجارية في غزة، حيث تهدف تل أبيب للقضاء على "حماس" وتحرير كل الرهائن الذين تم أسرهم في هجوم السابع من أكتوبر.
وفي حين أنه من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل مصممة على اقتحام رفح أم إنها تحاول ببساطة إجبار "حماس" على تقديم تنازلات، لكن تعتبر تل أبيب أن الهجوم البري أمراً لا مفر منه في حالة فشل الجهود للتفاوض على هدنة.
واشنطن وحدها القادرة على منع الكارثة
يؤكد مراقبون أن الولايات المتحدة وحدها القادرة على وقف إسرائيل عن اقتحام مدينة رفح، لذا يجب أن يتجاوز ضغط بايدن على تل أبيب الكلمات الصارمة والمحادثات الغاضبة المسربة.
ويقول مدير البرنامج الأميركي لدى مجموعة الأزمات الدولية مايكل وحيد حنا إن الحرب في غزة وصلت إلى منعطفها الأكثر أهمية منذ هجمات أكتوبر، حيث أصبح واحداً من أسوأ السيناريوهات احتمالاً حقيقياً، مشيراً إلى التهديد الإسرائيلي بالتحرك نحو رفح. وأضاف أنه بات يتعين على الولايات المتحدة ممارسة درجة من الضغط كانت مترددة في تطبيقها حتى الآن.
واعتبر حنا أن واشنطن مشتركة في دمار غزة ومن ثم عليها اتخاذ خيارات لتجنب مزيد من الكوارث، لافتاً إلى أن تحرك إسرائيل نحو رفح من شأنه أن يؤدي إلى تقويض صدقية إدارة بايدن. وأضاف أنه بغض النظر عن الكيفية التي قد تنتهي بها الجولة الجارية من المحادثات، فإننا نعرف النتيجة المحتملة للحرب: ضعف حماس، وفي النهاية ظهور إدارة بديلة. وما يتبقى هو أن نرى حجم الدمار الذي سيلحق بغزة نفسها، شعبها وبنيتها التحتية المادية وتراثها الثقافي ونسيجها الاجتماعي واقتصادها، وكذلك عدد الرهائن الإسرائيليين الذين سيموتون أو يقتلون في الأسر. وبالأخير لن يتم استئصال "حماس"، كما قررت إسرائيل مع بداية الحرب، وحتى الهدف الأكثر تواضعاً المتمثل في تدمير القدرة العسكرية لـ"حماس" يبدو بعيد المنال، وفقاً لتقييمات الاستخبارات الأميركية.